ثقافة

كيف كانت حياة أذكى شخص في التاريخ؟

قامت جمعية عباقرة العالم Super Scholar بوضع تصنيف للأشخاص الأحياء الذين لديهم أعلى معدل ذكاء على الكوكب بأسره. وبرزت سلسلة من الحقائق المثيرة للاهتمام في هذا التقرير، منها أن الشخص العادي تتراوح درجة ذكاءه بين 90 و110، وهو ما يمتلكه 50% من البشر. وهناك 2.5% أقل من هذا المتوسط، و2.5% أعلى. وحوالي 0.5% فقط تتخطى درجة ذكائهم 140، وهم ما نعتبرهم عباقرة. القائمة التي وضعتها الجمعية تضم شخصيات من جميع مناحي الحياة (علماء، رجال أعمال، فنانين)، لكن ما يلفت الانتباه بشكل خاص هو الشخص صاحب أعلى معدل ذكاء في العالم، عالم الرياضيات تيرنس تاو الذي وصل إلى 230 درجة، ومع ذلك فلا يزال بعيداً عن الدرجة التي حصل عليها جيمس سيديس الذي يعتبر أذكى شخص في التاريخ. حيث كان درجته تتراوح بين 250 و300 (التقدير تقريبي لأن الاختبارات التي استخدمت لقياس درجة ذكاءه ليست هي الاختبارات الحالية).

الطفل المعجزة

يعتبر جيمس سيدس أذكى شخص في التاريخ، ومن الواضح أنه لم يمر دون أن يلاحظه أحد في العالم، وقد أصبحت حياته مزيجاً من الواقع والأسطورة. تعلم سيديس التحدث في سن ستة أشهر. وكان قادراً على قراءة صحيفة نيويورك تايمز من الغلاف إلى الغلاف عندما بلغ من العمر عاماً ونصف. كان شغوفاُ بتعلم اللغات، لدرجة أنه عندما بلغ سن الثامنة أجاد التحدث بثمان لغات (الإنجليزية واللاتينية واليونانية والفرنسية والروسية والألمانية والعبرية والتركية والأرمنية). ولم يكتف سيديس بذلك بل اخترع لغته الخاصة التي أطلق عليها اسم “فيندرجود”. ويُقال إنه عندما مات كان يعرف كيف يتحدث بمائتي لغة مختلفة، على الرغم من أن الرقم مبالغ فيه بالتأكيد.

التحق سيديس في سن الثامنة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وفي العام التالي حاول والده تسجيله في جامعة هارفارد، لكن رفضته إدارة الجامعة نظراً لصغر سنه. وبعد ذلك بعامين أي في عام 1909 وعندما كان يبلغ من العمر 11 عاماً وافقت الجامعة على قبوله من خلال برنامج للطلاب الموهوبين. حطم سيديس الرقم القياسي لكونه أصغر شخص يلتحق بجامعة هارفارد على الإطلاق.

درس سيديس الطب، وحصل على شهادة من الجامعة. وكانت مهنة الطب أولى المهن السبع التي عمل بها طوال حياته. حيث جرب حظه في تدريس الرياضيات بجامعة رايس في هيوستن. لكنه اضطر إلى ترك وظيفته لأنه أصبح هدفاً للسخرية والتنمر. ألف سيديس خلال حياته أربعة مؤلفات في الرياضيات. كما كتب العديد من المقالات في علم التشريح. هذه الأعمال العلمية الرائعة جعلته بؤرة اهتمام الرأي العام.

اقرأ أيضًا: كتب عن الحياة والنجاح وتطوير الذات ستهز عالمك

أزمة وجودية

بعد وقت ألقت الشرطة القبض عليه خلال اشتراكه في مسيرات شيوعية في نيويورك وبوسطن. وقد أعلن هو نفسه أنه معترض على ما يحدث حوله في العالم. كما أعلن إلحاده واعتناقه الفكر الشيوعي.

حاول والده أن يثنيه عن الطريق الذي يسير فيه، ولما بائت محاولاته بالفشل فكر في إمكانية وضعه في مستشفى للأمراض العقلية. كان الطفل المعجزة بؤرة اهتمام الرأي العام، نظراً لما آلت إليه حياة سيديس بعد مسيرة حافلة من النجاح الأكاديمي والعلمي. سئم جيمس سيديس من كل شيء، وأراد الانفصال عن ماضيه، وابتعد عن والديه وتخلى عن الرياضيات إلى الأبد. ومنذ تلك اللحظة مر بمهن مختلفة، أنهى بعضها وتخلى عن البعض الآخر بدافع الملل، دون أن يتفوق في أي تخصص آخر. وفي النهاية عمل بالعديد من الوظائف التي كانت أقل بكثير من مستواه الفكري من أجل البقاء على قيد الحياة فقط، إلى أن تُوفي في عام 1944 بسكتة دماغية بعد أن عاش فترة طويلة في عزلة مطلقة. ولم يتذكره العالم سوى أنه كان أذكى شخص في التاريخ.

اقرأ أيضًا: أهمية الثقافة: كيف تؤثر الثقافة على الأفراد والمجتمعات؟

العقل اللامع ليس ضماناً للنجاح

الشيء المثير للفضول في قصة جيمس سيديس المأساوية هو أنه على الرغم من كل إمكاناته العقلية والفكرية، لم يترك إرثاً مدوياً يمكن نقله إلى الأجيال القادمة باعتباره أحد أفضل العقول في التاريخ. إن ظروف حياته هي دليل حي على أن العقل اللامع ليس ضماناً للنجاح. لقد اتبع والده العديد من الأساليب غير التقليدية معه منذ ولادته، حتى إنه كان يلجأ إلى تنويمه مغناطيسياً وهو مجرد طفل. الجديد بالذكر أن والده كان عالم نفس بجامعة هارفارد. وكان يرى أن أساليب التعليم الموجودة تحد من قدرات الطفل العقلية. لذا اتبع معه أساليب أخرى. ورغم كل ذلك شعر الطفل المعجزة بإحباط شديد طوال حياته، ولم يعرف أبداً كيف يجد مكانه في العالم.

كان من الممكن أن يصل إلى مستوى عالِ للغاية في مجاله العلمي، وأن يتذكره التاريخ على الدوام، إلا أن ذلك لم يحدث. هذا الأمر أدى إلى إثارة نقاش هام لا يزال حياً حتى وقتنا الحالي حول أنسب الأساليب التعليمية والتربوية التي يمكن استخدامها مع هذا النوع من العقول المتميزة.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

  1. طبعا البيئة والظروف المحيطة لها تأثير كبير على نفسية الطفل حتى وان كان اذكى واحد في العالم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!