كاتول منديس: الكاتب الذي كتب موته
يُقال أنه عاجلاً أم آجلاً سيضع تاريخ الأدب كل كاتب في مكانه الذي يستحقه، ربما ينطبق هذا الأمر على حالة كاتول منديس، الكاتب الفرنسي الذي كتب بلغة مليئة بالتعاطف والذكاء، وكان من ممثلي المذهب البارناسي الذي ظهر في نهاية القرن كحركة مضادة للحركة الرومانسية المفرطة في الذاتية. في ذلك الوقت الذي ظهرت فيه كتابات كاتول منديس وصفها نقاد عصره بأنها مؤلفات سطحية وغير أصلية.
كاتول منديس
كتب منديس كل شيء عملياً: الرواية، والقصص، والشعر، والمسرح، والأوبرا، إلى آخره. وقد حظى شعره بإعجاب تيوفيل غوتيه وبول فيرلين وغيرهم من كبار الكتاب والشعراء الذين كانوا يتجمعون في منزل لويس كزافييه دي ريكارد. ورغم كل ذلك لم تحصل أعمال كاتول منديس خلال مسيرته الأدبية على المكانة التي تستحقها، إلا أنه حظى بالشهرة العالية لأنه حقق شيئاً لم يحققه أي كاتب آخر. لقد كتب أحداث وفاته قبل عشر أعوام من حدوثها فعلياً. ربما يعقد البعض أنه من الممكن أن يكتب أي كاتب عن أحداث المستقبل القريب ويتنبأ ببعض الأمور فيصيب فيها. لكن مع الكاتب الفرنسي لم يحدث ذلك، فلم يتنبأ بموته فحسب، بل كتب جميع التفاصيل المرتبطة بموته بدقة منقطعة النظير، لتبدو هذه التفاصيل التي قدمها وكأنها مجرد وصف وصف لما سيحدث بالفعل. فماذا حدث بالضبط؟
الكابوس المُفزع
بدأ كل شيء في صباح أحد أيام شهر فبراير عام 1899. استيقظ كاتول منديس مفزوعاً من كابوس رأى فيه نفسه، في منتصف ليل الشتاء يعاني من نزيف حاد لساعات داخل نفق مظلم. كان يصرخ بكل ما أوتي من قوة طلباً للمساعدة. ولكن لم يكن هناك من يمكنه مساعده في تلك اللحظة. شعر بأنه ينزف حتى الموت، وإنه يفقد قوته رويداً رويداً. وأن موته يقترب شيئاً فشيئاً. وهو ما أكده له صوت آتاه من بعيد يقول له: “هذه هي النهاية”.
بعد سماع هذه العبارة يستيقظ من نومه خائفاً يرتجف. وبعد أن استجمع قواه من أثر ذلك الكابوس المرعب، أسرع إلى تسجيل وكتابة كل ما حدث في حلمه حتى لا يضيع منه أياً من تفاصيله إذا ما خانته الذاكرة. وبعد تلك الليلة شرع منديس في سرد هذا الحلم بطريقة شعرية لأصدقائه وزملائه في المجتمع الأدبي.
اقرأ أيضًا: سيرة حياة فرجينيا وولف من الولادة وحتى الانتحار |
موت كاتول منديس
كانت القصة ستبقى مجرد حكاية أدبية لولا حقيقة اكتشاف جثة كاتول منديس في 7 فبراير 1909. أي بعد عشر سنوات فقط من كابوسه الرهيب في نفق للسكك الحديدية في سان جيرمان. في البداية كان يُشتبه في أن الكاتب فتح بابا عربة القطار الذي كان يحمله عن عمد. وأنه ألقى بنفسه على القضبان للانتحار، ولكن بعد تحقيقات الشرطة اكتشفت ما حدث بالفعل لمنديس. فماذا حدث؟
اقرأ أيضًا: سيلفيا بلاث: الكاتبة التي أرادت أن تكون الإله |
هذه هي النهاية
غادر الكاتب محطة سان لازار في باريس الساعة 12:13 ليعود إلى منزله في سان جيرمان بعد تناول العشاء مع أصدقائه. أمضى جزءاً من الرحلة نائماً في عربة كان فيها بمفرده. توقف القطار عمد مدخل النفق، وظن منديس، وهو في حالة بين النوم واليقظة أن القطار وصل إلى وجهته. لذلك دون أن يفكر مرتين، فتح الباب للنزول، ولكن حظه كان سيئاً لدرجة أن القطار في تلك اللحظة استأنف مسيرته، وفقد كاتول منديس توازنه ومن ثم سقط على المسار.
قطعت العربة التي كانت تتحرك إحدى قدميه، وشرع ينزف، ثم أعيد إنتاج مشهد الحلم الذي رآه قبل عشر سنوات بدقة مدهشة: في الليل وبداخل نفق مظلم كان كاتول منديس يتألم لساعات، وينزف حتى الموت ويطلب المساعدة دون أن يساعده أحد. ليس معروفاً على وجه اليقين ماذا كان شعوره حينها، ولكن من المحتمل جداً أن تكون آخر جملة خطرت في ذهنه قبل وفاته هي: “هذه هي النهاية”.