قصة النبي داود: ملك بني إسرائيل صانع الدروع
قصة النبي داود أحد القصص التي ذُكرت في الكتاب المقدس والقرآن. فلقد كان أحد أنبياء بني إسرائيل، ولم يكن نبياً فحسب بل كان ملكاً لبني إسرائيل، وذلك على عكس العرف المتوارث بأن الله يبعث نبياً لبني إسرائيل ومعه ملك. وتبدأ قصة نبي الله داود بعد أن قتل جالوت. فما هي قصة النبي داود؟ وكيف كان حكمه؟
بداية قصة النبي داود
مضت العديد من السنوات بعد وفاة النبي موسى، وجاء من بعد موسى أنبياء وقضوا نحبهم، وبعد أن حقق بنو إسرائيل العديد من الانتصارات على أعداءهم تحت قيادة يوشع بن نون وحصلوا على أراضي كنعان وقسموها بينهم قامت أول مملكة موحدة في تاريخ بني إسرائيل. لكن حدث الانقسام وسادت النزاعات بين القبائل، واستغل اعدائهم هذه الفرقة وهزموهم بل وإمعاناً في إذلالهم استولوا على تابوت العهد، وكان فيه بقية مما ترك أنبياءهم.
أرسل الله عليهم في ذلك الوقت نبياً ليرشدهم إلى طريق الرشد والصلاح، فكان النبي صموئيل. ذهب بني إسرائيل إليه ليستنجدوا به ويطلبوا منه أن يدعو الله أن يجعل لهم ملكاً ليقاتلوا معه أعدائهم بعد أن تفرقوا في البلاد وساءت احوالهم. فما كان من النبي صموئيل إلا أن دعا الله، فاستجاب له. وكانت العلامة المميزة لهذا الملك كي يتعرف عليه بني إسرائيل هو أن الملائكة ستأتي بالتابوت المفقود إلى بيته.
طالوت ملك بني إسرائيل
وفي أحد الأيام توقف الناس وهم ينظرون في دهشة إلى الملائكة وهي تحمل تابوت العهد لتضعه في منزل طالوت، فأدرك بني إسرائيل أن طالوت هو الملك المنتظر. لكنهم مع ذلك ذهبوا إلى النبي صموئيل واعترضوا عليه. حيث لم يكن له مكانة كبيرة فكيف له أن يحكمهم. لكن صموئيل أخبرهم أن هذه هي إرادة الله التي يجب الامتثال لها.
جمع طالوت جيشه وانطلق به إلى ملاقاة عدوه الجبار جالوت، وفي ساحة المعركة طلب طالوت من جنوده أن يتقدم أحدهم لملاقاة جالوت، كما أغراهم بأن من يقتله سيحصل على نصف ملكه وسيزوجه ابنته. ولكن الجنود كان يعلمون أن جالوت جباراً وقوياً ولا قبل لهم بملاقاته. هنا خرج من بين الصفوف راعي غنم بسيط يدعى داود وطلب أن يواجه جالوت. تعجب الجميع من ذلك الفتى الذي لا يعلم شيئاً عن الحروب، ولكن طالوت أذن له بمواجهة جالوت في النهاية.
وقف داود عليه السلام أمام جالوت المدجج بجميع أسلحته وكان داود لا يحمل معه سوى مقلاع وبعض الحجارة. وفي تلك اللحظة وضع بعض الحجارة في المقلاع ثم أطلقها حتى أصابت جالوت وقتلته. سقط جالوت على الأرض وتقدم منه الراعي فأخذ سيفه وبدأت الحرب بين الجيشين.
اقرأ أيضًا: أمنون وثامار: قصة الحب المحرمة التي ذكرت في التوراة |
الجبال والطير يسبحون مع داود
بعد أن قتل داود عليه السلام جالوت قفز إلى قمة الشهرة بين قومه، وصار أشهر رجل في بني إسرائيل. بل صار قائداً للجيش وتزوج ابنة الملك طالوت كما وعده. لكنه اختفى بعد ذلك وترك كل تلك الشهرة ورحل إلى الصحراء ليعود لرعي أغنامه وحياته البسيطة. وكان داود عذب الصوت عندما يغني تترنم معه الطيور وتسمع الجبال تسبيحه. وأنزل الله عليه الزبور وهو كتاب مقدس مثل التوراة، وفي هذا الوقت كان يقرأ منه داود وتشترك معه في القراءة الطيور التي كانت تحب سماع صوته الندي.
اقرأ أيضًا: قصة النبي نوح عليه السلام كما جاءت في القرآن والتوراة |
ماذا كان يعمل النبي داود؟
حتى جاء الوقت الذي أتاه الله الحكمة، وأوحى إليه أن يعود إلى قومه. ولما عاد وجد أن أفراد الجيش يشتكون بصورة دائمة من تلك الدروع التي يحملونها في حروبها، فلقد كانت دروع ضعيفة مصنوعة من الخشب لا تقوى على تحمل ضربات الأعداء. وهنا جلس يتفكر داود في حل لهذه المشكلة. حتى أوحى الله لداود عليه السلام بفكرة أن يصنع الدروع من الحديد. حمل معدن الحديد وشرع يذيبه على النار، فوجد أن هذا المعدن القوي يتشكل في يديه، ويمكنه عبر هذا التشكل أن يصنع منه دروعاً للجيش. وبالفعل ابتهج لهذه الفكرة بعد أن جربها. ثم انطلق إلى قومه ليخبرهم بالأمر ومن ثم طلب من الصناع أن يشرعوا في صناعة الدروع من هذا المعدن. بدأ الجيش يستخدم هذه الدروع الجديدة، وكانت ذي فائدة عظيمة ومنحت بني إسرائيل الأفضلية في الحروب. حتى جاء اليوم الذي مات فيه الملك.
اقرأ أيضًا: قصة النبي لوط في الكتاب المقدس: هل ارتكب الفاحشة مع ابنتيه؟! |
قصة النبي داود مع صاحب الحقل وصاحب الغنم
هنا راح بني إسرائيل يهتفون لداود كي يكون ملكاً عليهم. وبالفعل أتاه الله الملك والحكمة. استمر في حكمه طويلاً، حتى أنجب سليمان الذي جعله الله حكيماً كوالده أو أشد حكمة. وكان داود يحكم بين الناس بالعدل. حتى جاءه ذات يوم رجل صاحب حقل ومعه رجل أخر، وقال له صاحب الحقل: إن غنم هذا الرجل نزلت حقلي أثناء الليل، وأكلت عناقيد العنب التي كانت فيه، وقد جئت إليك لتحكم لي بالتعويض.
هنا قال داود لصاحب الغنم: هل حدث ذلك بالفعل؟ فأجابه الرجل: نعم.
قال داود: لقد حكمت بأن تعطيه غنمك مقابل الحقل الذي أكلته الغنم.
هنا تدخل سليمان في الأحداث وأشار لوالده داود أن لديه حكماً أفضل من ذلك، فأخبره والده أن يقوله، فقال سليمان: أحكم أن يأخذ صاحب الغنم حقل هذا الرجل ويصلحه ويزرعه حتى تنمو أشجاره من جديد، وفي المقابل يأخذ صاحب الحقل غنم الرجل ليستفيد من صوفها ولبنها ويأكل منه، فإذا كبرت عناقيد العنب وعاد الحقل سليماً كما كان عاد كل شيء إلى أصحابه. قال داود مبتهجاً: إنه لحكم عظيم.. الحمد لله الذي وهبط هذه الحكمة.
اقرأ أيضًا: قصة النبي إيليا: ماذا فعل مع أنبياء الإله بعل؟ |
قصة التسعة والتسعون نعجة
وفي ذات يوم من الأيام دخل النبي داود عليه السلام إلى محرابه ليصلي ويتعبد فيه، وطلب من حراسه ألا يدخلوا أحد عليهم وهو في المحراب. وفي تلك اللحظة تسور رجلان سور المحراب وأفزعوا داود في محرابه، فقال لهم: من أنتم؟ فقالا له: لا تخف يا سيدي.. بيني وبين هذا الرجل خصومة وجئناك لتحكم بيننا.
سأل داود: ما هي قضيتكما؟ قال أحدهم: يمتلك أخي تسعة وتسعون نجعة، وأنا امتلك نعجة واحدة وقد طلب مني نعجتي ليضمها إلى نعاجه. فقال داود متسرعاً دون أن يستمع للآخر: عليك أن تعطيه نجعته. وبعد أن حكم حكمه السريع نظر إلى الرجلين فلم يجد أياً منهما. لقد اختفيا فجأة. هنا شعر أنهما كانا ملكين أرسلهما الله إليه كي يعلماه ألا يحكم بشيء إلا بعد أن يسمع من الطرفين. وفي تلك اللحظة خر داود ساجداً وتاب إلى الله.
قصة النبي داود عليه السلام مع الرجلين في التوراة
لكن هناك قصة أخرى بشأن فتنة داود تقصها علينا قصص بني إسرائيل. حيث تقول إن داود كان له تسعة وتسعين زوجة، وفي ذات الوقت التي كان يجلس فيه داود على سطح قصره رأى زوجة قائد بالجيش يدعى أوريا الحيثي وهي تغتسل ففتن بها وأعجبته، وأراد أن يتزوجها. لكن زوجها كان يحول بينه وبين هذا الأمر. فما كان من داود إلا أن أرسل أوريا على رأس جيش ليقاتل جيشاً أخر، وكان يعلم أنه سيتلقى هزيمة نكراء، ويمكن أن يقتل هناك. ومن ثم يستطيع أن يتزوج من تلك المرأة الفاتنة. وبالفعل أرسل داود أوريا إلى تلك الحرب التي هلك فيها القائد. وبعد أن علم ذلك تزوج من امرأته. لذا جاءه الملاكان الذين تسوروا محرابه، ليعلماه بأن الله قد فتنه، وهنا خر ساجداً لله وطلب مغفرته على ما فعله.
اقرأ أيضًا: قصة اليسع: من هو النبي الغامض الذي أقام الموتى؟ |
موت النبي داود عليه السلام
تاب داود إلى الله تعالى وعاد إلى العبادة بصورة أكبر حتى إنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. واستمرت حياته على هذا المنوال حتى وفاته المنية، وتقول الروايات المختلفة أن جنازة داود كانت مهيبة يومئذ حيث سار فيها أربعون ألف راهب في أرديتهم مع آلاف من الناس، وخلال الجنازة اشتدت حرارة الشمس على الناس، وفي تلك اللحظة دعا سليمان الطير قائلاً: أظلي على داود. فأظلته حتى أظلمت عليه الأرض وسكنت الريح، ثم قال للطير: أظلي الناس من ناحية الشمس وأطاعت الطير فكان ذلك أول ما رأه الناس من ملك سليمان.
وإلى هنا يسدل الستار عن قصة النبي داود الذي كان نبياً وملكاً في الوقت ذاته، لتبدأ قصة وريث العرش من بعده ابنه سليمان الذي سيحكم العالم من بعد ابيه ويمنحه الله ملكاً لن يتأتى لأحد من بعده.
المراجع: