قصة ذو النون المصري: رحلة طويلة للبحث عن المجهول

You are currently viewing قصة ذو النون المصري: رحلة طويلة للبحث عن المجهول
قصة ذو النون المصري

ذو النون المصري هو ثوبان بن إبراهيم أبو الفيض العالم والفيلسوف والمتصوف ورائد الحركة الفكرية الجديدة الذي استطاع أن يؤسس أول مدرسة تعني بالتصوف في مصر. فما هي قصة ذو النون المصري؟ ولماذا سُمي بهذا الاسم؟ وما هي قصصه؟

من هو ذو النون المصري؟

وُلد ذو النون المصري في إخميم بصعيد مصر وكان أبوه نوبياً. وتشير الروايات المختلفة أنه كان عبداً أعتقته قبيلة قريش وأدخلته في ولائها؛ كما أنه تتلمذ على يد الإمام مالك. ولقد سبقه العديد من مشايخ الصوفية، إلا إنه كان أول من فسر إشارات الصوفية وتكلم في أحوال ومقامات أهل الولاية. وهو أول من عرف التوحد الصوفي وكان له كبير الأثر في تشكيل المدرسة الصوفية. تروى حكايات كثيرة عن عمل ذو النون المصري منها أنه أول اشتغل في صناعة الكيمياء ثم اشتغل فيما بعد في علوم الفلسفة. كما ينسب إليه أنه أول من فك رموز اللغة المصرية القديمة قبل قيام شامبليون بفك رموز حجر رشيد.


لماذا سُمي ذو النون المصري بهذا الاسم؟

اسمه الحقيقي فهو ثوبان بن إبراهيم أبو الفيض وقد سمي ذو النون لأنه امتحن في دينه مثلما امتحن النبي يونس، ونال من الإيذاء ما نال لكونه قد أتى بعلم جديد هو علم التصوف. بينما نسبته المصري فلأنه ولد في مصر وكان كثير الأسفار مما جعل أهل البلدان الأخرى يشيرون إليه باسم المصري.

اقرأ أيضًا: عمر بن الفارض: سلطان العاشقين الذي حاول الوصول للحقيقة العليا

ذو النون المصري يتعلم اللغة الهيروغليفية

وعن أسفار ذو النون المصري تذكر الروايات أنه كان كثير الأسفار. حيث سافر إلى مكة والبصرة والشام وأنطاكية وبيت المقدس. فكان مولعاً بالبحث عن المجهول وهذا الأمر هو ما أودى به في البداية إلى تعلم صناعة الكيمياء. هذا بالإضافة إلى أنه في ريعان شبابه كانت هوايته المفضلة هي التجول بين الآثار المصرية القديمة. حيث تعج منطقة إخميم بالآثار، وحينما كان يتجول بينها يتساءل بينه وبين نفسه عما تنطوي عليه هذه الآثار من أسرار وأفكار. بينما بحث كثيراً عن وسيلة لكشف هذه الألغاز التي تحتويها هذه الآثار فما كان أمامه من سبيل إلا أن يتعلم لغة المصريين القدماء – الهيروغليفية. وبالفعل واصل العمل على ذلك حتى أتم تعلمها وأدرك في النهاية أن مصر هي أصل الحضارات بل أعظم الحضارات القديمة.

اقرأ أيضًا: قصة رابعة العدوية: المرأة التي رسمت معالم الصوفية

رحلة التصوف والزهد

انتقل ذو النون بعد ذلك إلى العزلة ليخوض رحلة أخرى من رحلاته إلا أن هذه الرحلة كانت داخل نفسه، ودخل معها في كفاح طويل لمجاهدة النفس والغوص بداخلها. ومن هنا بدأت رحلة التصوف والزهد. بينما بدأت تظهر عليه أفكار جديدة تمثلت في العلاقة مع الله وطاعته ومحبته والأنس به. وأخذت المعرفة عند ذي النون المصري ثلاثة أشكال:

  1. معرفة عامة المؤمنين.
  2. معرفة الفلاسفة والمتكلمين.
  3. معرفة الخاصة وهم الأولياء المقربون من الله بقلوبهم.

وتعد هذه المعرفة الأخيرة عند ذي النون المصري أرقى أنواع المعارف جميعها.

اقرأ أيضًا: التوحيد والآلهة المتعددة بين ديفيد هيوم والشيخ محي الدين بن عربي

اتهامه بالزندقة

ذاع صيت ذي النون المصري بين الناس في مصر، وكان له العديد من الأتباع المؤمنين بأفكاره، حتى اتهمه البعض بالزندقة، ووشوا به إلى الخليفة أبو الفضل جعفر المتوكل على الله في بغداد. فأرسل الخليفة بعض جنده ليقبضوا عليه ويحضروه إليه. بينما في ذلك الحدث يقول إنه لما وضع في الأصفاد وساقه الجند إلى الخليفة قابل في طريقه امرأة عجوز وقالت له: إذا دخلت على الخليفة فلا تخشاه، فإنك إن خشيته سلطه الله عليك.

عمل ذو النون المصري بنصيحة العجوز ودخل على المتوكل، فسأله المتوكل عن حقيقة ما ينسب إليه. فقال له ذو النون: إذا قلت لا كذبت جميع المسلمين وإن قلت نعم كذبت على نفسي. فأفعل بي ما تراه، فإني لن انتصر لنفسي. فقال الخليفة لحاشيته: إنه رجل بريء من التهم التي قيلت فيه. ثم أمر أعوانه أن يعيدوه إلى مصر مكرماً. ولما عاد إلى مصر استقبله أهل مصر بالترحيب.

اقرأ أيضًا: قواعد العشق الأربعون: رواية تتحدى الأعراف الاجتماعية والدينية

حكايات ذو النون المصري

وهناك العديد من الروايات والحكايات التي يذكر بعضها ذو النون المصري نفسه والبعض الأخر تذكره روايات المؤرخين ومن هذه الحكايات قصته مع رجل كان يتعبد بجبل المقطم.

قصة ذو النون مع العابد في جبل المقطم

 تحكي القصة أن ذي النون كان كثير التجوال على شاطئ النيل يتحدث إلى السماء والبحر والأرض بأحاديث عن التقوى والعباد والخير والشر. حتى وجد نفسه ذات يوم عند رجل يتعبد بجبل المقطم. فمكث لديه أربعين يوماً. بينما شرع خلال هذه الأيام يسأله الكثير من الأسئلة التي حيرت عقله ولم يجد لها جواباً، ولكنه وجد عند هذا العابد الجواب الشافي. حيث سأله: فيم النجاة؟ فرد الرجل: في التقوى. فقال له ذو النون زدني. قال له: فز من الخلق ولا تأنس بهم. فقال له زدني، قال: إن لله عباداً أطاعوه فسقاهم كأساً من محبته فهم في شربتهم عطاش، وفي عطشهم أروياء.

قصة المرأة وسنبلة القمح

أما الحكاية الأخرى الذي يرويها لنا ذو النون المصري فهي قصة تلك المرأة التي وجد أثناء تجواله على الشاطئ. حيث وجد على البعد امرأة تحمل في يدها سنبلة قمح، وهي تتأمل فيها وتقول: يا من جعلت هذه الحبة يابسة في أرضك ولم تكن شيئاً من قبل. ثم صيرتها زرعاً وجعلت منها حباً متراكباً ودورته فكونته، وأنت على كل شيء قدير. ثم قالت” عجبت لمن هذه مشيئته كيف لا يُطاع؟

وغيرها من الحكايات الأخرى التي لا تعد ولا تحصى. بينما تلك الحكايات تحمل في طياتها العديد من العبر والمواعظ والحكم. والتي تطلعنا على كيفية عبادة الله الواحد والصبر والحرمان والتأمل في ملكوت الله. هذه الأمور جمعاء هي التي تطهر الذات البشرية مم يصيبها من شوائب. لتعبر في النهاية ذلك الطريق الشاق من أجل الوصل إلى الحب الإلهي الخالص.

اقرأ أيضًا: أفلوطين: كيف أثرت نظرية الفيض الإلهي على الديانات التوحيدية؟

أقواله

أما أقوال ذي النون المصري فهي كثيرة ومتنوعة. بينما من هذه الأقوال:

  • الأنس بالله من صفاء القلب مع الله، والتفرد بالله، والانقطاع من كل شيء سوى الله.
  • إياك أن تكون بالمعرفة مدعياً، أو تكون بالزهد محترفاً، أو تكون بالعبادة مرائياً.
  • عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي.

وفي عام 245 هجرية تُوفي ذو النون المصري ودفن بقرافة سيدي عقبة بالقاهرة. وإلى هنا يسدل الستار عن الرائد الأول للحركة الصوفية الذي أسس أول مدارس الصوفية في التاريخ الإسلامي.


المصادر:

اترك تعليقاً