تاريخ

قصة الثلاثة الذين خلفوا ساعة العسرة: لماذا تاب الله عليهم؟

قصة الثلاثة الذين خلفوا ساعة العسرة هي قصة عظيمة توضح كيف يتوب الله على الذين يصدقون النية في التوبة. فهذه قصة ثلاثة من الرجال القادرين الذين تخلفوا عن المسلمين في غزوة تبوك؛ وهم “كعب بن مالك” و”مرارة بن الربيع” و”هلال بن أمية”. فما هي قصة هؤلاء الثلاثة؟ ولماذا أنزل الله قرآنه فيهم؟

قصة الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك

تبدأ قصة الثلاثة الذين خلفوا في ذلك الوقت الذي كان يستعد فيه المسلمون لغزوة تبوك. وقد طلب النبي محمد من أصحابه أن يجمعوا الرجال والقوة والسلاح من أجل الغزو. فعل الصحابة ما أمرهم به الرسول، ولكن قرابة الثمانين من الرجال القادرين رفضوا أن يشتركوا في الغزوة وتصنعوا العديد من الأعذار التي لا تسمح لهم بالمشاركة. وكان من بين هؤلاء الثمانين ثلاثة هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية. ومن هنا تركهم النبي وانطلق في طريقه بعد أن أنزل الله عليه قوله تعالى:

“لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لأتبعوك، ولكن بعدت عليهم الشقة، وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون”.


غزوة العسرة

خاض المسلمون غزو تبوك وانتصروا فيها بعد معاناة رغم عدم اشتباك المسلمين مع الروم في حرب. ولكن جاءت المعاناة من الضنك الشديد الذي تعرض له المسلمون مع شدة حرارة الجو والسفر الطويل وعدم توافر الدواب اللازمة التي تحمل الجنود. لذا سميت هذه الغزوة باسم غزوة العسرة. بينما عاد جيش المسلمين مزهوا بانتصاره. وجمع النبي أصحابه في المسجد وصلى بهم حمداً وشكراً لله على هذا الانتصار. حتى إذا جلس النبي في جمع من أصحابه أتاه رهط من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الغزو. وشرعوا يحلفون للرسول ويعتذرون له عن تقاعسهم. وكان من بين هذا الرهط الثلاثة الذين خلفوا وعلى رأسهم كعب بن مالك.

اقرأ أيضًا: قصة خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة المثيرة للجدل

كعب بن مالك على رأس الثلاثة الذين خلفوا

سلم كعب بن مالك على رسول الله. فتبسم الرسول له ابتسامة الغاضب ثم سأله: ما خلفك يا كعب؟ فرد عليه كعب قائلاً: لو أني يا رسول الله أجلس في حضرة أحد غيرك لحاولت أن أجد عذراً يجعله يرضى عني. ولكني أعلم أنني لو حدثتك حديثاً كذباً اليوم لترضى عني لسخط الله عليّ. بينما إن حدثتك حديث صدق لازداد غضبك عليَ. وفي تلك اللحظة أمر الرسول أصحابه بألا يكلموا رجلاً من هؤلاء الرجال المنافقين الذين تخلفوا ساعة العسرة، ولا يجالسوهم حتى يأذن لهم.

امتثل المسلمون لأمر رسول الله وأعرضوا عن هؤلاء المنافقين. حتى أن مرارة بن الربيع وهلال بن أمية لم يجرؤ على الخروج من بيوتهما. بينما كعب بن مالك كان أكثر صبراً على هذه المعاملة الجافة من الناس. فكان يذهب للصلاة مع المسلمين في المسجد. ويطوف بالأسواق ولا يكلمه أحد من الناس حتى طال عليه الأمر وضاق به. لذا انطلق إلى ابن عمه وقال له: يا أبا قتادة؛ هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فلم يجب عليه ابن عمه. عاد كعب بن مالك لسؤاله مرة أخرى؛ ولكن لم يجد جواباً حتى سأله للمرة الثالثة. وفي تلك اللحظة تركه الرجل وغادر مجلسه، وعاد كعب حزيناً يلملم أذيال الخيبة.

اقرأ أيضًا: قصة ابتلاء آل ياسر: مأساة في صدر البعثة المحمدية

رسالة من ملك غسان

استمر الثلاثة الذين خلفوا وعلى رأسهم كعب بن مالك في هذه العزلة طويلاً حتى كان هذا اليوم الذي كان كعب يطوف في السوق؛ فإذا بنبطي من الشام يسأل عنه الناس. ولما أشاروا إليه ذهب النبطي وقال له: لدي رسالة من ملك غسان إليك. بينما فض كعب الرسالة فقرأ فيها: ” أما بعد، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جافك، ولم يجعلك الله بدار هوان؛ فألحق بنا نواسيك”. وفي تلك اللحظة التي انتهى فيها من قراءة الرسالة أصابه الضيق والحزن وشعر بالألم وقال: وهذا من البلاء أيضاً. قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع فيّ رجل من أهل الشرك.

اقرأ أيضًا: قصة هند بنت عتبة: آكلة أكباد البشر

لماذا تاب الله على الثلاثة الذين خلفوا؟

استمر الثلاثة على هذا الحال أربعين يوماً. وفي ذلك الوقت تأتي ثلاثتهم رسالة من رسول الله يأمرهم فيها بأن يعتزلوا نسائهم دون طلاق. وقد فعلوا ما أمرهم به الرسول دون نقاش. ولبثوا على هذا الحال عشرة أيام أخرى يعانون من عذاب الوحدة والعزلة. حتى إذا ما انتهت الأيام العشرة أرسل الرسول محمد إليهم برسول يدعوهم. فلما أتوا إلى المسجد تلقاهم الرسول مسروراً فقال لكعب بن مالك: أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك. فقال كعب: أهو من عندك أم من عند الله؟ قال الرسول: من عند الله. ثم قرأ الرسول عليه قوله تعالى:

“لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين أتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريقاً منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم فظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا، إن الله هو التواب الرحيم”.

وهكذا تاب من تخلف عن الجهاد وهم قادرون، لكنهم كانوا صادقين. بينما هذه قصة تمتاز بحكمها الذي اتجه صوب ناحية جديدة في العقاب وهي العقاب النفسي والروحي، فهو أشد وأقسى من العقاب الجسدي. وإلى هنا يسدل الستار عن قصة الثلاثة الذين تخلفوا ساعة العسرة وتوبتهم.

اقرأ أيضًا: حكاية هجرة المسلمين إلى الحبشة: كيف كان الجدال مع النجاشي؟

المصادر:

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!