تحليل فيلم Nightmare Alley: عالم ملتوي من الخداع والبؤس والحزن

You are currently viewing تحليل فيلم Nightmare Alley: عالم ملتوي من الخداع والبؤس والحزن
فيلم Nightmare Alley بطولة برادلي كوبر وكيت بلانشيت

فيلم Nightmare Alley للمخرج المكسيكي ديل تورو هو فيلم إثارة يستند إلى رواية ويليام ليندسي جريشام التي تحمل الاسم ذاته. وقد صدرت هذه الرواية عام 1946. وفي العام التالي لصدورها تم تكيفيها للسينما. لذا فهذا الفيلم هو التعديل الثاني لرواية جريشام. في هذا المقال نتناول تحليل فيلم Nightmare Alley بشيء من التفصيل.

قصة فيلم Nightmare Alley

تدور أحداث الفيلم بين عامي 1939 و1941، حول ستانتون كارلايل – برادلي كوبر – وهو رجل يفر من ماضٍ مؤلم. وخلال ترحاله يتعثر في سيرك متنقل. وهناك يقبل بأداء أية وظيفة مقابل الطعام والمأوى. يتعرف كارلايل على كليم – ويليام دافو – مدير السيرك ليقدم له مجموعته الثمينة من الأجنة البشرية المحفوظة في قدور وغير ذلك من عجائب الطبيعة. كما إنه يستغل مدمني الكحول والمخدرات من أجل تحويلهم إلى وحوش بشرية لتقديم عروض ترفيهية في السيرك.

في عالم السيرك الفوضوي يتواصل كارلايل مع العرافة زينة – توني كوليت – وزوجها العجوز المدمن على الكحول بيت – ديفيد ستراثيرن. كان الزوجان على مدار أعوام طويلة قد ابتكرا نظاماً معقداً ومشفراً للألعاب العقلية. وعن طريق هذا النظام المعقد والشفرات استطاعا خداع الناس من خلال قراءة العقول وتحديد الأشياء التي يحملونها دون رؤيتها. يعمل ستانتون معهما ليتعلم بعض الخدع منهما. كما يشاهد كتاب الشفرات الذي يحمله بيت باستمرار. وهذا الكتاب هو أداة قيمة ومربحة في فن التلاعب العقلي.

ومن أجل الحصول على هذا الكتاب يخدع ستانتون بيت ويعطيه سماً بدلاً من الخمر ليموت الرجل في النهاية دون أن يكتشف أحد الفاعل. ثم بعد ذلك شرع ستانتون كذلك في ابتكار العديد من الأجهزة ومساعدة العاملين في السيرك على تطوير نشاطهم. وتعرف خلال ذلك على الفتاة الشابة مولي – روني مارا – ليقعا في حب بعضهما البعض. لكن طموح ستان أكبر من الاستمرار طوال حياته في مستنقع هذا السيرك. لذا كان لابد له أن ينتقل إلى مكان أفخم وأغنى من ذلك. ومن هنا تزوج مولي وانطلقا في طريقهما لتقديم عروض التلاعب النفسي في أفخم الفنادق والمسارح في المدينة.

الفصل الثاني

اندمج ستانتون في مجتمع نيويورك الراقي وبدأ يتغذى بشكل طفيلي على ثرواتهم وأوهامهم من خلال فكرة أنه يستطيع التواصل مع أرواح الموتى. لكن ذات ليلة من الليالي وخلال تقديمه لأحد عروضه على مسرح فندق فخم تأتي الطبيبة النفسية ليليث – كيت بلانشيت – وهي محللة نفسية للأثرياء وتحاول أن تبين زيف ستانتون وخداعه للناس إلا أنه استطاع بمكر ودهاء أن يحبط عملها.

بدأت ليليث بعد ذلك في التعاون مع ستانتون من أجل الحصول على ثروات الأثرياء الذين تعالجهم، وقد فرت له تسجيلات لجلسات التحليل النفسي لهؤلاء. ومن هنا حصل ستانتون على الكثير من أسرار العملاء ليستغلهم في إيهامهم أنه يعرف الغيب ويتحدث مع الموتى. ومع ذلك تنصح ليليث بالحذر من التعامل مع هذه الأشخاص وإغضابهم فهذا هو الخطر بعينه. لكن ستانتون لا يعر اهتماماً لهذا الأمر، وسار وراء طموحه اللامتناهي. وقد اكتشفت أن ستانتون كان يكره أبيه وقد قتله في النهاية.

طموح يؤدي للهلاك

حصل على ثروة عظيمة من جلساته، وطلب من ليليث أن تحفظ له ماله في خزانتها حتى لا تعلم زوجته بهذا الأمر. ظل كذلك حتى أتت اللحظة التي تعامل فيها ستانتون مع أخطر الأشخاص وهو الثري عزرا غريندل – ريتشارد جينكينز – الذي طلب منه أن يرى حبيبته التي كان السبب الرئيسي في موتها. وفي ذلك الوقت طلب من مولي زوجته أن ترتدي ثياب هذه المرأة وتأتي إليه في الظلام كي يحصل منه على ثروة هائلة.

وفي المقابر وحينما كان عزرا يجثو على قبر حبيبته ظهرت مولي من بعيد وعلى يدها آثار دماء. لينطلق الرجل ناحيتها في شوق ويحتضنها إلا إنه يكتشف أنها ليست حبيبته. ويدرك على الفور تلاعب ستانتون به. لذا يحاول قتله إلا أن ستانتون يقضي عليه ويتركه قتيلاً. وعندما يسمع هذه الجلبة أحد حراسه يطلق على ستانتون الرصاص إلا أنه استطاع أن يصل مع زوجته إلى السيارة ليدهس حارس الرجل ويفر هارباً.

يذهب ستانتون إلى الطبيبة ويطلب منها المال فتلقي له بأموال مزيفة. وتطلب رجال أمن المبنى ليتخلصوا منه فيستطيع الهرب منهم ويرحل على متن قطار. وبعد مرور الشهور بدا ستانتون كهؤلاء المشردين ذوي اللحية والشعر الكثيف. يعاني من الفقر مجدداً. وخلال تجواله يتعثر مرة أخرى في سيرك متنقل ليذهب إلى مديره ويطلب العمل معه. لكن مدير السيرك يخبره بأنه ليس لديه سوى وظيفة واحدة هي تلك الوظيفة التي كان كليم يستغل مدمني الكحول والمخدرات في عملها وهي تحويل هؤلاء المدمنين إلى وحوش بشرية للترفيه عن الجمهور. فيضحك ستانتون ضحكة عالية. إلى هنا تنتهي القصة فإلى تحليل فيلم Nightmare Alley بشيء من التفصيل.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم The Devil’s Advocate: الغرور هو خطيئتي المفضلة

تحليل فيلم Nightmare Alley

بعد أربع سنوات من فوزه بجائزة الأوسكار عن فيلم The Shape of Water (2017) يعود الكاتب والمخرج ديل تورو بقصة آسرة عن الجريمة البشرية في فيلم مذهل. وعلى الرغم من أن هذا هو التعديل الثاني لرواية ويليام ليندسي جريشام عام 1946، وهي من الروايات العالمية المشهورة إلا أن القصة لا يزال بإمكانها أن تلقى صدى في المجتمع الأمريكي اليوم بعد ثلاثة أرباع قرن. حيث يظهر ديل تورو مرة أخرى حرفته الممتازة في سرد ​​القصص ويكشف النقاب عن شخصياته الجذابة مثل رجل استعراض ماهر خلال أداء سحري. وربما يحصل برادلي كوبر أخيراً على أوسكار للعب دور بطل الرواية الطموح والمخادع الذي لا يستطيع الهروب من القبر الذي حفره لنفسه.

على الرغم من توقف التصوير لمدة نصف عام بسبب الوباء، ابتكر المخرج ديل تورو وفريقه فيلماً رائع المظهر ينقل هذه القصة الخالدة. بينما يعرض النصف الأول من الفيلم بوضوح الجو القاتم في عالم السيرك المتنقل المرتبط غالباً بالطين والمطر، فإن النصف الثاني يتناقض مع الديكور الأكثر فخامة، وغالباً مع تساقط ثلوج هادئة خارج النوافذ. إنهما عالمان مختلفان تماماً، ويحاول ستانتون العبور من عالم إلى آخر. لكن جشعه وغروره يقضيان على طموحه.

يصور كل من برادلي كوبر وكيت بلانشيت شخصيتين رائعتين تلعبان ألعاباً ذهنية خطيرة، إحداهما جذابة والأخرى ماكرة. يعتقد كلاهما أنهما أذكى من الآخر، وكلاهما مدفوع بالرغبة في المال والسيطرة والاعتراف. ولا تزال سمات هذه الشخصيات ذات صلة بالمجتمع الأمريكي اليوم، على الرغم من أنها كتبت منذ وقت طويل. قد يكون هذا هو سبب انجذاب المخرج إلى إعادة تكيفيها للسينما مرة أخرى.

الحلم الأمريكي

ينتقد هذا الفيلم “الحلم الأمريكي”، كما قصد جريشام بلا شك. وعلى الرغم من أن هذا العمل هو التكييف الثاني إلا أن فيلم تورو يتميز بالإبهار التكنولوجي والبراعة ومظهره العام الأكثر كآبة، إلا أنه لا يرقى إلى المستوى الذي سبقه الفيلم الأكثر استنارة وتركيزاً. ورغم أن عالم السيرك المتنقل بما يحتويه من قذارة وخداع إلا إنه بمثابة القلب النابض لمجتمع حقيقي. فهذا العالم كما أكد تورو نفسه أنه يشبه إلى حد كبير صورة مصغرة للعالم، فالجميع هناك موجود لخداع الجميع. والمجتمع الراقي في هذا الفيلم هو الأكثر تهديداً ورعباً. لذا فمن الواضح أن ديل تورو أراد انتقاد ما يعتبرانه وضعاً اجتماعياً وسياسياً مزرياً.

لكن ولسوء الحظ، وعلى الرغم من عناصره الواعدة المقنعة، إلا أن هذا الإصدار من فيلم Nightmare Alley يخفق. فمن الممكن تخيل نفس المشروع ينجح فنياً ونقداً اجتماعياً، لكن يجب على صانعي الأفلام أن يسترشدوا برؤى أوضح وأكثر عمقاً في الواقع المعاصر. ففي هذا العامل نجد أن مشاعرهم وأفكارهم المشروعة تفقد قوتها، وتذوب إلى حد كبير في الأمور الثانوية، مثل الأزياء، والديكورات الفخمة والنظرة الغامضة الزائفة.

نظرة كارهة للبشرية

أما المشكلة الأكبر هي نظرة الفيلم الكارهة للبشرية بشكل عام. ففي الغالب تنقلب الأمور رأساً على عقب عندما يركز الفنانون بشكل أحادي الجانب على دناء السلوك البشري الفردي. ويكاد يكون من المحتم أن ينتهي هذا العمل إلى اقتراح أن أنانية الشخصيات وقسوتهم تنتج الظروف الخارجية، وليس العكس. وهنا ينتهي الأمر بفيلم Nightmare Alley عن قصد أو بغير قصد إلى الإيحاء بأن البشر هم المسؤولون عن أمراض المجتمع وحالتهم المضطهدة.

تأتي النتائج الفنية لهذا المفهوم الحزين في شكل صور بشعة لا داعي لها، ووتيرة مملة ومرهقة. فجميع شخصيات الفيلم تقريباً هي صورة بشعة للبشرية. فبلانشيت تميل للعجرفة والبرود، وبرادلي كوبر يبذل قصارى جهده لكنه لا يمنحك التعاطف. حتى روني مارا التي قامت بدور مولي تبدو باردة على الرغم من أنها بمثابة الشخصية الدافئة. كذلك نجد كوليت وهي تخون زوجها العجوز. ودافو وهو أقرب إلى الوحوش البشرية. لذا يبدو أن صانعي الفيلم يهتمون بإحداث انطباع سينمائي أكثر من اهتمامهم بتطوير الدراما والتحليل الاجتماعي.

اقرأ أيضًا: شرح النهاية الغامضة لفيلم The Call الكوري

في الختام وبعد تحليل فيلم Nightmare Alley لابد من الإشارة إلى أن هذا الفيلم قد تلقى مراجعات إيجابية بشكل عام من النقاد. حيث أشادوا باتجاه ديل تور وأسلوبه المرئي، والتصوير السينمائي، والموسيقى، وتصميم الأزياء، وأداء كوبر وبلانشيت، مع انتقادات لوقت التشغيل. لذا فهو مذهل بصرياً ينضح بالجو والشخصية. كما إنه يستحق المشاهدة بكل تأكيد.

اترك تعليقاً