علاج الاكتئاب: مفاتيح الخروج من الظلام

You are currently viewing علاج الاكتئاب: مفاتيح الخروج من الظلام
علاج الاكتئاب بدون دواء

يعاني الشخص المكتئب من الحزن في معظم الأوقات، مما يؤثر على حياته اليومية، ويشعر بعدم القدرة على أداء أبسط المهام التي يقوم بها بشكل يومي في الظروف العادية، ويفقد كذلك الاهتمام بالأنشطة التي اعتاد أن يستمتع بها في العادة. يعتقد البعض أن العلاج الدوائي هو الخيار الأفضل لمثل هذا الاضطراب المزاجي، إلا أن علاج الاكتئاب بهذه المواد يُنصح به فقط في الحالات الخطيرة للغاية. يهدف هذا المقال إلى إظهار بعض الأمور التي يمكن أن تساعد في علاج الاكتئاب، ويعتمد بشكل خاص على عدد من التجارب الخاصة بالتفاعل اليومي مع الأصدقاء والمرضى الذين يعانون من الاكتئاب.

تخلص من الخوف

ربما عندما كنت صغيراً وأساءت التصرف لعدم تناول الدواء، أو عدم تناول الطعام، أو عدم الرغبة في النوم، كانوا يخيفونك بوخز الحقنة أو الضرب وما إلى ذلك. ويهدف كل ذلك إلى محاولة تعديل سلوكك. ونحن كأطفال نتعلم ما هو الخوف من خلال تجاربنا، وهذا يساعدنا على الحفاظ على إدراكنا للمخاطر، ويستمر هذا الشعور المزعج معنا طوال حياتنا.

نحن نخشى الإصابة بمرض خطير، أو الحروب، أو فقدان الوظيفة ووضعنا الاجتماعي، أو الانفصال عن شريك، أو فقدان أحد أفراد الأسرة. يمكن أن يكون هناك العديد من الأسباب التي تولد هذا الألم والانزعاج، والتي يمكن أن تؤدي بنا إلى الاكتئاب. تمضي السنوات وتتخذ الحياة العديد من المنعطفات: تغيير المنزل، ووفاة صديق، وإصابة أحد الأقارب بالسرطان، وما تدركه في تلك اللحظات أن هناك تجارب يصعب عليك مواجهتها، فتميل إلى العزلة لحماية نفسك، وتدخل في قوقعتك وتعاني من حالة من الحزن المستمر، ليس لديك طاقة للقيام بأي شيء، حالة من اليأس واللامبالاة تسيطر على عقلك وجسدك. ثم تتجه النوم أو الكسل أو إلى التدخين أو الكحول أو ألعاب الفيديو أو أي شيء لقضاء الوقت فحسب، لكن تحت كل هذه الظواهر الخارجية تقبع الذكريات وعدم الشعور بالأمان والغضب والحزن وقبل كل شيء الخوف. هذه هي أعراض الاكتئاب التي تسيطر عليك.

علاج الاكتئاب عملية تغيير

علاج الاكتئاب دون دواء
أسباب الاكتئاب

إنك تقضي وقتاً وطاقة أكبر في عدم رؤية هؤلاء العمالقة – الغضب والحزن والخوف – بدلاً من الاستماع إليهم. أنت تعلم أن الغضب يمكن أن يسيطر عليك ويتحكم بك، ولكن ما لا تعلمه هو كيفية إدارته، وكيف تخرجه دون أن تؤذي أحد. هذا الغضب يقودك فيما بعد إلى الحزن ومن ثم إلى الخوف والاكتئاب. ولهذا السبب فإن الاكتئاب هو عملية تغيير، وعلاج الاكتئاب يتوقف على تغييرك للحياة. ربما يكون كل ذلك جزءً من عملية الحزن، فأحياناً نمر بأوقات يستهلك فيها الغضب والحزن والخوف كل طاقتنا. ويجبرانا على ترك كل شيء خلفنا، والتوقف مؤقتاً للنظر إلى داخلنا، وهو ما يقودنا إلى التغيير ويقلب حياتنا رأساً على عقب. لذا عليك أن تعلم أن بعد الغضب يأتي الشعور بالقوة، وأن بعد الحزن يأتي الفرح، وأن بعد الخوف يأتي الأمن. ولهذا السبب ليس عليك سوى المضي قدماً دائماً.

ماذا تفعل مع الحزن؟

يتفاقم الاكتئاب بالحزن، وهنا نحاول أن نقطع الطريق على الحزن حتى لا نصل إلى مرحلة الاكتئاب، ومن ثم نشرع في البحث عن علاج الاكتئاب. فماذا يمكنك أن تفعل مع الحزن؟ يمكن أن تختلف إجابات هذا السؤال باختلاف معتقد كل شخص، فقد يقول البوذي: عليك أن تترك الحزن بعيداً. وربما يوصي أبيقور: عليك بالبحث عن الفرح، أو انظر إلى الحزن من بعيد وستجد أنه ليس بالأمر الجلل. ويفضل سينيكا أن يتحمل الحزن بحزم وصرامة، ويتحداه ليثبت أنه لا شيء. وكان مونتين سيبتسم ويقول: لا تأخذ صعودك وهبوطك على محمل الجد. أما نيتشه المتشائم سيعلنها صراحةً: اتركه حتى تتحطم سفينتك في المياه الضحلة المظلمة. وسينظر سارتر إليه بلا مبالاة وسيذكرنا بأننا من نختار أن نحزن، فإذا لم يكن هذا ما تريده، ما عليك سوى اختيار شيء آخر.

هذه الإجابات الفلسفية المتعددة والمختلفة لا تقدم منظوراً شاملاً للتعامل مع الحزن أو حتى تشرح لنا علاج الاكتئاب، ربما لأنه شيء حميمي جداً لدرجة أننا كي نقترب قليلاً من جوهره علينا أن ننظر إلى كل أحزان كل فرد من الناس. يدعونا الحزن إلى الراحة، إلى الحلم، إلى التذكر، إلى الحنين. الحزن هو ما يدعونا إلى التخلي عن النضال لبعض الوقت، ويمثل فرصة للتراجع والتقاط الأنفاس، حيث نتكئ لننظر إلى جمر الزمن المشتعل. لكن لا يُنصح بالتوقف هنا كثيراً، حتى لا يغرقنا الحزن في فخاخ يصعب الهروب منها. يمكن للحزن أن يشل حركتنا إذا تحول إلى اكتئاب، وسرعان ما نرى ستاراً أسوداً يسقط فوق أيامنا ويحرمنا من النور. إذا حدث ذلك عليك أن تعيد خلق الفرح بأي طريقة ممكنة: اخترع شجاراً، اصرخ، اهرب، أفعل أي شيء بعيداً عن الاستسلام، فلا أحد يحزن إذا كان لديه شيء ليفعله.

تدفق مع الحياة

فوائد التأمل في العلاج النفسي
يساهم التأمل في التخلص من الاكتئاب

يعمل التأمل بمثابة تخفيف للوزن، مثل التدفق مع الحياة دون الكثير من النكسات. فالحزن عبء ثقيل، عبء مخاوف غير دقيقة، وتهديدات غير محدودة، يشعر معها الشخص بالخدر من الخوف الذي يجعله يرتجف دون أن يعرف السبب مطلقاً، ثم يصبح الاكتئاب حجر عثرة، يمنعك من المضي قدماً ومواجهة عقبة تلو الأخرى في الظلام الدامس، وكأنك تحاول تنظيف أنسجة العنكبوت في كهف رطب وخانق وأنت مقيد القدمين.

الالتزام بالبهجة.. علاج الاكتئاب الأفضل

إن الالتزام بالبهجة بمثابة فورة جميلة من الحيوية التي تغوص فيها نفس المرء. حكي لي صديق ذات مرة عن تعرضه للاكتئاب لفترة من الزمن، وما أخرجه من هذه الحالة المزرية التقاطه لدفتر ملاحظات جميلة كتبها في صيف بهيج مليء بالحرية والعزلة. عندما شرع في القراءة عاد بالزمن إلى تلك اللحظات المبهجة فإذا بالابتسامة لا تفارق وجهه، وشعر حينها بأنه كان منتصراً على نفسه، ثم قال لنفسه أن سيخترع حياة جديدة، وأطلق عليها “الخطوة التالية”. انتصر أخيراً على الاكتئاب، بعد عام مؤلم شهد فيه حالة من الاكتئاب المزمن بعد خسارة الكثير من الأشخاص والأشياء. وهنا رأى نفسه أسير همومه، وهو يغرق فيها كما لو كان في مستنقع.

تعلمت من هذا الموقف الرائع إلى أي مدى نخلق آلامنا لننغمس فيها بعناد وبشكل مرضي. وكيف يمتلك المرء أن القوة التي تمكنه من تخطي أصعب اللحظات والمواقف في الحياة. ويمكنك دائماً اختيار الفرح حتى في أسوأ الظروف. أن تكون سعيداً يمكن أن يكون قراراً أو التزاماً أو عناداً. يمكن للمرء أن يستمر في الإيمان والثقة بنفسه. فإذا لم يُمنح لنا الإيمان كعطية، فسيبقى لنا الإيمان كعناد. وكم كان من الصعب الحفاظ عليها في مواجهة الكسل والشفقة على الذات!

قال أحد الحكماء لرجل اعتراه الحزن حد الهلاك: فيما تحمل يا رجل؟

قال له: أحمل على كاهلي الهموم والأحزان.

– هل أتيت إلى هذه الدنيا بكل تلك الهموم والأحزان؟

أجاب: لا.

سأله الحكيم: هل سترحل من هذه الدنيا بكل تلك الهموم والأحزان؟

قال: لا.

– أمر لم يأت معك ولن ترحل به لا يستحق أن يشغلك كل هذا الوقت يا ولدي.

الحياة لا تزال صعبة

كيف تعالج نفسك من الاكتئاب
هل تساهم كتب التنمية الذاتية في علاج الاكتئاب

تجربة أخرى خاضها شخص آخر في رحلته لعلاج الاكتئاب وهي اتجاهه لكتب المساعدة الذاتية. كان يقرأها لسنوات عديدة لعله يجد في طيات صفحاتها علاجاً لحزنه. يقول: كان بعضهم يواسيني، أو يقترح بعض الأفكار القيمة. لكنها في النهاية كانت تتركني دائماً في حالة من البرد، كما لو أن وعدهم لي بالسعادة أصبح أجوفاً وغير قابل للتصديق، لقد كان هناك شيء مفقود. أعتقد أنني أعرف ما كان ينقصني: التصرف والتفكير بشكل أقل.

يمكن للمرء أن يعتمد على نصوص العزاء الهادئة التي تقدمها مثل هذه الكتب، ويغوص فيها كما فعل ذلك الشخص. لكنها تشبه النوايا الطيبة التي تضعف عندما يخرج المرء إلى الشارع. ومع ذلك، لا تزال لها سوقاً عظيماً للخلاص الرخيص، حيث تمتزج بها عناصر العلاج النفسي بأجواء التصوف. ولا حرج في ذلك طالما كانت النية طيبة، فهي في الأول والأخير تشبه الضمادات التي تلطف الجروح ولكنها لا تشفيها. فما إن نغلق الكتاب سنجد أن الحياة لا تزال صعبة، ونحن ضعفاء، ويتضح لنا أن البلسم المعصوم الذي باعوه لنا لم يكن أكثر من عصير برتقال بالفيتامينات.

لا تُغلق الباب

لا شيء يشفينا في الحياة. هذه هي الحقيقة التي يجب أن نعترف بها. وهذا بالضبط ما يعلمنا إياه الفلاسفة. وعلينا أن نواجه الحقائق بوضوح، وأن نجد فيها معنى لا يستطيع أحد أن يجده لنا. كان هذا هو العناد في الفرح الذي أعلنه صديقي في دفاتره. الجميع لديه الكثير من الأحزان، ولن أقول عليك بعدم الاهتمام بها، ولكن عليك بالتصالح معها، وعند التفكير بها بعناية أكبر ستجد قوة جديدة. لن تعد مضطراً للاختباء، ولن تشعر بالفضيحة. فالحياة بها الحزن وبها السعادة، إنها جميلة ولكنها صعبة، وستأتي الهموم والأحزان، وطالما أنك لم تغلق الباب فستخرج في بعض الأحيان وتترك وحدك. وبما أنك لا تتوقف كثيراً عن الشعور بالأسف على نفسك، وتحاول البدء في فعل شيء ما فستنسى تلك الأحزان، وهذا هو النضج الحقيقي.

ما أود قوله إنه ليس هناك طريقة مؤكدة لعلاج الاكتئاب سوى أن تقوم بحب حياتك كما هي. وحب كل ما فيها، وأن تعمل جاهداً على لتكون سعيداً متفائلاً ومفعماً بالنشاط. تناسى الأحزان والهموم، فلا شيء يستمر إلى الأبد. واعلم أن الله أكبر من كل شيء. وأنك ستحقق ما تريده يوما ما سواء كان هذا اليوم قريباً أو بعيداً. انسى الحزن واصنع لنفسك عالماً من البهجة والفرح. عش كطفل لم يعهد الحياة بعد. اضحك من أعماق قلبك. نام جيداً، ولا تمت وأنت على قيد الحياة. ومن الآن فصاعداً عدّل قوانين حياتك قليلاً لتصبح أكثر سعادة وتفاؤلاً وبهجة. وقل تباً للحزن وللكآبة فهما حقاً يقصران العمر ويقتلانا مبكراً. ابدأ صفحة جديدة وخطها بالأمل وارسمها بالسعادة ولونها بالبهجة من أول سطر إلى أخر سطر.

هوامش

1.    Author: Lodovico Berra, (03/06/2019), Existential Depression: A Nonpathological and Philosophical-Existential Approach, www.journals.sagepub.com, Retrieved: 04/18/2024.

2.    Author: The Editors of American Psychological Association, (10/01/2016), Overcoming depression: How psychologists help with depressive disorders, www.apa.org, Retrieved: 04/18/2024.

3.    Author: Sophie Stammers and Rosalind Pulvermacher, (07/23/2020), The value of doing philosophy in mental health contexts, www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved: 04/18/2024.

 

اترك تعليقاً