ثقافة

كيف يؤثر النمو السكاني العالمي على مصير البشرية؟

يبلغ تعداد سكان العالم اليوم 8 مليار نسمة طبقاً لإحصاءات الأمم المتحدة لعام 2022. يجلب هذا الرقم المثير للإعجاب عدداً كبيراً من العوامل التي ستؤثر ليس فقط على مصير البشرية، ولكن على الكوكب بأسره. فماذا يعني هذا النمو السكاني العالمي؟ وماذا يمكن أن يحدث في المستقبل.

إحصاءات عدد سكان العالم

عدد سكان العالم 2023
إحصاءات الأمم المتحدة بشأن التعداد السكاني في العالم

يعاني العالم من خلل في التوزيع الجغرافي والسكاني، فسكان العالم ليسوا موزعين بالتساوي على هذا الكوكب. حيث تضم قارة آسيا التي يزيد عدد سكانها عن 4 مليارات نسمة 60% من سكان العالم. وتعد الصين والهند البلدين الأكثر اكتظاظاً بالسكان، ويتركز في هاتين الدولتين فقط نسبة 37% من إجمالي سكان الأرض. أفريقيا هي ثاني أكثر القارات اكتظاظاً بالسكان، حيث يبلع عدد سكانها 1 مليار نسمة، أي 15% من إجمالي سكان العالم. والمفارقة في هذا الموضوع أن الغالبية العظمى من سكان العالم تعيش في دول متخلفة أو نامية، حيث تتعايش أعلى معدلات نمو سكاني مع أدنى مؤشرات التنمية البشرية.

يشير التقرير السنوي للأمم المتحدة إلى أن متوسط العمر المتوقع الآن للإنسان 70 عاماً (68 للرجال و72 للنساء) مقارنةً ببداية القرن الماضي الذي كان متوسط العمر المتوقع لا يتجاوز الأربعين عاماً. وتعزي هذه الزيادة إلى حد كبير إلى تحسن الظروف الصحية والتغذية. حيث يتخطى متوسط العمر المتوقع في البلدان المتقدمة حاجز 80 عاماً، واليابان هي صاحبة الرقم القياسي 83 عاماً. في حين ينخفض المتوسط إلى 55 عام في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتحتل دول مثل زامبيا (37.5 عام) وجمهورية إفريقيا الوسطى (39.3 عام) وملاوي (39.7 عام) وسيراليون (40.8 عام) أسفل الترتيب.

تشير التقديرات إلى أن إجمالي عدد سكان كوكب الأرض في عام صفر كان 200 مليون نسمة. وفي عام 1000 وصل إلى 310 مليون. وتم الوصول إلى رقم المليار في عام 1804 ومنذ ذلك الحين تسارع معدل النمو السكاني في العالم، حيث أصبح 1.65 مليار في بداية القرن العشرين، وبعد قرن تخطى حاجز 6 مليارات. وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2045 سيتم الوصول إلى الرقم المزعج البالغ 9 مليارات من البشر.

اقرأ أيضًا: الاقتصاد الأزرق: نموذج مستدام ينقذ الأرض بفضل البحار والمحيطات

القلق الراهن

مشكلة الزيادة السكانية في العالم
ماذا يعني النمو السكاني العالمي

إن التمعن في هذه الإحصاءات السالفة الذكر يجلب سلسلة من الأسئلة: ما هي حدود النمو السكاني في العالم؟ وإلى متى سيستمر الكوكب؟ عند محاولة الإجابة على مثل هذه الأسئلة لا يمكننا إلا أن نتذكر توماس مالتوس، رجل الاقتصاد الإنجليزي الذي عاش في القرن الثامن عشر، ومؤلف “مقالة في مبدأ السكان”. كان مالتوس من أوائل المؤلفين الذين أعربوا علناً عن قلقهم بشأن النمو السكاني. وعلى الرغم من أن العديد من توقعاته لم تكن صحيحة تماماً، إلا أنه حذر بالفعل من أن الكوكب ليس لديه القدرة على توفير الموارد للسكان الذين يتزايدون بشكل كبير. فهل تعلم عزيزي القارئ أنه على الرغم من التقدم التقني والعلمي الذي شهدته البشرية في القرون الأخيرة، إلا أننا غير قادرين على إطعام سكان الكوكب. تشير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى أن سدس سكان العالم يعانون من نقص التغذية أو الجوع المزمن.

اقرأ أيضًا: خصائص الأجيال الاجتماعية من الجيل الصامت إلى ما بعد الألفية

مشكلة الجوع

مشكلة الغذاء في العالم
مشكلة الجوع العالمي

تعد مشكلة الجوع من أكثر المشكلات المؤرقة على هذا الكوكب، وتمت مناقشة الكثير جداً حول قدرة الكوكب على إنتاج الغذاء في ظل النمو السكاني العالمي. يؤكد الخبراء أن الإنتاج الحالي أكثر من كافِ لإطعام سكان العالم بأسره. لكن المشكلة هي أن الموارد الغذائية لا توزع بالتساوي بين الجميع. وكما أشار أحد المفكرين إلى ذلك بقوله: “يعاني نصف سكان العالم من نقص التغذية، في حين يعاني النصف الآخر من السمنة المفرطة”. هناك سبب آخر أشار إليه تقرير “حالة سكان العالم” الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهو أن الخسائر في النقل والتخزين والزيادة المستمرة في الأسعار تمنع جزءاً كبيراً من سكان أفقر البلدان من الوصول إلى الأطعمة الأساسية لنظامهم الغذائي.

وفي مواجهة الحاجة إلى إطعام سكان العالم الذين لا يتوقفوا عن النمو، خاصة في البلدان النامية، يدافع الكثير عن حاجتنا إلى ثورة خضراء ثانية. وقد سمحت هذه القفزة الكبيرة في الإنتاجية بتضاعف الغذاء في الخمسين عاماً الماضية. ومع ذلك فإن هذا النظام الذي يعتمد على الآلات الزراعية الحديثة والكيماويات الزراعية والتكنولوجيا الحيوية وأنظمة الري، كانت له تكلفة بيئية عالية. إن التدهور الخطير للتربة الزراعية والتدهور واسع النطاق للبيئة هو الثمن الذي يدفعه العديد من المجتمعات الآن. بينما يثير آخرون الحاجة إلى مزيج من الأساليب التقليدية والمعرفة الجديدة لإنتاج الغذاء بدون الأسمدة الكيماوية أو المبيدات الحشرية أو الهندسة الوراثية. وكل طريقة من هذه الطرق لها مزاياها وعيوبها.

اقرأ أيضًا: التراث الثقافي: التعريف والخصائص و10 أمثلة للتراث الثقافي

مشكلة المياه

مشكلة المياه في العالم
أسباب ندرة المياه في العالم

لا يمكننا الحديث عن الغذاء دون الحديث عن المياه مع النمو السكاني العالمي، حيث يرتبط إنتاج الغذاء والمياه ارتباطاً وثيقاً. وقد أدى الري المكثف والاستخدامات الأخرى إلى إفقار البحيرات والأنهار ومستودعات المياه الجوفية في العديد من المناطق. تُطرح المياه كقضية أساسية في عالم لا يستطيع فيه ما يقرب من 1.5 مليار شخص تلبية احتياجاتهم الأساسية من المياه للشرب والطهي والنظافة. تشير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعية إلى أن استخدام المياه زاد بأكثر من ضعف سرعة النمو السكاني خلال القرن الماضي. وبالإضافة إلى ندرة المياه فهي ملوثة. حيث أن جزء كبير من الأنهار وخزانات المياه الجوفية التي يمكن أن تلبي احتياجات السكان للمياه ملوثة بالأسمدة والمبيدات الزراعية والمخلفات الصناعية. ونتيجة لندرة المياه ونقصها يعاني عدد كبير من سكان العالم من غياب النظافة الأولية والصرف الصحي الأساسي.

اقرأ أيضًا: 10 إجراءات بسيطة يجب تطبيقها للحد من التغير المناخي

مشكلة الطاقة

التعداد السكاني في العالم
مشاكل الطاقة العالمية

إن تزويد السكان الذين يتزايد عددهم باستمرار بالطاقة هو تحدٍ كبير آخر. فلن يكون نظام الطاقة الحالي، القائم على استغلال الوقود الأحفوري، قادراً على تلبية الطلب المتزايد. بالإضافة إلى كونه غير متجدد، فإن مصدر الطاقة هذا له عواقب بيئية خطيرة. حيث أصبحت التحولات في مناخ كوكب الأرض أكثر وضوحاً كل يوم. يؤدي التغير في الأحوال الجوية المرتبط بارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى تقليل الإنتاجية الزراعية في العديد من مناطق الكوكب. مما تؤدي إلى ترك أعداد كبيرة من السكان دون مصدر رزقهم الرئيسي واضطرارهم إلى الهجرة. وتعد المدن الكبرى هي الوجهة الرئيسية لهم، وجيوب الفقراء لا تتوقف عن النمو.

لقد وصلنا في عام 2008 إلى رقم هائل. حيث أنه لأول مرة في تاريخ البشرية، يعيش أكثر من نصف السكان في المدن. ونتيجة لهذا التركيز السكاني أصبحت المشكلات أكثر وضوحاً. نحن نرى التلوث والبؤس وسوء الحالة الصحية من أهم السمات المميزة للمدن الكبرى في القرن الحادي والعشرين. بينما يعد عدم الاستقرار الاجتماعي والعنف من علامات صعوبة العيش معاً في مساحة صغيرة.

قد يصبح تهجير مجموعات سكانية بأكملها إحدى أكبر المشاكل في القرن المقبل. إن ضغوط الهجرة بحثاً عن ظروف معيشية أفضل هي اليوم مشكلة تواجهها العديد من البلدان. ويؤكد الخبراء أن الهجرات المستقبلية ستكون بحثاً عن المياه والأراضي الصالحة للزراعة. إن حالات مثل حالة بنغلاديش، حيث يجبر ارتفاع مستوى سطح البحر مئات الآلاف من الأشخاص على الانتقال، ستكون شائعة بشكل متزايد.

اقرأ أيضًا: أهمية الثقافة: كيف تؤثر الثقافة على الأفراد والمجتمعات؟

المستقبل مع النمو السكاني في العالم

ربما ينبغي أن نسأل أنفسنا عن دورنا على هذا الكوكب في ظل التعداد السكاني العالمي المتزايد. هل يتصرف الإنسان العاقل حقاً مثلما يشير إليه اسمه بعقلانية مفترضة؟ وهل نحن حقاً حاملون لراية العلم والتكنولوجيا التي ستحقق التقدم للبشرية وللكوكب ككل؟ أم أننا بالأحرى نتصرف مثل وباء يستهلك بلا هوادة سلعة تخص الجميع؟

نحن نعيش في عالم يعيش فيه 48٪ من السكان بأقل من دولارين في اليوم. في كوكب يمتلك فيه النصف الأفقر من السكان 1٪ فقط من الأصول، في حين يمتلك اثنان من أغنى الشخصيات في العالم أكثر من الناتج المحلي الإجمالي لأفقر 45 دولة. ومن هذه الحقيقة التي تدعو إلى الرثاء يجدر بنا أن نسأل أنفسنا عن دورنا كمجتمع، أو بالأحرى دورنا كبشر. يجب أن نتعاون لبناء عالم تفسح فيه المادية والأنانية المتطرفة الطريق للتضامن والاحترام بين البشر. عندها فقط يمكننا أن نؤدي دورنا ونترك للأجيال القادمة كوكباً كريمًا للعيش فيه.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!