غموض

لعنة توت عنخ آمون: سر القبر الغامض للفرعون المصري

ترتبط لعنة الفراعنة في أذهان الكثير من الناس بالفرعون المصري توت عنخ آمون. ذلك الطفل الصغير الذي ارتقى إلى قمة السلطة في مصر القديمة عندما كان يبلغ من العمر ثماني سنوات فقط. لكن لعنة توت عنخ آمون كانت ولا تزال أحد الموضوعات المثيرة للجدل كشخصية الفرعون الصغير نفسه. في السطور التالية نحاول الدخول إلى قبره الغامض لنكشف الحقيقة الكاملة عن لعنة توت عنخ آمون.

مقبرة توت عنخ آمون

كانت مقبرة توت عنخ آمون بلا شك واحدة من أعظم الاكتشافات الآثرية في عصرنا الحديث. حيث غيرت تماماً فهمنا للمجتمع المصري القديم وطقوسه ورموزه. حدث ذلك في عام 1922 عندما اكتشف عالم الآثار هوارد كارتر واللورد كارنارفون الموقع الدقيق لمقبرة الفرعون، وشرع فريق العمل في فتحه. ومنذ تلك اللحظة، بدأت تتكشف سلسلة من الأحداث غير المتوقعة والمحن التي كانت مقدمة للعنة توت عنخ آمون. فماذا حدث؟

كانت البداية في عام 1914 عندما حصل اللورد كارنارفون على امتياز للتنقيب في وادي الملوك. لكن توقف كل شيء بسبب الحرب العالمية الأولى، ولم يستأنف العمل حتى عام 1917. حاول اللورد كارنارفون الاستعانة بعالم الآثار هوارد كارتر من أجل تنفيذ هذه المهمة. وكان كارتر مقتنعاً بوجود قبر نجل أخناتون “توت عنخ آمون” في هذه المنطقة. وبدأ العمل على قدم وساق في عام 1922 دون أن يجد أي شيء. وبعد عام من العمل الشاق تعثر فتى صغير كان ينقل المياه إلى معسكر فريق التنقيب وسقط على الأرض. ونتيجة سقوط على الرمال شعر بشيء ثقيل، فذهب على الفور ليخبر كارتر.

ذهب فريق البحث إلى المكان وسرعان ما قاموا بالتنظيف حول المكان، فإذا بهم أمام بعض الدرجات الهابطة التي تؤدي إلى مدخل مختوم بنقش “توت عنخ آمون”. عمت البهجة على وجوه الجميع، وانطلق كارتر ليرسل برقية إلى اللورد كارنارفون باكتشافه. وحضر اللورد سريعاً إلى مكان المقبرة. افتتح هوارد كارتر في 4 نوفمبر 1922 قبر الفرعون الشاب توت عنخ آمون الذي توفي عن عمر يناهز 18 عاماً فقط بعد 6 سنوات من الحكم.

كنوز المقبرة

قصة لعنة توت عنخ آمون
مقبرة توت عنخ آمون من الداخل

كان مكان استراحته عبارة عن غرفة مليئة بالكنوز التي بدت وكأنها متحف كامل. حيث اشتملت غرفة الاستراحة على حوالي 3500 قطعة آثرية لا تقدر بثمن. وكانت مقبرة توت عنخ آمون مكونة من أربع غرف. ومع هذه الكمية من الكنوز المهولة استغرق الأمر من كارتر عشر سنوات لإزالة جميع الكنوز ونقلها إلى متحف القاهرة. ورغم كل تلك الكنوز التي عثر عليها إلا أنه كان يبدو أن الغرف الثلاثة – باستثناء الغرفة الموجود بها التابوت – تعرضت للسرقة من قبل. حيث كانت هناك أدلة على وجود فتحات في الزوايا العلوية للأبواب المغلقة ويبدو أن 60٪ من المجوهرات في “الخزانة” قد سُرقت.

لذلك كان من الممكن وجود المزيد من الكنوز ولكننا لن نعرف عنها أبداً. ولحسن الحظ لم تنتهك حجرة الدفن، وبالتالي الحفاظ على التابوت الحجري وقناع الفرعون والمومياء، وهي أثمن الأشياء في القبر. ومن بين الأشياء التي تم العثور عليها في الغرف الأربع طعام (كعك، شعير، ضلوع ثور، 30 إبريق نبيذ). وملابس؛ وتماثيل نصفية، وتماثيل من الذهب وخشب الأبنوس والفضة والعاج. وأسلحة مثل الأقواس، والمطارق، والسكاكين، والأذرع. وبين طبقات الكتان التي غطت جسد الفرعون الصغير تم العثور على حوالي 130 جوهرة وتميمة.

حجرة الدفن

لعنة الفراعنة
التابوت الذهبي للفرعون

ترجع شهرة مقبرة توت عنخ آمون إلى حفظها الجيد. ولعل أشهر ما يتعلق بهذه المقبرة هي المومياء التي تم العثور عليها في التابوت الذهبي. وهذا الأمر ما أكسبه لقب “الفرعون الذهبي”. لقد كان التابوت الحجري الذهبي هو التابوت الخارجي فقط. وكانت المومياء مغطاة بتابوتين أخريين و 13 طبقة من الكتان. وبعد إزالة غطاء التابوت الثالث الذي احتفظ بالمومياء كانت جثة توت عنخ آمون محفوظة جيداً بحيث يمكن رؤية وجهها ويديها بشكل مثالي.

أجريت العديد من الدراسات العلمية على مومياء الفرعون بين عامي 1938 و 2009 (والتي تشمل الأشعة السينية والتصوير المقطعي واختبارات الحمض النووي). وقد تمكن العلم من ربط توت عنخ آمون ببعض المومياوات الأخرى التي تعود إلى خمسة أجيال من مصر القديمة، وتحديد النسب والأصل. كما تمكن العلماء من اكتشاف أن الفرعون الشاب مات بسبب النخر العظمي المصحوب بالملاريا؛ وهو ما يفسر سبب دفنه دون جزء كبير من عظم القص والأضلاع.

إرث توت عنخ آمون

مقبرة توت عنخ آمون
كنوز مقبرة توت عنخ آمون

عاش توت عنخ آمون بين عامي 1331 و 1323 قبل الميلاد. وكان ابن الفرعون إخناتون[1] الذي حاول توحيد الآلهة المصرية. وبعد وفاته اعتلى توت عنخ آمون العرش بوصاية من الوزير آي. وبهذه الطريقة أصبح آخر ممثل للدم الملكي للأسرة المصرية الثامنة عشرة. كان عمره ثماني أو تسع سنوات فقط عندما تم تكليفه بمسؤولية حكم مصر.

وكما سرت العادة في المجتمع المصري القديم كان الزيجات تتم بين أفراد من نفس العائلة، لذا كانت العيوب الوراثية شائعة. يُقال إن توت عنخ آمون كان طفلاً ضعيفاً وصحته واهنة، وأصيب بالعديد من الأمراض الوراثية. بينما تزوج توت عنخ آمون من إحدى أخواته غير الشقيقات التي تدعى عنخ إسن آمون. وقد كان نسل توت عنخ آمون أيضاً موضوعاً مثيراً للجدل. حيث كان معروفاً أن لديه فتاتان ماتتا عند الولادة، وقد تم العثور على مومياوات صغيرة تتطابق مع هاتين الفتاتين في قبره.

يتلخص إرث الفرعون في أنه حكم في وقت صعب للغاية، وأعاد الآلهة القديمة إلى المجتمع بعد فترة من التوحيد الذي قام به والده أخناتون. ولكن بعد وفاة توت عنخ آمون الغامضة عن عمر يناهز 19 عاماً فقط، لا تزال أسطورته حية لارتباطها بلعنة الفراعنة، وموته الغامض الذي يشير إلى عملية اغتيال. وترتبط هذه الأخيرة بوزيره آي الذي تزوج من أرملته بعد موته. لكنها مجرد تكهنات دون أدلة ملموسة.

الأحداث الغامضة التي نشأت عن اللعنة

لعنة توت عنخ آمون
صورة رمزية للعنة توت عنخ آمون

توجد آراء عديدة ومتضاربة حول لعنة توت عنخ آمون. يقال إنها كانت تعويذة من روح الفرعون لإغراق أولئك الذين انتهكوا قبره في سلسلة من المصائب الكارثية. هناك شائعة تقول أنه عندما غادر القبر آخر رجل من البعثة، اندلعت عاصفة رملية في المنطقة. وكانت شديدة بشكل خاص عند مدخل الكهف. وشوهد صقر يطير فوق القبر واتجه إلى الغرب حيث العالم الآخر طبقاً للمعتقدات المصرية. لقد كان هناك اعتقاد بأن من يزعج مومياء فرعون سيموت بعد فترة وجيزة بسبب لعنة الفراعنة. حيث تقول الأسطورة أن كارتر عند دخوله القبر وجد شقفة – سطح حجري يستخدم للكتابة – مكتوب عليها هذه اللعنة الشهيرة.

الموت الغامض

وبعد مرور خمسة أشهر على اكتشاف المقبرة مات اللورد كارنارفون نتيجة للدغة بعوضة أصابته بالعدوى وأنهت حياته. لكن هذا ليس كل شيء، ففي تلك اللحظة انطفأت جميع الأضواء في القاهرة، وفي منزله بإنجلترا في نفس الوقت، ومات كلبه أيضاً. وبعد وفاة كارنارفون سجلت 13 حالة وفيات لرجال من أهم علماء الآثار الذي حضروا من ضمن المدعوين أو ممن ساهموا في العمل على الاكتشاف أو الترميم.

وفي عام 1924 توفي الأثري الإنجليزي هاي إيفلين وايت. وهو الرجل الثاني الذي دخل غرفة الدفن بعد كارتر. ثم ما لبث أن توفيت زوجة كارتر في عام 1929. وفي نفس العام توفي أيضاً سكرتير كارتر حيث وجده ذات يوم ملقى على الأرض بجوار سرير نومه. وعندما سمع والده بهذا الخبر ألقى بنفسه من الدور السابع من منزله في لندن. وبعد وفاة كارنارفون جاء أحد أصدقائه القدامى – جورج جي جولد – إلى الأقصر، وكان من رجال المال، واصطحبه كارتر لزيارة المقبرة. وفي اليوم التالي أصيب جورج بحمى شديدة ومات في نفس اليوم وبنفس طريقة موت صديقه كارنارفون. كذلك توفي السير دوجلاس ريد الذي أجرى أشعة سينية على المومياء بعد شهرين. لكن أغرب ما في الأمر أن هوارد كارتر الرجل الذي كان يجب أن يخشى اللعنة أكثر من غيره، مات في عام 1939 لأسباب طبيعية[2].

حقائق وخرافات

بعد هذه الوفيات الغامضة بدأ الخيال الشعبي في صياغة نسخ مختلفة عن سبب الوفيات. وكان للكاتب الاسكتلندي آرثر كونان دويل، مبتكر شيرلوك هولمز، دوراً هاماً وفعالاً في ذيوع أسطورة لعنة توت عنخ آمون. فعلى الرغم من أن شخصية شيرلوك هولمز الشهيرة تميزت بالتفكير الدقيق والتجربة العلمية، إلا أن دويل كان من أشد المؤمنين بالروحانية. وقد أرجع المؤلف الشهير وفاة كارنارفون إلى “شر مقيم” كان يحرس القبر وينتقم من مدنسيه. وهكذا، سرعان ما أصبحت لعنة المومياء أسطورة على يد كونان دويل.

لكن الأشباح لم تكن العناصر الوحيدة التي أصبحت جزءاً من لعنة توت عنخ آمون. حيث كتبت الروائية البريطانية ماري كوريلي رسالة إلى صحيفة نيويورك وورلد زعمت فيها أنها تعرف بعض النصوص القديمة التي تتحدث عن السموم المترسبة في المقابر المصرية لإبادة أولئك الذين يقوموا بتدنيسها. وعلى الرغم من أن كلا من علماء المصريات والأطباء رفضوا نظرية السم على أنها محض خيال، إلا أن استشاريي علم الأمراض قدم فرضية أخرى: الجراثيم. ونقلت صحيفة صنداي تايمز الأسترالية في 3 يونيو 1923 أن “جرثومة واحدة تكفي لتسبب عدوى قاتلة”. وبالتالي، فإن النسخة المعدية من لعنة توت عنخ آمون ما هي سوى جراثيم أحد الفطريات التي سببت العدوى والتي أدت إلى وفاة الجميع[3].

في الختام لا يسعنا سوى القول بأن كل الدراسات والأبحاث التي حاولت تفسير الموت الغامض لا تزال مجرد تكهنات دون أدلة ملموسة، ويظل موضوع اللعنة كذلك لغزاً عصياً على الحل. ونأمل في المستقبل القريب أن يتم الكشف عن باقي أسرار مقبرة الفرعون المصري الذهبي توت عنخ آمون.

مراجع

[1] Akhenaten.

[2] King Tut’s tomb was discovered 100 years ago — and unleashed a ‘curse’.

[3] The Curse of King Tut: Facts & Fable.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫4 تعليقات

  1. من أشهر القصص الغامضة عند المصريين. خاصة فكرة لعنة الفراعنة اللي حتى علماء الأثار مؤمنين بيها. ولكن فكرة الجراثيم مقبولة نوعا ما خاصة المقابر لم تفتح من الاف السنين.

  2. التشبث بالخرافات من طبيعة البشر، ولكن الدراسات العلمية تحاول أن تنفي هذه الخرافات، وتثبت أن اللعنة مجرد وهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!