قصة النبي سليمان في القرآن: حكاية عجيبة تخلب العقول
قصة النبي سليمان واحدة من أعجب القصص التي ذُكرت في القرآن الكريم. فهذا النبي والملك العظيم قد أوتي ملكاً لم يتأت لأحد من بعده. وكانت حياته مليئة بالوقائع والأحداث العجائبية التي تخلب العقول. فما هي قصة النبي سليمان كما ذكرت في القرآن وفي روايات المفسرين والمؤرخين؟
قصة النبي سليمان
تبدأ قصة النبي سليمان بعد وفاة أبيه داود، وقد ورث العرش من بعده وأتاه الله العلم والحكمة. وكان داود مجرد راعي غنم فقير تحول فيما بعد إلى قائد عسكري لا مثيل له في التاريخ، وهو الصانع الأول للدروع من الحديد. كما وقعت في حياته معارك عسكرية عديدة لم يخبرنا عنها القرآن إلا بقوله: ” وشددنا ملكه” وهذه الجملة تحمل بداخله الكثير من المعاني، حيث تعني أن داود لم ينهزم في معركة من معاركه، وكانت جيوشه تحمل ميزة الدروع الحديدية التي لم يستخدم جيش من قبل.
لما مات النبي داود ورث الحكم النبي سليمان، وإن كان والده داود واحد من أعظم القادة العسكريين في التاريخ فإن سليمان قد تفوق عليه بمراحل. فهو القائد والملك الذي وهبه الله ملكاً لم ولن يتأتى لأحد من بعده. وكان جيش النبي سليمان يضم العديد من العناصر التي لن تتوافر لجيش من الجيوش. حيث يضم الجيش في طياته الجن والطير والريح، وغيرها من المعجزات التي كانت لسليمان واستطاع عبرها أن يملك العالم.
بعد هذه المقدمة البسيطة ننتقل إلى قصة النبي سليمان العجيبة. حيث كان سليمان يعلم لغة الطيور والجن ويتحدث إليهم بل واستطاع تسخيرهم لخدمته. وقد منحه الله هذه الهبات بعد أن دعاه أن يغفر له ويرزقه ملكاً عظيماً. فهل كان النبي سليمان محباً للسلطة والجاه؟ لا، على العكس من ذلك تماماً، فلقد كان سليمان مؤمناً ورعاً يرغب في الدعوة إلى الله إلا أن عصره امتاز بالكثير من الحروب والمعارك التي لم يكن باستطاعته أن يدعو فيها إلى الله دون أن يكون له جيشاً قوياً يحمي أركان حكمه.
اقرأ أيضًا: هيكل سليمان: حكاية أعجوبة لم يعد لها وجود |
معجزات النبي سليمان
استطاع النبي سليمان تكوين جيش يتكون من البشر والجن والطير، فلك أن تتخيل مثل هذا الجيش العظيم الذي لا يقهر. فالبشر يخوضون الحروب معه ويقاتلون في سبيل الله، وأما الجن فلا يستطع البشر رؤيتهم، وأما الطير فكانت بمثابة أجهزة الاستطلاع التي تؤدي دوراً هاماً في جميع الحروب على مدار التاريخ.
ضرب أعناق الجياد
في أحد الأيام كان النبي سليمان مشغولاً بالإعداد للحرب، وكان الوقت عصراً، وراح سليمان يستعرض خيل الجنود، وكانت هذه الخيول سلاحاً مهماً في جيشه. وشرع سليمان يمر على الجياد ليفحصها ويمسح على أعناقها وأرجلها بيده وكان يحمل لهذه الجياد ولعاً شديداً للدرجة التي أنسته الصلاة وهو قائم بين يديها. ولما فاته وقت الصلاة اغتم وغضب لذلك الأمر. فما كان منه إلا أن ذهب إلى هذه الجياد التي أنسته حضرتها صلاته وحمل سيفه ثم شرع يضرب أعناقها حتى سقطت على الأرض صريعة.
بعد هذه الحادثة أراد الله أن يبدله خيراً من هذه الجياد التي قتلها حباً لله. فوهب له الريح تجري بأمره، وكانت هذه الريح بمثابة سلاح الطيران الذي أتاه الله للنبي سليمان. كما سخر له الشياطين تعمل بإذنه، فكانت هذه الشياطين يعملون في البناء والغوص في أعماق البحار لتستخرج منه اللؤلؤ والمرجان والياقوت. أما من يعلمون في البناء فلقد بنوا له القصور والدور والتماثيل والمحارب.
لم يتوقف الأمر على كل تلك المعجزات فحسب بل أمد الله بفكرة جديدة هي إذابة النحاس ومزجه بالحديد ليكون أول شخص في التاريخ ينتج ما يسمى الآن “البرونز” وكان يستخدم جيشه هذا المعدن في صناعة الدروع والخناجر والسيوف. حيث قال الله تعالى عن هذا الأمر في القرآن:
“وأسلنا له عين القطر”.
من المعجزات الأخرى التي أتاها الله لسليمان أنه تعلم لغة الطيور، وكانت له حادثة شهيرة مع النمل. حيث سمع قول النملة التي تقود باقي النمل تقول لهم: أدخلوا إلى مساكنكم حتى لا يحطمنكم سليمان وجنوده. في تلك اللحظة ابتسم سليمان لقول النملة، وشكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. ويمكن الاطلاع على قصة النبي سليمان مع النمل عبر هذا الرابط: قصة النبي سليمان مع النمل: لماذا ذكرها الله في القرآن؟
اقرأ أيضًا: قصة خاتم سليمان: عندما حكم إبليس العالم |
الفتنة العظيمة
على الرغم من كل هذه النعم التي أنعم الله بها على نبيه سليمان إلا أنه كان لابد من أن يفتنه الله كي يختبر إيمانه وحتى لا يغتر بكل ما أتاه الله من نعم. وكانت فتنة النبي سليمان هي المرض. حيث يقول الله في قرآنه الكريم:
” ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب”
إلى هنا يتوقف القرآن ولم يشير إلى نوعية هذه الفتنة بالتحديد، بينما اختلف المفسرون في فتنة سليمان، ولعل الحكاية الأشهر عن هذه الفتنة هي التي تقول أن سليمان كان متزوجاً من عدد كبير من النساء يقترب عددهن من السبعمائة امرأة، وقد اتخذ قرراً بأن يطوف عليهن جميعاً في ليلة واحدة ليمارس معهن الحب، حتى تلد كل امرأة منهن ولداً يجاهد في سبيل الله، لكن سليمان لم يقل إن شاء الله. فطاف على زوجاته فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة وقد كان الطفل مشوهاً لا يستطع الحركة. لذا ألقوه على كرسيه. هذه القصة ذكرها العديد من المفسرين ويبدو منها أنها حملت إلينا من الإسرائيليات بعد أن صبغها البعض بالصبغة الإسلامية.
قصة أخرى
إلا أن هناك قصة أخرى ذكرها الفخر الرازي يقول فيها أن سليمان ابتلاه الله بمرض شديد احتار فيه أطباء عصره، ولم يستطع الإنس ولا الجان في علاج النبي سليمان. حتى أن الطير شرع يغدو في السماء ليبحث له عن أعشاب تستطيع علاجه. وقد أحضرت له بعض الأعشاب لكنها لم تجد نفعاً. واستمر مرض النبي سليمان لفترة طويلة حتى إنه كان يجلس على كرسيه بلا حراك وكأنه جسداً بلا روح. ولكنه لم يزل يدعو الله ويسبحه حتى أبرأه الله من مرضه، وعادت إليه صحته.
اقرأ أيضًا: قصة النبي يوسف: رحلة ممتعة مع أعظم القصص في تاريخ البشرية |
قصة سليمان مع الهدهد
تعافى النبي سليمان وذهب ليتفحص جيشه، فمر على الجنود، ثم على الجن وأصدر تعليماته للجميع. ثم مر على الحيوانات والطيور، ولكنه لاحظ عدم وجود الهدهد. هنا غضب النبي سليمان وسأل عن عدم حضور الهدهد. فأخبرته بعض الطيور أنه في مهمة استطلاعية ولم يأتي حتى الآن. هنا قال لهم سليمان: سوف أعاقبه عقاباً عظيماً إذا لم يأتيني بخبر عظيم.
جاءه الهدهد بخبر يقين بالفعل. حيث أخبره أن هناك قوماً يعبدون الشمس من دون الله وتترأسهم امرأة تدعى “بلقيس”. وبعد أن استمع له سليمان أرسل معه خطاباً إلى هذه الملكة يدعوها فيه إلى عبادة الله الواحد وترك عبادة الشمس. فما كان من الملكة إلا أن استشارت قومها، ثم أرسلت الهدايا إلى سليمان. لكن سليمان لم يقبل هذه الهدايا. وطلب إحضار قصر بلقيس إليه.
اقرأ أيضًا: كشف النقاب عن حقيقة قصة هاروت وماروت |
قصة بلقيس مع النبي سليمان
في تلك اللحظة قال له عفريت من الجن أنه يستطيع أن يأتي له بعرشها قبل أن ينتهي الاجتماع. لكن أشار إليه شخص عنده علم من الكتاب أنه يستطيع أن يأتيه بهذا العرش قبل أن يرتد إليه طرفه. وبالفعل ما إن طرفت عين سليمان حتى رأى القصر أمامه. ثم أمر سليمان جنوده أن يغيروا بعضاً من ملامح هذا القصر. ليمتحن به بلقيس ويرى هل تستطيع أن تتعرف على قصرها أم لا. بينما أمر النبي سليمان أن تصنع أرضية القصر من زجاج ثمين شديد الصلابة وشفاف في الوقت ذاته ووضع تحت هذا الزجاج الماء.
تمت التعديلات التي طلبها سليمان، وفي هذا الوقت جاءه الهدهد ليخبره بأن بلقيس قد بلغت مشارف مملكته. هنا يصور القرآن الكريم مشهدين غاية في الروعة. أولهما مشهد بلقيس عندما رأت القصر أمامها فسألها سليمان: أهكذا عرشك؟ فقالت له: كأنه هو. وشرعت في رفع ثيابها حتى لا تبتل بالماء. أخبرها سليمان أنه صرح ممرد من زجاج. لما شاهدت بلقيس كل هذه الأمور في حضرة سليمان آمنت مع قومها بالله الواحد وتركت عبادة الشمس. وتروي الحكايات أن بلقيس تزوجت من سليمان بعد ذلك، وأن ملوك الحبشة جاءوا من نسل هذه المرأة. أي أنهم من نسل سليمان.
اقرأ أيضًا: كيف نُفسّر آيات السحر في القرآن الكريم؟ |
الوفاة
عاش سليمان وحكم مملكته العظيمة قرابة الأربعين عاماً. في تلك الفترة دانت له جميع ممالك الأرض، ثم قدر الله عليه الموت فمات. ومثلما كانت حياة النبي سليمان قمة في المجد والعجائب والخوارق فكذلك كان موته. حيث كان يقف مستنداً على عصاه وهو يراقب الجن وهي تعمل. وظل الجن يعملون وهم يظنون أن سليمان يراقبهم. حتى مرت الأيام ثم جاءت حشرة النمل التي تأكل الخشب وشرعت تأكل عصاه حتى أكلت الجزء الملامس للأرض فاختل توازن العصا وسقط سليمان على الأرض صريعاً. هنا صاح الجن بعد أن علموا أن سليمان كان ميتاً منذ فترة طويلة: لو كنا نعلم الغيب ما لبثنا في هذا العذاب الطويل.
وإلى هنا يسدل الستار عن قصة النبي سليمان التي تعد واحدة من أعجب القصص في تاريخ البشرية جمعاء. وهكذا مات من كان يفهم منطق الطير، مات من أتاه الله ملكاً لم ولن يتأتى لأحد من بعده.
المصادر: