الشركات المهيمنة على وسائل الإعلام في العالم
أصبحت وسائل الإعلام اليوم في أيدي حفنة من الشركات الإعلامية القوية التي تتحكم في شبكات إنتاج وتوزيع المحتوى المرئي والمسموع والمطبوع. إنها السلطة الرابعة التي تسيطر الآن على هذا الكوكب. في السطور التالية نتعرف على أقوى وسائل الإعلام في العالم والشركات المتحكمة فيها، وكيف تشكل الرأي العام وفقاً لأجندتها الخاصة.
السلطة الرابعة
كان مونتسكيو أحد أشهر فلاسفة عصر التنوير، وهو أول من اقترح فصل السلطات في الدولة، وأشار إلى أهمية تقسيم الدولة إلى ثلاث سلطات: التنفيذية والتشريعية والقضائية، حتى لا تتركز السلطة في يد النظام الملكي الذي كان سائداً في ذلك الوقت. وخلال القرن التاسع عشر استخدم المؤرخ والفيلسوف توماس كارليل مصطلح السلطة الرابعة للإشارة إلى الصحافة المكتوبة. وقد كانت الصحافة حينها في وسيلة الإعلام المؤثرة في ذلك الوقت.
لكن مع دخول القرن العشرين ظهر الراديو والتلفاز، ووصل كلاهما إلى عدد أكبر من الجمهور على الفور وبشكل مباشر. فالتواصل مع الناس من خلال الصور كان أمراً فعالاً للغاية، حيث يتغلغل مباشرة في عواطف الجمهور وأفكارهم وأفعالهم. وقد وصلت البشرية باختراع التلفاز إلى مستوى غير مسبوق في وسائل الاتصال، ومن ثم تزايدت قوة الاتصالات بشكل واضح.
كانت حقبة الخمسينيات هي الفترة الذهبية للتلفاز في الولايات المتحدة، حيث استخدم التلفاز سياسياً في تلك الفترة لأول مرة في التاريخ وكان ذلك خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1952. وفي تلك الحقبة كان التنافس على أوجه بين الشركات الإعلامية الثلاث الكبرى في أمريكا: NBC و CBS و ABC – سنتعرض لذلك لاحقاً.
ومع دخول عام 1983 سيطرت على 90% من وسائل الإعلام الأمريكية خمسون شركة تقريباً. وفي عام 1994 دخلت إلى الساحة الإعلامية بوابات المعلومات الرقمية الأولى، وهي ما ستغير مفهوم الاتصالات إلى الأبد.
اقرأ أيضًا: الجرائم الإلكترونية: التعريف والأنواع والأمثلة وطرق الحماية منها |
السياسة التحريرية
يقول نعوم تشومسكي:
“الغرض من وسائل الإعلام ليس إبلاغ ما يحدث ونقله، بل تشكيل الرأي العام وفقاً لأجندات قوة الشركات المهيمنة”.
تحتكر وسائل الإعلام في العالم اليوم بضع شركات قليلة. وهي التي تفرض النظام على هذا الكوكب من خلال قوة لا يستهان بها. بينما يُطلق على نهج وسائل الإعلام – الرقمية أو المطبوعة – عند إنشاء المحتوى وتحديد كيفية معالجة الموضوعات المختلفة اسم السياسة التحريرية. بينما تستند هذه السياسة التحريرية على الإرشادات الإيديولوجية والاقتصادية والسياسية للشركة المعنية.
إن المجموعات الإعلامية التي تعتمد على تمويل البنوك والإعلان عن العلامات التجارية المسيطرة على السوق، تُخترق وتدمج مع القوى العظمى التي تسود القطاع الاقتصادي (كما سنرى لاحقاً) وأحياناً من قبل القطاعات السياسية. حيث تحدد اهتمامات هذه المجموعات الخط التحريري بما يشتمل عليه من تحديد المحتوى والنهج.
مثال على كيفية سيطرة هذه المصالح وتحديد محتويات وسيلة إعلامية هو حالة محرر صحيفة “الديلي تلغراف” بيتر أوزبورن الذي استقال في عام 2015 من منصبه كإجراء احتجاجي بسبب رفض الصحيفة منحه تغطية قضية “سويس ليكس” المتورط فيها بنك HSBC والمتعلقة بغسيل الأموال والتهرب الضريبي، وذلك لعدم رغبة الجريدة في إثارة غضب البنك لإنه أحد أهم معلنيها.
من ناحية أخرى، فإن تنوع الوسائل التي يمكن من خلالها الوصول إلى المعلومات يخلق الوهم بأن هناك تعددية وتنوع في المحتوى، إلا أن الواقع ليس كذلك. فالجميع يسير بمقتضى إرشادات عدد قليل من الشركات وكذلك المعلومات.
اقرأ أيضًا: تأثير الحركة الرومانسية في أوروبا على الفن والأدب والفلسفة |
إمبراطوريات الإعلام الكبرى
تحتكر عدد من الشركات الكبرى غالبية وسائل الإعلام في عالمنا المعاصر. هذه الشركات هي التي تحدد المعلومات والمحتويات التي تبث للجمهور من خلال الوسائل السمعية والبصرية والمطبوعة، وغيرها. هذا بالإضافة إلى التحكم في معظم شبكات التوزيع سواء عن طريق التلفاز أو الانترنت أو السينما. حيث يمثل قطاع الاتصالات وسيلة إستراتيجياً رهيبة فيما يتعلق بالسيطرة الاجتماعية والثقافية والسياسية.
الولايات المتحدة
توجد في الولايات المتحدة ست شركات كبرى تتحكم في 70٪ من وسائل الإعلام وبالتالي محتويات القنوات التلفزيونية ومحطات الراديو والسينما والصحافة. هذه الشركات هي:
-
وارنر ميديا Warner Media
تعد شركة وارنر ميديا هي عملاق وسائل الإعلام في العالم، وهي شركة متعددة الجنسيات تدخل ضمن نطاقها شبكة CNN العالمية، وهي أكبر شبكة للأخبار في العالم. هذا بالإضافة إلى شركات أخرى لا تقل أهمية مثل HBO و Warner وكرتون نتورك Cartoon Network، وغيرها. تساهم هذه الشركة في الغالبية العظمى من المحتوى الإعلامي وخاصة في مجال السينما والتلفزيون.
-
فوكس نيوزكورب News Corporation Fox
أسس هذه الشركة رجل الأعمال الأمريكي روبرت مردوخ، وهي بمثابة إمبراطورية إعلامية عظيمة تتحكم في المحتوى المرئي والمسموع والمطبوع في جميع أنحاء العالم. حيث تدخل ضمن نطاق سيطرتها شبكة فوكس التلفزيونية التي تعد واحدة من أكبر ثلاث شبكات إعلامية في العالم. هذا بالإضافة إلى المحتوى الترفيهي المتمثل في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والفضائيات.
-
والت ديزني The Walt Disney Company
تعد هذه الشركة واحدة من أهم شبكات التلفزيون في العالم. حيث تمتلك مئات القنوات التلفزيونية واستديوهات الأفلام وغيرها. أسس هذه الشركة الأخوان والت وروي ديزني عام 1923، وأصبحت الآن واحدة من أكبر الشركات الترفيهية التي تبث محتواها في جميع أنحاء العالم. بينما أهم الشركات التابعة لها: Touchstone Films و Pixar Animation Studios و 20th Century Studios و Blue Sky Studios و Marvel Studios وغيرها.
-
إن بي سي العالمية NBC Universal
عملاق آخر يرتبط بصناعة الترفيه والأخبار والرياضة وما إلى ذلك. تمتلك الشركة شبكات تلفزيونية رئيسية (NBC و NBC News و MSNBC و NBC Sports …) وقنوات الكابل والمحطات المحلية في الولايات المتحدة وإنتاج الأفلام الترفيهية وألعاب الفيديو وصناعة النشر كذلك.
-
فياكوم إنك Viacom Inc
تستحوذ هذه الشركة على مئات المحطات الإذاعية، وعشرات القنوات التلفزيونية وألعاب الفيديو (Game Trailers و Neopets و Xfire) ووسائل الإعلام الأخرى. كانت شركة فياكوم إنك و CBS جزءاً من National Amusements لكن انفصلا رسمياً إلى شركتين كبيرتين في عام 2005.
-
سي بي إس CBS
بعد انفصال شركة سي بي إس أصبحت في غضون أعوام قليلة تكتل متعدد الجنسيات وامتلكت العديد من الأصوال مثل استوديو أفلام باراماونت بيكتشرز، ومجموعة سي بي إس إنترتينمنت وشبكات التلفزيون مثل MTV و Nickelodeon و BET و Comedy Central و Showtime) وسرعان ما انتشرت في جميع أنحاء العالم.
أوروبا
تحتكر بضع مجموعات إعلامية وسائل الاتصال كذلك في أوروبا. وأشهر الشركات المهيمنة على وسائل الإعلام في هذه القارة هي مجموعة بيرتلسمان الألمانية، وبي بي سي البريطانية، وفيفاندي الفرنسية، وميدياسيت الإيطالية.
-
بيرتلسمان Bertelsmann
هذه الشركة الألمانية واحدة من أكبر الشركات المسيطرة على وسائل الإعلام. وتمتلك كذلك استثمارات كبرى في مجالي التعليم والخدمات. بدأت هذه الشركة كمكتب لنشر الكتب، لكن مع ظهور التكنولوجيا الجديدة دخلت مجال الإذاعة والتلفزيون والموسيقى.
-
بي بي سي BBC
هيئة الإذاعة البريطانية كانت مجموعة من الشركات الخاصة التي تقدم الإخبار، لكن تطورت سريعاً وأصبحت واحدة من أهم الشركات في وسائل الإعلام في العالم. ولا تقدم بي بي سي الخدمات الإخبارية فحسب، بل لها دور عظيم في إنتاج المحتوى المرئي والمسموع بما في ذلك الراديو والتلفزيون والإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال.
-
فيفاندي Vivendi SA
إحدى الشركات المسيطرة على وسائل الإعلام، وهي امبراطورية إعلامية فرنسية تعمل في مجال السينما والتلفزيون والموسيقى وصناعة النشر والإنترنت وألعاب الفيديو. وتدخل تحت سيطرتها مجموعة يونيفرسال الموسيقية، وهي أكبر شركة لصناعة الموسيقى في العالم. ظهرت هذه الشركة كما هي في الوقت الحالي بعد أن باعت النسبة الأكبر من أسهمها إلى شركة جنرال إلكتريك لتصبح قوة عظيمة في الإعلام.
-
ميدياست Media set
هي شركة إيطالية مؤسسها السياسي ورجل الأعمال المشهور سيلفيو برلسكوني في السبعينيات، ولقد أصبحت اليوم واحدة من أكبر وسائل الإعلام السمعية والبصرية في أوروبا. وتمتلك هذه الشركة العديد من وكالات الأنباء ووكالات الإعلان، والقنوات التلفزيونية الشهيرة.
في عام 2016، كشفت دراسة مهمة أجراها معهد الجامعة الأوروبية (IUE) وبتمويل مشترك من الاتحاد الأوروبي، عن قلق كبير بشأن نقص التنوع وتركيز قوة الاتصال في أيدي عدد قليل من الشركات.
أمريكا اللاتينية
هناك عدد قليل من الشركات الإعلامية التي تسيطر على الإعلام في أمريكا اللاتينية كما هو الحال في الولايات المتحدة وأوروبا، لكن الجدير بالملاحظة هو أن 60٪ من المحتوى (المعلومات، والبرمجة، والمحتوى السمعي البصري، وما إلى ذلك) لهذه المجموعات الإعلامية هو نسخة طبق الأصل مما تنتجه وسائل الإعلام الأمريكية، مع بعض الفروق الدقيقة، وكأنه نوع من الاستعمار الثقافي.
المجموعات الإعلامية الأربع الأكثر أهمية في أمريكا اللاتينية التي تملي اليوم محتوى الأجندة الإخبارية هي: كلاريون في الأرجنتين، جلوبو في البرازيل، تيليفزا في المكسيك، سيسنيروس في فنزويلا. تهيمن هذه المجموعات على المشهد الإعلامي بحصة جمهور تزيد عن 60٪.
-
كلاريون Clarion
أسسها روبرتو نوبل عام 1945 الذي يعتبر زعيم الصحافة المكتوبة في الأرجنتين. تضم مجموعة كلاريون العديد من الصحف والقنوات التلفزيونية والعشرات من دور النشر ومحطات الإذاعة ومزودي الإنترنت ومنتجي التلفزيون والطابعات، إلخ.
-
جلوبو Globo
واحدة من أقوى الشركات الإعلامية القوية في البرازيل، والأكبر في أمريكا اللاتينية وواحدة من أكبر الشركات في العالم. تعمل هذه الشركة عبر الأقمار الصناعية في دول مثل تشيلي والأرجنتين وأوروغواي وبيرو واليابان وبعض الدول الأفريقية والولايات المتحدة وأوروبا. تمتلك هذه المجموعة العديد من وسائل الأعلام مثل الصحف والمجلات والوسائط الرقمية والقنوات التلفزيونية ومحطات الراديو.
-
تيليفزا Televisa
في عام 1930، أسست عائلة إميليو أزكارا فيدوريتا أول محطة إذاعية وطنية. وخلال الخمسينيات اندمجت مع قنوات تلفزيونية مختلفة. وفي عام 1960 كان لديهم بالفعل 250 محطة إذاعية في جميع أنحاء البلاد وفي عام 1973 ولدت Televisa رسمياً. ثم توسعت في التسعينيات مع خدمات الإنترنت والسينما والهواتف المحمولة والاتصالات السلكية واللاسلكية والهواتف الثابتة وما إلى ذلك. اليوم لها وجود في أكثر من 50 دولة.
-
سيسنيروس Cisneros
دخلت مجموعة سيسنيروس عالم الاتصالات حينما أنشأت أول قناة تلفزيونية خاصة بها في الستينيات. وعلى عكس الشركات الإعلامية الأخرى في أمريكا اللاتينية، لم تنشيء وكالات الأنباء أو وسائل الإعلام المصورة، ورغم ذلك فلها حضور في أكثر من 90 دولة. كما لديها شراكات في الولايات المتحدة مع مؤسسات كبرى مثل ديزني وموتوريلا وكوكاكولا.
الجدير بالذكر أن هذه الشركات التي استعرضناها في هذا التقرير هي المسيطرة كذلك على وسائل الإعلام سواء في قارة أفريقيا أو آسيا، وكذلك في منطقة الشرق الأوسط.
اقرأ أيضًا: تأثير عصر الباروك في الأدب والفن والفلسفة |
التأثير على الرأي العام
يقول المعلم البرازيلي باولو فريري أنه “من خلال التلاعب، تحاول النخب الحاكمة جعل الجماهير متواءمة تدريجياً مع أهدافها”.
كما صرح الاتحاد الدولي للصحفيين في تقرير صدر عام 2017:
“إن وسائل الإعلام هي جزء أساسي في بناء الموضوعات الاجتماعية والأجندة العامة. وهي تسعى إلى الهيمنة على الجماهير، لدرجة أنها تطور المعتقدات، والتصورات، والأذواق، والاستخدامات، والعقليات، والآراء، والحالات الذهنية، والقيم والهويات … “.
إن وسائل الإعلام هي عنصر حاسم في التكوين الاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع. فمن خلال قنواتها العديدة (الرقمية والتلفزيونية والراديو ووسائل الإعلام المكتوبة …) تنشر محتويات من اختيار النخبة المسيطرة عليها، وتخترق عواطف وأفكار وأفعال الجماهير. وكما قال عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو: “الرأي العام غير موجود، إنه انعكاس لوسائل الإعلام”.
وبغض النظر عن تلك الشركات المهيمنة على وسائل الإعلام التي استعرضناها آنفاً، هناك شركات أخرى تلعب الآن دوراً مهيمناً في سوق الإعلام العالمي، مثل الشركات الكبيرة التي تهيمن على العالم الافتراضي، على سبيل المثال: جوجل، وفيسبوك (التي تشمل Instagram و WhatsApp)، وشركات التلفزيون والأفلام مثل Apple و Netflix و HBO و Amazon Prime، إلخ.
يتجلى تركيز قوة هذه الشركات وقادتها ليس فقط من خلال أنشطة التكنولوجيا الرقمية، بقوتها الهائلة في الإعلام، والترفيه، والإعلان، والاتصال (الشبكات الاجتماعية)، وما إلى ذلك، ولكن أيضاً من خلال القدرة الرائعة على التأثير بسبب إلى الكم الهائل من المعلومات التي يجمعونها من مستخدميهم، وهي ميزة قوية وحصرية لوسائل الاتصال هذه.
من هذا المنطلق نجد أن التركيز الكبير لقوة الوسائط على نطاق الكوكب واضح بصورة كبيرة. ومع الأسف نرى أن أجندة المعلومات العالمية وشبكات المحتوى والتوزيع (التلفزيون والإنترنت والسينما والكابل …) في أيدي عدد قليل جداً من الشركات، وترتبط الشركات الكبرى ببعضها البعض في معظم الأحيان من أجل مصالح اقتصادية وسياسية.
مقال ممتاز .. لكن تمنيت ذكر وسائل الاعلام العربية..
وسائل الإعلام العربية تتحكم فيها الحكومات