قصة النبي دانيال الذي نجا من عرين الأسود

You are currently viewing قصة النبي دانيال الذي نجا من عرين الأسود
قصة النبي دانيال في الكتاب المقدس

تقدم لنا قصة النبي دانيال في الكتاب المقدس رجلاً يرتدي سترة طويلة محاط بأسود شرسة لم تجرؤ على التهامه. ولد النبي دانيال في أورشليم لعائلة من سبط يهوذا، وأظهر منذ صغره ذكاءً حاداً وشغفاً خاصاً بالدراسة والمعرفة، صفات من شأنها أن تحدد مصيره فيما بعد. في السطور التالية نخوض رحلة شيقة نتعرف فيها على قصة النبي دانيال بمزيد من التفصيل.

الحياة قبل السبي البابلي

وُلد دانيال في مدينة أورشليم. وقضى جزءاً من شبابه هناك، قبل أن يغزو الملك البابلي نبوخذ نصر المدينة ويأسر سكانها من اليهود. كان دانيال يبلغ من العمر 17 عاماً في ذلك الوقت، وقد رأى بأم عينيه مدينته الحبيبة وهي تقع أسرة في يد الملك البابلي.

حدث هذا الغزو في السنة الثالثة من حكم يهوياكين ملك يهوذا. وقد أمر نبوخذ نصر رجاله باختيار بعض الشباب الذين يتمتعون بمظهر جيد بلا عيوب جسدية، ولديهم الذكاء والقدرة على تلقي المعرفة والتعلم، لتأهيلهم من أجل الخدمة في قصره. وقع الاختيار على أربعة شبان دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا، وكانوا جميعاً من البيت الملكي.


الوصول إلى بابل

وصل الأصدقاء إلى بابل وبدأت عملية تدريبهم للعمل في خدمة الملك. وكان على كل منهم الخضوع لثلاث سنوات من التحضير لذلك العمل. كان رجال الملك يحضرون إليهم الطعام والنبيذ ليأكلوا ويشربوا ولكن رفض دانيال وأصدقاؤه تناول هذا الطعام. وطلبوا منهم طعاماً بسيطاً مكون من الخضروات والماء فقط. قوبل هذا الطلب بالرفض في البداية، وأخبرهم الحراس أن مثل هذا الطعام البسيط سيؤثر على صحتهم، ولكنهم أصروا على ذلك، وأقنعوا الحراس بتقديم مثل هذا الطعام لمدة 10 أيام فقط كتجربة. وفي نهاية الوقت تبين للحراس أن هؤلاء الشباب يتمتعون بصحة أفضل من أولئك الذين يتناولون الأطعمة الأخرى.

وبهذه الطريقة تمكن دانيال ورفاقه من الحفاظ على عاداتهم على الرغم من إقامتهم في بلاط الملك. حيث كانوا يصلون ثلاث مرات في اليوم، وبفضل نظام الكشروت – الطعام الحلال حسب شريعة موسى – ظلوا بصحة جيدة، دون تناول الخمر أو أي من الأطعمة المحظورة في شريعة موسى. لقد كافح دانيال ليبقى مخلصاً لربه وسط ثقافة وثنية، وتسببت مثابرته وإخلاصه في تعرضه للكثير من الاضطهاد كما سنرى.

اقرأ أيضًا: سلم يعقوب في الكتاب المقدس: العلاقة بين السماء والأرض

قصة المرأة سوزانا

قصة النبي دانيال في الكتاب المقدس
قصة القاضيان وسوزانا

بدا على دانيال الحكمة والعلم، وقدرته على تفسير الأحلام، والرؤى. وسرعان ما أتيحت له الفرصة لإظهار ذكائه وجرأته، وقد بدا ذلك عندما تدخل في إنقاذ امرأة تدعى سوزانا اتهمت بالزنا، وحكم عليها قاضيان بالموت رجماً. فماذا حدث؟

كان هناك امرأة ذات حسن وجمال، ذهبت ذات يوم للاستحمام في النهر، تلفتت المرأة حولها حتى تطمئن من عدم وجود أحد، ثم بدأت في خلع ملابسها، وفي ذلك الوقت كان هناك قاضيان يراقبان المرأة من خلف الأشجار، وما إن أصبحت عارية حتى تقدما منها وهدداها وطلبا منها أن تمارس معهما الجنس طواعية، وإلا فسوف يشهدان ضدها في المحكمة بأنهما رأوها تزني مع شاب في الحديقة. لكن رفضت المرأة العفيفة الامتثال لهما، واضطرا القاضيان أن يشهدا ضدها في المحكمة.

عقدت المحكمة برئاسة هذين القاضيين، وادعا أنهما شاهدها ترتكب هذه الجريمة، ونظراً لأن القضاة هم حماة الفضيلة والأخلاق، فلم يشكك أحد في شهادتهما، وبالفعل حكم عليها بالموت، وقبل تنفيذ الحكم تدخل النبي دانيال، وطلب من القاضيين أن يسألهما عن الواقعة، ولكن كل منهما على حدة. فسأل الأول عن تفاصيل الحادثة، ثم ذهب ليسأل الثاني، وأدرك على الفور أن هناك اختلافات كثيرة في تفاصيل القصة التي حكاها كل قاض، فأدرك أنهما كاذبان، وبُرئت المرأة، وتم الحكم على القاضيين بالموت.

اقرأ أيضًا: قصة المجوس الثلاثة ورمزية الذهب واللبان والمر

كابوس الملك

أمر الملك نبوخذ نصر بعد هذه الواقعة تعليم الشاب بعناية فائقة في جميع مجالات العلوم والمعرفة. وهكذا تعلم النبي دانيال لغة وثقافة وتقاليد بابل، حتى جاء اليوم الذي رأى فيه الملك كابوساً مزعجاً، لكنه لم يستطع أن يتذكر تفاصيل حلمه، فاستدعى حكمائه مطالباً إياهم بإخباره بما كان يحلم به ومعناه. لم يستطع الحكماء إخبار الملك، وكان النبي دانيال ورفاقه من زمرة الحكماء، وقد أغضب الملك ذلك الأمر، وأمر بإعدام جميع الحكماء.

اقترب دانيال من الملك الغاضب وأخبره أن ربه يمكن أن يكشف له حلمه. وفي ذلك الوقت أنزل الله الحلم وتفسيره على النبي دانيال. أخبر الملك نبوخذ نصر أنه حلم بتمثال عظيم، رأسه من الذهب، وصدره وذرعيه من الفضة، وبطنه وفخذه من النحاس، وإحدى قدماه من الحديد، والأخرى من الخزف. ثم ظهر حجر فضرب قدمي التمثال، فسحقهما، وانسحق باقي التمثال بعد ذلك، وأصبح الحجر جبلاً عظيماً. ثم أخبره بتفسير حلمه بأن الأجزاء المختلفة من التمثال ترمز إلى الممالك المستقبلية التي ستحكم في فترات مختلفة من تاريخ العالم. هنا أدرك الملك حكمة دانيال، وعظمة إلهه، ولهذا عينه الملك حاكماً على بابل ورئيساً لجميع الحكماء في المملكة، كما حظي رفاقه اليهود على مناصب مهمة في الإمبراطورية.

اقرأ أيضًا: قصة بولس الرسول: كيف استطاع نشر المسيحية في العالم؟

من المُلك إلى الجنون

جنون الملكنبوخذ نصر وفقاً للكتاب المقدس
صورة رمزية تُصور جنون الملك نبوخذ نصر

مضت السنوات، وذات ليلة رأى الملك نبوخذ نصر حلماً آخر، طلب من دانيال تفسيره مرة أخرى. كان الحلم يدور حول شجرة ضخمة وارفة الأزهار، وتحمل ثمار تكفي جميع الناس. كانت تمتد حتى وصلت إلى عنان السماء، وفي تلك اللحظة ظهر ملاك ينزل من السماء ليأمر بقطعها والبقاء على جذعها فقط. كان على النبي دانيال أن يكشف للملك أن هذه الشجرة تمثل الملك نفسه، وقد حان وقت موته، ولكن قبل ذلك سيصاب بالجنون ويتخلى عن كل ملكه ويعيش مع الحيوانات البرية في الغابة، وسيبقى على هذا الحال حتى يدرك بأنه لا يوجد أحد أعظم من الله.

بدأت معركة الملك نبوخذ نصر مع الجنون، حيث أصابه مرض عقلي يهيأ له أن حيوان، وعاش لمدة سبع سنوات بين الحيوانات البرية، بعد أن نما شعره، وأصبحت أظافره تشبه المخالب. وفي الأخير توقف الملك عن العيش بين الوحوش عندما أدرك أن الله أقوى من أي ملك وإنه قادر على إذلال المتكبرين.

اقرأ أيضًا: أمنون وثامار: قصة الحب المحرمة التي ذكرت في التوراة

الكتابة على الحائط

امتد دور النبي دانيال في بابل إلى عهود الملوك المتعاقبين، حتى جاء الملك بيلشاصر حفيد نبوخذ نصر ليحكم الإمبراطورية. وقد أقام الملك بيلشاصر حفلاً فخماً لألف عضو من النخبة البابلية. واستخدم خلال الحفل أطباق الذهب والفضة التي استولوا عليها من الهيكل القديم في القدس. خلال الحفلة ظهرت يد غامضة وكتبت بضع كلمات على جدار القصر. أصيب الملك بالرعب، وقبل اقتراح الملكة الأم واستدعى دانيال الحكيم لتفسير الكلمات التي كتبتها هذه اليد الغامضة.

أخبر النبي دانيال الملك بأنه فشل في فهم درس التواضع الذي تعلمه نبوخذ نصر في أيامه الأخيرة، وإنه دنس الأشياء المقدسة للهيكل المقدس، وعبد أشياءً غير حية عديمة الفائدة، بدلاً من الإله الحقيقي. ثم شرح له دانيال معنى الكلمات العبرية، أن بابل ستسقط وتنقسم بين الماديين والفرس. وفي نفس الليلة هجم الملك داريوس المادي على بابل وقتل بيلشاصر.

اقرأ أيضًا: قصة يوشع بن نون: فتى موسى الذي قاد حروب بني إسرائيل

قصة النبي دانيال وعرين الأسود

قصة النبي دانيال مع الأسود
النبي دانيال وسط الأسود

استمر النبي دانيال في تلقي دعم الملك داريوس. أثار احترام الملك وتقديره الكبير لهذا العبراني حسد المسؤولين الآخرين. لذا ابتكروا خطة للقضاء على دانيال، وأقنعوا داريوس بسن قانون ينص على أنه لا يمكن لأحد أن يصلي لأي كائن آخر غير الملك. وأي شخص لا يطيع هذا القانون يُلقى إلى الأسود لتأكله.

مثل هذا المرسوم مشكلة كبرى لدانيال الذي كان معروفاً في بابل بصلاته العلانية إلى الله ثلاث مرات في اليوم. ومع ذلك، ظل دانيال مخلصاً لإيمانه واستمر في الصلاة أمام الجميع. ومن هنا تم القبض عليه ومحاكمته، الأمر الذي أثار استياء الملك داريوس، الذي أدرك بعد فوات الأوان مكائد مسؤوليه.

كانت عقوبة مخالفة المرسوم أن يُلقى المتهم في بئر وسط الأسود الجائعة، مما يعني الموت المؤكد. وحين ألقي النبي دانيال في البئر حفظه الله وغطى أفواه الأسود، وفي اليوم التالي كان لا يزال على قيد الحياة بين الأسود الجائعة. وبعد أن حقق الملك داريوس في الأمر اكتشف الحقيقة وأسرع إلى البئر ليرى ما إذا كان دانيال حياً أم لا. وعندما وجده حياً، أخرجه من البئر وألقى متهميه في البئر لتأكلهم الأسود. ثم أصدر داريوس مرسوماً آخر أعلن فيه أن على الجميع احترام إله دانيال، لأنه الإله الحي الباقي الذي سيستمر حكمه حتى النهاية.

اقرأ أيضًا: النمرود بن كنعان: قصة أول طاغية في التاريخ تقتله بعوضة

قبر النبي دانيال

هناك ستة أماكن في العالم تتنازع على كونها المكان الذي استقر فيه رفات النبي دانيال. اثنان منهم في العراق: في مدينة بابل القديمة وفي المقدادية. هناك اثنان آخران في كردستان، وواحد في مدينة سوزا بإيران، وآخر هذه الأماكن وأشهرها في سمرقند بأوزبكستان. بالقرب من هذا القبر الأخير يتدفق ينبوع ينسب إليه المؤمنون معجزة، حيث يبدو أن مياهه لها صفات شفائية.

كما ينسج حول قبر سمرقند أكثر الأساطير غرابة عن النبي دانيال. حيث يقال إن رفات النبي المدفونة هنا، تستمر في النمو كل عام. والغريب في الأمر أن المقبرة ضخمة يبلغ طولها بالفعل 18 متراً. بينما هناك من يؤكد أن المسيحيين هم من جلبوا رفاته إلى هنا. ويقول آخرون إن الفاتح السابق تيمورلنك هو من أمر بدفنه في هذا المكان.

على أي حال، فإن قبر النبي دانيال هو رمز ذو قيمة كبيرة. فهذه الشخصية التوراتية لا تحظى بالتبجيل في المسيحية فحسب، بل أيضاً في الإسلام، وفي اليهودية باعتباره أحد الأنبياء الأربعة العظماء في بني إسرائيل.

اقرأ أيضًا: قصة تابوت العهد: حكاية أكثر الألغاز المحيرة في التاريخ

النبي دانيال حسب المعتقدات الإسلامية

يعتبر النبي دانيال من أهم الأنبياء في العهد القديم، ولكن القرآن الكريم لم يأت على ذكر قصة النبي دانيال، ورغم ذلك يؤمن الكثير من المسلمين بهذا النبي طبقاً لبعض الأحاديث والروايات التي دارت حوله، ومن أهمها حديث الرسول محمد: “إن دانيال دعا ربه أن تدفنه أمة محمد”. ذُكر هذا الحديث في البداية والنهاية لابن كثير، وقد أشار المحدثون إلى أنه حديث منكر وضعيف ولا يؤخذ به.

تشير رواية أخرى إلى أن عمر بن الخطاب عندما فتح مدينة تستر الإيرانية وجد المسلمون هناك جسد النبي دانيال، لكن عمر بن الخطاب أمر بدفنه في قبر مجهول، حتى لا يتخذه المسلمون ولياً فيتبركون به. وطبقاً للرواية أن دفنه على يد المسلمين كانت أمنية النبي دانيال في حياته. الجدير بالذكر أن هذه الرواية أيضاً ذكرت في البداية والنهاية لابن كثير، وليس هناك دليل على صدقها.

اقرأ أيضًا: قصة اليسع: من هو النبي الغامض الذي أقام الموتى؟

إلى هنا تنتهي قصة النبي دانيال، وفي الختام لا يسعنا سوى القول بأن هناك من لا يعتبر دانيال نبياً، نظراً لأنه لم ينتهج الأسلوب القديم للأنبياء. بينما يعتقد البعض الآخر أنه مثل النبي يوسف الذي كان معروفاً بقدرته على تأويل الأحلام. وعلى أية حال ومهما كان من الأمر لا يستطيع أحد أن ينكر تأثير حياته على شعب بني إسرائيل، وعلى المسيحية كذلك، وبصرف النظر عن سفره الذي يحمل اسمه في الكتاب المقدس إلا أنه ترك دانيال مثالاً للصوم. ويحظى هذا الإرث بشعبية اليوم باعتباره صيام دانيال 21 يوماً.

المصادر

  • الكتاب المقدس – العهد القديم – سفر دانيال.
  • البداية والنهاية – ابن كثير.

اترك تعليقاً