الديانة الإسلامية: الأصل والتاريخ والمعتقدات
الإسلام هو ثاني أكبر الديانات التوحيدية في العالم بعد المسيحية، طبقاً لعدد معتنقيه. حيث يعتنق الإسلام ما يقارب من 2 مليار شخص حول العالم، وهو ما يشكل 25% من إجمالي سكان العالم. ظهر الإسلام مع دعوة النبي محمد آخر رسل الله التي حملت رسائل السلام والعدالة إلى البشر. بينما يعود تاريخ الديانة الإسلامية إلى القرن السابع في مدينة مكة القديمة الواقعة في شبه الجزيرة العربية. في السطور التالية نتعرف بشكل أكثر تفصيلاً على الديانة الإسلامية وأصولها وتاريخها ومعتقداتها.
تنبيه: كل المعلومات الواردة في هذا المقال تقدم وصفاً للديانة الإسلامية كما وردت في كتبها المقدسة، وآراء مفكريها، ولا علاقة لها بآراء المعتقدات الأخرى.
ما هو الإسلام؟
الإسلام هو آخر الديانات الإبراهيمية بعد اليهودية والمسيحية، وقد آتى به النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب آخر رسول مرسل من عند الله. وتعني كلمة الإسلام “السلام والاستسلام لله”، ويطلق على أتباع الإسلام اسم المسلمين، وهم يؤمنون بإله واحد ليس كمثله شيء. وقد أوحى إلى نبيه محمد بالقرآن. والقرآن هو الكتاب المقدس بالنسبة للمسلمين، وهو مكتوب باللغة العربية، ومع ذلك يؤمن المسلمون بجميع الأنبياء السابقين لبني إسرائيل، وكتبهم المقدسة سواء كانت التوراة أو الإنجيل أو مزامير داود – الزبور حسب التعبير القرآني.
يُشكل المسلمون ربع سكان العالم، ولكنهم يتواجدوا بشكل رئيسي في الشرق الأوسط وغرب آسيا وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى والهند والصين وإندونيسيا وأمريكا وأستراليا وأجزاء من أوروبا. وعلى الرغم من أن الإسلام نشأ في شبه الجزيرة العربية، إلا أن 20% فقط من مسلمي العالم هم من العرب، وحوالي 30% منهم في باكستان والهند وبنغلاديش، في حين أن 13% آخرين في إندونيسيا. الجدير بالذكر أن الإسلام برغم كونه الديانة التوحيدية الأكبر من حيث عدد أتباعه بعد المسيحية، إلا إنه الدين الأسرع نمواً في جميع أنحاء الكوكب[1].
تاريخ الإسلام
إن تاريخ الإسلام واسع ومعقد. وكان له تأثير هائل على السياسة والمجتمع في منطقته الأصلية والعالم بأسره، كما هو الحال مع الديانات الكبرى في كثير من الأحيان. وتعود أصول الديانة الإسلامية إلى شبه الجزيرة العربية في القرن السابع، مع وصول النبي محمد إلى ما كانت تسكنه مختلف القبائل والمجتمعات البدوية أو شبه الرحل، مثل البدو، وتجمعات صغيرة من المزارعين الذين احتلوا الواحات الشمالية أو مناطق أكثر خصوبة وكثافة في الجنوب (اليمن وعمان حالياً). لكن دعونا نبدأ من البداية.
ميلاد النبي محمد
ولد محمد عام 570 ميلادية في مكة بشبه الجزيرة العربية، تُوفي والده قبل ولادته، كما فقد أمه عندما كان في السادسة من عمره. وقد تكفل به جده عبد المطلب في البداية ثم عمه أبوطالب. ينتمي محمد إلى قبيلة قريش، وهي قبيلة تجارية عربية كانت تسيطر على مدينة مكة والكعبة. وكانت الكعبة آنذاك واحدة من أماكن العبادة المقدسة التي كان يحج إليها الناس على اختلاف عقائدهم من جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية. أما قبيلة قريش فكانت كغيرها من قبائل شبه الجزيرة العربية تعبد آلهة كثيرة. وكانوا يعتقدون أن الكعبة قد بناها جد العرب النبي إبراهيم وابنه إسماعيل.
اليهود والمسيحيون والمسلمون يمارسون عقيدة التوحيد، وهو ما يعني أنهم جميعا يؤمنون بإله واحد. ويعتقدون أنهم من نسل إبراهيم ويعتبرونه نبيا أو رسول الله، ولهذا سميت بالديانات الإبراهيمية. ويعتقد اليهود والمسيحيون أنهم ينحدرون من الابن الثاني لإبراهيم، إسحاق، بينما يعتقد المسلمون أنهم ينحدرون من الابن الأكبر لإبراهيم، إسماعيل.
استفادت قريش كثيراً من التحكم في الوصول إلى الكعبة، لأنهم كانوا يحصلون على أموال من الحجاج الذين يأتون للحج والعبادة. وقد جمعوا ثروة كبيرة من هذا العمل. ولم تكن الكعبة مخصصة لعبادة إله واحد، بل كانت محاطة بأصنام العديد من الآلهة المختلفة.
كان المجتمع العربي مجتمعاً قمعياً، مع طبقة ثرية مسيطرة وقاسية، ومعاملة غير إنسانية للنساء والأيتام والفقراء، هذا بالإضافة إلى وجود الصراعات العرقية والعبودية التي كانت منتشرة على نطاق واسع[2]. لكن عندما جاء محمد برسالته عارض الظلم، وعدم المساواة وجميع مظاهر القمع والقسوة التي شهدها في هذا المجتمع.
عمل محمد في شبابه في رعي الأغنام، وكان يمضي معظم وقته في التأمل داخل غار يسمى حراء، يوجد على جبل النور بالقرب من مكة. تزوج محمد عند بلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً من امرأة تكبره في السن تدعى السيدة خديجة، وأنجب منها سبعة أبناء، ثلاثة من الذكور وأربعة من الإناث، لكن مع الأسف مات جميع أبناءه الذكور في وقت مبكر[1].
وحي الله
نبذ محمد عبادة الأوثان التي كانت منتشرة في محيطه، وفي عام 610 ميلادية عندما بلغ من العمر 40 عاماً تلقى الوحي أثناء وجوده في غار حراء. حيث ظهر له الملاك جبريل أو جبرائيل – كما يطلق عليه في الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية – وقال له: اقرأ. فرد عليه محمد وهو يرتعد خوفاً: ما أنا بقارئ. قال له جبريل:
“اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم”[2].
وقد أصبحت هذه الكلمات فيما بعد هي الأولى في سلسلة الوحي[3] التي مثلت القرآن فيما بعد. أخبره الملاك أيضاً أنه لا يوجد سوى إله واحد حقيقي، وأن محمد سيكون آخر أنبيائه ورسله. واستمر نزول الوحي مراراً وتكراراً على محمد طوال حياته. كانت هذه الآيات التي تلقاها محمد بمثابة الوحي الذي جاء مباشرة من الله. وقد تلا محمد هذه الآيات بشكل شفهي، ثم قام أتباعه بتدوين هذه الآيات فيما بعد. والجدير بالذكر أن القرآن الكريم هو سجل لكلام الله الذي أنزله على محمد، في حين أن أقوال النبي – الحديث – وسجلات أفعاله – السنة تعتبر أيضاً نصوصاً مقدسة ومهمة بالنسبة للمسلمين.
الدعوة إلى الإسلام
شرع محمد بالدعوة إلى عبادة الله الواحد وترك عبادة الأوثان في جميع أنحاء مكة. لقد كانت الثقافة الحاضرة في مكة في ذلك الوقت تمتلئ بالظلم والقسوة، لدرجة اعتبار أن النساء أقل شأناً من الرجال، وكان شائعاً وأد البنات بسبب تفضيل الرجال للبنين. لكن محمد أخبرهم بأن جميع الأطفال هم نعمة من الله. كما دعا إلى المساواة، فلا يوجد شخص أفضل من الآخر على أساس عرقه أو دينه أو لونه. لقد جذبت رسالة محمد للرحمة والسلام والمساواة الكثير من الفقراء والمضطهدين، وأصبحوا من أتباعه.
أثار هذا الأمر غضب زعماء قريش الذين استفادوا من سيطرتهم على الكعبة والنظام الطبقي والهرمي الظالم. ومن هنا واجه أتباع محمد الاضطهاد والتعذيب والقتل بسبب تحولهم إلى دين الإسلام. لكن محمد لم يدع مطلقاً إلى مواجهة العنف بالعنف، بل دعا إلى اللاعنف. يقول القرآن في محكم آياته:
“من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً. ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”[4].
كان محمد يجتمع سراً مع من أسلموا معه في دار الأرقم بن أبي الأرقم خشية بطش قريش بهم. واستمر هذا الوضع قرابة الثلاث سنوات حتى أمره الله بالدعوة جهراً. هنا ثارت ثائرة قريش الذين أمعنوا في تعذيب المسلمين وقتلهم. لم يتخل أحد من المؤمنين عن إيمانه رغم المعاناة والتعذيب. أما محمد فقد كان بمنأى عن هذه المعاناة نظراً لأنه كان في حصانة عمه أبي طالب، الذي كان واحداً من كبار قادة قريش. ولما لم تجد قريش سبيلاً في إثناء أتباعه عن دين الإسلام بالتخويف والتعذيب، ذهبوا إلى محمد يعرضون عليه الزعامة والمال مراراً. ولكنه كان يرفض في كل مرة. وعندما اشتدت معاناة الأتباع طلب منهم النبي أن يهاجروا ويتركوا مكة.
الهجرة إلى الحبشة
هاجر المسلمون الأوائل في المرة الأولى إلى الحبشة، حيث كان يحكمها ملك مسيحي صالح، لا يُظلم في حضرته أحد. ولكن رجال قريش تبعوهم إلى هناك، وطلبوا من النجاشي ملك الحبشة أن يسلمهم المسلمين الذين آتوه، ولكنه رفض تسليمهم بعدما سمع منهم. وبدأ محمد من مكة بدعوة جميع من فيها، فأسلم معه العديد من القبائل المختلفة، وبعض الرجال من قريش.
قررت قريش قتل محمد، لكنه منعهم أبوطالب الذي كان يحميه، ولما رأوا هذا المنع حاصروا بني هاشم – قبيلة محمد – بأكملها، فلم يخالطوهم أو يتزوجون منهم أو يبايعوهم. واستمر هذا الحصار طويلاً، حتى تُوفي عم النبي، وفي نفس العام توفيت السيدة خديجة زوجته، وأصبح محمد وحيداً وحزيناً، ومهدداً من قبيلة قريش التي تريد التخلص منه. وقد سمي هذا العام بعام الحزن.
دعا محمد ربه، ومن أجل التخفيف عنه بعث إليه الله الملاك جبريل مع ملاك الجبال، وسأله إذا أراد أن يهدم هذه الجبال فوق رؤوس هؤلاء سيفعل على الفور. لكن محمد لم يطلب منه ذلك، متمنياً أن يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله الواحد. أراد الله أن يخفف عن نبيه، فأرسل إليه جبريل مرة أخرى ليحمله في رحلة إلى بيت المقدس، ومنها إلى السماء، ثم يعود به مجدداً للأرض. وتسمى هذه الرحلة “رحلة الإسراء والمعراج”[5].
الهجرة إلى المدينة المنورة
أُجبر النبي محمد أخيراً على الهجرة من مكة عام 622 ميلادية، عندما اكتشف أن زعماء قريش خططوا لقتله. انطلق في رحلة طويلة إلى مدينة يثرب على بعد 200 ميل شمال مكة، وكان معه صديقه أبوبكر الصديق. وعندما وصلا إلى يثرب رحب أهل المدينة بالرسول وأتباعه وناصروه واتبع معظمهم دين الإسلام، لذا أطلق النبي عليهم اسم الأنصار. وتم تغيير اسم المدينة لتصبح “مدينة رسول الله” ويطلق عليها أيضاً اسم “المدينة المنورة”. وتمثل هجرة الرسول إلى يثرب عام 622 ميلادية السنة الأولى من التقويم الإسلامي، ويُشار إليها بالسنة الأولى هجرية، ويعتبر عام 2023 هو عام 1445 في التقويم الهجري الإسلامي.
بدأ محمد في تأسيس المدينة[3]، فطلب من أصحابه بناء مسجد للصلاة، وبناء بيوت جديدة للمهاجرين، وكان النبي يعمل معهم بيده في كل هذه الأمور. ثم نظم محمد العلاقات بين سكان المدينة من مهاجرين وأنصار ومسيحيين ويهود، ووضع وثيقة توضح حقوق كل فرد وواجباته. ورغم كل ذلك ناصبه يهود المدينة العداء، وكانوا يتآمرون ضده في الخفاء، ويظهرون إيمانهم به، ويطعنونه في ظهره. كان اليهود في المدينة[4] ثلاث قبائل هم بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير، وانضمت إليهم قبيلة الأوس والخزرج الذين قد أعلنوا إسلامهم، ولكنهم غدروا بالنبي محمد في الخفاء. وكان من بينهم عبد الله بن أبي بن سلول الذي كان يريد أن يكون حاكماً للمدينة المنورة قبل وصول النبي محمد، ولكن لم يتسن له هذا الأمر، فأشهر إسلامه، وأطلق عليه المسلمون فيما بعد اسم “كبير المنافقين”.
الدفاع عن الحقوق المسلوبة
لم تتوقف أفعال زعماء قريش العدائية تجاه المسلمين على الرغم من هجرتهم إلى المدينة المنورة، وشرعت تعتدي على قوافل المسلمين الذاهبة إلى المدينة. ولم يرغب النبي محمد في الدخول في حرب وصراع مع قريش، برغم تعدي قريش على المسلمين الذين لازالوا يعيشون في مكة كذلك، ونهب أموال ومساكن المسلمين الذين هاجروا. لكن جاءت اللحظة الحاسمة حينما أمر الله نبيه وأتباعه بالدفاع عن أنفسهم والقتال من أجل حقوقهم المسلوبة.
حدد النبي محمد لأتباعه قواعد صارمة للحرب، تلك القواعد التي من شأنها حماية الأبرياء، وتتوافق مع مبادئ الرحمة في الإسلام، على سبيل المثال، عدم مهاجمة الأماكن العامة والمزارع وقطعان الماشية، ولا يُسمح بإيذاء النساء والأطفال وكبار السن والمعاقين والحيوانات والنباتات. كما يجب معاملة أسرى الحرب بلطف ورحمة وعدم إجبار أي شخص على اعتناق الإسلام بالقوة[6].
بدر الكبرى
كانت البداية في عام 624 ميلادية – السنة الثانية هجرياً – عند أمر النبي أتباعه باعتراض قافلة لقريش على الطريق. وعندما فعلوا ذلك واستولى المسلمون على القافلة ورجعوا بها إلى المدينة، ثارت ثائرة زعماء قريش، وبدأوا في حشد القبائل لقتال محمد وأتباعه. وجمعت قريش جيشاً قوامه 1000 فارس بجميع عتاده، في حين كان جيش محمد مكون من 300 شخص غير مؤهلين للحرب. وكانت معركة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون.
معركة أحد
أرادت قريش الانتقام من هزيمتهم، فجهزت جيشاً يتكون من 3000 مقاتل، وعندما سمع النبي محمد بهذا الخبر أراد التحصن في المدينة، لكن بعض أصحابه نصحوه بالخروج للمواجهة، وامتثل لذلك، وكون جيشاً وقوامه 1000 مقاتل انطلق لمواجهة جيش قريش عند جبل أحد. لكن خلال الطريق انسحبت سرية تحتوي على ثلث الجيش بقيادة عبد الله بن أبي بن سلول، وعادت للمدينة. ومع ذلك استمر المسلمون في طريقهم للمواجهة.
كانت المعركة في البداية تشير إلى تقدم المسلمون، وتحقيق انتصاراً ساحقاً على قريش، وظن الرماة أن الحرب قد انتهت بانتصارهم المدوي، لذا انسحب الرماة من مواقعهم وخالفوا أمر الرسول، استغل خالد بن الوليد هذا الأمر وأعاد شن الهجوم مرة أخرى وانتهت المعركة بهزيمة المسلمين.
يهود المدينة والأحزاب
عاد المسلمون إلى المدينة بعد الهزيمة، واستغل يهود بني النضير هذا الأمر في التآمر على النبي وأتباعه، ونقضوا الميثاق الذي وضعه الرسول، وحاولوا قتله. أمرهم النبي أن يخرجوا من المدينة، لكنهم آبوا أن يفعلوا ذلك، وتحصنوا في منازلهم. فما كان من المسلمين إلا أن حاصروهم في أماكنهم بضعة أيام حتى اضطروا للرحيل عن المدينة.
شرع يهود المدينة المطرودين في تأليب قادة قريش والعديد من القبائل الأخرى على النبي وأتباعه، وقد استطاعوا بالمكر والحيلة أن يجمعوا العديد من الأحزاب لمهاجمة المسلمين. جمعت قريش حوالي أربعة آلاف مقاتل، واتحدت مع العديد من الأحزاب الأخرى وانطلقوا في طريقهم للمدينة.
أشار الصحابي سلمان الفارسي على الرسول بحفر خندق في شمال المدينة المنورة لمنع هذا الجيش من التقدم. وقد تم ذلك بالفعل في أسبوع واحد. وعندما حضر جيش الأحزاب لم يستطيع التقدم، فقرر حصار المدينة حتى استسلام المسلمين. عانى المسلمون في فترة الحصار هذه من الجوع والعطش، ودب في قلوبهم الرعب. ولم يقتصر الأمر على ذلك حيث نقض يهود بني قريظة الذين يعيشون جنوب المدينة عهدهم مع الرسول وتحالفوا مع جيش الأحزاب. واستمر الأحزاب في حصارهم للمدينة قرابة الشهر حتى أتت رياح باردة اضطرتهم إلى الانسحاب والعودة من حيث أتوا.
أدرك النبي حينها أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، ولم ينتظر حتى يعاقب بني قريظة لخيانتهم العهد. فانطلق المسلمون إليهم وكان عددهم آنذاك 3000، وحاصروهم حتى قرروا الاستسلام بشرط أن يحكم عليهم سعد بن معاذ، لأنه كان حليفهم فيما سبق. لكن سعد بن معاذ حكم على رجالهم بالقتل للخيانة، وتوزيع أراضيهم على المسلمين[7].
رسالة سلام
أراد محمد وأتباعه أن يعودوا إلى مكة للعمرة، ولم يرغبوا في الحرب مجدداً، فجمع أتباعه وانطلقوا في طريقهم إلى مكة ومعهم الهدي – الأضاحي – لكن علمت قريش بقربهم فأرسلت سرية قوامها مائتي مقاتل وعلى رأسها خالد بن الوليد إلى الطريق الرئيسي المؤدي لمكة، إلا أن الرسول اتخذ طريقاً أصعب للوصول إلى مكة وفي الوقت نفسه تفادي مواجهة قريش. وفي منطقة الحديبية التقى بالرسول بعض الرجال من خزاعة، فقال لهم الرسول أنهم لم يجيئوا لحرب بل كل ما أرادوه القيام بعمرة في مكة، وأن قريشاً قد أنهكتها الحرب، فلا مفر من السلام.
صلح الحديبية
حمل الرجال رسالة الرسول إلى زعماء قريش، وقرر الرسول أن يرسل إليهم عثمان بن عفان إليهم للتفاوض معهم. وعندما تأخر عثمان في العودة ظن المسلمون أن قريشاً قتلته، وسرت شائعات تفيد بقتل عثمان. لذا طلب الرسول البيعة من المسلمين على ألا يفروا من القتال، وقد سميت هذه البيعة باسم “بيعة الرضوان”. لكن لم يُقتل عثمان، وعاد بسلام. ثم عقد المسلمون صلحاً مع زعماء قريش ينص على الآتي:
- يعود المسلمون هذا العام من حيث أتوا، ولا يؤدون العمرة هذا العام، ويمكنهم أدائها العام القادم.
- إذا جاء أحد من قريش إلى المسلمين دون إذن عليهم رده إلى قريش، في حين إذا جاء قريش أحد من المسلمين لم يردوه.
- أي قبيلة تدخل في تحالف مع أحد طرفي المعاهدة عليها أن تمتثل لهذه الشروط الموضوعة.
- تستمر المعاهد لمدة 10 سنوات.
قبل المسلمون بهذه الشروط المجحفة التي تتضمنها صلح الحديبية[5]، واستغل الرسول هذه الهدنة في إرسال بعثات إلى ملوك العالم يدعوهم للإسلام. فأرسل إلى ملك مصر، وملك الحبشة، وملك الروم، وملك الفرس. وقويت شوكة المسلمين وتغلبوا على أعدائهم، حتى أصبح للمسلمين جيشاً عظيماً بعد أن آمن مع الرسول عدداً كبيراً من الناس.
فتح مكة
سار النبي محمد إلى مكة في عام 630 ميلادية بجيش قوامه 10000 مقاتل، وشرع في تطهير الكعبة من الأصنام التي كانت تعبد هناك[8]. وأعاد تخصيص الكعبة لعبادة الإله الواحد، وأصبحت الكعبة أقدس موقع للمسلمين منذ ذلك الحين. وأسلمت معه معظم شبه الجزيرة العربية. وتوفي النبي محمد في عام 632 ميلادية، وخلفه صديقه أبوبكر الذي يعتبر الخليفة الأول للرسول. ولهذا السبب، انقسم المسلمون إلى طائفتين رئيسيتين: السنة والشيعة. يعتقد أهل السنة أن أبا بكر هو الخليفة الصحيح لمحمد بعد وفاته، في حين يعتقد الشيعة أن علي بن أبي طالب ابن عم الرسول هو الأحق بهذه الخلافة. الجدير بالذكر أن غالبية المسلمين في جميع أنحاء العالم هم حوالي 80 – 90% من السنة، في حين أن حوالي 10 – 13% هم من الشيعة.
الخلافة الراشدة
ساهم الخلفاء الأوائل “أبوبكر وعمر وعثمان وعلي” في توسيع رقعة الإسلام. ومع قتل عثمان بن عفان على يد الخوارج اندلعت نزاعات واسعة النطاق بين العديد من الأطراف. تولى علي الخلافة بعد موت عثمان، في حين تشكلت خلافة مضادة في دمشق تحت قيادة معاوية بن أبي سفيان. ثم قُتل علي وتولى معاوية الحكم وحده، إلا أن هذا لم ينهي الخلافات الإسلامية الداخلية. فلم يعترف الشيعة بحكم معاوية والأمويين بشكل عام، بل طالبوا بتعيين أحد أحفاد علي في منصب الخليفة. وقد أدت معركة كربلاء عام 680 التي قُتل فيها الحسين بن علي إلى تقسيم الأمة الإسلامية إلى سنة وشيعة.
تنتسب الغالبية العظمى – ما بين 85 و90 بالمائة – من المسلمين اليوم إلى الإسلام السني الذي له تيارات ومدارس فقهية مختلفة (الحنفية، الشافعية، الحنبلية، المالكية). بينما يعيش الشيعة بشكل رئيسي في إيران والعراق وعمان وأذربيجان ولبنان والبحرين. توجد كذلك العديد من الطوائف المختلفة في الإسلام الشيعي، أكبرها الإسماعيليون والزيديون.
الخلافة الأموية
استولى الأمويون[6] على السلطة عام 661 ميلادية، وحكموا الإمبراطورية العربية من دمشق لما يقرب من 100 عام. وامتد نطاق الحكم الإسلامي تحت حكمهم عبر شبه الجزيرة الأيبيرية إلى حدود إمبراطورية الفرنجة. كما وصل الإسلام إلى الهند. ولم يكن هدف التوسع الإسلامي هو إجبار أهل هذه البلاد على اعتناق الإسلام، بل مُنح لأتباع الديانات الأخرى حقوقاً خاصة ضمنت لهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية، وفي المقابل كان على غير المسلمين دفع جزية – ضريبة. بينما اكتسب الإسلام شعبية جارفة في الكثير من الأراضي التي وصلها المسلمون، وأصبحت اللغة العربية ذات شعبية متزايدة، وبدأت تختفي بعض اللغات الأخرى مثل الآرامية والقبطية.
الخلافة العباسية
حكمت السلالة العباسية الإمبراطورية الإسلامية الشاسعة[7]، وانتقل مركز السلطة من دمشق إلى بغداد في منتصف القرن الثامن، حيث حكم العباسيون العالم الإسلامي لأكثر من 500 عام. وقد أصبح العالم الإسلامي أكثر تعقيداً وتنوعاً ثقافياً وسياسياً في عهد العباسيين. جاءت التأثيرات اللغوية والثقافية بشكل خاص من إيران، ومن بربر شمال إفريقيا. كما أصبح المجتمع الإسلامي مجزأ من الناحية السياسية. حيث احتفظت بغداد بالسلطة حتى الغزو المغولي عام 1258، كما سادت السلطنات المحلية مثل الفاطميون في مصر، والسلاجقة والأيوبيين في الشرق الأوسط، والإدريسيين والموحدين في شمال أفريقيا. وكان جميع السلاطين خاضعين اسمياً لخلافة بغداد، إلا أنهم بحكم الأمر الواقع حكموا أراضيهم بشكل مستقل. وهذا يعني أن فكرة الإمبراطورية الإسلامية الموحدة والخلافة المركزية أصبحت شيئاً من الماضي.
ذروة الإسلام
تعد فترة حكم العباسيين في الشرق، والأمويين في الغرب ذروة الثقافة الإسلامية، حيث تطورت الثقافة والعلوم، وقد تمت كتابة الأعمال الأساسية المهمة في الرياضيات والفلسفة والطب والفيزياء وعلم الفلك باللغة العربية، ومن خلال ترجماتها إلى اللاتينية وجدت طريقها أيضاً إلى أوروبا في العصور الوسطى. وكان هناك في الأندلس على وجه الخصوص، تبادل مكثف بين العلماء المسلمين واليهود والمسيحيين.
بدأت ثلاث إمبراطوريات عظيمة في الظهور في نهاية القرن الخامس عشر، وهي التي شكلت العالم الإسلامي في القرون التالية. حكم الصفويون الشيعة في إيران، وحكم المغول في الهند، وأسس العثمانيون، أحفاد الزعيم القبلي التركماني عثمان، قوة عظمى من القسطنطينية سيطرت على أجزاء كبيرة من آسيا الصغرى وجنوب شرق أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأكثر من 600 سنة.
الاستعمار والدول القومية
يتميز العالم الإسلامي في العصر الحديث في المقام الأول بالاستعمار والظهور اللاحق للدول القومية المستقلة. ففي القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كان العالم الإسلامي بأكمله تقريباً من المغرب إلى ماليزيا تحت الاستعمار الأوروبي، إما بشكل مباشر كأراضي محتلة أو بشكل غير مباشر من خلال التبعيات الاقتصادية والسياسية.
أدت التغيرات السياسية ومراكز القوى في العالم سواء في الحرب العالمية الأولى أو الحرب العالمية الثانية إلى تغيرات كبيرة بالنسبة للعالم الإسلامي. حيث تم تقسيم الهند وباكستان، واستقلال العديد من الدول العربية، مثل مصر والعراق، وزرع إسرائيل وسط العالم العربي. كما تسببت الثورات، مثل تلك التي اندلعت في إيران عام 1978 أو في العالم العربي عام 2011، بشكل متكرر في إحداث صدمة وانعكاس في علاقات القوة القائمة.
يوجد اليوم ما يقرب من 50 دولة في جميع أنحاء العالم يعتبر الإسلام فيها دين الأغلبية، بما في ذلك الأنظمة الملكية والديمقراطيات والدكتاتوريات. وهناك دول فقيرة اقتصادياً مثل السودان والصومال، ودول غنية جداً مثل الإمارات العربية المتحدة. هناك كذلك دول علمانية، مثل أذربيجان وتركيا، ودول تحكم فيها الشريعة الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية وإيران.
المعتقدات الرئيسية في الإسلام
يعني الإسلام “الاستسلام والخضوع لله” والمسلم هو الذي يستسلم لله في قوله وفعله. لقد أُرسل محمد رسولاً للرحمة وأمر القرآن المسلمين بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. كما يدعو الإسلام إلى التحلي بمكارم الأخلاق، والمساواة بين البشر والعدالة، وغيرها من القيم الأخلاقية. دعونا نتعرف على بعض المعتقدات الرئيسية للإسلام.
الإيمان بإله واحد
يؤمن المسلمون بإله واحد لا مثيل ولا شبيه له، وله من الأسماء تسعة وتسعون اسماً منها على سبيل المثال الرحمن والرحيم والملك والقدوس. الله هو الذي خلق السماوات والأرض وكل من عليها، وكذلك خالق البشرية بدءً من آدم وحواء، وهو الذي أرسل إلى البشر رسله وأنبياءه ليدعوهم إلى الصراط المستقيم. أما علاقة الشخص بالله فهي علاقة مباشرة، فلا تحتاج لكهنة أو رهبان. ورغم وجود أئمة أو شيوخ في الإسلام إلا أن دورهم يقتصر على إمامة المسلمين في صلواتهم وأن يكونوا معلمين وقدوة مجتمعية.
الإيمان بالكتب المقدسة والأنبياء والملائكة
يؤمن المسلمون بأنهم أهل كتاب مثل اليهود والمسيحيين. ويؤمنون أن القرآن هو كلام الله المنزل على النبي محمد عبر الملاك جبريل. كذلك يعتقد المسلمون أن الكتب المقدسة في اليهودية والمسيحية هي كتب إلهية مرسلة من الله، وأن الأنبياء مثل إبراهيم وموسى ونوح وعيسى كانوا جميعاً رسل الله. ولكن محمد هو آخر رسول ونبي أرسله الله للعالم أجمع، وبالتالي فإن القرآن هو آخر الكتب المقدسة.
الإيمان بيوم القيامة
يؤمن المسلمون بوجود يوم القيامة الذي سيتم فيه حساب البشر على أفعالهم في الحياة، ومن ثم سيدخل أصحاب الأعمال الصالحة الجنة، ويلقى الأشرار في الجحيم.
الإيمان بالقرآن
القرآن هو كتاب الإسلام المقدس، ويؤمن المسلمون أن القرآن هو كلام الله المباشر. يحتوي القرآن على حوالي 600 صفحة، وهو مقسم إلى 114 قسماً تسمى السور. أما لغة القرآن فهي اللغة العربية، ويتم حفظه وتلاوته باللغة العربية من قبل المسلمين في جميع أنحاء العالم في الصلاة. كما يصلي المسلمون في جميع أنحاء العالم بنفس الطريقة بغض النظر عن بلدهم الأصلي. هناك أيضاً الحديث أو السنة، وهي الكتب التي تتناول حياة النبي وأفعاله وأقواله التي نقلها من عرفه وعاش في عصره. وقد تم نقلها في البداية شفوياً قبل تدوينها، وهناك جدل كبير حول موثوقية بعض الأحاديث مقارنة بأخرى.
الإيمان بالقضاء والقدر
يعتقد المسلمون أنه لا يمكن أن يحدث شيء دون إذن الله، وأن الله العليم قد رسم طريقاً ليتبعه الناس. ومع ذلك، يعتقدون أيضاً أن البشر لديهم إرادة حرة ويتخذون قراراتهم بأنفسهم. وكانت هذه القضية من القضايا الشائكة التي لا يزال الجدل حولها محتداً حتى وقتنا الحالي.
شعائر الإسلام
تشتمل الديانة الإسلامية على العديد من الطقوس والشعائر التي توضحها الأركان الخمسة، وهي تشتمل على ما يلي:
الشهادة
وهي أن تشهد بأن “لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله”. وتعني هذه الشهادة إعلان الإيمان بالله والتصديق برسالة محمد.
الصلاة
يصلي المسلمون خمس مرات في اليوم باتجاه مكة. هذه الصلوات الخمس هي الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء. وقبل الصلاة لابد من الوضوء. ويتضمن الوضوء غسل اليدين والذراعين والوجه والقدمين حتى يكون طاهراً قبل لقاء الله في الصلاة.
الزكاة
تعني الزكاة إعطاء المحتاجين. ويؤمن المسلمون أنه يجب عليهم إعطاء حوالي 2.5٪ من ثروتهم إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين، وكما يقول القرآن:
“إنما الصداقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم”[9].
الصيام
هو صيام شهر رمضان المبارك من شروق الشمس إلى غروبها. ولا يجب على الأطفال أو كبار السن أو النساء الحوامل أو المرضى أو المعاقين الصيام إذا كان مضراً بصحتهم. يذكر الصيام المسلمين بأن يكونوا ممتنين لما لديهم وأن يظهروا التعاطف مع الفقراء والمعاناة والمحتاجين. كما أنه يسمح للمسلمين بالتركيز بشكل أفضل على علاقتهم مع الله وواجبهم في مساعدة الآخرين.
الحج
يعني الحج زيارة بيت الله الحرام – مكة – وتعظيم شعائر الله هناك. ويجب على كل من استطاع من المسلمين القيام بهذه الرحلة مرة واحدة على الأقل في حياتهم.
المسجد – مكان العبادة في الإسلام
يعد المسجد هو مكان العبادة في الإسلام، فضلاً عن كونه مساحة للعلم والدراسة والاجتماع. يصلي المسلمون في المسجد ويتوجهون في صلواتهم إلى الكعبة المشرفة. ويجتمع المسلمون في المساجد للصلاة خمس مرات في اليوم، ويعتبر يوم الجمعة أقدس أيام الأسبوع. وعلى الرغم من إمكانية أداء الصلوات الخمسة يومياً بشكل منفرد أو في جماعة إلا أن صلاة يوم الجمعة يجب أن تكون في المسجد أي في جماعة. تستخدم المساجد أيضاً في إقامة حفلات الزفاف والجنازات والاعتكاف في رمضان.
الأماكن المقدسة والرموز
أشرنا إلى أهمية الكعبة المشرفة كأقدس مكان بالنسبة للمسلمين، لكن هناك العديد من الأماكن المقدسة الإسلامية الهامة الأخرى مثل المسجد الأقصى في القدس، وهو المكان الذي بدأ منه النبي محمد رحلة الإسراء والمعراج. وكذلك مسجد النبي محمد في المدينة المنورة، وهو أول مسجد بناه الرسول. وتعتبر مكة والقدس والمدينة المنورة أقدس المدن في الإسلام.
هناك كذلك بعض الرموز التي ارتبطت بالإسلام في عصور لاحقة مثل الهلال لارتباط المسلمين في معرفة التوقيت بالتقويم الهجري الذي يعتمد في المقام الأول على مراحل القمر، ورؤية الهلال. وهناك كذلك النجمة التي ارتبطت بالعرب قديماً، حيث كانوا يستخدمون النجوم في معرفة طريقهم في الصحراء الشاسعة. وأخيراً اللون الأخضر الذي يقال إنه اللون المفضل للنبي محمد.
الأعياد في الإسلام
يوجد عيدان رئيسيان في الديانة الإسلامية هما عيد الفطر وعيد الأضحى، ورغم ذلك يحتفل المسلمون بأعياد أخرى مثل رأس السنة الهجرية، والمولد النبوي الشريف.
عيد الفطر
قبل الحديث عن عيد الفطر يجب علينا أن نتعرف على شهر رمضان، وهو الشهر التاسع في التقويم الإسلامي الهجري. يصوم فيه المسلمون عن طريق الامتناع عن الأكل والشرب قبل الفجر وحتى الغسق، ثم يفطرون. يستمر الصيام طوال الشهر بأكمله، وهو شهر عبادة يحتفل في نهايته المسلمون بعيد الفطر. حيث يصلي الجميع في المسجد صلاة العيد في الصباح الباكر، ويجتمع الأصدقاء والعائلة، ويأكلون الطعام اللذيذ، ويتصدقون بالمال، ويتلقى الأطفال الهدايا.
عيد الأضحى
عيد الأضحى هو العيد الذي يصادف نهاية موسم الحج، حيث أن الحج فريضة على كل مسلم ومسلمة على الأقل مرة واحدة في الحياة إذا كان هناك استطاعة لذلك، وبعد قضاء الفريضة يحتفل المسلمون بعيد الأضحى، ويرتبط هذا العيد بقصة النبي إبراهيم الذي أمره الله بذبح ولده، وفي اللحظة الأخيرة فداها بذبح عظيم. ويشتمل هذا العيد على التضحية بحمل أو ماعز أو أي حيوان آخر وتقسيمه بين العائلة والأصدقاء والمحتاجين.
رأس السنة الهجرية
يحتفل معظم المسلمين باليوم الأول من السنة الإسلامية الهجرية في اليوم الأول من الشهر الأول، وهو محرم. محرم هو ثاني أقدس شهر بعد رمضان. ففي عام 622 م، هاجر محمد وأتباعه من مكة إلى المدينة، وهو ما يعرف بالهجرة. وأصبح هذا بداية التقويم الإسلامي. ويحتفل المسلمون به بشكل مختلف حسب البلد. حيث يحتفل البعض بالألعاب النارية، والبعض الآخر بالمواكب، والبعض الآخر بالصيام.
المولد النبوي
هو الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في شهر ربيع الأول، وهو الشهر الثالث من التقويم الإسلامي، ولأنه تقويم قمري، فإن أشهره تقع في أوقات مختلفة كل سنة. يختلف هذا اليوم بين أتباع السنة والشيعة، حيث يحتفل السنة بيوم المولد النبوي في 12 ربيع الأول، بينما يحتفل به الشيعة في يوم 17 ربيع الأول. أما شكل الاحتفال فيكون بمهرجانات في الشوارع وتزيين المنازل والمساجد والقيام بالأعمال الخيرية ورواية قصص عن النبي محمد.
أفكار ومفاهيم مثيرة للجدل في الإسلام
هناك العديد من الأفكار والمفاهيم والممارسات التي أثارت الجدل بين المسلمين أنفسهم أو غير المسلمين، كما هو الحال مع جميع الأديان. تأتي هذه الأفكار نتيجة لضبابية الفهم أو عدم وضوح المعنى لدى البعض. ومن أبرز الأمثلة على ذلك معنى “الجهاد” و “حقوق المرأة”.
الجهاد في الإسلام
يعني الجهاد في اللغة العربية “الكفاح” أو “السعي”. ويشير هذا المعنى إلى ضرورة أن يسعى الإنسان ويكافح للتخلص من شهوات نفسه وصراعاته الداخلية، كما يشير إلى السعي للدفاع عن عقيدته والحفاظ عليها بالحكمة والموعظة الحسنة. يقول الله في القرآن:
“ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن”[10].
يعني الجهاد أيضاً الدفاع عن المظلوم، وعن الأرض والعرض، وتقديم يد المساعدة لكل من يحتاجها. لكن رغم كل تلك المعاني تُقدم فكرة الجهاد في كثير من الحالات على أنها إعلان للحرب المقدسة.
دعونا نستعرض بعض الآيات التي ذكرت في القرآن عن الجهاد:
“إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم”[11].
“يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون”[12].
“ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، إن الله لغني عن العالمين”[13].
وهناك الكثير من الآيات التي تتحدث عن فكرة الجهاد التي لا تعني القتال أو الحرب. والجدير بالذكر أنه لا يوجد ترادف في القرآن، بمعنى أن كل كلمة لها معنى منفصل خاص بها وحدها، ولو أراد الله أن يكون معنى الجهاد هو القتال والحرب، لما ذكر هذين المصطلحين في القرآن. فكل كلمة لها معنى خاص بها.
حرية الاعتقاد في الإسلام
ورغم أن طبيعة الجهاد لا تزال محل نقاش بين المسلمين أنفسهم، فإن الاعتقاد بأن الجهاد يعني الحرب تتناقض مع تعاليم القرآن نفسه. حيث نعلم أن الحروب من شأنها أن تجبر الناس على اعتناق الإسلام، وأن غزو واستعمار دول أخرى، أو الاستيلاء على الأراضي لتحقيق مكاسب اقتصادية، أو إظهار قوة القائد. كل هذه الأمور ستكون متناقضة مع تعاليم الإسلام الحقيقية التي تدعو إلى السلام والرحمة والتسامح. يقول الله في القرآن:
“وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر”[14].
“لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم”[15].
“ليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء، وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون من إلا ابتغاء وجه الله، وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تُظلمون”[16].
“ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”[17].
نستنتج من هذه الآيات أن الله كفل حرية الاعتقاد بشكل لا لبس فيه، وهو يتماشى مع الدعوة إلى السلام والتعايش السلمي بين البشر. ولذلك لا يشعر معظم المسلمين أن الجماعات الإرهابية مثل داعش أو بوكو حرام تمثلهم، لأن الإسلام وتعاليم محمد تدعو إلى السلام والتسامح. وبينما تتذرع هذه الجماعات الإرهابية بدينها كمبرر للعنف، فإن الغالبية العظمى من المسلمين لا تؤمن بالعنف ولديها آراء سلبية حول هذه الجماعات. وفي أغلب الأحيان يقع المسلمون أنفسهم ضحايا للعنف والتمييز.
حقوق المرأة في الإسلام
الأمر الثاني يتعلق بحقوق المرأة، وهي قضية أثارت الكثير من الجدل كذلك، حتى أصبح يُنظر إلى الإسلام وكأنه يحقر من قيمة المرأة على الرغم من أنه ساوى بين الجنسين في كثير من آياته، وكفل حقوق المرأة بشكل كبير. لكن هناك بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل المملكة العربية السعودية وأفغانستان لديها قوانين تمييزية ومجتمعات أبوية تخلق ثقافة القمع والعنف ضد المرأة. ففي المملكة العربية السعودية، مُنحت المرأة حق التصويت فقط في عام 2015 ولم يُسمح لها بالقيادة حتى عام 2018. ومنحت قضية تاريخية في يونيو 2021 المرأة الحق في العيش بمفردها دون ولي أمر ذكر. هذه الأمثلة تقود البعض إلى الاعتقاد بأن الإسلام نفسه هو سبب اضطهاد المرأة وليس الحكومات والأشخاص الذين يفسرونه. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه يوجد في القرآن العديد من الآيات التي تدعم مساواة المرأة، مثل:
“ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً[18]“.
“والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم”[19].
“للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن”[20].
ولم يفضل القرآن الذكر على الأنثى إلا في حالة واحدة خاصة جداً تتعلق بالميراث، وربما نتناول هذا الأمر في مقال آخر. إذن نستنتج من ذلك أن صورة المرأة وحقوقها ليست كما صورتها لنا النظم السياسية الإسلامية، وليس لها علاقة بالقرآن.
حجاب المرأة في الإسلام
هناك موضوع آخر هو الحجاب، وهو أمر جدلي كذلك. لقد تم ارتداء الحجاب منذ آلاف السنين بدافع الضرورة، حيث قام الرجال والنساء بتغطية رؤوسهم في مجتمعات بلاد ما بين النهرين المختلفة للحماية من الشمس، وكدليل على الاحترام والتواضع. كما كانت ولا تزال اليهوديات والمسيحيات ترتدين الحجاب منذ العصور القديمة وحتى الآن. لكن لا أعلم لماذا كل هذه الضجة في البلاد الغربية حول ارتداء المسلمة للحجاب. إن المرأة المسلمة ترتدي الحجاب أو الأوشحة التي تغطي شعرهن كدليل على الاحترام والتواضع ولأنه جزء من هويتهن الثقافية. مع العلم أن هناك العديد من نساء المسلمين لا يرتدين الحجاب، ويعتقد معظم المسلمين في جميع أنحاء العالم أنه اختيار شخصي للمرأة.
لكن تتعرض المرأة في بعض البلدان إلى ضغوط من المجتمع أو يُجبر فيها القانون على ارتداء أغطية الوجه والجسم، مثل النقاب أو البرقع، عندما تكون المرأة في الأماكن العامة. ومن ناحية أخرى، هناك أجزاء من العالم يُمنع فيها القانون على النساء ارتداء أغطية الرأس، كما هو الحال في فرنسا، وتشعر النساء اللاتي يخترن ارتداء هذه الأغطية أن تقييد حقوقهن بهذه الطريقة يعد انتهاكاً لحقوقهن.
وبينما يسعى المسلمون إلى تفكيك المفاهيم الخاطئة حول عقيدتهم، فإنهم يسعون إلى التفاهم والسلام. واليوم، يستمر الإسلام في الانتشار وهو حالياً أسرع الديانات نمواً في العالم. ومن المتوقع أن يتفوق الإسلام على المسيحية كأكبر ديانة في العالم بحلول نهاية القرن.
مصادر عربية
[1] السيرة النبوية – ابن إسحاق.
[2] القرآن الكريم – سورة العلق – الآيات 1: 5.
[3] الوحي المحمدي – محمد رشيد رضا.
[4] القرآن الكريم – سورة المائدة – الآية 32.
[5] الرحيق المختوم – صفي الرحمن المباركفوري.
[6] الشمائل المحمدية – أبو عيسى محمد الترمذي.
[7] السيرة النبوية – عبد الملك بن هشام.
[8] موسوعة محمد والذين معه – فتح مكة – عبد الحميد جودة السحار.
[9] القرآن الكريم – سورة التوبة – الآية 60.
[10] سورة النحل – الآية 125.
[11] القرآن الكريم – سورة البقرة – الآية 218.
[12] سورة المائدة – الآية 35.
[13] القرآن الكريم – سورة العنكبوت – الآية 6.
[14] سورة الكهف – الآية 29.
[15] القرآن الكريم – سورة البقرة – الآية 256.
[16] سورة البقرة – الآية 272.
[17] القرآن الكريم – سورة يونس – الآية 99.
[18] سورة النساء – الآية 124.
[19]ا القرآن الكريم – سورة التوبة – الآية 71.
[20] سورة النساء – الآية 32.
مصادر غربية
[1] Why Muslims are the world’s fastest-growing religious group.
[4] Legacy of a Prophet. Muhammad and Jews of Medina.
[7] The Political Revival of the Abbasid Caliphate: Al-Muqtafī and the Seljuqs.
اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
عليه الصلاة والسلام