الهندوسية: الأصل والتاريخ والمعتقدات
الهندوسية أو كما يُطلق عليها البراهمية هي أقدم ديانة لا تزال تمارس في العالم، حيث تعود جذورها إلى ما بين 4000 إلى 5000 سنة مضت. نشأت الهندوسية في الهند، ويعتنقها الغالبية العظمى من السكان هناك، ويقدر عدد معتنقيها في جميع أنحاء العالم بحوالي 1.2 مليار شخص، لذا فهي ثالث أكبر ديانة في العالم بعد المسيحية والإسلام. تضم الهندوسية في طياتها مجموعة متنوعة من العقائد والتعاليم الروحية والأخلاقية الحكيمة عن الإنسان والكون. كما لديها عدد لا يحصى من الآلهة، ويقدس الهندوس الأبقار، ويؤمنون بتناسخ الأرواح ويعيشون وفق نظام طبقي محدد. في هذا المقال نتعرف بشكل أكثر تفصيلاً على الديانة الهندوسية.
ما هي الهندوسية؟
جاء مصطلح الهندوسية من كلمة “سندهو” التي كانت تعني “نهر” في لغة السكان الأصليين في شبه القارة الهندية، وكان هذا المصطلح يشير إلى نهر السند، لكن مع دخول الفرس تحورت هذه الكلمة فأصبحت “هندو” وأطلقوا على هذه البلاد اسم “هندوستان” أي “بلاد الأنهار”. ثم جاء الإغريق فتحورت الكلمة مرة أخرى لتصبح “الهند” وأطلقوا على كل معتقدات هذه الشعوب سواء الذين عرفوها أم لم يعرفوها اسم “الهندوسية”. إذن تشير الهندوسية إلى مجموعة القيم والمعتقدات والممارسات الدينية لشعب وادي السند.
الهندوسية ليست ديانة بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكنها أسلوب حياة، ولهذا السبب يطلقون عليها اسم “ساناتانا دارما” والتي تعني باللغة السنسكريتية “المسار الأبدي” أو “القانون الأبدي” الذي ينظم عمل الكون. ويوجد في الهندوسية عدد لا يحصى من الآلهة، لكل إله وظيفة معينة، لكن أهم الآلهة هم آلهة الثالوث الهندي “براهما وفشنو وشيفا”. أما براهما فهو إله الخلق والمعبود الأعلى، وفشنو هو الإله الحافظ للعالم، في حين أن شيفا هو إله الدمار والهلاك[1].
يعتقد الهندوس أن كل فرد يمتلك روح فردية خالدة تسمى “أتمان”. وأن أفعال المرء هي ما تحدد أين ستكون هذه الروح في الحياة القادمة. أما “الكارما” فهي تعني أن الأفعال الجيدة أو السيئة التي تقوم بها في حياتك هي التي ستحدد حياتك القادمة في المستقبل. وهناك معتقد آخر هو “موكشا” ويعني التنوير أو تحقيق الوحدة مع الإله الأعلى براهما، وعندما يصل المرء إلى الموكشا يتحرر من “السامسارا” والتي تعني دورة الولادة والموت والتناسخ.
النصوص المقدسة
تعد الفيدا هي النصوص المقدسة في الهندوسية، وهي عبارة عن نصوص كشف عنها الإله الأعلى للحكماء الهندوس القدماء منذ آلاف السنين. وهناك العديد من النصوص المقدسة المدرجة في الفيدا، ولكن أهمهما أربعة نصوص رئيسية تشكل أساس العقيدة الهندوسية هي: ريج فيدا، وياجور فيدا، وسما فيدا، وأثارفا فيدا. بينما “الأوبنشاد” هي مجموعة أخرى من النصوص المقدسة التي تتوسع في الفيدا وربما تمت كتابتها في الفترة ما بين 800 – 500 قبل الميلاد من قبل العلماء والفلاسفة الهندوس. وتشمل النصوص المهمة الأخرى بوراناس، وبهاغافاد غيتا، ورامايانا، وماهابهاراتا، وهي أطول قصيدة كتبت على الإطلاق في العالم. ولسوف نتناول كل هذه الأمور عند الحديث عن الكتب المقدسة في الهندوسية.
يعتنق الهندوسية كدين أكثر من 80% من سكان الهند، ونيبال، وجزيرة بالي في إندونيسيا، وجزيرة موريشيوس في أفريقيا. وهناك العديد من معتنقيها في باكستان وبنغلاديش وأفغانستان وبوتان وبورما وكمبوديا وإندونيسيا وماليزيا وسريلانكا وتايلاند. هذا بالإضافة إلى الأقليات الهندوسية الموجودة في أوروبا والولايات المتحدة وبنما وترينيداد وتوباغو[2].
أصل وتاريخ الهندوسية
إن نشأة الهندوسية وتشكلها عملية استغرقت آلاف السنين، حيث تضاف إليها معتقدات مختلفة على مر السنين، يشبه الأمر وضع طبقات من المادة فوق بعضها البعض. ولكن يمكن القول إن نشأة الهندوسية[3] تنقسم إلى ثلاث فترات أساسية:
الفترة الفيدية (قبل 4000 سنة): سميت باسم تأثير الفيدا وهي الطقوس المقدسة التي كانت تمارسها القبائل البدوية أو شبه البدوية التي سكنت الهند وباكستان في ذلك الوقت.
الفترة البراهمية (منذ 3900 سنة): تبدأ هذه الفترة مع غزو الآريين لهذه القبائل البدوية، وبعد الثورة الزراعية والتوطين، أصبحت طقوس هذه القبائل أكثر تعقيداً، وظهر مفهوم براهمان الذي يعني باللغة السنسكريتية “الخالق” وهو الإله الذي ينسب إليه خلق الحياة ونهايتها. وقد اتخذ الآريون من هذه القبائل البدائية عبيداً لهم، وأنشأوا النظام الطبقي (الطبقات الاجتماعية المنشأة حسب التسلسل الهرمي) الذي لا يزال موجوداً حتى اليوم.
الفترة الهندوسية: تطورت الهندوسية في هذه الفترة وظهرت آلهة مجسدة جديدة مثل شيفا وفشنو وكالي، واختلطت المعتقدات القديمة مع أخرى ذات أصل شعبي مثل الصوفية والتانترا التي تقدر الجسد كوسيلة لتحقيق الألوهية. كما استمرت النظام الطبقي في الوجود حتى ظهرت البوذية كدين يعارض هذا النظام الطبقي، ولم تخضع البوذية لولاية الكهنة، وكانت تعتمد على عمل العقل باعتباره العامل الرئيسي في العقيدة.
ظهرت العديد من الطوائف المختلفة فيما بعد، وقد اهتمت هذه الطوائف بشكل كبير بالفلسفة وبالأخص الميتافيزيقا. وأدى ذلك إلى ظهور الكهنة والرهبان الذين زعموا أن بهم عنصراً إلهياً. ثم توحدت الهندوسية وتوسعت في جميع أنحاء الهند على يد هؤلاء.
المعتقدات الأساسية في الهندوسية
نظام المعتقدات الهندوسية متنوع ومعقد للغاية بسبب خصائصه. لكن مع ذلك يشترك جميع الهندوس في سلسلة من المعتقدات الأساسية التي تتمثل في الكارما والدارما والتناسخ والتحرر. دعونا نتعرف عليها.
الكارما
تُعرف الكارما في الهندوسية بأنها الطاقة التي تُنتج وفقاً لأفعال الناس. فإذا كان فعل الإنسان خيراً، فإنه سيطلق كارما جيدة. وعلى العكس من ذلك، إذا اقترف الأخطاء والشرور، فإن الكارما الخاصة بك ستكون سلبية. بمعنى آخر، تشير الكارما إلى عواقب جميع الأفعال التي يقوم بها الشخص في حياته. إنه مشابه لقانون السبب والنتيجة. تمثل فكرة الكارما إحساساً عميقاً بالعدالة.
الدارما
تشير الدارما إلى مجموعة الواجبات التي يجب على الشخص احترامها والوفاء بها في حياته، مثل الفضيلة والتدين والسلوك وما إلى ذلك. وبعبارة أخرى، الدارما هي الواجب الذي نحن موجودون من أجله. تعني هذه الكلمة شيئاً مثل “الدين” أو “السلوك التقي” أو “السلوك الصحيح”.
التناسخ (السامسارا)
يؤمن الهندوس بتناسخ الأرواح، وهو ما يسمى سامسارا. ويعني التناسخ أنه بعد الموت يمكن للروح أن تدخل جسداً جديداً، وفقاً لأفعال الشخص، فإذا كان الشخص من الأخيار الذين قاموا بأفعال أخلاقية فسوف يتجسد مرة أخرى في جسد أرقى وأعلى، وإذا لم اقترف الشرور فسوف يتجسد في جسد أدنى أو أقل مرتبة.
التحرر (موكشا)
يؤمن الهندوس أيضاً بالتحرر الروحي، والذي يسمى في اللغة السنسكريتية موكشا. ويشير هذا الأمر إلى تحرر الإنسان من المعاناة في الحياة والتخلص من دورة الحياة والموت والولادة من جديد ليمتزج مع الروح الكلية للوجود. ولا يتحقق هذا الأمر إلا بالتخلي عن المادة والاهتمام بالروح. وهناك ثلاث طرق للحصول على التحرر الروحي، وهذا هو هدف الهندوسية. هذه المسارات هي: طريق العمل، وطريق المعرفة، وطريق الإخلاص[4].
تقديس الحيوانات في الهندوسية
يقدس الهندوس الحيوانات والنباتات والناس، نظراً لأن الدارما هي التي تحدد نظام العالم، وهي التي تحدد حساب الأعمال الصالحة أو السيئة، وبالتالي الطبقة التي يولد فيها الهندوسي من جديد عن طريق التناسخ. حيث تؤدي الكارما الجيدة إلى ولادة الروح من جديد في حياة أفضل أو حتى أدنى. ويشير التناسخ إلى عودة الروح إلى الأرض بعد الموت في كائن آخر، يمكن أن يكون إنسان أو حيوان أو نبات، لذا يقدس الهندوس جميع أشكال الحياة، لأنهم يعتبرونها تجسيد لروح ما.
لا يعبد الهندوس الأبقار كما يعتقد الكثير، لكن البقرة بشكل عام يقدسها الهندوس ويحترمونها لأنها أولاً من الحيوانات، لذا لها أهمية كبرى كما أشرنا سابقاً، وثانياً لأنها رمز للخير والعطاء والسلام والامتزاج مع الطبيعة، فهي تعطي بلا مقابل مثل الأم. وهناك سبب آخر لتقديس البقر في الهندوسية، وهو ارتباطها بالإله كريشنا الذي يصور دائماً وهو يعزف بجانب الأبقار[5].
الصلاة في الهندوسية
يوجد في كل منزل هندوسي تقليدي مذبح صغير عليه صورة إله. تؤدي الأسرة فيه الصلاة والدعاء، من خلال القراءة من بعض الكتب المقدسة أو الوقوف في صمت أمام المذبح. وهناك ما لا يعد ولا يحصى من المعابد الهندوسية المنتشرة في القرى والمدن، وعلى الجبال وفي الغابات. حيث بنى الهندوس في كل مكان أكواخاً صغيرة أو مجمعات معابد ضخمة لآلهتهم.
الحياة بعد الموت
يعتقد الهندوس أن الموت يمثل نهاية حقبة واحدة فقط من الوجود. حيث تولد الروح من جديد في جسد جديد بعد ذلك مباشرة أو بعد ذلك بكثير، وهو ما يُعرف بالتناسخ. إن فكرة الدورة الأبدية للولادة – الحياة – الموت والبعث هي فكرة أساسية بالنسبة للهندوس، وهي تجبرهم على التصرف بشكل جيد وصحيح باستمرار إذا كانوا يريدون أن يكونوا في طبقة أعلى في الحياة القادمة. وتنتهي دورة الميلاد الأبدي فقط عندما تتحرر أرواحهم وتصل إلى النيرفانا – أي الاتحاد مع الإله الأعلى.
حرق الموتى في الهندوسية
لا يدفن الهندوس موتاهم، بل تحرق أجسادهم بعد موتهم، ويعود السبب وراء ذلك إلى أن الحرق يسمح للروح أن تتجه إلى الملكوت الأعلى بشكل أسرع، هذا ويُعتقد أن حرق الجسد هو تخليص للروح من هذا الجسد الفاني. ويحرق الهندوس موتاهم في محرقة الجثث أو في الهواء الطلق. ثم يحصل أقارب المتوفى على رماده، وينثروه في نهر الجانج أو في أي مكان آخر، لتبدأ رحلة الميت التالية في التناسخ – أي دخول الروح إلى جسد جديد.
الآلهة الهندوسية
يوجد في الهندوسية أكثر من 350 ألف من الآلهة[6]. يجسد كل إله من هذه الآلهة عنصراً من عناصر الطبيعة والشخصية البشرية، وهي تشكل في المجمل هذا الدين. دعونا نتعرف على أهم الآلهة الهندوسية.
براهمان – الجوهر الأبدي
يعتبر براهمان أكثر من مجرد إله، فهو الجوهر الأبدي، والحقيقة النهائية للوجود، والتي تتجلى في الكون وكل ما يعيش فيه. ومن ثم فإن براهمان هو الكائن الأسمى ومنه تنبع كل الآلهة الأخرى الموجودة. ولا ينبغي الخلط بين “براهمان” و”براهما”، لأن الأخير يشير إلى تجسيد الإله الذي خلق العالم. ويظهر براهمان قوته من خلال الآلهة الثلاثة التي تمثل الثالوث الهندوسي المقدس وهما “براهما (الخالق)، وفشنو (الحامي) وشيفا (المدمر والمجدد).
براهما – خالق الكون في الهندوسية
هذا الإله في الهندوسية هو الإله الأسمى والأعلى الذي خلق الكون، وهو أول الآلهة في الأساطير الهندوسية. ويعتبر جزءً من الثالوث الهندوسي مع إلهين آخرين هما فشنو وشيفا. ويمثل براهما على شكل شخصية بأربعة وجوه بيضاء ملتحية، مما يعني أنه يمكنه الرؤية في جميع الاتجاهات في نوع من الوجود الكلي، واللحى ترمز إلى الحكمة. كما يمتلك براهما أربع أيادي تشير إلى جوانب شخصية الإنسان: الضمير والفكر والعقل والأنا. ويصور دائماً وهو يسافر في جميع أنحاء الكون على ظهر بجعة تسمى “جانسا”. ولا يعبد براهما بشكل مباشر لكل المؤمنين يتقربون إليه من خلال الآلهة الهندوسية الأخرى.
فشنو – الإله الحامي
يعتبر فشنو الإله الثاني في الثالوث الهندوسي، وهو المسؤول عن حفظ نظام الكون ورعايته ويمثل الرحمة والحب والسلام. يمثل فشنو على شكل شخصية بشرية ذات بشرة زرقاء راكعة ويمتلك أربعة أذرع في إشارة إلى قدرته إلى الوصول إلى الزوايا الأربع من العالم. وتشير الأساطير الهندوسية إلى أن فشنو متزوج من لاكشمي – إلهة الثروة والجمال – وقد تجسد في عالم الآلهة على شكل عشرة آلهة هندوسية أخرى تسمى “أفاتار”، وأشهرهم كريشنا وراما التي سنتحدث عنهما لاحفاً.
شيفا – المدمر والمجدد
يعتبر شيفا من أكثر الأسماء شهرة للآلهة الهندوسية، وهو الإله الثالث في الثالوث الهندوسي. هذا الإله هو المسؤول عن دمار الكون وتجديده مرة أخرى، وكونه إلهاً مدمراً، يدمر شيفا كل ما هو موجود حتى يظهر الجديد ويمكن تجديد الحياة والكون. يمثل هذا الدمار في الهندوسية تغييراً في طريقة الحياة وليس عدم الوجود، وهو أمر ضروري للتطور. ويمثل شيفا على شكل شخصية بشرية ذات جلد أزرق شاحب وأربعة أذرع، مع قمر على رأسه وثعبان حول رقبته.
راما – محارب الشر
يعتبر راما هو التجسد السابع لفشنو، وهو بطل شجاع في الملاحم الهندية والتي من أشهرها ملحمة “رامايانا” التي تصور قصة حياته كبطل استطاع هزيمة إله الشر رافانا وإنقاذ زوجته منه. يمثل راما على شكل شخصية بشرية ذات بشرة زرقاء ويرتدي سترة صفراء ويحمل أقواساً وسهاماً.
كريشنا – إله الحب والفرح
كريشنا هو أحد الآلهة الأكثر شعبية واحتراماً في الهند، وهو تجسيد آخر لفشنو. يرى المؤمنون به أنه زعيم، وقائد، ومثال يحتذى به. إنه الإله الذي ينزل إلى العالم كلما كان ذلك ضرورياً لاستعادة الدارما (نظام الكون. وكان كريشنا يعزف على الناي، مما جعل كل من يستمع إليه يرقص ويصل إلى النشوة. ويمثل في العادة كشاب وسيم ذو بشرة زرقاء ويحمل بين يديه مزماراً. وهناك بعض الطوائف في الهندوسية تعتبر أن كريشنا هو الإله الأعلى بين جميع الآلهة.
ديفي – قلب الآلهة الهندوسية
تمثل ديفي (أو شاكتي) جميع الآلهة الأنثوية أو الجانب الأنثوي في الآلهة الهندوسية. ويعتبرها العديد من الهندوس أنها المظهر الأنثوي للإله الأعلى. كما لديها تجسيدات متعددة، بعضها آلهة خيرة، وبعضها شريرة تخلق الكون وتحافظ عليه وتدمره. وعادة ما يطلق عليها اسم الأم. وتمثل بشخصية بشرية تجلس في مقدمة جميع الآلهة الأخرى.
لاكشمي – إلهة الوفرة والحظ
لاكشمي هي زوجة فشنو، وهي إلهة الوفرة والحظ السعيد ورمز الثروة والحب والجمال. حيث تمثل الرخاء بجميع جوانبه المادية والروحية. تتمتع لاكشمي بمكانة خاصة لدى الهندوس، لذلك يصلي إليها الجميع من أجل الحب والثروة والازدهار والوفرة. تمثل لاكشمي بشخصية بشرية جالسة على زهرة اللوتس، مع العديد من الحلي الذهبية. وترمز زهرة اللوتس إلى الكمال والتوازن والتناغم، في حين ترمز الحلي الذهبية إلى الثروة.
غانيشا – إله الحكمة في الهندوسية
غانيشا هو إله هندوسي برأس فيل وجسم بشري ببطن منتفخ، وهو إله الحكمة والذكاء والوفرة والسياسة والبدايات الجديدة. كما أنه راعي الفنون والآداب والعلوم. غانيشا هو أحد الآلهة الأكثر شعبية في الهندوسية. ومن العادات الراسخة في الهند أنه قبل الشروع في مشروع جديد، يطلب المؤمنون من غانيشا أن ينجحوا فيه. أما رمزية تصوير هذا الإله برأس الفيل، لأن الفيل يرمز إلى الحكمة والفطنة، بينما البطن المنتفخ يدل على قدرته على ابتلاع واستيعاب المعاناة في العالم.
بارفاتي – إلهة الأمومة والحب
بارفاتي هي إلهة أنثى تجسد الحب والتفاني والأمومة. يعني اسمها “ابنة الجبل” وهي زوجة الإله شيفا وأم غانيشا الإله ذو رأس الفيل. وهناك عدد لا يحصى من المعابد والمذابح في الأراضي الهندية التي تبجل بارفاتي كونها أم إلهية وحامية للأسرة والطعام والأنوثة. وتصور بارفاتي مع زوجها شيفا وابنها غانيشا دائماً.
هانومان – إله القوة والشجاعة
إله هندي له شخصية بشرية، وفراء أبيض ووجه قرد. إنه شريك محارب للإله الشجاع راما، ويظهر له ولاءً كبيراً، لذلك فهو شخصية رئيسية في ملحمة رامايانا الشهيرة. يرمز هانومان إلى الشجاعة والالتزام والكرم والعزيمة، ويعبد من قبل جميع طوائف الهندوسية. أما بالنسبة لشكله، فلأنه قائداً لجيش القردة.
ساراسواتي – إلهة المعرفة الهندوسية
تعتبر ساراسواتي رمز للمعرفة والفنون والحقيقة، وهي واحدة من الثالوث المقدس الأنثوي الذي يضم ساراسواتي ولاكشمي ودورجا. تمثل ساراسواتي كشخصية بشرية تجلس على زهرة لوتس، ترتدي ملابس بيضاء (ترمز للنقاء) مصحوبة بإوزة وتعزف على السيتار، كرمز للفنون. وهي زوجة الإله الخالق براهما.
الكتب المقدسة في الهندوسية
هناك العديد من الكتب المقدسة عند الهندوس، تتميز معظمها بلغتها الصعبة، والعسيرة على الفهم، ولذلك ألفت العديد من الكتب التي تشرح ما جاء في الكتب المقدسة، ويعتبر الهندوس أن هذه الكتب الشارحة مقدسة هي الأخرى[7]. دعونا نُلقي نظرة على أهم الكتب المقدسة في الهندوسية وما جاء فيها.
الفيدا
أقدم نص مقدس في الهندوسية هو الفيدا، والذي يعني “المعرفة”. يعود تاريخ الفيدا إلى حوالي 3000 عام، ويحتوي في طياته على العديد من الحكايات القديمة عن الآلهة والتعاويذ السحرية، والترانيم والأغاني التي كان يترنم بها الكهنة في الماضي. تحتوي الفيدا على أربعة كتب رئيسية هي:
- ريج فيدا: وهي أقدم تراتيل الهندوسية، وتعني ريج “العبادة” وقد نُقلت في الأصل عن طريق التقليد الشفهي. ويعتقد أن هذه الترانيم ظهرت حوالي عام 1500 قبل الميلاد، ويعتبر هذا الكتاب هو الأساس الرئيسي للهندوسية.
- ياجور فيدا: وهو كتاب الذبائح والقرابين. تم تأليفه حوالي عام 900 قبل الميلاد تقريباً. ومعظم محتواه مأخوذ من ريج فيدا، ويحتوي على التراتيل التي يتلوها الرهبان عند تقديم القرابين للآلهة.
- ساما فيدا: تعني ساما باللغة السنسكريتية “الغناء”. وهو كتاب ديني ملحمي به الكثير من الأناشيد والأدعية التي تتلى عند إقامة الصلوات.
- أثاروا فيدا: وهو كتاب طقوس يحتوي على الكثير من التعاويذ والتمائم لدرء السحر والشياطين، كما يشتمل على ممارسات وطقوس الحياة اليومية. وقد تم دمجه في الفيدا في وقت متأخر.
الأوبنشاد
تعتبر تعاليم الأوبنشاد من أهم الكتابات المقدسة الأخرى. وتعني الأوبنشاد “اجلس عند قدمي معلمك”. حيث ينقل المعلمون المعرفة حول دورة الحياة والموت للناس. ويمكن اعتبار الأوبنشاد هي الجزء الأخير من الفيدا، حيث ظهرت هذه الكتابات بين عامي 800 إلى 600 قبل الميلاد، وكانت في الأصل تعاليم سرية تحتوي على الأسرار والمشاهدات التي رأها الرهبان الصوفيون، لذا فهي عبارة عن حوارات تنقل بين المعلم وتلميذه.
البهاغافاد غيتا
تعد البهاغافاد غيتا هي النص المقدس الأكثر شهرة في الهندوسية، وتعني الكلمة في اللغة السنسكريتية “أغنية المبارك”. وتحظى هذه النصوص بشعبية خاصة لدى الأطفال لأنها تحكي قصصاً رائعة عن البطل أرجونا ولقاءاته مع الإله كريشنا. حيث تلعب قصص الأبطال الإلهيين دوراً رئيسياً في الحياة اليومية للهندوس. بينما تتم قراءتها في الأعياد الدينية وتظهر في الأفلام وحتى في القصص المصورة.
مهابهاراتا
المهابهاراتا هو كتاب ملحمي أسطوري طويل، يحكي قصة الحرب بين عائلتين: عائلة باندافاس وعائلة كاراوفا، وقد اشتركت الآلهة في هذه الحرب. كتبت هذه الملحمة عام 950 قبل الميلاد، وهي واحدة من أطول الملاحم الموجودة في الثقافة الهندية بجانب الملحمة الأخرى الأكثر شهرة رامايانا. وتشكل هاتان الملحمتان تاريخ الأساطير الهندية، كما تتناولان العديد من الأفكار المتعلقة بالغرض من الحياة والوجود وطبيعة الكارما وكيفية الوصول إلى التحرر أو الموكشا.
الأماكن المقدسة في الهندوسية
فاراناسي هي المدينة المقدسة التي تقع على ضفاف نهر الجانج المقدس. يأتي إليها عدة آلاف من الحجاج كل يوم، ويتنوع زوارها ما بين المرضى الذين يأملون في الشفاء من الأمراض، وبين الرجال الأتقياء والرهبان والنساك الذين يأتون لإقامة الطقوس. يريد الجميع أن يغوص في مياه نهر الجانج المقدسة من أجل تطهير أرواحهم من الذنب والخطايا. ويقضي الهندوس المتدينون بعض الوقت من حياتهم في صوامع هندوسية موجودة بجانب النهر المقدس، لينغمسوا في تمارين روحية وتأملية، ويعلمون الهندوس التعاليم المقدسة، وتمارين اليوجا التي تعني “الاتحاد مع الإله الأعلى”.
يعود تقديس الهندوس لنهر الجانج إلى الأساطير الهندوسية القديمة التي تشير إلى أن هذا النهر ينبع من الجنة، وكان النساك يأتون إليه للتأمل، ولكن الشياطين كانت تخرج لهم من النهر لإغرائهم، فرأى النساك أنهم يستطيعوا ابتلاع هذه الشياطين عن طريق شرب مياه النهر. وهناك أسطورة أخرى في ملحمة رامايانا تقول إن الإله طلب من الناس النزول في النهر من أجل الاغتسال من الخطايا، وغيرها من الأساطير التي لا مجال لحصرها هنا. والجدير بالذكر أن مياه نهر الجانج لها خواص علاجية، نظراً لبعض المعادن الموجودة فيها، لذا يذهب إليه البعض للاستشفاء.
النظام الطبقي في المجتمع الهندوسي
يعد النظام الطبقي مبدأ أساسياً آخر في الهندوسية، وهو نظام اجتماعي وديني صارم يستند على تقسيم البشر لعدة طبقات. وقد ألغى القانون الهندي هذا النظام في الوقت الحاضر، إلا أنه لا يزال يهيمن على الحياة الاجتماعية في الهند، لأن الكثير من الهندوس يعتقدون أن هذا الترتيب صحيح. يستند المعتقد الهندوسي على أن كل شخص يولد في طبقة. تحدد طبقته المهنة المسموح له بممارستها ومدى احترامه. وتحت الطبقات هناك المنبوذين. وقد ناضل المهاتما غاندي طويلاً ضد النظام الطبقي. يقوم هذا النظام على تقسيم البشر إلى أربع طبقات هي:
البراهمة (الكهنة)
وهم الذين خلقهم الإله براهما من رأسه. وهو أسياد جميع الطوائف والطبقات الأخرى. وتتضمن البراهمية المعلمين والكهنة والقضاة، ويلجأ لهم الجميع من أجل التعلم منهم، وفي حالات الزواج والوفاة، ولا يصلح تقديم القرابين للإلهة إلا في وجودهم
الكشاتريا (المحاربون)
وهم الذين خلقهم الإله براهما من ذراعيه، ويجب على أعضاء هذه الطبقة حمل السلاح للدفاع عن الأرض والناس في حالات الحرب، كما عليهم تقديم القرابين للإلهة.
الفايشيا (التجار والزرّاع)
وهم الذين خلقهم الإله من فخذيه، يعمل أعضاء هذه الطبقة في مهن التجارة والزراعة، ويجمعون المال، وينفقون على المعاهد الدينية.
الشودرا (الخدم والعمال)
وهم الذين خلقهم الإله من قدميه، وتشتمل هذه الطبقة على المنبوذين الذين يعملون كخدم لجميع الطوائف الأخرى، كما يمتهن معظمهم مهن حقيرة وقذرة.
كانت فكرة النظام الطبقي في الهندوسية تستند في البداية على أن الشخص سيؤدي أي دور في الحياة اعتماداً على قدراته، وليس على ولادته. لذلك، إذا كان لدى شخص ما قدرات البراهمة، فسيكون كذلك على الرغم من الطبقة التي ولد فيها. علاوة على ذلك، كان لجميع الطوائف دور متساو وحيوي في المجتمع، ولم تكن هناك طبقة أكثر أهمية من أخرى.
لكن بعد ظهور قوانين مانو في القرن الخامس قبل الميلاد أصبح النظام الطبقي أكثر صرامة وقسوة. حيث تشير بعض القوانين إلى أن البراهمة هم أسياد جميع الطوائف، وقاعدة أخرى تحظر أي تعامل أو امتزاج بين الطوائف سواء في الأعمال التجارية أو الاجتماعية مثل الزواج. وكان يعتبر أن العمل في مهن مثل الصرف الصحي أو النظافة غير مشرفة، ويتم وصم الأشخاص الذين يؤدون هذه الوظائف على أنهم “منبوذين”. وقد أدى هذا التفسير الصارم للنظام الطبقي إلى خلق مجتمع غير متكافئ وقمعي[8].
الأعياد والمهرجانات الهندوسية
هناك العديد من الأعياد والمهرجانات المختلفة داخل الهندوسية، نظراً لأن الهندوس يعبدون الكثير من الآلهة. ويحتفل البعض بإلههم بمواكب احتفالية كبيرة ترأسها صورة الإله على مركبات ملونة. لكن أهم الأعياد في الهندوسية هي ديوالي، وهولي، ونافراتري.
ديوالي
يُطلق عليه ايضاً عيد الأضواء أو الأنوار، وهو الاحتفال برأس السنة الهندية، وتكريم لفشنو ولاكشمي. يحتفل الهندوس بهذا المهرجان من خلال تزيين جميع المنازل والشوارع، حتى البحيرات والأشجار، بمصابيح زيتية صغيرة. كما يتم إطلاق الألعاب النارية في المدن. يستمر مهرجان الأضواء خمسة أيام. ويرمز للبدايات الجديدة وانتصار الخير على الشر والنور على الظلام. ويُعتقد أن لاكشمي، إلهة الثروة والرفاهية والرخاء، تزور كل منزل عشية عيد ديوالي لتباركه بالثروات والكماليات العظيمة.
نافراتري
تعني نافراتري باللغة السنسكريتية “تسع ليال” وهو احتفال شعبي بمهرجان الخصوبة والحصاد الذي يستمر تسعة أيام. وكتكريم للإلهة دورجا، الإلهة الأم في الهندوسية. يبدأ الاحتفال بهذا العيد في أوائل الخريف، عادة في سبتمبر أو أكتوبر. وهناك أيضاً أربعة احتفالات نافراتري أخرى على مدار العام. وتشمل الاحتفالات الملابس الملونة والرقص والصيام والطقوس.
هولي
هولي هو مهرجان هندوسي شعبي قديم، يُعرف أيضاً باسم “مهرجان الحب”، و“مهرجان الألوان”. و“مهرجان الربيع”. ويقام عادة في شهر مارس ويدل على نهاية الشتاء وبداية الربيع، فضلا عن تكريم انتصار الخير على الشر. يقوم المحتفلون بإلقاء مسحوق ذو ألوان زاهية، وإشعال النيران، وتناول الحلويات والرقص على الموسيقى التقليدية.
الهندوسية والبوذية
يُنظر إلى الهندوسية والبوذية على أنهما ديانة واحدة، لأن لهما جذراً مشتركاً، فكلاهما يأتي من الهند. لكن تتباعد مبادئ الديانة الهندوسية والبوذية بشكل كبير، وهناك العديد من الاختلافات الواضحة، وربما من أهم هذه الاختلافات أن الهندوسية لديها مجموعة متنوعة وكبيرة جداً من الآلهة، في حين أن البوذية لا تؤمن بوجود آلهة أو كائنات خارقة للطبيعة، بل هي بمثابة طريق إلى التنوير.
تشترك الديانتان في الاعتقاد بتناسخ الأرواح، لكن البوذية تقترح طريقاً للاكتشاف الداخلي، والابتعاد عن العالم الحقيقي للهروب من عجلة المعاناة الأبدية والتناسخ، وعلى الرغم من أن الهندوسية تسعى إلى تحقيق نفس الهدف، إلا أنها تفعل ذلك من خلال ممارسة الطقوس والالتزام بالمسار الروحي الذي تحكمه الآلهة. هناك اختلاف آخر هو أنه لا يوجد مؤسس للديانة الهندوسية، وليس لديها أنبياء ورسل، لكن البوذية تحكمها تعاليم غوتاما بوذا المستنير.
الهندوسية هي واحدة من أقدم الديانات الموجودة وأكثرها تعقيداً، لأنها تفتقر إلى مجموعة واحدة ومنظمة من المعتقدات والممارسات، لتصبح بالأحرى فلسفة حياة. وعلى الرغم من أنها ديانة الأغلبية في العديد من البلدان ولديها أكثر من مليار تابع حول العالم، إلا أنه من الأسهل فهم الهندوسية كمجموعة من الممارسات الروحية، وليس كمجموعة منظمة وهرمية. فلا يوجد زعيم ديني للهندوس في العالم أجمع، ولا توجد كنيسة للهندوسية في حد ذاتها.
المراجع
[4] Moksha and the Hindu Worldview.
[5] Background to Understanding the Cattle Situation of India: The Sacred Cow Concept in Hindu Religion and Folk Culture.
[7] Historical development of basic concepts of Ayurveda from Veda up to Samhita.
[8] The Role of Indian Caste Identity and Caste Inconsistent Norms on Status Representation.
كلها ديانات شركية والعياذ بالله
ديانات شركية متعددة الآلهة، ولكن لابد من العلم بها
الهندوس من الشعوب المبتهجة دائماً بمهرجاناتها واحتفالاتها التي تتعلق بديانتها
نعم هذا صحيح
صاحب المقال شكرا على الجمع وترتيب المصادر
جهد مقدر و هذه المعرفة تجعلنا نفهم الشعوب الأخرى و نعلم كيف نتعامل معها
لا شكر على واجب أستاذ محمد؛ وأتمنى أن أكون دائمًا عند حسن الظن