يعج الكتاب المقدس بشقيه القديم والجديد بما لا يعد من القصص التي تدور محورها حول الخير والشر، وعن الجنة والجحيم، وغيرها من المفاهيم الأخلاقية التي تحدد سلوك الملايين حول العالم. ويظهر الدين المسيحي على وجه التحديد فكرة أن لكل إنسان صالح في الحياة الحق في ملكوت الله، حتى وإن اقترف بعض الأعمال السيئة. في السطور التالية نتعرف على إحدى القصص الشيقة في الكتاب المقدس، وهي قصة سلم يعقوب؛ تلك القصة التي تشير إلى نوع من الاتصال الخاص بين الأرض والسماء.
تعتبر قصة سلم يعقوب في الكتاب المقدس واحدة من أكثر القصص رمزية في الديانتين اليهودية والمسيحية، حيث تعكس القصة في أصلها الطبيعة البشرية والمشاعر المظلمة التي يمكن أن يأويها قلب الإنسان. ذُكرت هذه القصة على صفحات العهد القديم وبالتحديد في سفر التكوين الإصحاح الثامن والعشرين.
قصة سلم يعقوب
تبدأ هذه القصة بعد أن خدع يعقوب أبيه إسحاق وأخذ حق أخيه عيسو في البركة والميراث. وعندما اكتشف الأخ الأكبر تلك الخدعة عقد العزم على الانتقام منه، وحاول قتله. لذا طلبت والدته رفقة منه الصغير أن يغادر إلى وجهة جديدة ويترك موطنه تجنباً لما قد تفعله كراهية أخيه. وقبل سفره استدعاه والده إسحاق ليقدم له بعض الوصايا. وطلب منه أن يذهب إلى أرض حاران التي تسكنها عائلة والدته، ونصحه بالزواج من إحدى بنات خاله من أجل إطالة نسل إبراهيم، ثم دعا له بالبركة وكثرة النسل.
شرع يعقوب في رحلته الطويلة والشاقة إلى أرض حاران. ومع معاناة السفر الطويل قرر أن يتوقف في منتصف الطريق للراحة. اختار منطقة وسط اللامكان وأحضر حجراً ووضعه تحت رأسه كوسادة، وسرعان ما غفت عيناه وغاط في نوم عميق. رأى يعقوب في منامه حلماً عجيباً. حيث كان هناك سلماً عظيماً يمتد بدرجاته من الأرض حتى يصل إلى السماء. لم يكن السلم فارغاً، بل تجتازه مئات الملائكة صعوداً وهبوطاً. وبدا له أن السلم بمثابة القناة التي تصل الأرض بالسماء بشكل مباشر. بعد لحظات تجلى له الله في حلمه وقال له:
“أنا الرب إله جدك إبراهيم وأبيك إسحاق. أعطي لك هذه الأرض التي تضجع عليها لك ولنسلك. ويكون نسلك مثل تراب الأرض. أنا معك وأحفظك حيثما تذهب”[1].
استيقظ يعقوب منه نومه فرحاً، وابتهج بالحلم الذي رأه ابتهاجاً عظيماً. وبعد لحظات مسح الحجر الذي نام عليه بالزيت وأقام عموداً في ذلك المكان. وأعلن أنه بيت إيل أو بيت الله الذي يربط بين السماء والأرض. ومقابل وعد الله له بأنه سيحميه ويرده إلى موطنه سالماً غانماً، أخذ يعقوب العهد على نفسه بألا يعبد غير الله طوال حياته، وأن يهب عشر ما يمتلكه للرب. وأن يقيم بيتاً للرب في هذا المكان.
اقرأ أيضًا: قصة المجوس الثلاثة ورمزية الذهب واللبان والمر |
رمزية سلم يعقوب
تحمل قصة سلم يعقوب في الكتاب المقدس رمزيات عديدة. حيث تبين لنا الأسفار المقدسة كيف أن الله أوكل ليعقوب مسؤولية ميراث شعبه، وقد اختار الرب هذا الرجل ليباركه ونسله، من أجل تعمير هذه المناطق التي وصل إليها. ويعتبر سلم يعقوب عموماً بمثابة الرابط بين السماء والأرض، ويرمز إلى أمل البشر في الوصول إلى الجنة الأبدية. أما صعود الملائكة وهبوطهم عبر السلم فترمز إلى صعود البشر وهبوطهم من الظلام إلى النور ومن المادي إلى الروحي ومن الجهل إلى المعرفة. لكن مع هذه الرمزيات العامة نجد رمزيات أخرى وفقاً للعقيدة التي نتعامل معها.
سلم يعقوب في اليهودية
تختلف رمزية هذه القصة باختلاف العقيدة كما ذكرنا آنفاً. ففي حالة الديانة اليهودية يرمز سلم يعقوب في الكتاب المقدس إلى بني إسرائيل المختلفين عن باقي البشر ومعاناتهم في التشتت والنفي في بقاع العالم المختلفة على مدار تاريخهم، ورغم ذلك لم يتركهم الله. وهناك معنى آخر مرتبط بسلم يعقوب وهو اعتقاد اليهود أن الهيكل في أورشليم قائم في المكان الذي حلم يعقوب فيه بالسلم. وكانت شعب بني إسرائيل يقيم الصلوات ويقدم الذبائح في هذا المكان بالذات لأن السلم يشكل الجسر أو الميثاق الذي يوحد الشعب اليهودي مع الله.
سلم يعقوب في المسيحية
تختلف تفسيرات هذه القصة بالنسبة للعقيدة المسيحية. حيث ينظر إلى يسوع المسيح على أنه الرابط أو السلم الوحيد للوحدة بين الله والبشر. وهو بمثابة سد الفجوة بين السماء والأرض، وبالتالي فإن مفهوم القصة يكون أكثر رمزية في الديانة المسيحية. وكما يقول المسيح في إنجيل يوحنا:
“الحق أقول لكم: من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الانسان”[2].
كذلك هناك بعض التفسيرات التي تشير إلى أن سلم يعقوب يمثل مريم العذراء التي تعمل كجسر يصل به البشر إلى الجنة، وأن درجات هذه السلم هي الخطوات المتعاقبة التي يجب على الناس اتباعها لتحقيق التميز والوصول إلى الوجود الإلهي أو الملكوت.
ثقافات وديانات أخرى
نظر العديد من العلماء إلى سلم يعقوب في الكتاب المقدس على إنه استعارة رمزية للإشارة إلى الجسور القائمة بين السماء والأرض، ومن هنا نجد أن مثل هذه الرمزية موجودة في بعض الديانات والثقافات الأخرى. على سبيل المثال في بلاد فارس تحدثت الميثرائية – وهي ديانة باطنية تأثرت بالزرادشتية – عن الدرجات السبع للسلم التي يجب صعودها للوصول إلى الكمال، وهناك كذلك الشاكرات السبع في الأديان الشرقية التي من خلالها تصعد الطاقة الحيوية للإنسان إلى أعلى مراحلها.
اقرأ أيضًا: قصة بولس الرسول: كيف استطاع نشر المسيحية في العالم؟ |
هناك العديد من الأفلام والأغاني والنصوص الأدبية التي تناولت فكرة سلم يعقوب. وهي تحمل المعنى نفسه بشكل عام: الارتباط بين السماء والأرض، بين الإنسان والإله، بين العالم الحقيقي والعالم الآخر، بين الظلام والنور. والمثير للدهشة أن مثل هذه الفكرة يعتقد بها بعض المؤمنين بوجود الكائنات الفضائية. حيث يؤمنون بوجود سلماً حقيقياً مخفياً تزور من خلاله الكائنات الفضائية البشر.
هوامش
[1] الكتاب المقدس – سفر التكوين – الإصحاح 28.
[2] إنجيل يوحنا 1: 51.