تحليل فيلم Cries & Whispers: مشاهد فريدة لن تراها في أي فيلم أخر

You are currently viewing تحليل فيلم Cries & Whispers: مشاهد فريدة لن تراها في أي فيلم أخر
فيلم صرخات وهمسات للمخرج السويدي إنجمار برجمان

فيلم Cries and Whispers للمخرج السويدي الرائع إنجمار برجمان هو فيلم فريد من نوعه، وهو يختلف عن أفلام برجمان الأخرى. وذلك نظراً لأنه لا يتبع سرداً مباشراً ومتماسكاً مثل معظم الأعمال الدرامية الأخرى. حيث يتألف من مجموعة من الذكريات والرؤى العاطفية لأربعة شخصيات. في هذا المقال نتناول تحليل فيلم Cries and Whispers بشيء من التفصيل؛ ونتعرف على بعض المشاهد الأصلية والفريدة التي ربما لن تجدها في أي فيلم أخر شاهدته من قبل.

هذا الفيلم لا يصلح للمشاهدة العائلية

مقدمة لابد منها

أثار هذا الفيلم بالتحديد ردود أفعال متباينة من قِبل العديد من النقاد. فبعضهم كره الفيلم بشدة؛ والبعض الأخر أشاد به وبحرفية إنجمار بيرجمان الفنية في صناعة هذا الفيلم الرائع. لكن برغم اختلاف ردود الأفعال حول فيلم Cries and Whispers إلا أنه يعد تحفة فنية أخرى تستحق المشاهدة. فهو فيلم مزعج ومخيف ويتمتع بالأصالة في عدة نواح. ولذلك أشادت به الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم الصور المتحركة – الأوسكار- وتم ترشيحه للعديد من الجوائز؛ بما في ذلك أفضل فيلم، وأفضل تصوير سينمائي منحت للمصور السينمائي الرائع سفين نيكفست.

اقرأ أيضًا: التذوق الفني: كيف نتطور قدرتنا على الحساسية الفنية؟

موضوعات فيلم Cries and Whispers

يطرح الفيلم العديد من الموضوعات النفسية التي تتميز بها أعمال برجمان، والتي تم تصويرها بشكل أكثر من رائع من قبل المصور سفين نيكفست. ومع اللمسة المتوهجة للحب والرعب والتواصل استطاع برجمان أن يصنع تحفة فنية سينمائية فريدة من نوعها. أما الموضوعات التي طرحها الفيلم فهي: 

اقرأ أيضًا: فك رموز فيلم Borgman الغامض والمريب

قصة فيلم صرخات وهمسات

تدور أحداث الفيلم في نهاية القرن التاسع عشر داخل قصر عظيم في الريف السويدي. يقطن هذا القصر أربع نساء بالغات، ثلاثة منهن أخوات، الكبرى تدعى كارين – إنجريد ثولين – والوسطى أغنيس – هاريت أندرسون – والصغرى ماريا – ليف أولمان. بينما المرأة الرابعة هي آنا – كاري سيلوان – التي عملت في القصر لمدة اثني عشر عاماً. حضرت كارين وماريا إلى القصر لرعاية أختهما المريضة أغنيس، التي تعاني من سرطان الأمعاء. حيث يبدأ الفيلم مع أغنيس وهي في الفراش تعاني من آلام شديدة، والتي تم التأكيد على شدتها من خلال لقطة مقربة شديدة مدتها دقيقتان تُظهر وجه أغنيس المعذب. وفي الغرفة المجاورة تظهر ثلاث نساء أخريات يعبرن عن قلقهن.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Persona: التجربة النفسية الأكثر غموضاً وجاذبية

الذكريات والرؤى الذاتية

ثم يبدأ الفيلم بتسلسله من الذكريات والرؤى الذاتية، والتي يبدو أن بعضها عبارة عن تخيلات. حيث يتم التعبير عن هذه الرؤى والتخيلات من خلال التلاشي من وإلى اللون الأحمر الغامق. وهنا نجد أن اللون سمة أساسية في هذا الفيلم، وخاصة اللون الأحمر، الذي قال برجمان عنه ذات مرة إنه يمثل بالنسبة له “باطن الروح”. ولكن لم يكن اللون الأحمر فقط هو ما يميز أفلام إنجمار برجمان، فهو يستخدم كذلك اللونين الأبيض والأسود ولكل من هذه الألوان رمزية معينة في الفيلم. حيث يشير الأحمر إلى الأم المثمرة الحسية، واللون الأبيض يرمز إلى العذراء في حين يشير الأسود إلى الموت. وإذا ما أمعنا النظر في هذه الألوان خلال الفيلم نجد أن النساء الأربع يتميزن بها. حيث نجد أن ماريا (حمراء) وكارين (سوداء) وآنا (بيضاء) وأغنيس (بيضاء). بينما يقدم الفيلم الذكريات والرؤى الذاتية التي تتعلق بكيفية رؤية النساء الأربع لأنفسهن والآخرين. وفي القسم التالي سنحاول تقديم طبيعة شخصية كل واحدة من هؤلاء النسوة.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Seventh Seal: رقصة الموت الأخيرة

تحليل شخصيات فيلم Cries and Whispers

كما أوضحنا سابقاً أن السمة الرئيسية في أفلام برجمان هي تناول العلاقات النفسية والعاطفية لشخصيات أفلامه. وعلى الرغم من أن كل شخصية من شخصيات تحاول تمنحنا لمحة عن شخصيتها بنفسها إلا أن شخصيات هذا الفيلم ربما تنكشف من خلال الآخرين.

ماريا

للكشف عن طبيعة شخصية ماريا، علينا العودة إلى المشهد الذي زار فيه الطبيب ديفيد – إيرلاند جوزيفسون – القصر من أجل الاطمئنان على حالة المريضة. وبعد أن أتم كشفه وعند مغادرته للقصر تستوقفه ماريا، وهنا نعلم أن ماريا وديفيد كانت لهما علاقة سابقة خارج نطاق الزواج. وهذه العلاقة هي التي دفعت زوجها المهمل يواكيم – هينينج موريتسين – إلى محاولة الانتحار – وأن ماريا الآن تريد إعادة إحياء هذه العلاقة مجدداً. لكن ديفيد لا يريد إعادة أية علاقة مع هذه المرأة. لذا نجده يضع ماريا أمام مرآتها ليصف لها أنانيتها المفرطة المختفية تحت مظهر وجهها اللامع البراق.

في مناسبة أخرى، تظهر ماريا وهي تقترب من أختها كارين وتسعى لاستعادة علاقتهما العاطفية الرائعة التي كانت بينهن عندما كانا صغاراً. حيث ترغب ماريا لمس أختها وتقبلها مرة أخرى، إلا أن كارين ترفض إعادة هذه العلاقة مجدداً. لكنها في النهاية وبعد تفكير استسلمت لمودة ماريا. تكشف هذه المشاهد عن شخصية ماريا؛ فهي في الغالب شخصية لطيفة ومنفتحة، لكنها لا تحتفظ بأي مشاعر راسخة.

كارين

ربما تعتبر شخصية كارين واحدة من الشخصيات الفريدة من نوعها في Cries and Whispers. فهي شخصية تعاني من الوحدة وتحمل بداخلها الكثير من مشاعر الاستياء الخاصة بحياتها الباردة وعلاقاتها مع جميع المحيطين بها. ويظهر مشهد تناولها العشاء مع زوجها فريدريك – جورج أورلين – مدى برودة زوجها وأنانيته المفرطة. وبعد تناول العشاء يستدعيها زوجها إلى الفراش، فيصيبها الامتعاض من ذلك الأمر مما يجعلها تأخذ قطعة من الزجاج المكسور وتستخدمها لتشويه أعضائها التناسلية بشكل مؤلم حتى تتمكن من منع زوجها من ممارسة الجنس معها.

آنا

أما شخصية آنا فهي على العكس من جميع الشخصيات الموجودة في فيلم Cries and Whispers. فآنا الخادمة هي شخصية بسيطة لكنها مليئة بالدفء والرحمة. كما إنها متدينة وتصلي بانتظام، ورغم أن ابنتها الصغيرة قد توفيت منذ زمن طويل إلا إنها لا تشكك فيما تعتبره حكمة الله التي لا أن يعلمها أي شخص. وبعد وفاة أغنيس، تتذكر آنا أو تتخيل فترة عادت فيها أغنيس إلى الحياة لفترة وجيزة وطلبت العزاء وهي على فراش الموت. لذا انزعجت كارين وماريا من رؤية مثل هذا الظهور وانسحبوا في حالة رعب، لكن آنا ذهبت إلى أغنيس وضمتها غريزياً إلى صدرها بالطريقة التي تفعلها الأم لتهدئة طفلها المعذب.

أغنيس

ربما لا يظهر الفيلم الكثير عن الشخصية الداخلية لأغنيس إلا أننا نعلم الكثير عنها من خلال مذكراتها التي تركتها وراءها بعد موتها. وفيها تقرأ آنا في يومياتها، حيث تصف أغنيس وقتاً في السابق كانت تشعر فيه بالتحسن، ومناسبة كانت فيها كارين وماريا وآنا تتجول معاً في حديقة. وعلى وجه الخصوص، سلطت أغنيس الضوء على لحظة الوحدة المشتركة عندما انخرطوا في التأرجح على أرجوحة. كانت هذه لحظة خاصة لأغنيس، وقالت:

“شقيقتي كارين وماريا أتيا لرؤيتي؛ إنه لمن الرائع أن نجتمع مرة أخرى مثل الأيام الخوالي..   الأشخاص الذين أحبهم كثيراً في العالم كانوا معي. كان بإمكاني سماع حديثهم حولي. استطعت أن أشعر بوجود أجسادهم، ودفء أيديهم. كنت أرغب في الاحتفاظ بهذه اللحظة.. هذه هي السعادة. لا أستطيع أن أتمنى أي شيء أفضل. الآن، لبضع دقائق، يمكنني تجربة الكمال. وأشعر بالامتنان العميق لحياتي، والتي تعطيني الكثير “.

لذا ينتهي الفيلم بإعطاء أغنيس الشعور بأنه على الرغم من أن حياتها كانت مؤلمة ومأسوية، إلا أنها ربما كانت هي التي عاشت الحياة بشكل أصيل، وبالتالي على أكمل وجه. لقد كانت لديها القدرة على التعرف على كل اللحظات الجميلة التي مرت بها في الحياة والاحتفاظ بها. وهذا هو المشهد الذي يجمع الأشياء معاً ويجعل الفيلم كلاً متماسكاً. ولكن هذا ليس سوى واحد من تعبيرات الفيلم المؤثرة عن المشاركة والتواصل.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Wild Strawberries: السحر الغامض للحب والحياة والموت

مشاهد فريدة من نوعها

هناك العديد من المشاهد في فيلم Cries and Whispers التي وصفها النقاد بأنها أصلية بشكل فريد. من هذه المشاهد مشهد آنا وهي تحتضن أغنيس بعد عودتها إلى الحياة، في صورة غريزية رائعة يصور لنا برجمان أحد أعظم المشاهد في تاريخ السينما، وفي الوقت ذاته نرى كيف أصاب الرعب شقيقتيها كارين وماريا ورفضا أن يلمسوها.

أما المشهد الآخر الذي ربما لن تشاهده في أي فيلم أخر فهو مشهد عودة أغنيس إلى الحياة بعد الموت لتطلب التواصل مع شقيقتيها من أجل العزاء. فهل رأيت من قبل ميت يعود إلى الحياة فقط ليتلقى عزاءه بنفسه. هذا مشهد أخر من أروع المشاهد السينمائية التي أتحفنا بها إنجمار برجمان.


في الختام وبعد تحليل فيلم Cries and Whispers لابد من التنويه إلى إنه أحد التجارب السينمائية المؤثرة التي تمتلأ بالتعبيرات البصرية والنفسية.

اترك تعليقاً