التنافر المعرفي: رحلة التغلب على القناعات الهشة
لماذا نميل إلى التعاطف والكراهية بشكل متزايد؟ ولماذا يبدو لنا أن بعض الناس يمتلكون كل الفضائل، في حين يبدو لنا البعض الآخر أن لديهم عيوباً؟ لماذا من السهل أن نشعر بخيبة الأمل من أولئك الذين نكن لهم الكثير من الحب والإعجاب؟ ولماذا كل القرائن تثبت لنا أننا على حق عندما نكره شخصاً ما؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في أنفسنا، فيما أسماه عالم النفس الاجتماعي ليون فيستنجر بالتنافر المعرفي. فما هو التنافر المعرفي؟ وما هي أسبابه؟ وكيف يمكننا تجنبه أو علاجه؟ دعونا نخوض معاً رحلة إلى أغوار النفس البشرية لنتعرف بشكل أكثر تفصيلاً على هذا الموضوع الشيق.
ما هو التنافر المعرفي؟
التنافر المعرفي هو مصطلح يُستخدم في علم النفس الاجتماعي للإشارة إلى الصراع الداخلي عندما تكون هناك فكرتين تعارض كل منهما الأخرى. بمعنى أبسط، عندما تتعارض فكرة معينة مع المعتقدات والقناعات المغروسة بداخلنا. هذا التعارض يخلق عدم الارتياح، وبالتالي يصعب إيجاد حل أو مخرج.
يعلم المدخن أن التدخين مضر لصحته، ومع ذلك لا يزال يدخن، مع شعوره بالذنب. هنا يحدث التنافر المعرفي بين فكرتين: “التدخين ضار بالصحة” و “يجب أن أكون بصحة جيدة”. ولكن بدلاً من الإقلاع عن التدخين أو الشعور بالسوء لاستمرار التدخين، يسعى الشخص إلى تبرير فعلته قائلاً لنفسه: “سأموت على كل حال بسبب شيء ما” أو “ما الفائدة من العيش طويلاً إذا لم استمتع بالحياة”.
يعتقد معظم الناس أن الخيانة الزوجية فعل شنيع، وأنهم لن يخونوا شركائهم، ولا يريدون أن يعانوا أنفسهم من الخيانة، ومع ذلك يقدم البعض على اقتراف الخيانة. هنا يحدث تنافر بين الفكرة الأولى التي يؤمنون بها، وما فعلوه للتو. لكن بدلاً من الاعتراف بالخطأ تبدأ عملية تبرير الخيانة من خلال إلقاء اللوم على الشريك الآخر بأفكار مثل: “إنه لا يهتم بي” أو “فعلت ذلك بسبب أنه يقضي الكثير من الوقت مع أشخاص آخرين أكثر مما يقضيه معي”. وما إلى ذلك.
الطالب الذي يقدر قيمة الصدق قد يواجه تنافر معرفي إذا غش في الاختبار، وعلى الرغم من علمه بأن الغش أمر سيء إلا إنه يشعر بالضغط للحصول على درجة جيدة، وبدلاً من أن يتخلى عن فكرة الغش، يشرع في تبرير ما يفعله بإخبار نفسه أن “الجميع يفعلون هذا الأمر”.
الأفكار النمطية
تزخر معرفتنا اليومية بالأحكام المسبقة والصور النمطية، والقناعات الموروثة عادة من البيئة التي نعيش فيها. ونحن نميل إلى التمسك بهذه القناعات دون انتقاد. يمكننا أن نرى مثل هذه القناعات بوضوح في الأمثال التي غالباً ما تغذيها الصور النمطية. ونستشهد بها في كثير من المواقف التي نتعرض لها، وربما تكون أحياناً على حق ولو جزئياً، أو ربما تكون على حق في وقت معين وفي سياق معين، إلا أننا ندافع عنها دون إخضاعها لأي اختبار. لكن لماذا نفعل ذلك؟
يوضح علم النفس العديد من الأسباب المعقولة التي تجعلنا نفعل ذلك. وأحد هذه الأسباب هو أننا لا نملك الوقت لمراجعة وتحليل وتبرير كل المعتقدات التي تدعم أفعالنا اليومية. حيث يتطلب العمل في مجتمعنا الإنتاجي الاستهلاكي الكفاءة والواقعية، ولا سبيل في مثل هذا المجتمع إلى التأمل والتحليل. كما يفرض علينا المجتمع نماذج معينة من العلاقات لا ينبغي انتهاكها إذا كان المرء لا يريد أن يبدو سيئاً أمام المجتمع. لذا ينبغي على الإنسان أن يطبق هذه الصور النمطية التي أثبتت فعاليتها أو على الأقل التي يتقاسمها الجميع.
لكن يحدث أحياناً أن هذه الصور النمطية لا تحل المشاكل التي نتعرض لها في حياتنا اليومية، لذا علينا أن نخترع معرفة أخرى. بمعنى أن نتصور فرضيات جديدة، ونجرب شيئاً مختلفاً، ونحن نفعل ذلك باستمرار، ولكننا لا نجرؤ على القيام بمحاولات تتعارض مع الصور النمطية الأساسية. والقليل منا فقط هم من يجرؤن على الابتعاد عن تلك الصور النمطية التي تم اعتبارها حقائق عقائدية مقدسة. فمن الأفضل أن تكون مخطئاً ضمن الصورة النمطية بدلاً من أن تكون على صواب من خلال الابتعاد عنها، والأكثر من ذلك: من يرتكب خطأ ضمن الصورة النمطية سيجد دائماً عذراً، ومن يخطئ خارجها سيُتهم دائماً بعيب ما.
حاجة الإنسان إلى الأمن
يحدث هذا بسبب تلك الحاجة الإنسانية الملحة وهي الأمن. نحن نفضل الخطأ الآمن على النجاح المحفوف بالمخاطر. ويمكننا دائماً إلقاء اللوم على المجتمع والناس والظروف بدلاً من الاضطرار إلى افتراض أو تبرير أو إخفاء حماقتنا. وهناك شيء أكثر أهمية: فما دمنا ملتزمين بما هو مقبول عموماً، فإن العالم يظل مكاناً متماسكاً ويمكن التنبؤ به، وبالتالي يمكن التحكم فيه. فالتناقضات تزعجنا، لأنها تجبرنا على إعادة التفكير فيما هو قائم؛ ومن هنا تم الإعلان عن المبدأ الثاقب للتنافر المعرفي. وبسبب التنافر المعرفي، سننكر، أو نعيد تفسير الأدلة التي تتعارض مع مبادئنا المقبولة ونتشاركها، لأن الغالبية العظمى منها في الواقع مبنية اجتماعياً. يدفعنا التنافر المعرفي إلى إسكات أي فكرة أو صوت أو حدث يتعارض مع ما كنا نعتبره أمراً مفروغاً منه. هذه هي الطريقة التي تعزز بها الصور النمطية نفسها.
إن الصور النمطية تميل إلى أن تكون تقليدية، أي مشتركة وموروثة من خلال التعليم أو الضغط من البيئة. وقد يكون هذا هو المكان الذي تكمن فيه قوتها الأعظم. نحن بحاجة إلى أن نشعر بأننا جزء من مجموعة اجتماعية، وأن نستخدم أعرافها عند التطور والتواصل داخلها، وأن نلتزم بقواعدها إذا أردنا أن نكون مقبولين، ونحتل مكاناً آمناً داخل مجموعتنا البشرية. ونحن نفضل التكيف بدلاً من القيام بالأمور على النحو الصحيح: وهي ميزة قصيرة الأجل أدت إلى أخطاء فادحة.
قناعات هشة
لقد أظهر علم النفس الاجتماعي إلى أي مدى تميل قناعاتنا إلى أن تكون غير عقلانية من خلال التأثير والتكرار. هكذا نتصور – كما يعلم ذلك المعلنون ومروجو الشائعات – إن الحقيقة هي مسألة قوة، وغالباً ما تسود يقينيات غريبة بسبب التأثير والتكرار، وليس بسبب أنها حقائق. نحن على قناعة بأن لدينا مبادئ ثابتة ومواقف راسخة، وحقائق مفترضة نعتبرها ثابتة. ومع ذلك، فإن الكثير منها مجرد بقايا عادات، مما يجعلها مجرد أوهام تفتقد شرعيتها. لقد صدقناها ليس لأنها بدت صالحة لنا، بل لأن هناك سلطة ما غرستها فينا. ولأنهم كرروها علينا بإصرار وأقنعونا بها فلا يمكن أن يشكك أحد فيها. وهذا هو ما يتكون منه تعليمنا الأول، وما تلقيناه في طفولتنا المبكرة. لقد غرس فينا آباؤنا مبادئهم، ليس بالضرورة لأنها بدت صادقة بالنسبة لهم، ولكن لأنها كانت مبادئهم، وكان ذلك كافياً لنا أيضاً.
أما الآن فمن المفترض علينا نحن البالغين أن نفكر بأنفسنا، ويمكننا إخضاع ما ورثناه للتدقيق النقدي. لكننا لا نفعل ذلك عادةً. فالعديد من معتقداتنا متشابكة للغاية مع هويتنا بحيث يبدو أنها لن تستمر بدونها. وهناك قناعات سترافقنا طوال حياتنا دون أن نجرؤ على التشكيك فيها، حيث نشعر بأنها أسسنا.
لكن ماذا عن تلك الأفكار الأخرى، تلك التي نصنعها لأنفسنا طوال حياتنا؟ نود أن نعتقد أن هذه على الأقل هي نتيجة للتفكير الواعي، لجهودنا الشخصية للفهم. ولكن في كثير من الحالات، ليس هذا هو الحال. فنحن نستمر في تصديق المظاهر على وجه التحديد كما تبدو؛ نستمر في إقناع أنفسنا بما يغرسه فينا الأشخاص من حولنا، أولئك الذين ننسب إليهم مكانة معينة، أو ببساطة أولئك الذين يشكلون جزءً من مجموعاتنا المرجعية. ومن المرجح أن آراء صديق ستقنعنا أكثر من حقائق شخص غريب عنا، إلا إذا بدا لنا وقد مسته هالة الهيبة أو السلطة. أي أننا نؤمن لأننا نثق بالشخص أكثر من الحجج المقنعة.
البحث عن أسباب التنافر المعرفي
تخبرنا نظرية التنافر المعرفي لفستنجر أنه بمجرد أن يترسخ بداخلنا قناعة ما، سنجد ألف طريقة للتوافق معها، وسنتجاهل كل ما يخالفها. فإذا كنت على قناعة تامة بأن زميلاً لك في العمل حقير، فسوف تميل إلى رؤية كل ما هو حقير فيه فقط، وستغض الطرف عن كل شيء آخر. وإذا لم تستطع منع نفسك من رؤية حقارته، فسوف تبحث عن أسباب لتقنعه بذلك، أو تعمل على تشويه سمعته بين زملاء العمل من خلال إقناعهم بمدى حقارته، وإذا استلزم الأمر ستستفزه أو تضايقه أو تسيء إليه حتى يتصرف كنا تتوقع منه. أما إذا حاولت أن تكون لطيفاً معه، فستعتبر ذلك نفاقاً. لكن لماذا تفعل ذلك؟ الإجابة ببساطة، لأن هذا سيعزز قناعاتك، وهذه هي الطريقة التي تتمحور حولها جميع علاقاتنا كما نتوقعها بشكل أو بآخر.
نتصرف بهذه الطريقة على الأقل لسببين: أولاً، لأن عالمنا يصبح بهذه الطريقة أكثر قابلية للتنبؤ، ويحتل الناس فيه مكاناً مستقراً، وهذا ما يمنحنا الأمان دائماً. نفعل ذلك خلال مشاهدة الأفلام، فعندما يتصرف الشخص الطيب فجأة بشكل شرير نشعر بعدم الارتياح، وكذلك نشعر إذا تصرف الشخص الشرير بطيبة. وثانياً، لأننا نشعر بالتحسن والراحة عندما تكون الأمور على ما يرام، ولا نشعر بالراحة إذا لم تسر كما نتوقع. إننا نريد أن يسير العالم وفق إرادتنا وتوقعتنا، وإذا لم يعمل بهذا الشكل فإننا سنشرع بالشك في أنفسنا باعتبار أننا كنا على خطأ، وهذا الأمر ليس لطيفاً بالنسبة لاحترامنا الهش لأنفسنا.
هل الاعتراف بالخطأ فضيلة؟
هل لاحظت كم من النادر أن نعترف بأخطائنا؟ لإن الاعتراف بالخطأ يعني أنه موجود، وطالما أننا ننكره، سيكون هناك دائماً احتمالية لعدم وجوده. ولا أحد يريد أن يكون على خطأ. ويبدو أن هذا الإنكار له تأثير سحري مغير للواقع، وهذا يشبه كثيراً ما نفعله عندما نرى شيئاً مقززاً أمام أعيننا فجأة، فالتصرف الطبيعي هو أننا نحول رؤيتنا عنه، وكأننا نريد أن ننكر حدوثه. نفس الشيء تفعله الأم عندما تتجاهل سلوكاً سيئاً في طفلها على الرغم من أنه يزعجها في جميع الأطفال الآخرين. وكم تحيرنا فكرة عدم رؤية شخص ما لشيء نراه نحن بوضوح؟ يمكننا أن نشعر بذلك عندما نجد الحبيب لا ير ما تفعله حبيبته من إهانة الآخرين على الرغم من أن الأمر واضح للجميع. وعلى العكس من ذلك يمكن أن يرى شخص ما سلوكيات سيئة في شخص آخر، في حين أن البقية منا يجدونه شيء طبيعي أو عادي.
نحن نرى ما نريد أن نراه، ونفهم العالم كما نريد أن نفهمه، ونقاوم بشدة الاعتراف بأن الأمور يمكن أن تكون خلاف ذلك. ولكن هناك شيء أكثر إثارة للدهشة، وهو أننا نقوم بتشكيل العالم من حولنا وفقاً للصورة التي لدينا عنه، وندفع الأحداث في الاتجاه الذي نتوقعه، ومن الأمثلة على ذلك النبوءات الشهيرة التي تحقق ذاتها؛ فإذا كنا مقتنعين بأن شخصاً ما لا بد أن يفشل، فمن المرجح أننا – حتى دون أن ندرك ذلك – سوف نجعله يفشل. ومن غير المرجح أن نغير موقفنا تجاه الآخرين، ولهذا السبب من السهل جداً أن يبدأ الصراع ومن الصعب جداً حله.
التغيير للأفضل أم للأسوأ
يحدث أيضاً شيء غريب فيما يتعلق بمفهومنا عن الآخرين، فمن الأسهل أن نتغير إلى الأسوأ بدلاً من التغيير إلى الأفضل. ويبدو هذا منطقياً من منظور نظرية التنافر المعرفي. فالتغيير نحو الأفضل يضعنا دائماً على المحك، ويخبرنا أننا كنا على خطأ في السابق، وهو ما لا نقبله. وعندما يخذلنا شخص ما نُلقي اللوم عليه، ونعتقد أنه خدعنا. فلا أحد تقريباً يريد أن يعترف بالخطأ، والأسهل بالنسبة لنا هو إلقاء اللوم على الآخرين أو على الظروف أو على أي شيء. المهم أننا لم نخطئ، ولكن لماذا؟ لأننا نظهر أفضل صورة لدينا على الدوام، وهذا ما ينهار عندما نرتكب خطأ.
يرى فستنجر أن التنافر يعمل معرفياً، أي من الأفكار. إن تصادمات القناعات هي التي تخلق فينا الانزعاج، وتدفعنا إلى إنكار ما لا يتناسب مع رؤيتنا للأشياء. فإذا كنت مقتنعاً بأن جارك شرير، فلن ترى فيه سوى نوايا سيئة. لكن في الواقع لا يتعلق التنافر المعرفي بالأفكار بقدر ما يتعلق بالمشاعر أو العواطف. وربما ينبغي علينا تسميته التنافر العاطفي فهذا هو المسمى الأقرب له، لأن العلاقات الإنسانية تسترشد بالمشاعر أكثر من الأفكار؛ أو بالأحرى، تخضع الأفكار دائماً للمشاعر، وتتكيف معها، وتنميها، وتدعمها.
إن بداية كراهية جارك الذي تقتنع أن سيء غالباً ما تكون موجودة عميقاً في اللاوعي. فربما كرهته بسبب تفاصيل غير عقلانية مثل لفتة تذكرك بأمك القاسية، أو نبرة صوت تشبه شخص ضربك وأنت صغير. وخلف ذلك تأتي الأسباب التي تؤكد ما نعتقده، فالشخص غير الودود يكون قذراً أو مزعجاً أو غبياً أو خبيثاً. ومن السهل دائماً العثور على الأسباب التي تثبت أننا على حق، وتجاهل الأسباب التي تناقض ذلك الشعور. وبهذه الطريقة، نجعل حياتنا تبدو أسهل.
كيف تتغلب على التنافر المعرفي؟
هناك طريقتين لا ثالث لهما حتى تتخلص من التنافر المعرفي، إما أن تغير أفعالك أو أن تغير معتقداتك. ومن الضروري أن تفهم ما تقدره أكثر قبل أن تحاول التغيير. وربما تتعرض لضغوط من المجتمع أو الشخصيات الموجودة في حياتك لتتصرف بطريقة معينة تتعارض مع معتقداتك الراسخة، لذا أول شيء يجب فعله هو أن تحدد قيمك وتفهمها. وبعدها ستفهم الأسباب الكامنة وراء أفعالك بشكل أفضل.
الصدق مع النفس
الاعتراف بالخطأ هو بداية الطريق الصحيح. إن كونك صادقاً مع نفسك والآخرين بشأن معتقداتك وأفعالك يمكن أن يجعلك تشعر بالتحسن، لذا فإن الاعتراف بالأخطاء هو الخطوة الأولى لتصحيح المشكلة. لذا كن واعياً بخطئك وسامح نفس والتزم بالمضي قدماً.
طلب المساعدة
يمكنك طلب المساعدة من الأصدقاء والمقربين، ويمكن أن يأتي الدعم في شكلين، أولهما أن تطلب من الأشخاص من حولك قبول معتقداتك، أو أن تطلب منهم مساعدتك على تحقيق هدفك، وعليك أن تتذكر أنك الوحيد المسؤول عن أفعالك. على سبيل المثال تتعارض فكرة التدخين مع الحفاظ على الصحة، لذا يمكنك أن تطلب من أصدقاء المدخنين عدم الضغط عليك في تدخين سيجارة، أو أن تطلب منهم ألا يدخنوا في حضورك.
لا توجد نسخة مثالية
إن محاولتنا أن نصبح نسخة مثالية من أنفسنا تنتج إحباطاً أكثر من الرضا. لذا يجب علينا أن نتقبل فكرة أننا لدينا عيوباً ولا أحد كامل، وعلينا أن نفترض جهلنا بموضوعات معينة، فهذا أمر لا مفر منه، فلا يمكن لأحد أن يعرف كل شيء. ولذلك فالشعور بأن عدة أفكار تتصادم مع بعضها البعض لا يدل على أننا نعاني من مشاكل، بل هو شيء طبيعي، نتيجة تعقيد العالم وعدم قدرتنا على الفهم الفوري لكل ما يحدث حولنا.
التنافر المعرفي فرصة للتعلم
التنافر المعرفي ليس عائقاً بسيطاً؛ إنه فرصة للتعلم، ففي بعض الأحيان يشير التنافر إلى فجوة في المعرفة، وفي أحيان أخرى يشير إلى أننا نتصرف في موقف ما بطريقة غير منطقية. وهذا الأمر يوفر لنا معلومات إما عن معتقداتنا أو عن أنفسنا، لذا لدينا الفرصة لاستخدام ذلك لتحسين حياتنا إما من خلال العودة للتعلم أكثر حول موضوع ما أو من خلال تدريب قدرتنا على المرونة والتكيف بشكل أفضل مع المواقف التي لم نكن على استعداد كامل لها.
عالم معقد
تظهر ظاهرة التنافر المعرفي أننا نميل إلى الحفاظ على قناعاتنا الشخصية، ولا يسعدنا التخلي عنها، والاعتراف بأنها على خطأ، واستبدالها بغيرها. وإذا قررنا التخلي عنها فعادةً ما يكون ذلك بعد المقاومة على مضض، ولكن بمجرد أن نتخذ هذه الخطوة، فإننا ندافع عن تلك الفكرة الجديدة بنفس العناد كما لو أنها رافقتنا طوال حياتنا.
نحن نعرف أن الحياة محدودة، وتكون التجارب دائماً غير كاملة أو متحيزة أو جزئية، لكن ما يهمنا أكثر هو حقيقة أن الآخرين يعتبرون هذه الأفكار صحيحة، فمن الصعب جداً أن نكون ضد الجماعة، وأن نسبح ضد التيار، لأننا لا نحب أن نكون وحدنا حتى في قناعاتنا. وفي النهاية، ما يبقى هو ما يؤثر، وما يخترق جلد اللامبالاة القاسي ويستحوذ على الاهتمام.
لكن الحياة معقدة ودائماً ما تنزلق من خلال الشقوق. ولذلك، فإن تجنب التنافر المعرفي يتطلب جهداً دائماً، وهي مهمة مرهقة تنتهي عادةً بالفشل. دعونا نتشكك في أحكامنا المسبقة، واستنتاجاتنا المتسرعة، ومواقفنا النمطية تجاه الآخرين. لأن الآخرين دائماً ما يتجاوزون معاييرنا ذات البعد الواحد. ولن تكن أفكارنا أكثر من مجرد أفكار، أو صور غير مكتملة تحملها رياح الواقع، وتنتهي دائماً برميها بعيداً مثل أوراق الشجر، تاركة في الهواء عالماً أكثر تعقيداً ومليئاً بالفروق الدقيقة.
المراجع
1. Author: Alexandre Bran and David C. Vaidis, (03/23/2020), On the Characteristics of the Cognitive Dissonance State: Exploration Within the Pleasure Arousal Dominance Model, www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved: 04/12/2024. |
2. Author: Leon Festinger, (10/30/1962), Cognitive Dissonance, www.jstor.org, Retrieved: 04/12/2024. |
3. Author: Sebastian Cancino-Montecinos, Fredrik Björklund, and Torun Lindholm, (11/11/2020), A General Model of Dissonance Reduction: Unifying Past Accounts via an Emotion Regulation Perspective, www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved: 04/12/2024. |
4. Author: David C. Vaidis and Alexandre Bran, (05/29/2019), Respectable Challenges to Respectable Theory: Cognitive Dissonance Theory Requires Conceptualization Clarification and Operational Tools, www.frontiersin.org, Retrieved: 04/12/2024. |
5. Author: Harold H. Kassarjian and Joel B. Cohen, (10/05/1965), Cognitive Dissonance and Consumer Behavior, www.journals.sagepub.com, Retrieved: 04/12/2024. |
وجهة نظر منطقيه وصحيحه نحن نتاج ما نفكر به وكل متوقع هو آت فتوقع الأجمل
معك حق أستاذتي الفاضلة