الدجل والشعوذة والسحر الأسود كلها مسميات لأفعال وأقوال تهدف إلى دفع البلاء أو جلب الحظ السعيد أو إلحاق الضرر بالغير. وننظر دائماً لهذه الأمور بمزيج من الرعب والازدراء. ولا يتوقف الاعتقاد بالسحر الأسود على ثقافة معينة أو بلد معين، بل يؤمن به العديد من البشر في مختلف دول العالم سواء المتقدمة منها أو المتخلفة. ومع كثرة ممارسة تلك الأعمال ازدادت أعداد الضحايا سواء الذين تمارس عليهم أعمال السحر والدجل أو الممارسين أنفسهم. حيث نسمع عن وقوع حرائق وحالات الوفاة أو الإعاقة وما شابه ذلك. في السطور التالية نخوض معاً رحلة عبر العالم لنتعرف على أبرز الحالات التي وقعت ضحية للدجل والشعوذة والسحر الأسود.
الدجل والشعوذة في مصر
جرائم الدجل والشعوذة في مصر لا تعد ولا تحصى، وقد راح ضحيتهم المئات بل الآلاف، ولا يمكننا أن نعرف العدد الحقيقي، نظراً لقلة الإحصاءات المتوفرة عن ذلك. هذا بالإضافة إلى أن كثير من الناس لا يرغبون في الحديث عن لجوئهم لأعمال السحر والاستعانة بالدجالين، لأنها تعتبر وصمة عار عند البعض مثل المرض النفسي تماماً، ويراه البعض الآخر أن الاعتراف بذلك يمثل إفشاء أسرارهم للعلن. ومع ذلك، فلا تخلو أية صحيفة من الأخبار عن مثل هذه الجرائم. دعونا نتعرف في البداية على جرائم الدجل والشعوذة في مصر.
اختفاء زوجة في ظروف غامضة
اختفت زوجة من بيتها فجأة، وبحث عنها زوجها في كل مكان ولم يعثر لها على أثر. لم يكن الزوج يتوقع مطلقاً أن هناك مفاجأة وراء اختفاء زوجته. حيث اكتشف أن هناك مجموعة من السحرة تريد استغلال زوجته لمساعدتهم في عمليات الدجل والشعوذة. بينما الأدهى من ذلك أن الزوج حرر محضراً رسمياً بعد عودة زوجته يتهم فيه الدجالون بإجراء سحر للزوجة!
تتوالى المفاجآت حيث اختفت الزوجة من جديد بعد عودتها. ثم تلقى الزوج رسائل تهديد من الدجالين تقول إنه إذا أبلغ الشرطة عنهم سيقتلون زوجته، مما جعله يصمت على حالات الاختفاء الذي لم يعلم عنها شيئاً. تكررت حالات عودة واختفاء الزوجة وفي كل مرة تعود الزوجة لا تعرف ماذا حدث لها؟ واستمر ذلك الوضع حتى اختفت الزوجة نهائياً. ولم يعرف حتى الآن ماذا حدث لها؟
أحرق زوجته وابنته
حرق دجال زوجته وابنته لاعتراضهما على قيامه بالنصب على البسطاء، واستضافة النساء في منزله لعمل أحجبة ورسم وشوم على أجسادهن. اعترضت الزوجة على أفعال الزوج ونشبت بينهما الكثير من المشاجرات، وفي ذات يوم فتحت الزوجة باب غرفته عليه أثناء قيامه برسم وشم على صدر فتاة، فقامت بطردها. تشاجر معها زوجها وعندما تدخلت ابنتهما قذفهما بوابور الجاز المشتعل فأصابهما بحروق.
ماتت ولم يخرج الجن
اصطحب أحد الأزواج زوجته ذات الأربعين عاماً والمصابة بالصرع إلى رجل اشتهر بقدرته على علاج الممسوسين. وقد أكد للزوج أن أربعة من الجن يسيطرون على زوجته، ووعده بإخراجهم. وفي الوقت المحدد لذلك قام المشعوذ بإشعال البخور، وبدأ يصيح بالجان ليخرجوا، وعندما رفضوا أخذ عصا وراح يضرب المرأة بها ليرغمهم على تركها. لكن لم تتحمل الزوجة الضرب حيث توفيت متأثرة بإصابتها.
السحر ينقلب على الساحر
قتل رجلان مشعوذاً اشتهر بإخراج العفاريت من أجساد المرضى بعد أن أصيب بحالة هيستيرية دفعتهما إلى الاعتقاد بأن جنياً استحوذ عليه، فحاولا معالجته بالطرق التي يستخدمها بنفسه. تبدأ القصة بذهاب أحد الدجالين إلى إحدى القرى لمعالجة زوجة أحد المزارعين من جن كان يستحوذ عليها. شرع المشعوذ في ضرب الزوجة بالأحزمة والعصي حتى سقطت مغشياً عليها. حاول الزوج والمشعوذ إفاقتها، وعندما أفاقت اكتشفا أنها فاقدة للذاكرة فلم تعرف ما حدث منذ قليل.
أخبر المشعوذ الرجل المسكين أن هذه الأعراض تدل على خروج الجن من جسدها. وبعد أن انتهى المشعوذ من معالجة السيدة اصطحبه الزوج في سيارته مع أحد أقربائه إلى منزله في المنطقة نفسها. لكن في الطريق أصيب المشعوذ بحالة من الهلوسة الهيستيرية والهياج جعلت الرجلين يعتقدان أن الجني الذي أخرجه من السيدة سيطر عليه فقاما بإنزاله من السيارة، وأخذا يضربانه بالأحزمة لإخراج الجن كما شاهداه يفعل من قبل. لكن الشاب لم يحتمل الضرب ومات فتركاه على قارعة الطريق وهربا.
خراب البيوت
لم يقتصر الأمر فقط على الأذى الجسدي، بل وصل إلى خراب البيوت. فبعد أيام من قليلة من الزواج اتخذت العروس قرار الرحيل والانفصال عن زوجها. بدأت القصة حينما فشل الزوج في ليلة الزواج في الدخول على زوجته. وفي اليوم التالي حدث نفس الأمر. مما جعل الزوج يعتقد أن أحداً يكرهه قد صنع له عملاً كي لا يمكنه إتمام زواجه. ثم استشار عدد من المقربين الذين نصحوه بالذهاب إلى أحد الدجالين ليخلصه من مشكلته. وبعد أن تحدث معه الدجال طلب منه أن يتحدث إلى زوجته. في ذلك الوقت حاول الزوج إجبار زوجته على الحديث مع ذلك الشخص الغريب بعد أن أوهمها إنه الشيخ المبروك الذي سيساعده في العلاج من حالة العجز الجنسي التي سيطرت عليه ليلة الدخلة! رفضت الزوجة هذا الأمر وطلبت الطلاق. وعندما رفض الزوج الطلاق رفعت عليه دعوة خلع.
هذا كله بخلاف حكايات الشيخة نادية[1] مع الدجل والشعوذة والسحر الأسود فهي تعتبر أشهر من مارسوا الدجل في مصر. فقد كانت توهم الناس أنها تستطيع علاجهم من حالاتهم النفسية وإخراج الجن منهم. حيث أجهضت سيدة لاستخراج الجن من جسدها، واعتدت على محامية لم تدفع المعلوم.
الزئبق الأحمر
ظلت أسطورة الزئبق الأحمر[2] عالقة في أذهان الكثير ولا أحد يعرف حقيقتها وتعددت الآراء حول قوته وطرق استخدامه. وقد جرت أحداث هذه القصة الواقعية لتكشف عمى القلوب والعقول وجشعها.. بطل هذه القصة هو مهندس بترول سيطر عليه الطمع والرغبة في الثراء السريع بعد أن طلب منه بعض الأشخاص مبلغ 180 ألف جنيه لشراء مادة الزئبق الأحمر لتقديمها للجن ليتغذى عليها. ثم يخبرهم بمكان مقبرة فرعونية بها تماثيل ذهبية وحلى لا تقدر بثمن. وبعد أن أقنعه الدجال بالفكرة أخذ بطرح عليه أسئلة ظن أنها ستؤمن موقفه. وللأسف لقيت الإجابات المزيفة اقتناعاً كبيراً لديه. ثم أخبره الدجال أن هناك رجلاً صالحاً سيكون هو الصلة والوسيلة بينهم وبين الجن. وفي النهاية دفع المهندس المبلغ لهم في إحدى الجلسات ثم غافلوه ووضعوا له المخدر في كوب الشاي الذي شربه ليغط في نوم عميق ثم يستيقظ على الكابوس ليكتشف أن أمواله قد ضاعت إلى الأبد.
قراءة الكف
تمثل قراءة الكف[3] إحدى وسائل النصب المعروفة لدى الكثيرين ودائماً ما تسقط الضحية فريسة في شباك الدجال الذي يقوم بقراءة الكف، ومعظم ضحايا هؤلاء النصابين من النساء.. هذه القصة لفتاة تبلغ من العمر 22 عاماً تدعى “مروة” أثناء سيرها اعترضت طريقها عرافة وحاولت استمالتها. لكن مروة رفضت في البداية وبعد توسلات العرافة اقنعت الضحية بأنها مجرد تجربة ولن تخسر شيئاً.
جلست العرافة مع مروة التي أعطتها خمسة جنيهات وأمسكت يد الفتاة ونظرت فيها جيداً. وحملقت في عينيها وأقنعتها بوقوع شجار مع إحدى صديقاتها. واستطردت قائلة إن حظها سيء في الحب، وإنها ليست من النوع العاطفي. كما أخبرتها عن وجود عريس قادم ولكنه سيء النية. في تلك اللحظة بذات اضطربت مروة من حديث السيدة، وهنا بدأت السيدة تلعب على هذه القصة. أكدت لها قارئة الكف أن العريس سوف يهرب ففزعت الفتاة بالطبع من كلامها. ثم هدأت من روعها قائلة إن هناك عمل معمول لك لمنع زواجك، وهو ملقى في النيل. واقنعتها أن لديها القدرة على فك العمل مقابل مائة جنيه. وللأسف لم يكن لدى الضحية ما يكفي إلا أن العرافة أقنعتها بأن تأتي لها بالنقود في ميعاد معين.. استجمعت مروة شجاعتها وقررت كشف ألاعيب العرافة فاتفقت مع صديقة لها بأن تتظاهر بالوقوع في شراك العرافة بعد أن أبلغت الشرطة ليتم القبض عليها في النهاية.
ضحايا الدجل والشعوذة والسحر الأسود حول العالم
كما عرضنا عدداً من الضحايا الذين وقعوا كفريسة لممارسة الدجل والشعوذة والسحر الأسود في مصر فسوف نعرض عدداً من الحالات المشابهة أيضاً ولكن من مناطق مختلفة حول العالم، لنعلم أن الأمر لا يتوقف على ثقافة معينة أو بلد معين. دعونا نرى.
طقوس السحر الأسود
ارتكب وحشان بشريان برازيليان جريمة بشعة راحت ضحيتها طفلة لم تتجاوز الثامنة من عمرها. فقد قام هذان المجرمان باغتصاب الطفلة وقتلها وسحب دمها لتقديمه إلى زعيم طائفة تؤمن بالسحر الأسود في إحدى المناطق البرازيلية النائية. بينما قدم المجرمان دم الطفلة للكاهن الذي شربه كجزء من طقوس السحر الأسود الذي يمارسه.
جزاء الساحرة
حكم في ماليزيا بالإعدام على ساحرة – وسيطة بين العالم الأرضي وعالم الأرواح – وزوجها ومساعدهما بسبب قتلهم أحد السياسيين الماليزيين والاستيلاء على أمواله. بدأت القصة بإغراء السحرة للبرلماني الماليزي بالمستقبل السياسي الباهر والثروة الطائلة. لكن عندما أخبروه بموعد الطقوس طلبوا منه أن يحضر المال معه. وفي تلك اللحظة أخبروه أن ينام على الأرض ويغمض عينيه ولسوف تتساقط على رأسه الأموال من السماء. وما إن فعل الرجل حتى قاموا بفصل رأسه عن جسده وسلخوا جلده ثم قطعوه إلى قطع صغيرة ودفنوه.
الدجل والشعوذة في اليمن
في محافظة لحج جنوب اليمن كانت هناك حادثة قتل لمريض. حيث قام أربعة بضربه حتى الموت بحجة إخراج الجان من جسده، وكان الأربعة قد قاموا بربط المريض واستمروا في ضربه حتى فارق الحياة. ولكنهم لم يكتفوا بهذا بل أصروا على أن الجان قد خرج من جسده وانتقل إلى جسد إنسان آخر وأصروا على ملاحقة هذا الأخير في محاولة للقضاء عليه. لكن أجهزة الأمن ألقت القبض عليهم وأودعتهم السجن.
السحر في إفريقيا
ينتشر السحر في إفريقيا[4] بشكل كبير، وخاصة في الجنوب، وهي ثقافة متجذرة هناك منذ زمن بعيد. يطلق على هؤلاء الدجالين اسم “المعالجون الروحانيون”. إن المعالج الأفريقي هو في نفس الوقت طبيب، وقس، ومعالج، ورئيس تشريفات، وفنان أداء، وخبير اقتصادي، وعراف يتنبأ بالمستقبل. يحكي عن ساحر ذهب إلى باريس في غضون ثوانٍ ليأكل ابنه لأنه لم يرسل أموالاً لعائلته في إفريقيا. فهل أكله حقاً؟ يقول صاحب الحكاية: “ليس حرفياً بالطبع. لكن دمر روح الابن قرين الساحر. ولم يمت الابن على الفور، لكنه فقد حيويته تدريجياً”.
إن فكرة السحر والحسد عبارة عن كابوس يطارد الناس من داكار في السنغال إلى دار السلام في تنزانيا. إن ما يسميه الأفارقة “السحر” هو واقع اجتماعي. السحر هو استعارة للعلاقات الاجتماعية التي تتميز بالاستياء: لا ينبغي أن تكون أفضل حالاً مني. وحتى لو لم يكن المرء يشترك في الاعتقاد بوجود آباء طائرين يطاردون أبناءهم ويلتهمونهم ليلاً على الجانب الآخر من العالم، فإن القوة التدميرية للحسد في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا واضحة للعيان. إن ضغط الأسرة على كل من لديه شيء لا هوادة فيه، فالمتوسلون لا يرضون أبداً. وهذه العلاقة تستمر إلى الأبد.
أعظم من الخوف
السحر حقيقة، وليس بالضرورة حقيقة “مادية” – ولكنه بالتأكيد حقيقة اجتماعية. حيث يتم تنظيم المجتمع الأفريقي، وخاصة المجتمع الريفي، بطريقة هرمية بمعنى أن أي شخص يتمرد على بيئته أو يتفوق على الإخوة أو الأخوات الأكبر سناً سيعاقب. ولا يُسمح لأحد بالتنافس مع من هم في المناصب العليا. إن الرد على أحد شيوخ القرية أو أحد السياسيين يُنظر إليه على أنه عدم احترام. ولذلك فإن السحر هو أيضاً وسيلة للحفاظ على الوضع الراهن للمجتمع، وإسقاط الأشخاص الطموحين وقمع التغيير.
يحكي أحد المعالجين الأفارقة عن قصة طفولته أنه قد عانى كثيراً منذ صغره. حيث كان مشلولاً حتى بلغ السابعة من عمره. ثم اختطفته الأرواح إلى الأدغال، وهناك أمضى ثلاث سنوات، ظن والداه أنه ميت فأقاما جنازة له. كان يأكل من ثمار الغابة وأرته الأرواح الأدوية، ثم عاد ليصبح معالجاً روحانياً.
في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ما هو أعظم من الخوف من الوقوع ضحية للسحر الأسود هو الخوف من الاتهام بممارسة السحر الضار. حيث يلوم الناس دائماً الآخرين على الفقر أو البطالة أو إدمان الكحول والمخدرات. وغالباً ما يكونوا من بين الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. كما يتبرأ عدد لا بأس به من الآباء الفقراء من أطفالهم لأنهم يعتقدون أنهم سحرة، وبالتالي فهم مسؤولون عن بؤس الأسرة. ثم يقوم طاردو الأرواح الشريرة بتعذيب الممسوسين بوحشية أثناء عمليات طرد الأرواح الشريرة العلنية.
عقوبة الدجل والشعوذة في القانون المصري
يقول أحمد سعيد المحامي أن جريمة النصب تتم باستخدام النصاب لبعض الحيل بهدف إيهام المجني عليه بتحقيق نتيجة ما. وتكون العقوبة بين 3 – 7 سنوات في القانون المصري. ويضيف أن جرائم الشعوذة تحدث نتيجة الجهل المتفشي في المجتمع. كما يوضح أن القانون اشترط حصول الجاني على مقابل مادي كشرط لاكتمال أركان جريمة النصب.
وفي تم تشديد عقوبة ممارسة الدجل والشعوذة والسحر في القانون المصري. حيث يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 20 ألف جنيه كل من ارتكب أو لجأ لأعمال السحر والشعوذة سواء كان ذلك حقيقة أو عن طريق الخداع بمقابل مادي ودون مقابل، ويعد من أعمال السحر القول أو الفعل، إذا قصد به التأثير في بدن الغير أو قلبه أو عقله أو إرادته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ سواء حقيقة أو تخيل[5].
وبعد أن استعرضنا بعض الحالات التي وقعت بسبب السحر والشعوذة، فإن تلك الحالات لم ولن تكن الأبشع في تاريخ ممارسة الدجل والشعوذة والسحر الأسود. وهذا يوضح مخاطر اللجوء إلى تلك الاعمال ولو حتى على سبيل التجربة. فدائماً ما يبحث المجرم عن وسيلة سهلة ومتاحة تمكنه من الوصول إلى أغراضه الدنيئة فنسمع عن غرائب الحيل التي يستخدمها النصابون الذين يضعون غريزة الجشع والطمع نصب أعينهم ويرصدون بها ضحاياهم.
المصادر
[1] تفاصيل سقوط «الشيخة نادية» أشهر دجالة فى كرداسة.
[2] ثمنه مليار دولار.. خبير أثري يكشف حقيقة وجود زئبق أحمر داخل المومياوات المصرية.
[3] كتاب أسرار السحر والاستخارة وضرب الرمل وقراءة الفنجان – علي الطهطاوي.
