أسلوب حياةثقافة

أسباب الجرائم في المجتمع المصري: المؤشر الخطير

الجريمة وليدة الظروف الاجتماعية والنفسية وهي ظاهرة اجتماعية عادية في كل مجتمع بل وضرورة حتمية، وعلامة من علامات صحة المجتمع، ولا يعرف تاريخ الإنسانية مجتمعاً لا تنتهك أخلاقياته يومياً. فلم نصل بعد إلى المدينة الفاضلة، لكن إذا ازدادت الجرائم في مجتمعنا، فإن هذا مؤشر خطير يضطرنا إلى البحث عن أسباب الجرائم في المجتمع المصري.

نوعية الجرائم في المجتمع المصري

في البداية وقبل الخوض في البحث عن أسباب الجرائم علينا إلقاء نظرة سريعة وخاطفة على عناوين صفحات الحوادث في الصحف لنتعرف على نوعية الجرائم التي ترتكب يومياً:

  • قتل جارته العجوز لسرقة أموالها.
  • خلاف على أربعة جنيهات.. يقتل شقيقه ثم يجلس ليدخن.
  • سائق ينهي حياة زميله بسبب أولوية التحميل.
  • الذئب التهم أنوثة نجوى.. والضحية انتحرت بعد واقعة الاغتصاب.
  • صديق العمر سرق تحويشة العمر ثم اختفى.
  • الطبيب المزيف: أنا ممرض قديم وخبرتي تفوق أي طبيب حقيقي.
  • جرائم فوق الرصيف.. سلع مغشوشة وعمليات نصب وأدوية غير مرخصة.
  • نافسه في الحلاقة.. فقطع يده.
  • السمكري يذبح صديقه العربجي بسبب قرص مخدر.

كل هذه العناوين وغيرها تزخر بها صفحات الحوادث في الصحف والمجلات، وقد أدمن الكثير من الناس قراءتها حتى أصابهم السأم والملل وأصبح سماع أو قراءة أخبار الجرائم شيئاً عادياً. ومع ذلك نلاحظ في الغالبية العظمى من هذه الجرائم أن مرتكبيها من الشخصيات الفقيرة أو المتوسطة أو ما نطلق عليه في مصر “الناس الغلابة”. فهل هناك علاقة بالفعل بين الفقر والجهل ونسبة الجرائم المرتكبة. كل ذلك سنتعرف عليه عند الحديث عن الأسباب. لكن قبل ذلك علينا أن نتعرف على أنواع المجرمين طبقاً للقانون.

أنواع المجرمون

طبقاً للقانون المصري هناك نوعين من المجرمين:

  • المجرم السوي: وهو الشخص الذي يتمتع بالأهلية الكاملة للمسؤولية الجنائية وغير مصاب بأحد العوارض التي تؤثر عل إدراكه وإرادته.
  • المجرم غير السوي: وهذا النوع ينقسم بدوره إلى نوعين: أولهما المجرم المجنون، وهو المصاب أحد الأمراض العقلية، والثاني هو المجرم الشاذ أو المريض النفسي، المصاب بخلل نفسي لكن هذا المرض النفسي لا يفقده الأهلية للمسؤولية الجنائية.

أسباب الجرائم

تتنوع أسباب الجريمة وتختلف من مجتمع إلى أخر بل وتختلف في المجتمعات البدائية أو الريفية عن المجتمعات المتحضرة. ففي المجتمعات الريفية تقل احتياجات الفرد وتتميز المؤثرات المحيطة به بدرجة من الانسجام والثبات وفيها يجد الفرد جميع احتياجاته داخل الجماعة التي يعيش فيها ومن ثم يشعر بدرجة معينة من الأمن والطمأنينة قد لا يشعر بها في غيرها من المدن وفي ظل هذه الظروف تكون نسبة الجرائم قليلة مقارنة بالمجتمعات الحضرية.

أما في المجتمعات الحضرية فعلى خلاف من ذلك. حيث تتميز بعدم الانسجام والتناسق وفيها تتعدد احتياجات الافراد ويصعب عليهم الحصول عليها. كما لا يتحقق لديهم الشعور بالأمان. وقد أكدت دراسات علم الاجتماع أن أسباب الجرائم تتمثل فيما يلي:  

  1. الكثافة السكانية والعيش في ظروف صحية منحطة.
  2. رداءة الحالة المعيشية وانخفاض مستوى الدخل.
  3. فقدان العناية بالأطفال.
  4. نقص التعليم والثقافة.
  5. انعدام تكافؤ الفرص.
  6. تفكك الأسرة وانعدام التكافل الاجتماعي.
  7. الانحلال الأخلاقي.

الجريمة بين الحضر والريف

لا يقتصر الأمر على ارتفاع نسبة الإجرام بصفة عامة في الحضر عن نسبته في الريف، بل يمتد ليشمل نوع الجرائم في كل مدن الريف والحضر. فمن الملاحظ أن هناك أنواعاً معينة من الجرائم تنتشر في الريف، وهناك أنواع أخرى تذيع في الحضر.

جرائم الريف في المجتمع المصري

ومع ذلك، فإن جرائم العنف ترتفع نسبتها في الريف وقد دلت الإحصاءات المصرية على أن نسبة ارتكاب جرائم العنف ضد الأشخاص كالقتل العمد، والضرب المفضي إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة تزداد زيادة كبيرة في المناطق الريفية. كما يتميز الريف المصري بنوع أخر من الجرائم يغلب عليها طابع الانتقام كالحريق العمد أو تسميم المواشي أو إتلاف المزروعات وغيرها مما يرتبط بصميم الحياة في الريف. فضلاً عن أن ظروف الحياة في الريف تتيح الفرصة لارتكاب جرائم أخرى من نوع خاص كالقتل للثأر ودفاعاً عن العرض وكذلك الجرائم المرتبطة بالنزاع على الري والأراضي الزراعية.

جرائم الحضر

وفي المقابل فإن طابع الإجرام في الحضر مادي، إذ يغلب عليه الاعتداء على الأموال التي تدفع إليها الرغبة في الكسب غير المشروع كالسرقة، والنصب والاحتيال، وخيانة الأمانة، وإصدار شيكات بدون رصيد. كما يتميز الحضر بارتفاع نسبة ارتكاب جرائم ابتزاز الأموال بالتهديد، واختلاس المال العام، والرشوة، وتزوير الأوراق الرسمية. كذلك يتميز الحضر بكثرة جرائم الإجهاض وهي تقابل في الريف جرائم قتل الأطفال حديثي الولادة. كما تصادف جرائم الاعتداء على العرض كهتك العرض، والاغتصاب، أو الدعارة والزنا مجالاً أخصب في الحضر.

وفضلاً عن هذا فإن الحياة في المدينة تعج بأوجه اللهو والانفاق ومظاهر المتعة الزائلة التي قد تدفع الفرد إلى طريق الجريمة لاقتناء ما يساعده على التزود منها. أما عن ارتفاع نسبة جرائم الاعتداء على العرض في الحضر عنها في الريف فيعود إلى أن ظروف الحياة الحديثة في المدينة من حيث التعليم والتخصص والاستقرار المالي تؤخر عادة من سن الزواج. مما يفسح المجال لاشباع الشهوة الجنسية بطرق غير مشروعة. وهذا بخلاف ما يحدث في الريف حيث نجد أن أهل الريف يبكرون في الزواج الأمر الذي يحول من ظهور تلك الجرائم.

تأثير وسائل الإعلام

لوسائل الإعلام أيضاً دوراً في الظاهرة الإجرامية، فقد لوحظ أن الصحف أصبحت تداوم على نشر أخبار الجرائم حتى أصبحت الجريمة من مستلزمات الصحف، وغدت أخباراً يومية في كل صحيفة. فهي تعرض أساليب إرتكاب الجريمة بشكل يضفي صفات البطولة على مرتكبيها، فضلاً عن إظهار أجهزة الشرطة والعدالة بمظهر العاجز أمام المجرمين.

ومن حيث تأثير السينما والإذاعة والتليفزيون في الظاهرة الإجرامية فحدث ولا حرج. فتأثير وسائل الإعلام من أهم أسباب الجرائم في المجتمع المصري. فمن الراجح أن تأثير هذه الوسائل الثلاث أعلى من تأثير الصحف، وذلك بالنظر إلى وضوحها بدرجة أعلى من الصحف. مما يجعلها أقوى مفعولاً في إثارة العواطف. ويتضح ذلك في عدة نواح، فمن ناحية تظهر بعض الأفلام السينمائية بصورة فنية ودقيقة الأساليب التي يتبعها المجرمون لتهيئة جريمتهم ولارتكاربها، ومن ثم إخفاء معالمها. ولهذه الأساليب تأثير خاص على نفسية من لديه الاستعداد الاجرامي. ومن ناحية أخرى لوحظ أن كثير من الأحداث والبالغين يقتدون بالممثلين في سلوكهم فنراهم يتخيرون لأنفسهم نجوماً يقلدونهم.

في الختام نعلم جيداً أننا لم نوف هذه القضية حقها بالكامل، نظراً لأن أسباب الجرائم في المجتمع المصري كثيرة ومتنوعة. وتحتاج بالتالي إلى العديد من الأبحاث والدراسات. ولكننا أردنا فقط إلقاء الضوء على هذه القضية الحساسة.

المراجع

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!