تاريخ

دير سانت كاترين: قصة أقدم الأماكن المقدسة لدى الديانات الثلاث

يقع دير سانت كاترين عند سفل جبل سيناء، ويُوصف بأنه أقدم دير مسيحي لا يزل مستخدم حتى الآن. تعود أهمية هذا الدير الدينية إلى وجوده في جبل حوريب الذي كلم الله فيه النبي موسى وتلقى منه الألواح. يضم الدير بين جدرانه مجموعات من المخطوطات والأيقونات المسيحية المبكرة. فما هي قصة دير سانت كاترين؟ وماذا يوجد بداخله؟

أين يقع دير سانت كاترين؟

يقع دير سانت كاترين عند سفح جبل حوريب في مصر. حيث تسلم النبي موسى ألواح الشريعة، والتي تحتوي في طياتها على الوصايا العشر حسب سجلات العهد القديم. ويطلق عليه المسلمون اسم جبل موسى. فهذه المنطقة بأكملها مقدسة لدى الديانات الإبراهيمية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام. بينما تأسس دير سانت كاترين في القرن السادس، ويأتي إليه السياح من جميع أنحاء العالم.


تاريخ دير سانت كاترين

مر دير سانت كاترين بالعديد من المراحل التاريخية. حيث تعاقبت عليه الكثير من الأنظمة الحاكمة في التاريخ، فمن الحكم الروماني والبيزنطي إلى الحكم الإسلامي. 

دير سانت كاترين خلال الحكم الروماني والبيزنطي

بدأت قصة دير سانت كاترين بضم الرومان للمملكة النبطية في أوائل القرن الثاني الميلادي. لكن تحت الحكم الروماني سرعان ما جذبت منطقة سيناء الرهبان المسيحيين الذين سعوا لعيش حياة الزهد بعيداً عن المجتمع البشري. وخلال النصف الأول من القرن الرابع الميلادي، أمرت الإمبراطورة هيلانة، والدة الامبراطور قسطنطين، ببناء كنيسة في الموقع الذي كلم الله فيه موسى. وكانت هذه الكنيسة مخصصة للسيدة العذراء مريم، وهي الآن أقدس جزء في الدير.

رحل الرومان في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي، ونتيجة لذلك سادت الفوضى في المنطقة. لذا سعت المجتمعات الرهبانية في تلك الفترة إلى مساعدة الإمبراطور البيزنطي. بينما خلال القرن السادس الميلادي شيد الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول جداراً محصناً من كتل الجرانيت حول الكنيسة الصغيرة. وبصرف النظر عن حماية الرهبان، فقد عمل الجدار أيضاً على تأمين الطريق البري من العقبة إلى السويس. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء كنيسة التجلي من قبل جستنيان. بينما تم الانتهاء منها في عام 560 بعد الميلاد، وذلك قبل وفاة الإمبراطور. وكما فعلت الإمبراطورة هيلينا اختار جستنيان أيضاً تخصيص هذا المبنى لمريم العذراء.

إهداء الدير للقديسة كاترين

جبل سيناء
دير سانت كاترين من الداخل

على الرغم من أن الدير كان مخصصاً في البداية لمريم العذراء، إلا أنه ارتبط لاحقاً بالقديسة كاترين من الإسكندرية، التي استشهدت عام 307 م. فوفقاً لبعض الروايات، ولدت كاترين لعائلة وثنية في ظل حكم الإمبراطور الروماني ماكسينتيوس. بينما كانت رائعة الجمال مما جعل الإمبراطور الروماني مفتوناً بجمالها، وحين تقدم لخطبتها رفضت وأتهمته بأنه يقدم تضحيات للأصنام وأعلنت أنها اعتنقت المسيحية أمامه. في تلك اللحظة أمرها الامبراطور بالتخلي عن المسيحية لكنها رفضت. مما جعله يأمر بضربها وتعذيبها حتى وصل الأمر إلى ربطها بعجلة وجرها حتى تلقى حتفها لكنها نجت بأعجوبة. لذا أمر الإمبراطور في النهاية بقطع رأسها. ومن هنا انتشرت الأساطير حول موت القديسة كاترين. حيث تقول الأسطورة أن الملائكة نقلوا جسدها بأعجوبة إلى جبل سيناء.

خلال القرن العاشر الميلادي، تم إحضار رأس القديس ويده إلى الدير لحفظها وأصبحت تُبجل هناك. لكن تؤكد بعض المصادر الأخرى أن جثة القديس عثر عليها الرهبان ونقلوها إلى الدير. وهكذا أصبح الدير يُعرف بدير سانت كاترين، وأصبح موقعاً للحج.

فترة الحكم الإسلامي

خلال القرن السابع الميلادي، ظهر الدين الإسلامي في شبه الجزيرة العربية. بينما أدى الفتح العربي في النهاية إلى إنهاء المسيحية في شبه جزيرة سيناء. بالإضافة إلى ذلك، وفي أوائل القرن التاسع الميلادي، يُقال إن عدد الرهبان في الدير قد انخفض إلى 30 فقط. ومع ذلك، فقد صمد الدير. بينما خلال فترة الحكم الإسلامي لمصر تم منح رهبان دير القديسة كاترين إعفاءً من الضرائب والخدمة العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، تم دعوة المسلمين لحماية الدير وتقديم كل مساعدة للرهبان. كبادرة تبادلية، خلال الفترة الفاطمية، سمح الرهبان بتحويل كنيسة صليبية داخل أسوار الدير إلى مسجد أطلق عليه المسجد الفاطمي.

اقرأ أيضًا: مخطوطات البحر الميت: حكاية أقدم النصوص التوراتية في العالم

ماذا يوجد بداخل الدير

قصة سانت كاترين
مخطوطات مكتبة دير سانت كاترين

يحتوي دير سانت كاترين بداخله على عدد من الكنائس. بينما أشهرها كنيسة تجلي المسيح، وهي أكبر كنيسة هناك وتضم بداخلها تسع كنائس أصغر منها. أما الكنيسة الأخرى الشهيرة بداخل الدير فهي كنيسة العليقة، وهي التي أقيمت في مكان الشجرة التي كلم الله موسى عندها. هناك أيضاً مناطق إقامة الرهبان وصناديق عظام الموتى بالإضافة إلى المسجد الفاطمي الذي تم تأسيسه في القرن الثاني عشر الميلادي. أما أهم ما يوجد داخل الدير فهي المكتبة. وهي واحدة من أهم المكتبات الموجودة في العالم. حيث تضم المكتبة في طياتها العديد من الكتب النادرة التي تتعلق بفترات تاريخية مختلفة بالإضافة إلى حوالي ستة آلاف مخطوطة نادرة.

في عام 2017، وجد العلماء لغات منقرضة لم تُستخدم منذ “العصور المظلمة” بين المخطوطات القديمة الموجودة في الدير. بينما كان هناك فريقاً دولياً مكوناً من 23 باحثًا مشهورًا عالميًا يقومون باستمرار باكتشافات جديدة فيما يتعلق باللغات والنصوص وأنماط النصوص القديمة أثناء استكشاف الوثائق في مكتبة الدير. حيث وجدوا في مكتبة دير سانت كاترين آلاف المخطوطات المكتوبة باللغات العربية واليونانية والإثيوبية والقبطية والأرمنية والسريانية والآرامية واللاتينية.

اقرأ أيضًا: لماذا تُرسم الهالات النورانية على رؤوس القديسين في الكنائس؟

المصادر:

1.    Author: The Editors of Encyclopaedia Britannica, (1/10/2020), Saint Catherine’s Monastery, www.britannica.com, Retrieved: 7/19/2021.

2.    Author: Theodoros Karasavvas, (8/30/2017), More Revelations from St. Catherine’s Monastery Include Lost Ancient Languages, www.ancient-origins.net, Retrieved: 7/19/2021.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!