كيف يحررنا الصدق؟

You are currently viewing كيف يحررنا الصدق؟
أهمية التحلي بالصدق

يشير علماء النفس إلى أن التحلي بالصدق مفيد للصحة العقلية، حيث يمكن أن يؤدي قمع الميول الغريزية إلى ظهور بعض الأمراض النفسية والعقلية، وما يعيدنا إلى الصحة هو فقط تحرير غرائزنا. هذه هي النظرية الأكثر قبولاً حالياً بين علماء النفس والأطباء النفسيين. ببساطة “الصادقون أحرار”. لكن لماذا؟ في السطور التالية نتعرف على أهمية الصدق، وكيف يجعلنا أحراراً؟

الهروب من الحرية

إن الصادق يصف الواقع كما هو، وهذا الأمر يسمح له بالتعبير عن مشاعره بحرية تامة، فهو يحصل على متعة العيش في العالم الحقيقي دون التخفي وراء ستائر من الكذب والخداع. يقول الفيلسوف والكاتب الأمريكي رالف والدو إيمرسون:

“يجب أن أكون صادقاً وناقداً، وأن أقول الحقيقة الخالصة والقاسية بكل أشكالها، فهذا يحررني”.

لكن الحرية في بعض الأحيان مرعبة لدرجة أن عقولنا لا تتسامح معها، وتبدأ عقولنا في لعبة الغميضة. ففي كثير من المواقف نبحث عن ستار ليحمينا من الخارج، وهذا الأمر له عواقب باهظة الثمن. يعني هذا أننا نبحث عن طرق للهروب من الحياة. والصادقون فقط الذين يستخدمون كلمات واضحة وصريحة هم الذين يتمتعون بحريتهم.

كونك تتحلى بالصدق لا يعني بالضرورة أن تكون فاضلاً، ولكن أن تكون مخلصاً. فالإخلاص هو حاجة حيوية تعتمد عليها صحتنا وبقائنا. وتعلم أن نكون صادقين هو أحد أفضل الطرق لعلاج جميع اضطرابات التوتر غير الناتجة عن بيئتنا.

اقرأ أيضًا: كيف تتخلص من صعوبة التعبير عن المشاعر؟

أكاذيب وأباطيل

فضيلة الصدق
اختراع الأكاذيب

حذرنا الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال تحذيراً بسيطاً:

“عندما يحاول الإنسان أن يكون ملاكاً، ينتهي به الأمر ليصبح وحشاً”.

ما كان يشير إليه المفكر الفرنسي هو أنه كلما ابتعدت عن الصدق والحقيقة واتجهت إلى المظاهر ولم تفكر سوى في كيف يراك الناس، سرعان ما تفسد أخلاقك تحت الضغط المفرط الذي تعيشه لتلبية متطلبات الظهور.

يقول براد بلانتون في كتابه الصدق الراديكالي:

“نحن جماعة الكذابين، وهو ما يرهقنا. وهنا يكمن أكبر مصدر للضغط على البشر. فالكذب يقتل”.

لماذا عندما نحاول قمع الرغبات الجنسية نصبح أكثر استعداداً للانحراف. ولماذا عندما نرغب في قمع العدوانية، يندلع العنف. هذا الشيء نفسه يحدث مع الصدق، لأننا عندما نحاول قمع الصدق واختراع الأكاذيب سرعان ما تتحول وتبدو وكأنها حقيقة بالنسبة لنا، وبالتالي تبدأ دورة الأمراض النفسية في الظهور.

اقرأ أيضًا: الطريق إلى تحقيق الذات في الحياة

الصورة المثالية

إذا نظرنا إلى تاريخنا مع محاولات الاختفاء الكامل وراء الأكاذيب، سنجد حقيقة لا مراء فيها، وهي أننا جميعاً نكذب مع بعض التردد. ومع ذلك فإن معيارنا الأخلاقي ينص على أنه لا ينبغي لأحد أن يكذب أبداً. إننا نريد أن نكون مثاليين – وهذا أمر لن يتحقق – ولا يمكن تحقيق ذلك دون أن يترتب عليه جرعات عالية من النفاق والأكاذيب والأباطيل، وهو أمر ضروري للحفاظ على صورة السلوك المناسب لمثل هذه الفكرة الخيالية.

لكن النتيجة الضارة لهذا التوتر والضغط الذي نحمله على أكتافنا، بسبب الصرامة الأخلاقية التي نطلبها من أنفسنا، هي القسوة الطبيعية التي تنشأ من هذا المطلب. فاختلاق الأكاذيب والتخلي عن الصدق يؤدي بنا – شئنا أم أبينا – إلى إيذاء أولئك الذين يستمعون إلينا. حيث يميل الفرد إلى نقل المعاناة التي يشعر بها إلى الآخرين. إنه يتألم، وعندما يتألم المرء، يجعل الآخرين يتألمون. وبهذه الطريقة، لا يتسبب المعتدي في إلحاق الأذى بالآخر فحسب، بل يتسبب على الأرجح في ضرر أكبر من الكذبة نفسها، وأسوأ ما في الأمر أنه يرتدي ثوب الفاضل الذي يبجل الصدق.

أشرنا إلى أهمية النوايا، وهو أمر ضروري لا ينبغي تجاهله، فلا يمكن أن نكون صادقين ونحن نحمل بداخلنا نوايا سيئة، فهذا أشد ضرراً من اختلاق الأكاذيب. يقول الشاعر الإنجليزي وليام بليك:

“الحقيقة التي تُقال بنية سيئة، تتجاوز كل الأكاذيب التي يمكن اختراعها”.

اقرأ أيضًا: لماذا نعاني عندما نقع في الحب؟

الصدق في عالم اليوم

الصدق مع الناس
عالم من النفاق

إن المشكلة التي نواجهها هي أننا لا نعرّف الصدق بالطريقة التقليدية. حيث نستخدم اليوم هذا المصطلح إذا أردنا ازدراء شخص ما، ونخفي وراءه أكثر سلوكيتنا المخزية والأنانية. يستخدم الصدق في عالمنا اليوم ليشير إلى النقد السلبي لشيء ما أو شخص ما. فلا يعني الصدق أن تكون وقحاً أو وغداً لإشباع بعض الرغبات المكبوتة بداخلك، أو توجيه مشاعرك السلبية إلى شخص ما. ومع ذلك من يفعل ذلك يحتفى به في كل مكان ويشير إليه الناس على كونه إنساناً فاضلاً لا يخشى لومة لائم. لكن للأسف ما يحدث هو استعرض رخيص ينم عن شخصية ضحلة.

إننا نعاني اليوم من مجتمع شديد النفاق، فلم ندافع أبداً عن أي قضية عادلة. ونتيجة لذلك تغيب الحقيقة وراء ستار من الأكاذيب. ولا مشكلة لدينا في تحميل كل المسؤولية عن المصائب التي تحل بنا على أكتاف الآخرين، وليس لدينا حرج في أن ننسب أي فضل أو نجاح إلى أنفسنا. هذا لا يمت لفضيلة الصدق بصله، حيث يجب أن يكون الإخلاص واقعه التمسك بالحقيقة، وهو ما يقودنا إلى حياة حرة ترتكز على عالم حقيقي، لقد حوّلنا النفاق إلى إخلاص وما كان في يوم من الأيام رذيلة أصبح الآن يتنكر في هيئة فضيلة. والأسوأ من ذلك أننا غيرنا معناه دون تغيير وضعه كقاعدة اجتماعية، لذا يبدو الآن أنها إلزامية إذا أردنا التصرف بشكل أخلاقي.

اقرأ أيضًا: هل نصبح أكثر حكمة وشجاعة كلما تقدمنا في العمر؟

يظهر الإخلاص والنفاق، بهذه الطريقة، فلم يعودا شيئان متضادان، ولكن وجهان لعملة واحدة. لقد تم إفساد معناهما الأصلي، مما قوض قدرتنا على الوصول إلى الحقيقة، أو على الأقل الاقتراب منها. لماذا ا؟ ربما بسبب ما قلناه في البداية: أن الحرية، والالتزام بالعيش تحت مسؤوليتنا في العالم الحقيقي يرعبنا.

اترك تعليقاً