سيرة حياة تشارلز دارون: العالم الذي غيّر وجه التاريخ البشري
تشارلز دارون هو عالم التاريخ الطبيعي الذي ذاع صيته في العالم أجمع بعد أن وضع نظريته في تطور الأنواع. ورغم ما أثير حوله من الجدل؛ ورغم الصراع الذي مازال قائماً بين المؤمنين بنظرية التطور والمؤمنين بنظرية الخلق إلا أن دارون استطاع أن يقدم للبشرية علماً جليلاً مازال السبب في تقدم العديد من العلوم في عصرنا الحديث. فمن هو تشارلز دارون؟ هذا ما سنتعرف عليه.
مَن هو تشارلز دارون؟
تشارلز روبرت دارون (1809 – 1882) هو عالم تاريخ طبيعي بريطاني ولد في لندن. وعمل سكرتيراً للجمعية الجيولوجية لمدة ثلاث سنوات من عام 1838 حتى عام 1841. حاول والده أن يعلمه الطب فبعثه إلى جامعة أدنبرج؛ لكن دارون لم يستسغ هذه الدراسة فأخرجه والده منها. ومن ثم ألحقه بكلية يسوع بجامعة كمبريدج ليتقن علم اللاهوت حتى تخرج منها. وكان ولوعاً شغوفاً بالحشرات يجمعها ويرتبها ويحفظها ويدرسها ويراقبها. كما درس طبقات الأرض. ثم بعد ذلك انطلق في رحلته الشهيرة التي قلبت حياته رأساً على عقب. وعلى متن السفينة بيجيل طاف حول العالم.
الرحلة بيجيل
في 27 ديسمبر عام 1831، بدأت رحلته على السفينة بيجيل مع رفيقه روبرت فيتزروي في البعثة العلمية البريطانية لتطوف حول الأرض. بينما استمرت الرحلة لمدة خمس سنوات حتى عاد في 2 أكتوبر عام 1836 إلى إنجلترا. وخلال الرحلة قام بزيارة عدة جزر منها جزر الجلاباجوس وجزر استراليا والقديسة هيلانة.
درس دارون أثناء رحلته درجة القرابة التي تربط بعض الأحياء والكائنات ببعض. كما درس درجة الصلة التي تربط بين وجود الكائنات آنذاك وعلاقتها بما انقرض منها في العصور الماضية. وكانت الأنواع الحية التي رآها دارون في جزر الجلاباجوس من أقوى المشاهد التي بني عليها آراؤه ومذهبه الذي وضعه في كتابه أصل الأنواع.
وكان يقول دائماً:
” إني عودت نفسي على حرية الرأي رغم كل المؤثرات؛ لذا بإمكاني رفض أية نظرية مهما كنت مقتنعاً بصحتها إذا انكشف لي من الحقائق ما يناقضها”.
هذا الرأي هو الذي منحه القوى والصمود والإصرار على هدم المعتقدات القديمة الخاصة بثبات الأنواع؛ ونظرية الخلق المستقل التي تنص على أن الكائنات الحية خلقت مستقلة عن بعضها البعض وغير متصلة الأنساب. لذا كانت آراءه الجديدة التي توصل إليها هي ما أدت إلى مهاجمة الكنيسة وأقطابها له.
اقرأ أيضًا: جاليليو جاليلي: الشخصية المركزية للثورة العلمية |
خلاصة مذهب دارون وفلسفته
يتلخص المذهب الدراويني في أن الحياة نشأت بالتوالد الذاتي؛ فظهرت الخلية الأولية التي تطورت في سلم وشجرة التطور حتى ارتقت وتطورت إلى حيوان أشبه بالإنسان. ثم كانت نهاية هذا التطور إنساناً أول لا يعقل ولا يدرك ولا يتكلم، ثم صار متطوراً لما وصل عليه اليوم.
ورغم أن دارون لم يأت بجديد غير إنه استطاع بذكاء وبراعة فائقة بلورة وعرض وربط كل ما طرحه العلماء سابقاً منذ عام 611 قبل الميلاد وحتى 1834 ميلادية. فمن لوكريتوس الروماني أخذ فكرة الانتخاب الطبيعي. وأخذ عن مالتوس مسألة البقاء للأصلح. ومن والاس أخذ فكرة التطور عن الانتخاب الطبيعي. كما أن مسألة الأصل الحيواني للإنسان كانت من بين أفكار أرنست هيكل التي قدمها سنة 1868. بينما تأثير البيئة في التطور بل مذهب التطور نفسه فإنه يرجع إلى لامارك وبافون من بعده في القرن الثامن عشر. إلا أن دارون استطاع بعبقرية أن يسد معظم ثغرات كل تلك النظريات ليخرج لنا بنظرية غيرت وجه البشرية بالكامل.
اقرأ أيضًا: النظرية العلمية: المفهوم والمعايير وأهم النظريات العلمية |
العقيدة الدينية عند تشارلز دارون
يقول العالم هايزنبرج أن الجرعة الأولى من العلوم الطبيعة ستجعلك ملحداً؛ ولكن الإله ينتظرك عند نهاية الكأس. بينما يقول الفيلسوف فرانسيس بيكون أن القليل من العلم يجعل المرء ملحداً؛ ولكن التعمق فيه يجعلك تؤمن بالإله. وهذا ما حدث مع تشارلز دارون. فعلى الرغم من أنه درس علم اللاهوت في كلية يسوع بجامعة كامبريدج وكان يؤمن إيماناً عميقاً إلا أنه بعد رحلته التي قضاها على متن سفينة البيجيل، انتابته الشكوك والحيرة، وأصبح متردداً في الإيمان بالله من عدمه؛ وعندما سئل دارون عن عقيدته الدينية قال:
” آرائي الخاصة في يخص معتقدي مسألة لا تعني أحداً سواي. ولكني سأجيب بأنني متردد. وفي أقصى درجات هذا التردد لم أكن قط ملحداً بالمعنى الذي يُفهم منه الإلحاد على أنه إنكار وجود الخالق. ومع ذلك اعتقد أن وصف اللاأدري يصدق عليّ في أكثر الأوقات وليس في جميعها، ذلك كلما تقدم بي العمر “.
برغم هذا الاعتراف ومع أن زوجته أشارت إلى أنه عاد إلى إيمانه في السنوات الأخيرة من حياته؛ إلا أن الكثير من المؤمنين في جميع الأديان مازالوا يلقون عليه بتهمة الإلحاد من أجل النيل من نظريته.
اقرأ أيضًا: القردة العليا: هل تُثبت أن أصل الإنسان كان قرداً؟ |
مؤلفات دارون
وضع دارون العديد من الدراسات والأوراق البحثية، كما نشر العديد من الكتب العلمية؛ ولعل من أهم مؤلفات تشارلز دارون:
- تشابه السلوك في الإنسان والحيوان.
- أصل الأنواع.
- تحدر الإنسان
- ناموس الجنس البشري.
- تكون الجزر المرجانية وتوزيعها.
- الجزر البركانية.
- الملاحظات الجيولوجية في تكون الأرض في جنوب أمريكا.
- رحلة عالم طبيعة حول العالم.
- التعبير عن العواطف عند الإنسان والحيوانات.
- نشأة الإنسان والانتقاء الجنسي.
اقرأ أيضًا: هل الله موجود؟ الصراع الأزلي بين العلم والدين |
وفاته
عاش دارون ثلاثة وسبعين عاماً نهض فيها بعلم الأحياء والحيوان في القرن التاسع عشر. بينما كان مريضاً لأربعين عاماً متوالية. وتوفي في 19 ابريل 1882 ودفن في كنيسة وستمنستر مقر الملوك والعظماء، ووضع ضريحه بجوار ضريح العالم إسحاق نيوتن بعد جنازة حافلة بعلماء العلماء. حيث حضر جنازته نخبة كثيرة من علماء فرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وممثلي الجامعات العظمى والجماعات العلمية في أنحاء الإمبراطورية البريطانية. وحمل نعشه عشرة من أقطاب العلماء حينذاك منهم اثنان من أفراد الأسرة المالكة.
رحل العالم الكبير تشارلز دارون بعد أن ترك إرثاً عظيماً غير تاريخ البشرية بالكامل. لكن رغم رحيله مازال الجدل قائماً حول نظريته الشهيرة النشوء والارتقاء وأصل الانسان. بعد أن تم استخدام بعض أفكاره من قبل الديكتاتوريين الذي سعوا إلى أن تكون بالفعل الحياة للأصلح بل للأقوى.
المراجع:
1. Author: The Editors of Biography.com, (04/02/2014), Charles Darwin, www.biography.com, Retrieved: 10/08/2021. |
2. Author: By Kerry Lotzof, (09/10/2021), Charles Darwin: history’s most famous biologist, www.nhm.ac.uk, Retrieved: 10/08/2021. |
3. Author: The Editors of National Geographic Society, (08/23/2019), Charles Darwin, www.nationalgeographic.org, Retrieved: 10/08/2021. |
معلومات كافية ❤️
شكراً جزيلاً .. تحياتي إليك