هناك العديد من الكتب التي غيرت العالم، وكان لها عظيم الأثر على شعوب بأكملها. لقد كتب الفيلسوف الأمريكي رالف والدو إيمرسون ذات مرة قائلاً “إن قراءة كتاب يمكنها تقرير مسار حياة إنسان“، ولكن هناك كتباً شديدة الأهمية ومؤثرة لدرجة أن لديها القدرة على تقرير مسار حياة الآلاف من البشر إن لم يكن الملايين. لكن محاولة وضع قائمة بمثل هذه الكتب، واستبعاد البعض ليست مهمة سهلة، نظراً لأن حساب التأثير الدقيق لكتاب ما على الإنسانية أمر مستحيل عملياً. فلا يمكننا معرفة كيف أثر هذا الكتاب أو ذاك على العالم، كما لا يمكننا تخيل شكل العالم في حالة عدم وجوده.
في عام 1998 نُشر كتاب للكاتب البريطاني مارتن سيمور سميث تحت عنوان “المائة كتاب الأكثر تأثيراً على الإطلاق”. ويمكن اعتباره موسوعة عظيمة تتضمن في طياتها أفضل مجموعة من الكتب المؤثرة والأعمال الأدبية كذلك. وإذا شعر القارئ بأن هذا العمل ربما يكون مكتملاً إلى حد ما فيرجع ذلك إلى أنه وسع النطاق لدرجة كبيرة.
وفي وقت لاحق وبالتحديد في عام 2006 تجرأ الكاتب الإنجليزي ميلفين براغ على تقليص القائمة بعمله ” اثني عشر كتاباً غيرت العالم”. لكن هذا الكتاب أثار العديد من الانتقادات، نظراً لأنه أغفل العديد من الكتب الهامة التي كان لها عظيم التأثير على البشرية. وفي عام 2008 حاول الأديب الإنجليزي أندرو تايلور مرة أخرى ونشر كتاباً تحت عنوان “الكتب التي غيرت العالم” وهي موسوعة حققت نجاحاً كبيراً. وعلى أية حال سنستعرض في هذا المقال الكتب التي غيرت العالم دون الخوض في تقييم ما إذا كانت هذه التغييرات إيجابية أو سلبية. ولك أن تعلم عزيزي القارئ أن هذه القائمة بمثابة رؤية شخصية وذاتية تتضمن الكتب الأكثر تأثيراً مع تنحية الأعمال الأدبية جانباً.
الكتاب المقدس
لا يمكننا وضع قائمة تتضمن الكتب التي غيرت العالم دون أن نبدأها بالكتب الدينية. وبالتالي يكون الكتاب المقدس على رأس هذه القائمة. فهو الكتاب الذي غيّر وجه العالم عن كل ما كان موجوداً من قبله. فمنذ تحول الإمبراطورية الرومانية من الوثنية إلى المسيحية انتشر هذا الدين في جميع أنحاء العالم. واتسعت رقعة المؤمنين به لتصل إلى ما يقرب من ملياري مسيحي اليوم. والجدير بالذكر أن أول نسخة طبعت من هذا الكتاب كانت نسخة جوتنبرج المطبوعة للكتاب المقدس. وهو كذلك أكثر الكتب المترجمة بجميع لغات العالم تقريباً، حيث تُرجم إلى 2500 لغة، كما بيعت منه ما بين 4 إلى 6 مليار نسخة حول العالم.
القرآن الكريم
يتبع القرآن الكريم الكتاب المقدس من حيث التأثير والأهمية. وتكمن أهمية القرآن الكريم بالنسبة للمسلمين في أنه أكثر من مجرد كتاب، فهو وحي منزل من الله. ويحفظ المسلمون آياته عن ظهر قلب، ويتلونه في كل مكان وزمان. تشير العديد من المصادر إلى أن أول نسخة مطبوعة من القرآن الكريم كانت عام 1530 في مدينة البندقية. ولكن السلطات الكنيسة أمرت بحرقها فور طباعتها. ولم يُنشر أول مصحف مطبوع حتى عام 1801 في مدينة قازان بجمهورية تتار ستان التي تقع في قلب روسيا الاتحادية. كما تُرجم القرآن الكريم إلى لغات أقل بكثير من الكتاب المقدس، نظراً لأن المسلمين يعتبرون أن ترجمات القرآن ليست نسخاً أصلية بل مجرد نصوص تفسيرية. وبهذا المعنى يتعاملوا معها على أنها كتب عادية. والقرآن الكريم هو واحد من أهم الكتب التي غيرت العالم إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك حوالي مليار ونصف مسلم في العالم.
محاورات أفلاطون
تعد محاورات أفلاطون الأساس الذي استندت عليه الثقافة الغريبة. وكان لها عظيم الأثر والأهمية في تاريخ الحضارة الأوروبية لدرجة أن عالم الرياضيات والفيلسوف الإنجليزي ألفريد نورث وايتهيد
قال عنها: “إن كل الفلسفة الغربية لا تمثل أكثر من شذرات من المحاورات الأفلاطونية”. تتضمن محاورات أفلاطون ستة وثلاثون محاورة منسوبة إليه نُشرت في تسعة مجلدات. ومن الصعب جداً اختيار إحدى محاوراته لتعلو فوق البقية. فلم يضع أفلاطون في هذه المحاورات أسس الفلسفة فحسب، بل أسس السياسة والعلوم وعلم النفس والأخلاق وعلم الجمال ونظرية المعرفة. وكان لها تأثير حاسم على جميع الفلاسفة الذين أتوا من بعد بداية من تلميذه أرسطو حتى فلاسفة العصر الحديث.
اقرأ أيضًا: أفضل كتب علم النفس لتبسيط العالم من حولك |
الماجنا كارتا – الوثيقة العظمى
الماجنا كارتا هي الميثاق الأعظم للحريات. ظهرت هذه الوثيقة في إنجلترا عام 1215. وأمامها وجد الملك جون الأول نفسه بلا أرض وسلطته مقيدة بالقانون أمام النبلاء. تمثل الماجنا كارتا أساس الديمقراطية الحديثة حتى أن العديد من مبادئها مازال يتردد صداها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بينما تتضمن هذه الوثيقة تنظيم أمر الإحضار لتجنب الاعتقالات والاحتجازات التعسفية، وفصل سلطة الكنيسة عن الدولة. إنها عملياً نقطة البداية للعملية التاريخية التي تطور عبرها القانون الدستوري في العالم. وكان لها أهمية قصوى في استعمار أمريكا. حيث استخدمت الوثيقة كنموذج للعديد من المستعمرات. اُلغيت معظم بنود الوثيقة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولم يتبق منها حالياً إلا ثلاثة بنود كجزء من قانون إنجلترا وويلز. وصفها اللورد ديننج بأنها “أعظم وثيقة دستورية في كل العصور، وأساس حرية الفردية من السلطة التعسفية للطاغية”.
خطاب المنهج
كتب هذا العمل الفيلسوف رينيه ديكارت. وهو يمثل ولادة المذهب الفلسفي المعروف باسم “العقلانية” الذي يعد أحد أبرز المذاهب في تاريخ الفلسفة. نعلم جميعاً الاقتباس الشهير “أنا أفكر إذن أنا موجود” أصل هذا الاقتباس هو هذا الكتاب. وفيه يشرح لنا الفيلسوف الفرنسي طريقته المبتكرة حتى تكون معرفتنا صحيحة. إنه أحد الأعمال التي لها عظيم الأثر في تطور الفلسفة والعلوم. ويمكن اعتباره واحداً من الكتب التي غيرت العالم.
الجغرافية
هو أطلس جغرافي ومعجم ودراسة عن الجغرافيا كتبه بطليموس في القرن الثاني قبل الميلاد. وقدم فيه منهجيات لعمل رسم الخرائط والإسقاطات، وأطلس يضم 5000 مكان في العالم و27 خريطة للعالم كانت معروفة حتى ذلك الحين. تكمن أهمية الكتاب في حقيقة أنه أرسى أسس وضع الخرائط التي سمحت بزيادة حدود العالم القديم. وعلى الرغم من ضياع الكتاب الأصلي في التاريخ، إلا أن الترجمة العربية التي يرجع تاريخها إلى القرن التاسع وبالتحديد عام 1406 وضعت الأساس لتطوير الاستكشاف البحري ورسم الخرائط في عصر النهضة الأوروبية والخلافة في العصور الوسطى.
اقرأ أيضًا: تأثير الحركة الرومانسية في أوروبا على الفن والأدب والفلسفة |
المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية
إذا كان هناك كتاب يمثل نقطة تحول في تاريخ العلم، فهو كتاب المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية الذي نشره إسحاق نيوتن عام 1687. هذا الكتاب المعروف باسم “المبادئ” يعتبره الكثيرون أهم عمل علمي في التاريخ. بينما يحتوي الكتاب في طياته على إعلان لقوانينه الثلاثة الشهيرة للحركة – أساس الميكانيكا الكلاسيكية – بالإضافة إلى قانونه للجاذبية العامة واشتقاق قوانين كبلر بشأن حركة الكواكب. وعلى الرغم من أن نظريات نيوتن لم تلق القبول في بدايتها إلا أنه بحلول نهاية القرن الثامن عشر لم يجرؤ أي عالم من العلماء على إنكار أهميتها.
ثروة الأمم
هذا الكتاب هو أحد الكتب التي غيرت العالم. وهو الأساس الذي يستند عليه الاقتصاد الحديث. كتبه الاقتصادي الإسكتلندي آدم سميث ونشره عام 1776. بينما قدم فيه جميع مفاهيم الاقتصاد الكلاسيكي والليبرالية الاقتصادية مثل تقسيم العمل، والتجارة الحرة، والمشاريع الحرة، والمنافسة الحرة، وسعر البضائع، وتراكم رأس المال، وغيرها.
البيان الشيوعي
يعد البيان الشيوعي من أكثر الأطروحات السياسية تأثيراً في التاريخ. كتبه كارل ماركس وفريدريك إنجلز ونشره عام 1848. تستند فكرته الرئيسية على أن تاريخ المجتمع يتحدد بنمط الإنتاج والتشكيل الاجتماعي والاقتصادي الناجم عنه، وعلى أساسه تتشكل الطبقات الاجتماعية إلى مستغِلين ومستغَلين. لذا يقترح البيان الشيوعي إلغاء هذه الطبقات الاجتماعية المتمثلة في سلطة الدولة والبرجوازية، والسعي إلى تحرير البروليتاريا – طبقة العمال.
بعد وفاة ماركس عام 1883 استغلت العديد من الجماعات الأفكار التي جاءت في بيانه وشرعت في تفسيرها بطريقة مختلفة وأحياناً متعارضة. إلى أن اندلعت ثورة أكتوبر 1917 في روسيا، وحاولت تطبيق أفكار ماركس الاشتراكية بشكل عملي. لكن مع ذلك لم تنجح هذه الأفكار لدى تطبيقها في العديد من الدول العالم، مما أدى إلى التخلي عنها وتبني الرأسمالية بديلاً عنها. ورغم ذلك لا تزال تتبنى دول قليلة الأفكار الشيوعية مثل كوريا الشمالية وفيتنام وكوبا وجمهورية الصين الشعبية. بالإضافة إلى ذلك هناك أحزاب ديمقراطية اجتماعية في العديد من الدول الغربية لا تزال مرتبطة بأفكار ماركس على الرغم من أن دولها نأت بنفسها منذ فترة طويلة عنها.
اقرأ أيضًا: الكتب الورقية والكتب الرقمية: لا يزال الصراع مستمراً |
أصل الأنواع
لم يثر كتاب من الكتب الجدل والنقاش مثلما فعل كتاب أصل الأنواع الذي ألفه داروين ونشره عام 1859. يعد هذا الكتاب الأساس الذي استند عليه علم الأحياء التطوري. وقد طرح فيه داروين نظريته القائلة بأن الأنواع تتطور على مدار الأجيال من خلال عملية تعرف باسم الانتقاء الطبيعي، استناداً على أبحاثه وتجاربه التي أجراها أثناء رحلته على متن السفينة بيجل في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. أدى نشر هذا الكتاب إلى عاصفة من الجدل والمناقشات. ليس داخل المجتمع العلمي فحسب، بل في مجتمع الفلسفة والدين كذلك. وعلى الرغم من أن استنتاجاته أخذت على محمل الجد منذ البداية إلا أنها لم تحظ بالأهمية القصوى حتى ثلاثينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين أصبح الانتقاء الطبيعي لداروين أساساً لنظرية التطور الحديثة والمفهوم الذي وحد علوم الحياة.
أبحاث تجريبية في الكهرباء
هذه الأبحاث ليست كتاباً واحداً. ولكنها تجميع لكل أعمال العالم فاراداي. وهي عبارة عن أربعة مجلدات. ويعتبر هذا الفيزيائي والكيميائي البريطاني واحد من أكثر العلماء تأثيراً في التاريخ. فهو مكتشف الكهرباء، لأنه كان أول شخص تمكن من استخدام الحث الكهرومغناطيسي في عام 1831. وتم تطبيقه لاحقاً لتشغيل المولدات وجميع أنواع الأجهزة التي تتطلب الكهرباء لتعمل بشكل صحيح. إن أبحاث فاراداي واكتشافه للكهرباء غير وجه العالم، وأصبح كما نعرفه الآن.
تفسير الاحلام
على الرغم من أن العديد من نظريات سيجموند فرويد استبدلت بالفعل، إلا أن مفهومه للتحليل النفسي كان له تأثير لا جدال فيه داخل العالم الغربي في القرن العشرين. وفي عام 1899 نشر كتابه الرائع “تفسير الأحلام” وقدم فيه نظريته عن اللاوعي وعقدة أوديب. لم يحظ هذا الكتاب لدى نشره بالاهتمام الكافي، لكن مع ازدياد شعبية فرويد أصبح علامة فارقة في علم النفس. وأثرت نظريات فرويد التي وضعها في الكتاب على العديد من مدارس علم النفس والتحليل النفسي والعلاجات غير التحليلية وغيرها من المجالات التي لا تتعلق بالضرورة بعلم النفس.
اقرأ أيضًا: مستويات الفهم القرائي: قراءة النص لا تعني فهمه |
دفاع عن حقوق المرأة
كان تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة من أعظم إنجازات العالم المعاصر. وهو الشيء الذي لم يكن ممكناً لولا بعض الأعمال المؤثرة. هذه الأطروحة كتبتها ماري ولستونكرافت عام 1792، دفاعاً عن الحقوق الأساسية للمرأة. ولكن على الرغم من أن ولستونكرافت تتحدث عن المساواة في مجالات معينة من الحياة، إلا أنها لا تقول صراحةً أن الرجال والنساء متساوون. كما أنه لم يكن من الممكن في مثل هذا التاريخ المبكر، تصنيفها على أنها نسوية حديثة. وبغض النظر عن حياة مؤلفة الكتاب المثيرة للجدل، فإن هذا العمل وضع في عام 1935 من بين الكتب الأكثر تأثيراً في الخمسين عاماً الماضية. ومع ذلك فإن العمل الذي يعتبر رسمياً مؤسس الحركة النسوية الحديثة هو كتاب “الجنس الثاني” الذي كتبته سيمون دي بوفوار. وهو مقال يستعرض مفهوم المرأة من وجهة علم النفس والتاريخ والأنثروبولوجيا والبيولوجيا.
أشياء تتداعى
حاولت قدر الإمكان الابتعاد عن الأعمال الأدبية التي غيرت العالم، نظراً لأنني سوف أتناولها في مقال آخر، إلا أنه لا يجب أن نغفل هذه الرواية للأديب النيجيري تشينوا أتشيبي التي نشرها عام 1958 لما صنعته من تأثير عظيم حول العالم. فلقد أعطى هذا العمل صوتاً لملايين الأفارقة المضطهدين والمحتقرين من قبل العالم الغربي. وأظهر للعالم مدى معاناة إفريقيا في ظل الاستعمار. وفيه يزيل تشينوا الغموض عن النظرة الأوروبية للثقافة الأفريقية على أنها بربرية وبدائية. بينما يصور الثقافة الغربية على أنها أنانية ومتعجرفة. رواية أشياء تتداعى هي علامة فارقة ليس في الأدب الأفريقي فحسب بل في الأدب الأوروبي وأمريكا الشمالية. باعت هذه الرواية أكثر من 8 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم، وصنفت على أنها من أفضل مائة رواية باللغة الإنجليزية بين عامي 1923 و2005.