فن

الحلقة السابعة من مسلسل Dekalog: “لا تسرق”

مسلسل Dekalog أو الوصايا العشر هي سلسلة أفلام درامية من إخراج المخرج البولندي العظيم كريستوف كيسلوفسكي، وهي عبارة عن نسيج متشابك رائع من الفلسفة، والتردد الأخلاقي، والشعور الإنساني الذي يجسد تفوق وقوة التعبير السينمائي على الكلمة المكتوبة. في السطور التالية نسجل ما ينتج عن تجربة هذه التحفة. ونقول تجربتها لأن أفلام كيسلوفسكي لا تُرى بل يتم تجربتها؛ فإلى تجربة الحلقة السابعة من سلسلة Dekalog بمزيد من التفصيل.

الحلقة السابعة

تتمحور الحلقة السابعة من سلسلة Dekalog حول الوصية السابعة من الوصايا العشر “لا تسرق”. وتبدأ بأصوات صرخات طفل يعيش في المبنى السكني الذي يجمع جميع شخصيات المسلسل. تشير هذه الصرخات إلى أن الفيلم لا يتعلق بالسرقة فحسب، بل سيتحدث كذلك عن أهمية حب الأم. الطفلة الباكية هي آنيا فتاة تبلغ من العمر ست سنوات تعيش في عائلة تضم ستيفان – رب الأسرة – الذي يعمل كصانع آلات موسيقية متقاعد، وزوجته إيوا، وهي مديرة إحدى المدارس، وابنتهما الكبرى مايكا التي تبلغ من العمر 22 عاماً، وقد تم طردها مؤخراً من الجامعة.


هل يمكن للمرء أن يسرق ما يملكه؟

من الواضح منذ البداية أن علاقة مايكا بوالدتها كانت متوترة، ويستغرق الأمر بعض الوقت حتى تظهر التفاصيل المتعلقة بهذه العلاقة الأسرية. وعلى الرغم من أن الطفلة أنيا هي ابنة إيوا ظاهرياً، إلا أننا نكتشف لاحقاً أن الأم البيولوجية هي مايكا، التي أنجبت أنيا عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها فقط نتيجة علاقة سرية مع أحد معلميها في المدرسة التي تعمل بها والدتها. نظراً لأن مايكا كانت قاصراً، فقد قامت الأسرة بترتيب عملية التستر على هذه الفضيحة للحفاظ على مظهرها. حيث تم الإعلان عن أن والدة مايكا هي والدة أنيا، وأثبتت السجلات الطبية المزورة شرعية هذا الوضع. الآن، بعد مرور ست سنوات، تريد مايكا استعادة ابنتها الحقيقية، وتنوي القيام بذلك عن طريق اختطافها. لكن مايكا تسأل: ” هل يمكن للمرء أن يسرق ما يملكه؟”.

في الحلقة السابعة من سلسلة Dekalog اختطفت مايكا ابنتها وهربت من المنزل لتذهب إلى والد الطفلة فويتك الذي أُجبر على ترك وظيفته في التدريس قبل ست سنوات بعد هذه الفضيحة، وهو الآن يعيش في منزل ريفي بعيد، ويعمل صانع ألعاب للأطفال. تريد مايكا الهروب إلى كندا مع فويتك والطفلة، لكن اللقاء الأول منذ ست سنوات بين العاشقين السابقين لم يكن دافئاً كما كانت تأمل مايكا. لذا خافت مايكا أن يخونها فوتيك ويبلغ عنها السلطات، ومن هنا تحمل الطفلة وتهرب من منزله. تتصل مايكا بوالدتها وتعطيها إنذاراً نهائياً: إما أن تمنحها الإذن القانوني بأخذ أنيا معها إلى كندا، أو ستقتل نفسها وأنيا أيضاً. تكشف المحادثة الهاتفية المرعبة بين الأم وابنتها عمق الازدراء الذي يشعران به تجاه بعضهما البعض.


قلب القصة الحقيقي

مراجعة الحلقة السابعة من مسلسل Dekalog
مشهد من الحلقة السابعة

تتميز الحلقة السابعة من مسلسل Dekalog هذه بمزيد من الإثارة، ومؤامرة تقليدية أكثر من معظم الحلقات الأخرى. إنها قصة أم تختطف طفلها من أجدادها وتحاول الهروب بها. تتضمن هذه الأحداث الهروب، والبحث اليائس عن الهاربين، والتهديدات بالقتل، واللقاءات بالصدفة – كل المكونات التقليدية للمغامرة. ولكن على الرغم من أن حبكة هذه الحلقة تحتوي على عناصر المغامرة، إلا أن هناك ضعفاً سردياً أيضاً. حيث تم الكشف عن الكثير من المعلومات الدرامية من خلال المحادثات بين الشخصيات، وليس من خلال التجربة البصرية. ومن ناحية أخرى، فإن التمثيل في الحلقة السابعة من سلسلة Dekalog استثنائي، حتى بمعايير كيسلوفسكي العالية. حيث يقدم جميع الممثلين أداءً رائعاً، ولكن ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو الأداء الرائع للممثلة الطفلة التي لعبت دور أنيا. ولكن، كما هي الحال مع مخرج عميق مثل كيسلوفسكي، ليست المغامرة هي التي تكمن في قلب القصة. والقصة الحقيقية في هذه الحلقة تدور حول مايكا وبحثها عن الأمومة.

نرى في البداية مايكا وهي تعيد كتبها المدرسية التالفة إلى مكتبة الجامعة أنها شخصية لا تملك ثقة كبيرة بنفسها. إنها بسيطة وغير موهوبة ويتجاهلها الجميع. وعلى النقيض من ذلك، فإن والدتها، إيوا، واثقة من نفسها، ومتسلطة. إيوا معتادة على إعطاء الأوامر والتلاعب بالناس لتحقيق هدفها. قيل لنا إنها عندما أنجبت مايكا، علمت أنها لن تتمكن من إنجاب طفل آخر أبداً، ولذلك لم تغفر لابنتها أبداً التسبب في هذا النقص. والد مايكا، ستيفان، هو والد لطيف، لكنه غير فعال – غير قادر على مجاراة أو مواجهة طرق إيوا الاستبدادية.

لذلك يبدو أن مايكا نشأت وهي ترى نفسها خاسرة وغير محبوبة وغير مرغوب فيها. كان طردها من الكلية بلا شك مجرد حدث آخر في قصة طويلة من الفشل. في النهاية، شعرت أنه ربما كانت أنيا هي الشخص الوحيد الذي قد يحبها. وبعد كل شيء، مايكا هي والدة أنيا الطبيعية – وعلى الطفلة أن تحب والدتها. بالنسبة لمايكا، كانت هذه فرصة لمنح أنيا هذا النوع من حب الأم الذي لم تتلقاه هي نفسها أبداً. في هذه القصة كانت مايكا هي الطفلة غير المحبوب التي تحتاج إلى حب الأم.


صرخة يأس

“لا تسرق” هي الوصية التي تم كسرها على ما يبدو. تقودك الحلقة السابعة من سلسلة Dekalog إلى الاعتقاد بأن الأم “اختطفت” طفلها. لكن الحلقة تناقش بشكل أنيق أن اللص الحقيقي هو الجدة وليست الأم “الخاطفة”. فالاختطاف هنا رمزي – فلا وجود للشرطة ولم يتم رؤيتها. القانون المعروض في الفيلم هو قانون أخلاقي وليس مدني. وفي النهاية فإن المودة الطبيعية التي يشتاق إليها الطفل وأمه الحقيقة هي التي سُرقت.

هذه الحلقة بمثابة نداء حزين ضد سرقة عواطف رابطة الأمومة، وصرخة يأس مؤثرة ضد كل شكل من أشكال الإيذاء النفسي، ويصف الرحلة العاطفية للأرواح المنعزلة نحو الماضي الغارق في الفراغ. هنا أمهات شرعيات وغير شرعيات محرومات من مودة الأبناء. بشر يتجولون في عنف رياح اليأس التي يشتمون رائحتها مراراً وتكراراً. طفل بريء تحت رحمة أفعال أنانية للبالغين تهدف إلى التأثير على مجرى الأحداث البشرية. هذه هي النقاط الرئيسية في هذه الدراما الجماعية للوجود المليئة بفترات التراجع في مرحلة الطفولة، والعتاب الواضح لصالح العلاقة الهادئة والمعقولة بين الأم وابنتها.


العنصر الأخلاقي

يطرح كيسلوفسكي في هذه السلسلة بعض الأسئلة الصعبة حول الأبوة والأمومة، وخاصة الأدوار التي يلعبها كل من الأب والأم. وفي الحلقة السابعة من سلسلة Dekalog يقصف الجمهور بأسئلة أخلاقية ومعنوية صعبة: من هي الأم الحقيقية للطفل؟ المرأة التي تلد “بيولوجياً” الطفل أم المرأة التي تقدم له أفضل رعاية. هذه الأسئلة منطقية جداً بالنسبة للطفلة التي تؤمن بأن إيوا هي أمها القادرة على تهدئة مخاوفها عندما تستيقظ في الليل بسبب أحلام سيئة عن الذئاب. لكن على النقيض تريد الأم الحقيقية أن تشعر بمودة طفلها ومخاطبتها باسم “ماما”. وبسبب هذه المعضلة تضطر مايكا إلى اختطاف أنيا والهروب. هذا التطور في القصة يثير سؤالاً بسيطاً لكنه في غاية التعقيد: هل يمكن للمرء أن يسرق ما يملكه؟ الجواب بسيط. لا، لا يمكن لأحد أن يسرق ما يملكه. يحتاج المرء فقط إلى السؤال عن ممتلكاته الخاصة إذا كانت قد انتقلت إلى أيدٍ أخرى. هذا هو العنصر الأخلاقي الذي أراد كيسلوفسكي أن يقدمه في فيلمه.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!