قصة رابعة العدوية: المرأة التي رسمت معالم الصوفية

You are currently viewing قصة رابعة العدوية: المرأة التي رسمت معالم الصوفية
قصة رابعة العدوية

رابعة العدوية البصرية هي البنت الرابعة للرجل الصالح إسماعيل، وهي واحدة من الناسكات العابدات المتصوفات التي كانت أول من استعمل كلمة “الحب الإلهي”. فما هي قصة رابعة العدوية؟ وهل تطورت حياتها بعد مأساة أم أصبحت كذلك فجأة؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال التالي.

قصة رابعة العدوية

تبدأ قصة رابعة في البصرة وذلك في مطلع القرن الثاني من الهجرة. حيث كان هناك كوخ صغير يقطن فيه رجل يدعى إسماعيل، وكان إسماعيل رجلاً بسيطاً جردته الحياة من جميع متاعها. ولم يتبق له سوى الإيمان والعبادة والصبر على الفقر وشظف العيش. لذا دعاه الناس باسم الرجل العابد. بينما في كل عام يستقبل كوخ الرجل مولداً أنثى، فتحزن الأم لهذا الأمر فإنجابها لأنثى لا يعني سوى حملاً ثقيلاً يزداد على كاهل الأسرة. ومرت الأعوام وأنجبت الأم ثلاثة بنات. بينما في العام الرابع وخلال حملها رفع أيديها بالدعاء كي يرزقها الله بولد ليساعد والده الفقير في تحمل مشاق الحياة.

وجاء موعد الولادة، وتجد الأم أن الوليد أنثى، فزاد همها وألمها. وأسمتها رابعة، وترعرعت الطفلة الصغيرة وسط هذه الأسرة الفقيرة. بينما كان يبدو عليها من معالم الذكاء والورع والشعور الأمر الكثير. حتى حفظت القرآن وتدبرته، وقرأت الأحاديث النبوية ودرستها. وكانت تحافظ على صلواتها وهي لم تزل طفلة.

كان الرجل العابد يعاني من ضيق الرزق، ولما لم يستطع الانفاق على أسرته شرع يطرق الأبواب من أجل الحصول على طعام. بينما ذات يوم يعود حزيناً مهموماً فيصلي ويدعو الله ثم يغفو فإذا به يرى فيما يرى النائم أن الرسول يأتيه. ويأمره أن يذهب إلى أمير البصرة ويكتب له رقعة من ورق يخبره فيه أنه رأى الرسول في منامه وأمره أن يأتي إليه. ويقول له أنه يصلي مائة ركعة كل ليلة وفي ليلة الجمعة أربعمائة. وإنه في الجمعة الأخيرة لم يفعل ونسى. لذا عليه دفع كفارة لصاحب هذه الرجل.

تعقيب

ربما تكون الحكاية الأخيرة حقيقة وربما تكون من وحي خيال المؤرخين. وقد أشار بذلك العديد من المؤرخين الذين بحثوا في سيرة حياة رابعة العدوية.


نصبر على الجوع ولا نصبر على النار

وفي ذات يوم قدم رب الأسرة إلى أسرته طعاماً فاقبلوا عليه إلا رابعة. بينما سألها والدها عما يمنعها من تناول الطعام معهم. فقالت له: يا أبت.. لست أجدك في حل من حرام تطعمينه.. فقال له الوالد: أرأيت يا رابعة إن لم نجد إلا حراماً. وهنا قالت: يا أبت إنما نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.

ومضت الأعوام ومات كل من الأب والأم ليتركا رابعة في مقتبل حياتها تعاني من قسوة الحرمان والجوع. بينما ضاعف هذا الأمر انتشار المجاعة والقحط في جميع أنحاء البصرة. وهنا شرعت البنات الأربعة في التفرق في جميع أنحاء الأرض من أجل الحصول على القوت. وتجد رابعة العدوية نفسها وحيدة فقيرة لا تجد ما يسد رمقها.

اقرأ أيضًا: ذو النون المصري: مؤسس أول مدرسة للتصوف في مصر

المجاعة والعبودية

وخلال هذه الأزمة الطاحنة من الفقر والمجاعات ظهر في الأفق تلك الشخصيات الشوهاء وتجار الرقيق. وما إن وجد أحدهم هذه اليتيمة حتى حملها وباعها بدراهم معدودات لرجل غليظ القلب. ومن هنا تبدأ رحلة من المعاناة. حيث أذاقها سيدها من ألوان العذاب. فكانت تخدم سيدها طوال اليوم وفي الليل تختلي بنفسها للتعبد إلى الله أن يرفع عنها ما بها من عذاب.

حتى جاء ذلك اليوم الذي كانت تتعبد فيه رابعة العدوية وكان يراقبها سيدها عن كثب، وما هي إلا لحظات قليلة حتى رأى الرجل انبلاج ضوء حولها ففزع لما رأه وانطلق خائفاً. بينما في تلك اللحظة عرفت رابعة معنى الحب الإلهي الذي عرفت به فيما بعد. وعندما انبلج ضوء الصباح دعاها الرجل وقال لها أنه قد وهبها حريتها فإذا شاءت بقيت وأهل البيت جميعاً سيقومون على خدمتها أو إذا شاءت رحلت. فما كان منها إلا أن رحلت لتبدأ رحلة جديدة.

اقرأ أيضًا: بشار بن برد: هل كان زنديقاً يستحق القتل؟

فترة مجهولة في حياة رابعة العدوية

يقول بعض المؤرخين أن هناك فترة مجهولة في حياة رابعة العدوية. حيث تقول الروايات أن رابعة بعد أن تحررت من عبوديتها احترفت مهنة العزف على الناي. بينما كانت بارعة الحسن والجمال والفتنة مما جعلها تسير في طريق الشهوات حتى إنها فعلت كل شيء، إلا أنها في نهاية هذا الطريق تابت وعادت إلى الله لتصبح ناسكة متصوفة وتعرف معنى الحب الإلهي. كما أن عدد من المؤرخين أوضحوا أن هذا الأمر من الأمور الطبيعية فعلى سبيل المثال نجد في المسيحية أن إيمان القديس بولس الطرسوسي القوي لم يكن كذلك إلا بعد أن أنكر المسيح والمسيحية في بداية حياته. بينما يحمل التاريخ قصصاً لا تعد ولا تحصى حول المؤمنين الذين تعرضوا لعنف الشهوات الحسية حتى انبثقت لديهم الشرارة المقدسة للطهارة.

اقرأ أيضًا: أفلوطين: كيف أثرت نظرية الفيض الإلهي على الديانات التوحيدية؟

الحب الإلهي

لم يبقى إلا الحديث عن الحب الإلهي. حيث استخدمت رابعة العدوية هذا اللفظ للتعبير عن إقبالها على الله تعالى وإعراضها عمن سواه. بينما لم يكن حبها لله خوفاً من ناراً وطمعاً في جنته بل كان شوقاً إليه وأنساً به وابتغاء مرضاته. وقد اقترن اسم رابعة العدوية بالحب الإلهي حيث أصبح مرادفاً لها. وكانت بمثابة بحر من الروحانيات والمعاني السامية والتصوف. ويقول بعض المؤرخين أن رابعة العدوية هي التي وضعت قواعد الحب والحزن في هيكل التصوف الإسلامي. ذلك الحب الإلهي الذي فاضت به كتابات الأدب الصوفي من شعر ونثر.


وإلى هنا يسدل الستار عن قصة رابعة العدوية التي رسمت معالم الطريق الصوفي. بينما وضعت بداخله منهجها في الحب والمعرفة.


المصادر:

This Post Has 2 Comments

  1. An Mehdi

    مقال رائع مما العادة!
    رحم الله العابدة المتصوفة “رابعة العدوية”، آمين!

اترك تعليقاً