حرب البسوس: قصة أطول الحروب العربية في الجاهلية

You are currently viewing حرب البسوس: قصة أطول الحروب العربية في الجاهلية

حرب البسوس هي أطول الحروب في تاريخ العرب، ودارت رحى هذه الحرب بين قبيلتي “تغلب” و”بكر” وهما من أكبر القبائل العربية في ذلك الوقت. فما هي قصة حرب البسوس التي استمرت قرابة الأربعين عاماً؟

لماذا سُميت حرب البسوس بهذا الاسم؟

كي نُجيب على سؤال لماذا سُميت حرب البسوس بهذا الاسم علينا أن نتعرف على بداية القصة. حيث تبدأ قصة حرب البسوس بمقتل كليب بن ربيعة التغلبي الذي كان سيد قبائل ربيعة بما فيها قبيلتي بكر وتغلب. لكنه بغى وتجبر في قومه. فكان يفرض سطوته على آبار المياه وعلى الصيد وعلى أراضي الكلأ. فلم يكن هناك من أحد يمكن له أن يرعى إبله إلا بإذنه. ولا بمقدور أحد أن يشرب من بئراً إلا بمشورته، سواء من قبيلته تغلب أو حتى من قبيلة بكر. تزوج كليب من جليلة بنت مرة وهي ابنة مرة بن ذهل بن شيبان من قبيلة بكر. وكان لمرة عشرة أبناء أصغرهم هو جساس. وكان لجساس خالة تدعى “البسوس” وهي التي يقال عنها في أمثلة العرب “أشام من البسوس” إشارة إلى ما حدث بسببها من حرب استمرت أربعين عاماً، حتى سميت باسمها ” حرب البسوس”. نزلت البسوس عند ابن أخيها جساس وكانت لها ناقة ومعها فصيل – أي صغير الجمل – وأطلقتها مع إبله.


أعز من كليب

على الجانب الأخر من القصة كان كليب زوج جليلة يسألها دوماً هل تعلمين على الأرض عربياً أمتع وأعز مني؟ فكانت تصمت ولا تجيبه، فيعود لسؤالها مجدداً، ولكنها تظل على صمتها، حتى إذا ما سألها المرة الثالثة تقول له: نعم أخي جساس وأبناء عمومته من أبناء شيبان. فكان يستشيط غضباً منها، ولكنه يحمل هذا الغضب داخل نفسه، إلى أن جاء اليوم التي طلبت فيه البسوس أن يرعى ناقتها مع إبله، ففعل ذلك.

اقرأ أيضًا: قصة حرب المائة عام: قرن كامل من سفك الدماء

قتل ناقة البسوس

حرب البسوس
صورة لناقة البسوس

مرت الأيام ليعود كليب ليسأل زوجته السؤال المعتاد عمن هو أعز منه في العرب أجمعين، فأجابته قائلة: أخي جساس وهمام. وفي تلك اللحظة التي لم يستطع في كبح غضبه، أمسك قوسه ورمى ناقة البسوس فقتلها. وعندما علم الجساس بما فعله كليب بناقة البسوس آثر السلامة تفادياً لبطش هذا المتجبر. وطلب من الرعاة الأخرين أن يحملوا إلى البسوس مكيالان من اللبن إلى ولا يعلموها بالأمر.


قبل حرب البسوس

لكن لم يتوقف الأمر على قتل الناقة فحسب، بل انطلق إلى استفزاز الجساس بسؤاله وتهكمه على ما حدث للناقة، وكالعادة آثر الجساس السلامة، حفاظاً على صلة النسب والمصاهرة. حتى جاء ذلك اليوم الذي مرت فيه قبيلة بكر على غدير ماء، فأمر كليب أن يتركوه ولا يمسوه. وانطلقت القبيلة للبحث عن غدير أخر. فما كان منه إلا أن طلب منه ألا يتذوقوا ماله مدعياً أنه ملكه. واستمر يتتبعهم أينما ذهبوا ولم يسمح لهم بالشرب من أية بئر.

هنا انطلق إليه الجساس ليقول له: منعت عن أهلنا الماء حتى كادوا يقتلون عطشاً. فيجيبه كليب باستخفاف: ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون. هنا صاح الجساس في وجهه قائلاً له: هذا كفعلك بناقة خالتي. فقال له كليب: ولو كان هناك العديد من الإبل الأخرى لاستحللتها.

اقرأ أيضًا: قصة هند بنت عتبة: آكلة أكباد البشر

قتل الجساس لكليب

ثارت ثائرة الجساس وقذفه برمح في طعنة قاتلة ما بين كتفه وإبطه، ولما دنى واقترب من الموت بسبب هذه الطعنة قال: يا جساس اسقني من الماء. رد عليه جساس: ما لك فيها شربة واحدة. ثم تقدم المزدلف ابن عم جساس ففصل رأسه عن جسده إمعاناً في الانتقام. ثم امتطى الجساس فرسه وانطلق به إلى قبيلته، وأخبر أبيه مرة بن ذهل بما فعله، فبادره الأب قائلاً: أقتلت كليباً؟ قال: نعم. فقال له بحزن، وكأنه يقرأ ما سوف يحدث: وددت لو كنت مت وأخوتك قبل هذا.


المفاوضات قبل اشتعال حرب البسوس

بعد هذا الحادث بدأت جذور الفتنة تشتد بين القبيلتين، فقبيلة تغلب لن ترضى بغير الثأر وذلك بقتل الجساس وابن عمه المزدلف وهذا أضعف الحلول حقناً للدماء. وهنا انطلق رهط من أشراف بني تغلب في اتجاه قبيلة بكر وأتوا والد جساس وقالوا له: اختر واحدة من ثلاثة: أما أن تدفع إلينا جساس فنقتله ولا يظلم من قتل قاتله، وإما أن تدفع إلينا أخاه همام لنقتله، وإما تمكننا من نفسك في مقابل قتيلنا. فقال لهم: أما جساس فغلام صغير السن ركب رأسه فهرب حين خاف ولا علم لي به. وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة، ولو دفعته لكم لتقتلوه صاح بنوه في وجهي: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره. وأما أنا فلا أتعجل الموت. ثم سألهم: هل لكم في غير ذلك. هؤلاء بني خذوا أحدهم فاقتلوه بقتيلكم أو إن تقبلوا بمائة ناقة. فغضبوا وقالوا: إننا لم نأت لتقدم لنا أرذل بنيك أو لتسوق لنا اللبن. ثم تركوا المكان غاضبين ودون اتفاق.

اقرأ أيضًا: رابعة العدوية: حكاية المرأة التي رسمت معالم الصوفية

نهاية حرب البسوس

وقعت حرب البسوس بين بكر وتغلب بسبب هذا القتل واستمرت قرابة الأربعين عاماً، وكان أخر من قتل فيها هو الجساس. ففي بداية الحرب ولدت جليلة أخت الجساس وزوجة كليب ولداً أسمته الهجرس، ورباه خاله جساس بن مرة قاتل والده. ولما شب زوجه من ابنته. حتى جاء ذلك اليوم الذي وقعت فيه مشادة بين أحد من قبيلة تغلب مع الهجرس فما كان منه إلا أن عايره بمقتل أبيه على يد الجساس الذي رباه.

في ذلك الوقت انطلق الهجرس إلى الجساس ليعلمه بما حدث، وحاول الجساس أن يهدئ من روعه ويخمد ثائرته. ثم انطلق معه إلى قبيلة تغلب وشرع يشرح لهم ما حملته حرب البسوس التي استمرت بينهما طوال السنوات الأربعين من مآسي، وحاول أن يعقد معهم صلحاً واتفاقاً جديداً، وهنا أخذ الهجرس رمحاً ثم صاح قائلاً: لا يترك الرجل قاتل أباه. ثم قذف بذلك الرمح في صدر جساس فخر على الأرض صريعاً. وبهذا يكون جساس آخر من قتل في هذه الحرب الضروس.

وإلى هنا يسدل الستار عن حرب البسوس التي استمرت الأربعين عاماً بعد أن تركت قتلى ومصابين وأيتاماً بالمئات، لتنتهي صفحة سوداء من تاريخ العرب القديم.


المراجع:

اترك تعليقاً