علوم

هل الله موجود؟ الصراع الأزلي بين العلم والدين

هل الله موجود؟ سؤال شغل عقول البشر منذ قديم الزمان. وقد انقسموا فيه إلى فريقين منهم من يؤمن بوجود إله كلي القدرة والعلم هو مَن خلق الكون والبشر، ومنهم مَن لا يعتقد بوجود مثل هذا الإله الخارق للطبيعة. وكلا الفريقان كان لديهم العديد من الحجج. لكن هل أثبت العلم وجود الله؟ في هذا المقال نستعرض بعض الطرق العلمية والعقلانية للتفكير في مسألة الإله.

ماذا يقول العلم عن وجود الله؟

في عام 1960، طرح عالم الفيزياء في جامعة برينستون – والذي حاز على جائزة نوبل لاحقاً – يوجين وينر سؤالاً أساسياً ألا وهو: لماذا كان العالم الطبيعي دائماً – بقدر ما نعلم – يعمل وفق قوانين الرياضيات؟

هذا أحد الأسئلة الهامة التي تناولها علماء الرياضيات والتي كانت الإجابة عليها لدى البعض بضرورة وجود الإله ليضع مثل تلك القوانين. هذا ونرى علماء أخرين من أمثال فيليب ديفيس وروبن هيرش اللذان جادلا بأن الرياضيات موجودة بشكل مستقل عن الواقع المادي. ومهمة علماء الرياضيات هي اكتشاف حقائق هذا العالم المنفصل للقوانين والمفاهيم الرياضية. ومن ثم يقوم الفيزيائيون باستخدام الرياضيات وفقاً لقواعد التنبؤ والمراقبة المؤكدة للمنهج العلمي.

قوانين الرياضيات والفيزياء

الرياضيات الحديثة تُصاغ عموماً قبل إجراء أي ملاحظات طبيعية. والعديد من القوانين الرياضية اليوم ليست لها نظائر فيزيائية موجودة. على سبيل المثال، كانت نظرية النسبية العامة لأينشتاين في عام 1915 مبنية على الرياضيات النظرية التي طورها عالم الرياضيات الألماني العظيم برنارد ريمان قبل 50 عاماً والتي لم يكن لها أي تطبيقات عملية معروفة في وقت إنشائها الفكري.

وفي بعض الحالات، يكتشف الفيزيائي أيضاً الرياضيات. حيث كان إسحاق نيوتن الذي يعتبر من أعظم علماء الرياضيات والفيزياء في القرن السابع عشر قد طلب فيزيائيون آخرون لمساعدته في إيجاد القوانين الرياضية التي من شأنها أن تتنبأ بعمل النظام الشمسي. ووجدها في قانون الجاذبية الرياضي، الذي يعتمد جزئياً على اكتشافه لحساب التفاضل والتكامل.

لكن في ذلك الوقت، قاوم العديد من الناس استنتاجات نيوتن في البداية لأنها بدت وكأنها “غامضة”. فكيف يمكن رسم جسمين بعيدين في النظام الشمسي تجاه بعضهما البعض، وفقاً لقانون رياضي دقيق؟.. في الواقع، بذل نيوتن جهوداً مضنية على مدار حياته لإيجاد تفسير طبيعي، ولكن في النهاية لم يستطع إلا أن يقول إنها إرادة الله.

على الرغم من العديد من التطورات الهائلة الأخرى للفيزياء الحديثة، لم يتغير الكثير في هذا الصدد. كما كتب يوجين فاجنر عالم الرياضيات الشهير قائلاً “الفائدة الهائلة للرياضيات في العلوم الطبيعية هي شيء يقترب من الغموض ولا يوجد تفسير منطقي لها.” مما يعني أن الأمر يتطلب وجود نوعاً من الإله لجعل الأسس الرياضية للكون مفهومة.

اقرأ أيضًا: هل كل ما يُخبرنا به العلم صحيح؟

عوالم ثلاثة

وجود الإله

في عام 2004، طرح الفيزيائي البريطاني العظيم روجر بنروز رؤية لكون مكون من ثلاثة عوالم موجودة بشكل مستقل. هي الرياضيات، والعالم المادي والوعي البشري. كما اعترف بنروز أن الأمر كان بمثابة لغز كامل بالنسبة له. فكيف يتفاعل الثلاثة مع بعضهم البعض خارج قدرة أي نموذج علمي أو نموذج عقلاني تقليدي آخر. وكيف يمكن للذرات والجزيئات الفيزيائية، على سبيل المثال، أن تخلق شيئاً موجوداً في مجال منفصل ليس له وجود مادي: الوعي البشري؟


الأفكار المجردة

هذا اللغز هو نفسه الذي كان موجوداً في النظرة اليونانية لأفلاطون. هذا الفيلسوف الذي اعتقد أن الأفكار المجردة (قبل كل شيء رياضية) كانت موجودة أولاً خارج أي واقع مادي. أي أن العالم المادي الذي نختبره كجزء من وجودنا البشري هو انعكاس ناقص لهذه المُثل الرسمية السابقة. وبصفته باحثاً في الفلسفة اليونانية القديمة، كتب إيان مولر في كتابه “الرياضيات والإلهية”، فإن عالم مثل هذه المُثُل هو عالم الله. وفي عام 2014، أشار الفيزيائي السويدي الأمريكي ماكس تيجمارك في كتابه “كوننا الرياضي: البحث عن الطبيعة المطلقة للواقع” قائلاً: ” أن الرياضيات هي حقيقة العالم الأساسية التي تقود الكون. فالرياضيات تعمل بطريقة تشبه عمل الله”.

اقرأ أيضًا: النظرية العلمية: المفهوم والمعايير وأهم النظريات العلمية

سر الوعي البشري

وبالمثل فإن أعمال الوعي البشري معجزة. مثل قوانين الرياضيات، الوعي ليس له حضور مادي في العالم. حيث أن الصور والأفكار في وعينا ليس لها أبعاد قابلة للقياس. ومع ذلك، فإن أفكارنا غير المادية توجه بطريقة غامضة تصرفات أجسادنا البشرية المادية. هذا ليس أكثر قابلية للتفسير علمياً من القدرة الغامضة للإنشاءات الرياضية غير الفيزيائية على تحديد طريقة عمل عالم مادي منفصل.

اعترافًا بأنه لا يستطع التوفيق بين مادية علمية خاصة به ووجود عالم غير مادي للوعي البشري، اتخذ الملحد الرائد، دانيال دينيت، في عام 1991 خطوة جذرية بإنكار وجود هذا الوعي. بينما كتب فيلسوف رائد آخر، توماس ناجل، في عام 2012 أنه نظراً للطابع غير القابل للتفسير علمياً للوعي البشري، سيتعين علينا ترك المادية [العلمية] وراءنا باعتبارها أساس لفهم عالم الوجود البشري.


الصراع بين التطور والإيمان

هل الله موجود

كان ومازال موضوع التطور مثيراً للجدل. فمنذ ظهور نظرية التطور الداروينية وهي حتى الآن مصدراً لنقاشات لا حصر لها وقد انقسم العلماء بشأنها ما بين مؤيد ومعارض. فوفقاً لمركز بيو، فإن 98 بالمائة من العلماء المرتبطين بالرابطة الأمريكية لتقدم العلوم “يعتقدون أن البشر تطوروا بمرور الوقت”. بينما أقلية فقط “يقبلون تماماً التطور من خلال الانتقاء الطبيعي“.

يجب أن أؤكد أنني لا أشكك في حقيقة التطور البيولوجي الطبيعي. لكن ما يثير اهتمامي هو الحجج الشرسة التي دارت بين علماء الأحياء التطوريين المحترفين. لقد تحدى عدد من التطورات في النظرية التطورية الآراء الداروينية التقليدية – ولاحقاً الداروينية الجديدة – التي تؤكد الطفرات الجينية العشوائية والانتقاء التطوري التدريجي من خلال عملية البقاء للأصلح.

ففي عام 2011، جادل عالم الأحياء التطوري في جامعة شيكاغو جيمس شابيرو بأن العديد من العمليات التطورية الدقيقة عملت كما لو كانت تسترشد بـ “إحساس” هادف من تطور الكائنات الحية النباتية والحيوانية نفسها. أو بمعنى أوضح وكأن عملية التطور هي عملية مقصودة تعمل طبقاً لإدارة قوة خارجية. هذا بالإضافة إلى وجود عدد من علماء الأحياء لا يرون أي تعارض بين الإيمان بالله وقبول نظرية التطور المعاصرة”. وقد أدت أحدث التطورات في علم الأحياء التطوري إلى زيادة احتمال وجود الله.

اقرأ أيضًا: أصل فرضية التطور.. الفكرة التي جمع خيوطها دارون

وجود الله في العقل الجمعي للبشر

على مدار تاريخ البشرية كان هناك اعتقاد دائم بوجود خالق للكون. وعلى اختلاف شكل هذا المعبود إلا أن العقل الجمعي للبشر كان يعبد إله ما في مراحل تطوره المختلفة. هذا بالإضافة إلى ظهور العديد من الأفكار الكبيرة التي أثرت تأثيراً كبيراً في العالم. ففي حضارات العالم القديم كانت هناك ديانات تقوم على عبادة العديد من الآلهة كما الحضارة المصرية او السومرية وغيرها. ثم تطورت هذه الديانات مع ظهور الأديان السماوية ومن قبلها أفكار عظيمة مثل البوذية والكونفوشيوسية وفلسفة أفلاطون وأرسطو.

كان لكل هذه الأفكار والديانات تفسيرات ربما تشابهت في بعض الأحيان وربما اختلفت حول وجود الله. إلا إنه على الرغم من ذلك فإن تأثير هذه الفلسفات والأديان كان كبيراً جداً بل كان ثورة في الفكر الإنساني التي عملت خارج التفسيرات التي ترتكز على المادية العلمية. فهي أفكار عملت داخل العقل الواعي للعقول البشرية. تلك الأفكار التي تعمل خارج الواقع المادي وهي تقدم دليلاً إضافياً للاستنتاج بأن البشر يمكن أن يخلقوا على صورة الله.

لقد قال الروائي الأمريكي ديفيد فوستر والاس ذات مرة: ” الجميع يعبد. لكن الخيار الوحيد الذي نحصل عليه هو ما نعبده”.

فعلى سبيل المثال أو المفارقة لقد أدان كارل ماركس وهم الدين إلا أن اتباعه كانوا يعبدون الماركسية بالفعل. حيث كانت الماركسية تدعي أنها الطريق الصحيح الوحيد للوصول إلى جنة جديدة على الأرض.


لكن على الرغم من استمرار وجود الأفكار الإنسانية وخاصة الأديان في عصرنا الحالي برغم التطور العلمي الكبير الذي وصلت إليه البشرية فهذا الأمر أحد أهم الأمور التي تجعل من الاعتقاد بوجود إله أمر محتمل للغاية.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!