الأحلام: رحلة إلى عالم الدماغ الغامض

You are currently viewing الأحلام: رحلة إلى عالم الدماغ الغامض
لماذا نحلم؟ وهل للأحلام معنى؟

عالم الأحلام هو عالم غريب له قوانينه وقواعده الخاصة، ننغمس فيه عندما ننام، وحتى لو أغلقنا أعيننا، فإن دماغنا لا ينام. وعينا النشط ينطفئ أثناء النوم، ولم يعد لدينا القدرة على السيطرة على ما يحدث، ويُمسك اللاوعي لدينا دفة القيادة. إننا نقضي حوالي ثلث حياتنا في النوم، ونعيش في عالم الأحلام مغامرات مثيرة زاخرة بلحظات من الخوف أو الألم أو السعادة. ولكن لماذا يحدث كل ذلك؟ وكيف يأتي عالم الأحلام هذا؟ وهل الأحلام رسائل من اللاوعي؟ وهل هناك معنى أعمق وراء سيناريوهات الأحلام الغريبة؟ أم أن الأحلام مجرد منتج ثانوي للعمليات الفسيولوجية البحتة التي تنتجها أدمغتنا؟ دعونا نخوض بمزيد من التفصيل في هذا الموضوع الشيق، ونحاول الإجابة على هذه التساؤلات.

مراحل النوم

تشير الساعة إلى العاشرة والنصف مساءً، نشعر بالتعب والإرهاق، وتبدو أطرافنا أثقل، ولا مفر من الذهاب إلى الفراش، والاستسلام للنوم. نستلقي تحت الأغطية، ونغلق أعيننا ونبدأ في الاسترخاء من خلال التنفس بشكل أعمق وأبطأ، ومن ثم تبدأ أفكارنا في الشرود. ولا يزال لدينا القدرة على سماع صرير باب مكتوم أو صدع في المدفأة، لكن يبدو أن هذه الأصوات تبتعد رويداً رويداً. إن ما نشعر به في هذه الفترة هو ما يسمى بالدخول إلى “حالة ألفا“. حيث يتغير نشاط الدماغ من اليقظة المركزة إلى حالة من الاسترخاء.

مرحلة التخدير

يبدأ هذا النمط في التغير بعد بضع دقائق، ففي هذه المرحلة من النوم يبدو أن عضلاتنا أكثر استرخاءً، وينخفض نبض القلب، ويصبح التنفس أضعف، وفي بعض الأحيان ترتعش العضلات فنستيقظ لفترة وجيزة، لكن بعد بضع ثوانٍ ننام مرة أخرى. ولم يعد لدينا القدرة على سماع أي ضوضاء في محيطنا، فلقد سقط الستار الذي يفصل حواسنا عن وعينا.

يتباطأ تفكيرنا المنظم ويصبح غير واضح، وتظهر صور أحداث اليوم مرة أخرى بشكل مجزأ ومشوش، لتبدو وكأنها هلوسة لما حدث في يومنا. من السهل نسبياً في هذه المرحلة أن نستيقظ، وإذا حدث ذلك سنكون على قناعة تامة بأننا لم ننم على الإطلاق.

النوم الخفيف

يتغير نمط موجات الدماغ مرة أخرى بعد حوالي خمس دقائق، وندخل في مرحلة النوم الخفيف. تستمر هذه المرحلة لفترة أطول، وعلى الرغم من أن اسمها النوم الخفيف إلا أنه يمكن أن يكون نوماً عميقاً للغاية. ينخفض ​​معدل ضربات القلب بشكل هائل، لدرجة أن الدماغ يواجه صعوبة في الاتصال بالجسم. عندما يحدث هذا، فإن الدماغ يرسل محفزاً للتأكيد على أن الجسد الذي يتحكم فيه باستمرار ويبدو أنه يتركه الآن لا يزال موجوداً، وأنه بخير. يبدو هذا مخيفاً، ولكن هذا ما يحدث بالفعل. لذلك عندما نشعر خلال نومنا بأننا نسقط من مرتفع شاهق، فهذا الأمر يحدث في تلك اللحظة بالذات.

يمكننا أن نحلم في هذه المرحلة، ولكنها ليست الأحلام النموذجية والمعقدة للنوم الفعلي العميق. تبدو هذه الأحلام وكأنها حلقات قصيرة أكثر عقلانية. وإذا كنا سنستيقظ الآن بعد الوصول إلى هذه المرحلة فسنكون متأكدين أننا كنا نائمين، وربما نحلم كذلك.

النوم العميق

هناك تغيير آخر يلوح في الأفق بعد حوالي خمس عشرة دقيقة، وهي مرحلة النوم العميق أو مرحلة دلتا، وفيها نغوص في النوم ولا يمكن إيقاظنا بسهولة حتى مع وجود ضوضاء أعلى في محيطنا. يكون نبضات القلب في هذه المرحلة أكثر بطئاً والتنفس كذلك، وتكون العضلات مسترخية تماماً. هذه هي مرحلة الترميم أو التعافي التي يتجدد فيها جسمنا، حيث تنطلق هرمونات النمو، وتنقسم الخلايا، وتصلح الأنسجة التالفة، وتقوم آليات الإصلاح الداخلي للخلايا بإصلاح الضرر الذي يلحق بالمادة الجينية.

في هذه المرحلة نادراً ما نحلم، فنحن في عالم بعيد جداً عن وعينا. لكن البعض منا ينشط في هذه المرحلة وهم السائرون أثناء النوم. يبدأ الأمر معهم بالتعبير الصارم على الوجوه، والأعين محدقة في الفضاء. يجلسون على الفراش، ثم يمشون في المنزل، ويشربون ويأكلون، دون أن يدركوا ذلك أو يتذكروه فيما بعد. يتأرجح هؤلاء ما بين النوم واليقظة، ولديهم القدرة على تحريك عضلاتهم، إلا أن وعيهم غائب تماماً.

نوم حركة العين السريعة

يتغير نومنا مرة أخرى بعد حوالي نصف ساعة من النوم العميق. وفجأة تبدأ أعيننا بالحركة ذهاباً وإياباً تحت الجفن المغلق، ولكن بقية عضلات الجسم الإرادية مشلولة تماماً، والحركات مستحيلة الآن. إننا الآن ندخل إلى عالم الأحلام المذهل. تُعرف هذه المرحلة باسم نوم حركة العين السريعة، وهي نوم الأحلام الفعلي. نختبر هنا قصص الأحلام الغريبة والمختلطة. وإذا استيقظنا خلال هذه المرحلة فنحن نتذكر تماماً أننا كنا نحلم، لكن مضمون هذا الحلم يتلاشى بسرعة في الذاكرة.

يتناوب نوم حركة العين السريعة والنوم الخفيف والعميق عدة مرات أثناء الليل. ونقضي بشكل عام حوالي من 20 إلى 25 بالمائة من نومنا الليلي في نوم حركة العين السريعة، ونفس هذه النسبة تقريباً في النوم العميق، ويسود النوم الخفيف بقية الوقت.

عالم له قواعده الخاصة

عالم الأحلام
لماذا نحلم؟

نحن نطفو في الهواء، ويمكننا أن نرى من خلال الجدران أو نتحدث إلى الحيوانات – في الحلم تبدو كل الأشياء ممكنة، لا وجود للحدود والحواجز بين الأوقات والأماكن في عالم الأحلام. نقفز من مكان لآخر ونختبر السفر عبر الزمن، ويبدو كل شيء طبيعياً تماماً بالنسبة لنا.

إننا لا نستطع إعادة التفكير أو التقييم النقدي لكل ما نمر به في الحلم، والغريب في الأمر أنه رغم كل المتناقضات التي تحملها الأحلام، إلا أنه لا شيء يفاجئنا على الإطلاق، فنحن تحت رحمة صور وقصص هذا العالم الغريب دون مصفاة العقل. أما الأغرب من ذلك أن محتويات الأحلام تكون سلبية في الغالب. لقد أظهر تقييم تقارير الأحلام لأكثر من 650 شخصاً تم اختبارهم في مختبر نوم أمريكي أنهم كانوا يحلمون بالمصائب أو الفشل، ويتسم أكثر من ثلث الأحلام بالخوف والقلق. لذا يمكننا القول إن غالبية الأحلام هي تجارب سلبية وليست إيجابية.

لكن هناك سمة أخرى نموذجية لأحلام نوم حركة العين السريعة، وهي أن العديد من المشاعر تظل خافتة في هذا العالم، ولا تصل إلى حدتها مقارنةً بما نشعر به في حالة اليقظة، فهي شاحبة بشكل غريب. هناك كذلك سمة أخرى وهي النسيان. حيث يعتقد الكثير أنهم لا يحلمون على الإطلاق أو نادراً ما يحلمون، ولكن هذا الأمر عارٍ تماماً من الصحة، فكل الناس تقريباً يقضون ساعة أو ساعتين في الأحلام كل ليلة، ولأن معظم الأحلام لا تترك أي أثر في الذاكرة، يعتقد الكثير أنهم لا يحلمون، إلا أنهم يحلمون ولكن لا يتذكرون ذلك.

يقول الفيلسوف الألماني نيتشه:

“أنت لا تحلم على الإطلاق أو تحلم أحلاماً مثيرة للفكر”.

لكنه كان مخطئاً تماماً في قوله، حيث تظهر الاختبارات المعملية للنوم أن الغالبية العظمى من أحلامنا تافهة إلى حد ما، فمن النادر أن تحلم بأنشطة يومية مثل الكي أو التنظيف أو الكتابة على الكمبيوتر، ولكن ما يظهر في الحلم هو المخاوف.

زمن الأحلام

قال الباحث الفرنسي في مجال النوم ألفريد موري عام 1861 أن الحلم هو الأبدية في لحظة قصيرة. ولم تكن الأحلام أكثر من ذكريات الماضي الموجودة في الدماغ والتي استقاها من واقعه أثناء استيقاظه. لقد حلم الباحث الفرنسي بحلم طويل ومعقد، تدور أحداثه خلال فترة الاضطرابات في الثورة الفرنسية. وكان المشهد الأخير يتمحور حول إعدامه. اقتداه الحراس إلى المقصلة. وجلس في وضع القرفصاء في انتظار اللحظة التي تسقط فيها السكين على مؤخرة رقبته. وفي تلك اللحظة المرعبة التي هوت فيها السكين على رقبته استيقظ من نومه ليجد أن جزءً من هيكل سريره قد سقط على رقبته.

هل كان هذا الحلم الطويل مجرد وهم؟ هل خلق وعيه قصة حلم مناسبة في غضون ثوانٍ، بأثر رجعي للمحفز الخارجي لضربة العنق؟ صدّق موري وسيغموند فرويد فيما بعد ذلك. ولم يكن وقت الحلم والوقت الحقيقي متطابقين بأي حال من الأحوال. لكن دُحض هذا الافتراض مع اكتشاف نوم حركة العين السريعة وأبحاث الأحلام التي تتم في مختبرات النوم. وأظهرت هذه الاختبارات أن طول الحلم يتوافق مع طول مرحلة النوم. الاستثناء الوحيد هو أن الأشخاص الذين استيقظوا بعد فترة طويلة جداً من نوم حركة العين السريعة لم يتذكروا سوى آخر 15 دقيقة فقط من الحلم، على الرغم من شعورهم بأنهم حلموا لفترة طويلة جداً. يبدو أن ذكرى بداية الحلم قد تلاشت مرة أخرى.

فارق التوقيت بين الحلم والواقع

زمن الحلم
لماذا يختلف زمن الحلم عن زمن الواقع

تلعب الحياة اليومية وأحداثها دوراً مهماً في العديد من أحلامنا، خاصة في المرحلة الأولى من النوم، حيث تتكرر أحداث نفس اليوم غالباً في الحلم، لكن في مرحلة نوم حركة العين السريعة في النصف الثاني من الليل، نحلم في الغالب بأحداث أو تجارب اختبرناها قبل أيام قليلة، ومن النادر جداً أن يظهر الحاضر المباشر في هذه المرحلة.

كان عالم الفسيولوجيا العصبية الفرنسية ميشيل جوفيت هو أول من اكتشف فارق التوقيت هذا. فلقد كان يسافر كثيراً إلى الخارج لإلقاء محاضرات كونه واحد من رواد أبحاث النوم. ولم يقض أكثر من أسبوع في مكان واحد، وكان يسجل أحلامه بانتظامه ليحللها. لاحظ جوفيت أنه بعد بضعة أيام من وصوله إلى مدينة جديدة، كانت أحلامه تتمحور بشكل أساسي حول المدينة السابقة التي زاها، وعندما قضى بضعة أيام في مدينته الجديدة بدأت أحلامه تعكس البيئة الجديدة.

أظهرت الدراسات التي أجراها الباحث الإسرائيلي في مجال النوم بيريز لافي أن هذا التأخير يحدث أيضاً بشكل متكرر. واختبر هذا التأخير بالتزامن مع بعض الأحداث الجارية خلال حرب الخليج الأولى التي كانت تمثل تهديداً كبيراً لمعظم الإسرائيليين. وقد لعبت الحرب دوراً مباشراً أو غير مباشر في عدد قليل من أحلام الأشخاص الذين خضعوا للاختبار في الأيام الأولى، وخاصةً بعد سقوط أول صاروخ سكود على تل أبيب. لم يظهر قناع الغاز الذي يعد جزءً من المعدات الأساسية في أي حلم من أحلام الجميع في البداية، لكن بعد بضعة أسابيع تغير هذا تماماً، وأصبحت أكثر من نصف أحلامهم تنطوي على أقنعة الغاز أو الصواريخ أو المواقف التي تشتمل على تهديد. ولم يعرف الباحثون في مجال النوم تفسيراً واضحاً لهذا التأخير الزمني حتى الآن.

أثار الصدمات في الأحلام

نتحدث أو نمشي أو نطير أو نقود سيارة بسهولة وبدون عناء عبر عالم أحلامنا دون الحاجة إلى بذل مجهود جسدي. ولكن الغريب في الأمر أن هذه الحركات التي يحلم بها النائم يمكن اكتشافها في عضلاته، هذا بغض النظر عن شلل النوم الذي يمنع أي حركة إرادية باستثناء العينين.

حاول باحثو النوم ماكجيجان وتانر في وقت مبكر من سبعينيات القرن الماضي التوفيق بين النبضات العصبية الدقيقة في الذراعين أو الساقين أو الشفتين وبين حركات أحلام الأشخاص الخاضعين للاختبار. على سبيل المثال، إذا قال أحد المشاركين في الاختبار بعد الاستيقاظ أنه كان يُلقي خطاباً في المنام، فإن مخطط كهربية العضلات قد سجل بالفعل نشاطاً متزايداً في العضلات التي تشارك عادةً في التحدث أثناء مرحلة الحلم هذه.

ويمكن أن يظهر الخمول القسري لعضلات الإنسان أثناء أحلام السقوط أو الشلل، أو الهروب من مطاردة أو تفادي سريع لسيارة متحركة، ويمكن ألا تتحرك فجأة أو تتحرك ببطء. يعتقد الباحثون أن وعينا يتصور بشكل لا شعوري شلل النوم ويدمجها في مثل هذه الأحلام.

العيون كـنوافذ للأحلام

ماذا تعني الأحلام
حركات العين أثناء النوم

يمكن رؤية هذا الارتباط بشكل أكثر وضوحاً في حركات العين. يقول ويليام ديمينت، أحد رواد أبحاث النوم، في كتابه “النوم وصحتنا”:

“أثناء تسجيل نوم حركة العين السريعة، رأينا ذات مرة عيون الحالم تراجعت إلى الخلف ثم تحركت من اليسار إلى اليمين عشرين مرة ثم إلى الخلف مرة أخرى في حركة إيقاعية. كان من غير المعتاد أن نرى ذلك. أيقظناه على الفور وسألناه عما يحلم به. فقال إنه كان يقف أمام طاولة بينج بونج يشاهد مباراة بين شقيقه وصديقه”.

حاول ديمينت وزملاؤه التحقق مما إذا كانت أنماط الحركة هذه تتطابق بالفعل مع محتوى الحلم، فذهبوا إلى تسجيل حركة العين خلال مباراة بينج بونج حقيقية، وكانت أنماط حركة العين متطابقة بالفعل.

كل شيء نائم ولكن المخ مستيقظ

لا تترك أحداث الأحلام آثاراً على العضلات فقط، بل تمتد لتشمل الدماغ نفسه. حيث تمكن باحث النوم الصيني سي سي هونج في عام 1996 من إثبات وجود صلة بين التحدث والسمع في الأحلام وزيادة النشاط في مركز الكلام والسمع في الدماغ. فلقد أظهرت الموجات في هذه المناطق “نمط استيقاظ” واضحاً على الرغم من أن الخاضعين للاختبار كانوا نائمين فعلياً. لذا إذا كنا نمشي أو نأكل أو نستمع أو نضحك في الحلم، فإن المناطق المسؤولة في الدماغ تُرسل نفس الإشارات كما في حالة اليقظة.

زار رجل باحث النوم بيريز لافي في تل أبيب عام 1982، وأخبره أنه يعاني من كوابيس خطيرة منذ إصابته في الحرب، ولا يعرف السبب وراء ذلك. حاول العلماء في مختبر النوم العثور على سبب كوابيسه. وشرعوا في ملاحظة موجات دماغه. لكن ما رأوه كان مفاجئة، فهذا الرجل لم يختبر نوم حركة العين السريعة طوال الليل، وكان هذا مستحيلاً علمياً. يُشبه هذا الأمر أن يقوم طبيب القلب بالاستماع إلى نبضات قلب المريض ليتفاجأ أنه ليس لديه قلب.

سيطر الفضول على لافي وزملاؤه، لذا شرعوا في استخدام التصوير المقطعي لفحص دماغ الرجل للبحث عن إصابات محتملة. وهنا كانت المفاجأة الثانية في انتظارهم: توجد شظية صغيرة في جزء من جذع الدماغ، وهي المنطقة التي كان يُشتبه في السابق بأنها المسؤولة عن تحفيز نوم حركة العين السريعة.

رسل النوم الكيميائية

إشارات المخ أثناء النوم
ماذا يحدث في الدماغ أثناء النوم

تلعب الناقلات الكيميائية والعصبية دوراً مهماً كذلك مع تلك الإشارات المكتشفة عبر موجات الدماغ في النوم والأحلام. وكان جوفيت هو الذي وضع الأساس لهذا الأمر، بعد أن اكتشف مجموعة من الخلايا العصبية في جذع الدماغ تسمى “نوى الرفاء”. تحتوي هذه الخلايا على كمية كبيرة من السيروتونين، وتُطلقها في محيطها. وقد كشفت التجارب على الحيوانات أنه عند منع إطلاق السيروتونين بالوسائل الكيميائية أو تم تدمير نوى الرفاء، فإن هذه الحيوانات تنام لفترة وجيزة فقط، أو يعانوا من اضطرابات النوم أو يتوقفوا عن النوم على الإطلاق. والجدير بالذكر أنه عند تدمير هذه الخلايا لم يعد يحدث نوم حركة العين السريعة.

هناك ناقل عصبي آخر يساهم في بقائنا في نوم حركة العين السريعة وبالتالي نحلم، وهو الأسيتيل كولين. وقام اثنان من الباحثين في مجال النوم من المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية باختبار هذا الافتراض عن طريق حقن أشخاص خضعوا للاختبار بمادة أريكولين المرتبطة بالأستيل كولين بعد وقت قصير من النوم ومراقبة مسار النوم بعد ذلك. وقد أظهرت موجات الدماغ بوضوح أن جميع الأشخاص الذين حُقنوا بالأريكولين دخلوا في نوم حركة العين السريعة في وقت أبكر بكثير من المعتاد. وفي المقابل، تمكن الباحثون من تأخير بداية نوم حركة العين السريعة بشكل كبير وبالتالي مرحلة الحلم عن طريق حقنهم بسكوبولامين وهو مثبط الأستيل كولين.

كيف يحلم الدماغ؟

أسرار الأحلام
كيف تشكل أدمغتنا الأحلام

يتفق جميع الباحثين في مجال النوم على أن الدماغ يظل نشطاً أثناء الأحلام ولا ينام بأي حال من الأحوال، ولكن لا أحد يعرف بالضبط كيف يرتبط هذا النشاط بمحتوى وشكل أحلامنا. كان باحثو النوم وعلماء الفسيولوجيا العصبية الأمريكيون ج. آلان هوبسون وروبرت مكارلي من بين أوائل من حاولوا التحقيق في الخلفية الفسيولوجية للأحلام. وقد توصلوا من خلال تجارب النوم على القطط إلى أن هناك منطقة صغيرة في جذع الدماغ هي مركز نوم حركة العين السريعة، وهي التي تنبعث منها حزم منتظمة وقوية من النبضات العصبية أثناء نوم الأحلام، والتي يتم توزيعها بعد ذلك على القشرة الدماغية وهذا بدوره يؤدي إلى تنشيط الخلايا العصبية.

طور العلماء من خلال هذه الملاحظة نظرية تسمى “نظرية التنشيط والتوليف”. وتتمحور هذه النظرية حول فكرة أن الأحلام تنشأ لأن المخ يقيِّم الإشارات العصبية العشوائية الآتية من جذع الدماغ بنفس طريقة المنبهات الخارجية التي تحدث أثناء الاستيقاظ. حيث يربط إشارات جذع الدماغ بالمشاعر المخزنة بالفعل أو الإدراك الحسي أو الحقائق ويؤلف محتوى الحلم منها من خلال اختراع القصة التي تناسب المُنبه. ونظراً لأن مراكز الدماغ التي يتم تنشيطها تحتوي على المشاعر وذاكرتنا طويلة المدى، فإن قصص أحلامنا غنية بالمشاعر والذكريات.

لكن في رأي العديد من الباحثين الآخرين أن هذه الأحلام لا معنى لها، ويرون أنها مجرد نتاج ثانوي للعمليات الفسيولوجية على غرار الضوضاء الساكنة للراديو أو همهمة المحرك، ولذلك فإن الانشغال بأحلامنا أو حتى محاولات تفسيرها لا طائل منها تماماً. لكن ذلك لم يوضح معنى الحلم.

معنى الأحلام

النوم والحلم
ما هي وظيفة الحلم

يعود السؤال عن معنى الحلم إلى قرون، ولا يزال من دون إجابة. ففي العصور القديمة كان هناك رأيان متعارضان. حيث يرى أفلاطون أن الأحلام هي تعبير عن الرغبات المكبوتة في الأحلام، وقد وافقه سيغموند فرويد فيما بعد على ذلك. لكن أرسطو كان يرى أن الأحلام مجرد بقايا من انطباعات اليقظة؛ وهي تشبه الدوامات الصغيرة التي تنشأ في الأنهار، حيث تبقى غالباً كما كانت في البداية، ولكن من الممكن أن تصطدم ببعضها البعض وبالتالي تتخذ أشكالاً جديدة.

ولا يزال هذين الرأيين الأساسيين كما هما في أبحاث النوم والأحلام حتى يومنا هذا. حيث يرى بعض العلماء أن محتوى الحلم له وظيفة بيولوجية، وهو مجرد بقايا من التطور، في حين يرى آخرون أن محتوى الحلم لا معنى له، وهو منتج ثانوي لعمليات الدماغ على أحسن الأحوال.

نوع من التنظيف الداخلي

طور عالم البيولوجيا الجزيئية فرانسيس كريك الذي اشتهر باكتشافه لبنية جزيء الحمض النووي النظرية القائلة إن أحلام نوم حركة العين السريعة تمثل نوعاً من محاولة التنظيف الذاتي من قبل الدماغ. حيث يستغل الدماغ فرصة انعزاله عن العالم الخارجي لاستدعاء الصور الزائدة أو الذكريات أو الارتباطات البالية ثم يحذفها من ذاكرته. وهذا الأمر يمنع الشبكة العصبية من الفضيان ويخلق مساحة لأشياء جديدة، ومع ذلك فإن محتوى صور الأحلام ليس مهماً إلى حد ما.

ويدافع الباحث الأمريكي في مجال النوم روبرت ستيكجولد عن فرضية مماثلة تقول إن الأحلام تعمل على معالجة الانطباعات من الذاكرة العاملة للدماغ ودمجها في الذاكرة. تحدث هذه العملية في خطوتين: أثناء النوم العميق فإن “الحُصين”، وهي منطقة الدماغ التي يتم فيها تخزين الانطباعات اليومية الجديدة مؤقتاً، تنقل معلوماتها إلى القشرة المخية، مقر الذاكرة طويلة المدى. ثم يتم دمج هذه المعلومات في الذاكرة طويلة المدى. وبعد ذلك ترسل القشرة المخية أمر “حذف” إلى مرفق التخزين المؤقت للحصين لتحرير الذاكرة العاملة مرة أخرى. ويكون محتوى الحلم في هذه الفرضية أيضاً أهمية ثانوية.

لكن روبرت فيرتس وزملاؤه من مختبر النوم بجامعة شمال أريزونا طوروا نظرية مختلفة تماماً، قالوا فيه أن الأحلام تعمل كنوع من الحارس للدماغ، حيث تضمن المنبهات الداخلية المرسلة والمعالجة أثناء الحلم تضمن أن عدم نوم الدماغ أبداً. وبهذه الطريقة نستيقظ دون مشاكل وأن جميع وظائف الدماغ الضرورية تعمل بطريقة منظمة. ومع ذلك لا يخبرنا فيرتس وزملاؤه إذا ما كانت محتويات الحلم لها وظيفة أم لا.

البقاء على قيد الحياة

يعتبر عالم الأعصاب الفنلندي أنتي ريفونسو أن الأحلام هي برنامج تدريب عقلي تم تطويره في سياق التطور. بمعنى أننا نجهز أنفسنا للمواقف والتحديات التي يحتمل أن تكون خطيرة. لذا، أثناء نومنا، نتدرب على الهروب من الأعداء، أو الدفاع عن أنفسنا، أو التعامل مع المواقف المحرجة أو الرفض الاجتماعي، لأن الاستبعاد من المجموعة كان يعني الموت المحقق لأسلافنا. وهي بمثابة إعداد وتوقع لتهديدات حقيقية. حيث يسمح الحلم للدماغ بممارسة سيناريوهات التهديد وتجنبها أو التعامل معها، وبالتالي زيادة فرصة البقاء على قيد الحياة في حالات الطوارئ.

يدعم وجهة نظر ريفونسو حقيقة أن ثلثي الأحلام التي يحلم بها الناس تحتوي على عناصر تهديد، كما تشتمل على ضعف عدد المشاعر السلبية مقارنةً بالإيجابية. وبالتالي، فإنها قد تساعدنا في التغلب على التحديات والتعامل بشكل أفضل مع المشاعر المفرطة وتقليل شدة الذكريات.

الأحلام والاهتمامات اليومية

تقول عالمة النفس كيلي بولكيلي:

“أعطني مائة حلم وسأخبرك مَن أنت”.

على الرغم من أن هذه العبارة تحمل القليل من الغرور إلا أن هذا الأمر يبدو قابلاً للتحقيق بالفعل. حيث كانت هناك امرأة تكتب أحلامها كل يوم منذ منتصف الثمانينيات، وكانت تمتلك بالفعل سجلاً حافلاً يتعدى ستة آلاف حلم. قامت كيلي بفحص سجلات الأحلام الخاصة بالمرأة ودونت 940 ملاحظة من الأعوام 1986 و1996 و2006 و2016. ثم استخدمت 26 عبارة لتخبر المرأة عن كل شيء تقريباً: مزاجها، وعالمها العاطفي، وأحكامها المسبقة، وعلاقاتها، ومخاوفها، ومواقفها المالية والصحية والثقافية والروحية.

توصل عالم النفس مايكل شريدل من المعهد المركزي للصحة العقلية في مانهايم إلى أن العديد من محتويات الأحلام ترتبط بشكل كبير بالاهتمامات والتفضيلات والمخاوف والأنشطة في الحياة اليومية. واكتشف عالم النفس أن أحلام الأشخاص الذين يستمعون كثيراً إلى الموسيقى أو يعزفونها أو يقومون بتأليفها تحتوي على المزيد من الموسيقى، وأولئك الذين يؤلفونها في الحياة اليومية كانوا أكثر عرضة للحلم بألحان جديدة.

كانت أبحاث النوم ذات التوجه الطبي مخصصة لسنوات عديدة للنوم كعملية فسيولوجية عصبية، وكان معنى الأحلام يتلاشى في الخلفية. حيث كان العلماء يعتبرون أن الأحلام مجرد ناتج عرضي أو ثانوي للنوم، حتى أن عالم النفس روبن نايمان من جامعة أريزونا شبه الأحلام بالنجوم قائلاً:

“إنها تظهر في الليل وتتألق بشكل رائع، ولكنها بعيدة جداً وليست لها صلة بحياتنا”.

يُظهر هذا المقتطف من الفرضيات حول معنى الأحلام أن أبحاث النوم لا تزال تتلمس طريقها في الظلام. حيث يمكن العثور على أدلة تجريبية لكل نظرية تقريباً، ولكن لا يمكن إثبات أي منها.

تفسير الأحلام

أبحاث سيجموند فرويد في التحليل النفسي
عالم النفس الشهير سيجموند فرويد

اعتقد الطبيب النمساوي سيغموند فرويد أن الأحلام تكشف عن رغبات الحاضر والطفولة المكبوتة. ولذلك اعتبر تفسيرها هو الطريق الملكي إلى اللاوعي. لكن لم تكن محاولات فرويد لتفسير الأحلام هي الأولى من نوعها، ولكن منذ وجود الإنسان على هذه الأرض وهو يفكر في المعنى الأعمق لأحلامه، ومحاولاته الحثيثة لفك رموزها.

كان تفسير الأحلام جزءً لا يتجزأ من الثقافات القديمة، وكان لها متخصصون يستند عملهم على تفسير الأحلام والتنبؤ من خلالها بالمستقبل. وكانت أيضاً بمثابة أداة تشخيصية في الطب. حيث قام الطبيب اليوناني أبقراط بتدوين ملاحظات حول ما حلم به مرضاه أثناء مرضهم من أجل التنبؤ بالمسار الإضافي للمرض. وتظهر كتابات أتباعه أنه في ذلك الوقت كان يُعتقد أن الجسم والعقل يمكن أن يستريحا في الليل حتى يتمكن الجسم من تقييم صحته. وتوفر لهم الأحلام معلومات عن النتيجة، على سبيل المثال، إذا رأيت سماء زرقاء أو شمساً أو نجوماً ساطعة في المنام، فإن جسمك يتمتع بصحة جيدة. وإذا هطل المطر أو تساقط الثلج في الحلم، رأى الأطباء القدماء أن ذلك علامة سيئة.

سيغموند فرويد – تفسير الأحلام

تغيرت هذه الأفكار بشكل أساسي في العصر الحديث، عندما ظهر سيغموند فرويد وأشار إلى أن المقصود من الأحلام هو السماح بإلقاء نظرة على الزوايا الخفية لنفسية الإنسان، وبالتالي فهي عنصر مهم في علاج المرض النفسي. وقدم نظريته في كتابه “تفسير الأحلام” الصادر عام 1899.

كان فرويد مقتنعًا بأن الرغبات والمشاعر السرية المكبوتة تظهر في الليل بعد أن يتم قمعها أثناء النهار، لأنها تنتهك الأعراف الاجتماعية. وينطبق هذا غالباً على الرغبة الجنسية أو التخيلات العنيفة. ولذلك يتم تلبية هذه الاحتياجات في الأحلام دون الحاجة إلى عيشها في الحياة الواقعية، ومن هنا نجد أن الحبكة الفعلية في الحلم تخضع للرقابة والتشويه والتكثيف، ويتم نقل أماكن الأحداث، وتتحول الشخصيات الرئيسية حتى لا يتمكن الحالم من رؤية ما يدور حوله بالفعل، فيصيبه الفزع والهلع.

طور فرويد هذه النظرية الخاصة بتفسير الأحلام، من أجل إرجاع الحلم إلى جوهره الحقيقي، ليساعد في تعقب الصراعات الداخلية التي يعتقد أنها سبب الأعراض النفسية. وأشار إلى أن هناك صوراً في الأحلام تعني نفس الشيء لكل من يحلم. فالمظلات والسكاكين وربطات العنق كلها في الوقت تشير إلى القضيب، في حين تُخفي صور العلب أو الكهوف أو السفن حقيقية أن الحلم يتعلق بالمهبل. من هذه الفرضية نجد أن رؤية غرفة في المنام ترمز إلى النساء، ومن يصعد الدرج فهو في الواقع يحلم بالجنس. لكن العديد من زملاء فرويد نفسه شككوا في وجود هذه الرموز التي لا يمكن تحديدها بوضوح. ولا تلعب هذه الفرضية الآن أي دور في علم النفس أو التحليل النفسي الحديث. لكن برغم ذلك فلا تزال نظرية فرويد في تفسير الأحلام الأساس لجميع مدارس تفسير الأحلام التي تلت عصره.

كارل يونج واللاوعي الجماعي

كان الطبيب النفسي السويسري كارل جوستاف يونج يسير على خطى فرويد، وكان مقتنعاً بأن الأحلام يمكن أن تكشف شيئاً عن اللاوعي. لكن يونج، على عكس فرويد، لم يعتقد أن الأحلام يمكن تفسيرها دائماً بطريقة صحيحة بشكل عام. بمعنى أن الحلم يعتمد على مَن يحلم به. لذا كان يونج أقرب إلى تفسير الأحلام، إذ لا تزال نظرياته تستخدم في التحليل النفسي حتى اليوم. اعتقد يونج أن بعض الرموز تمثل شيئاً مشابهاً لجميع الناس، ومن هنا صاغ فكرة “اللاوعي الجماعي”، وهو نوع من التراث الروحي للإنسانية الذي يتقاسمه البشر جميعاً.

ويشير إلى القصص الخيالية والأساطير التي تحتوي على موضوعات مشابهة حول العالم إلى أنها النماذج الأولية التي ولدنا بها، وهي التي تظهر في الأحلام. وبهذه الطريقة تكون الأحلام مكملة لعالم خبراتنا، وهي تساعدنا على تطوير شخصيتنا. ومن أجل فك رموز أحلام مرضاه ناقش معهم المعاني المحتملة ولجأ في بعض الحالات إلى الأساطير.

تفسير الأحلام اليوم

لا يزال تفسير الأحلام يستخدم حتى يومنا هذا في العلاج النفسي التحليلي الذي يعتمد على التحليل النفسي. ولكن لم تعد للأحلام أهمية مركزية في الوقت الحاضر كما كانت عند فرويد، بل يُنظر إليها كواحدة من عدة طرق للتعامل مع الصراعات اللاواعية والأشياء المكبوتة والمنفصلة وبالتالي أصل المشاكل النفسية.


في الختام وبعد أن تعرفنا على قصة الأحلام، اعتقد أننا ندرك جميعاً الآن أنه إذا انفصل الدماغ تماماً عن الجسم، ولم يعيد الاتصال به مرة أخرى، فإن النتيجة هي أننا نموت دون أن ندرك ذلك. الآن يأتي الجزء الأفضل وهو كما رأينا أن النوم هو الموت المؤقت. إنه وقت لا تحسب فيه المقاصد والأغراض، والاستيقاظ يشبه البعث من جديد. كل يوم نموت ونبعث من جديد. إنها حقيقة لم نستوعبها، لكنها حقيقة. ينصحنا أي طبيب بأن أهم شيء للعيش بشكل جيد هو النوم بشكل أفضل. بمعنى آخر، من أجل عيش حياة صحية، يجب أن يحدث نقيض ذلك، وهو الموت لبضع ساعات، بانتظام وسلاسة. وهذا هو الاستنتاج الأكثر تناقضاً مثل الأحلام تماماً.

المراجع

1.    Author: Aakash K. Patel, Vamsi Reddy, Karlie R. Shumway, John F. Araujo, (01/26/2024), Physiology, Sleep Stages, www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved: 01/08/2024.

2.    Author: Daniel Erlacher, Melanie Schädlich, Tadas Stumbrys, and Michael Schredl, (01/16/2014), Time for actions in lucid dreams: effects of task modality, length, and complexity, www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved: 01/08/2024.

3.    Author: ROBERTA MCLAIN, (12/12/2023), Why Do We Dream? Maybe to Ensure We Can Literally ‘See’ the World upon Awakening, www.scientificamerican.com, Retrieved: 01/08/2024.

4.    Author: Jonathan Winson, (11/10/1990), The Meaning of Dreams, www.jstor.org, Retrieved: 01/08/2024.

5.    Author: Jennifer L. Martin, (12/11/2023), The unsung geniuses who uncovered why we sleep and dream, www.nature.com, Retrieved: 01/08/2024.

6.    Author: Petr Bob & Olga Louchakova, (09/07/2015), Dissociative states in dreams and brain chaos: implications for creative awareness, www.frontiersin.org, Retrieved: 01/08/202

 

This Post Has 2 Comments

  1. أحمد

    من اروع ما قرأت

اترك تعليقاً