النمرود بن كنعان: قصة أول طاغية في التاريخ تقتله بعوضة
قصة النمرود تدور حول طاغية كان الأول في التاريخ يدعى النمرود بن كنعان. وكان يقطن منطقة معروفة باسم أرض بابل. وقد حكم الأرض من مشرقها لمغربها حتى وصل به غروره إلى ادعاء الألوهية، فأرسل إليه الله النبي إبراهيم ليحاجيه ولما ظل على كفره عقابه الله بعذاب لم يشهده أحد من قبل. فمن هو النمرود؟ وكيف كان موته؟
بداية قصة النمرود
تبدأ القصة في أرض بابل حيث كان يحكمها الملك النمرود ذلك الجبار الطاغية الذي كان يعيث في الأرض فساداً. ملك كل شيء حتى أقوات الناس من حوله. وتخيل نفسه أصبح إلهاً يتحكم في مصائر الناس وأقدارهم. وكان الناس يلجؤون إليه ليطلبوا منه الطعام. وقبل أن يمنحهم طعامهم يسألهم: من ربكم؟ فيجيبونه في ذل: أنت يا نمرود. فيعطيهم الطعام.
قصة النمرود مع إبراهيم
ظل الحال هكذا سنوات طويلة وما ساعده في التحكم في رقاب الناس هو انصياعهم له. حتى جاء اليوم الذي مر به النبي إبراهيم على أرض بابل، ليطلب الطعام الذي لم يملكه أحداً سوى النمرود. وحينما طلب إبراهيم الطعام سأله النمرود سؤاله المعتاد: من ربك؟ فأجابه إبراهيم: ربي هو الذي يحيي ويميت. قال له في علياء: أنا أحيي وأميت. وفي تلك اللحظة طلب النمرود من حاشيته أن يحضروا له شخصين، وعندما أتوا قتل أحدهم وعفا عن الأخر. ثم نظر إلى إبراهيم وقال له: أرأيت؟ لم يجادله إبراهيم فيما فعله، وإنما سارع بقوله: إن ربي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. في تلك اللحظة وقف النمرود صامتاً لم يستطيع الرد. وبعد أن انتهى الحوار بينهما منع عنه الطعام ليعود إبراهيم خائب الرجاء لا يعرف كيف سيطعم أهل بيته.
اقرأ أيضًا: تابوت العهد: حكاية أكثر الألغاز المحيرة في التاريخ |
برج بابل
لم يستطيع النمرود نسيان حواره مع إبراهيم وظل يفكر كثيراً فيما قاله، وشرد بذهنه بعيداً يتفكر في إنه ملك الأرض أما إله إبراهيم فهو يملك الأرض والسماء. من هنا جاءته فكرة أرقت مضاجعه، وفي صباح اليوم التالي أمر عماله أن يبنوا له صرحاً ضخماً شاهق الارتفاع لم تشهد الأرض مثيله. وشرع العمال في تنفيذ ما طلبه الملك، وفي الوقت ذاته أحضر النمرود أربعة من النسور الصغار ورباهم تربية خاصة. فلقد كان يطعمهم اللحم والخبز حتى كبرت النسور واستوحشت، وأصبحت ضخمة جداً.
اقرأ أيضًا: كشف ألغاز حدائق بابل المعلقة |
النسور المتوحشة
كان العمال قد انتهوا من بناء الصرح العظيم، وفي تلك اللحظة أمرهم بصنع تابوتاً ضخماً ليضعه فوق هذا البرج. وفعلوا كذلك. وفي اللحظة الحاسمة دخل إلى التابوت هو وغلامه بعد أن وضعه أعلى الصرح. على الجانب الأخر كان النمرود قد منع الطعام عن نسوره. بل وعلق لحماً على عصا عظيمة الطول فوق الصرح العملاق. وربط أرجل النسور بأطراف التابوت وما أن أطلق سراح النسور حتى نظرت إلى اللحم وحلقت متجهة إليه وهي تحمل معها التابوت. وبعد أن وصلت النسور بالتابوت إلى ارتفاع شاهق قريباً من السماء كما تخيل أشار إلى غلامه أن يفتح باب التابوت الموجود في الأعلى لينظر إلى السماء، وسأله: هل اقتربنا من السماء؟ ثم أمره أن يفتح الباب الأسفل، وعاد لسؤاله: كيف ترى الأرض؟ أجابه الغلام قائلاً: الأرض كما هي والجبال كالدخان.
لم يرض النمرود عن الأرض واستمرت النسور في التحليق أعلى، حتى أعاد الكرة مرة أخرى وسأله غلامه، فأجابه الغلام: الأرض سوداء مظلمة. وفي تلك اللحظة رنا إلى أسماعه صوت ينادي: أيها الطاغي إلى أين تريد؟ وفي تلك اللحظة أمر الغلام أن يرمي بسهم في اتجاه هذا الصوت، وفعل ما أمره فإذا بالسهم عاد ملطخاً بالدماء.
صاح النمرود قائلاً: لقد قتلت إله إبراهيم وأمر غلامه أن ينكس العصا باللحم لتعود النسور مرة أخرى إلى الأرض، لكن في لحظة الهبوط أرسل الله ريحاً صرصراً عاتية على هذا الصرح والتابوت ليسقط في البحر، لكنه لم يمت. بل عاش واستمر في حكمه حتى سلط الله عليه وعلى قومه البعوض، وهو أضعف المخلوقات ليريه عظمته وقوته. فما باله وهو الجبار الذي يدعي الألوهية وقد أصابه الضعف والخنوع ولم يعد يعرف كيف يتخلص من هذا البعوض الذي انتشر حتى غطى سماء أرض بابل.
اقرأ أيضًا: هيكل سليمان: حكاية أعجوبة لم يعد لها وجود |
كيف مات النمرود؟
بدأ البعوض يأكل لحوم القوم وعظامهم ويشرب دماءهم ولم يبقى منهم شيئاً. وكان النمرود بلا حول ولا قوة وهو يرى ذلك المخلوق الضعيف وهو يفعل ذلك مع قومه. حاول النمرود أن يختبئ من هذا البعوض في مكان آمن، لكن بعوضة واحد تبعته حتى دخلت من فتحة أنفه واستقرت في دماغه. وكان يضرب نفسه بالمطارق حتى تخرج هذه البعوضة. واستمر على هذه الحال أربعمائة عام. ظل في هذا العذاب المهين كل تلك الفترة التي كانت مساوية لفترة حكمه وجبروته وكفره، وفي النهاية أهلكه الله.
اقرأ أيضًا: إرم ذات العماد: قصة مدينة أسطورية أهلكها الله |
تعليق على قصة النمرود
ربما بعد أن قرأنا واستمعنا سوياً بهذه القصة الشيقة يتساءل البعض عن حقيقتها، فهي تبدو من أساطير الأولين. أو تلك القصص والحكايات الخيالية التي تعج بها الكتب القديمة والتي تجذب العامة من الناس، لذا تم الاستطراد فيها بطريقة كبيرة للغاية.
لكن قصة النمرود لم تذكر في القرآن الكريم حتى وإن حاول بعض المفسرين ربط هذا الملك الأسطوري بحوار إبراهيم مع الملك المذكور في القرآن. فليس الملك الذي حاج إبراهيم في ربه هو النمرود أو ربما يكون هو، لكن دون هذه القصة الخيالية. ومن المفسرين الذين ذكروا هذه القصة كان الطبري في تفسيره، كما أشار إليها القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن، وكذلك ذكرها ابن الاثير في مؤلفه الكامل في التاريخ. وعلى الرغم من قوة هذه الأسماء التي نعرفها جميعاً إلا أن هذا لا يعني تصديق مثل هذه الخرافات.
الأمر الثاني أن النمرود ذكر في التوراة أو العهد القديم بإشارة إلى اسمه ضمن الملوك في سجل الأنساب بسفر التكوين. أما قصة ذلك الملك لم يكن لها وجود مطلقاً في التوراة، لكن مع ذلك فإن بعض الكتب المقدسة اليهودية مثل التلمود والمدراش بها الكثير من التفاصيل حول هذه القصة. وربما أخذ منها المفسرين هذه القصة الخيالية.
في النهاية يجب التنويه إلى أن قصة النمرود، وكيف مات؟ وماذا فعل في حياته؟ هي قصة لطيفة وشيقة لكنها في الأخير لا تعدو كونها أسطورة من أساطير الأولين، فلا يمكن التعويل عليها.
المصادر:
- الكتاب المقدس – سفر التكوين.
- الجامع لأحكام القرآن – القرطبي.
- تفسير الطبري – ابن جرير الطبري.
- الكامل في التاريخ – ابن الأثير.