غموض

الزومبي: هل هو تهديد حقيقي أم مجرد خرافة؟

الزومبي هو مصطلح يُطلق على جثث إناس ماتوا وعادوا إلى الحياة مرة أخرى ولكن دون وعي، من خلال بعض الطقوس السحرية أو العقاقير أو الفيروسيات المصنعة في المعامل. ظهرت هذه الفكرة في العديد من أفلام الرعب ومسلسلات الخيال العلمي، وأصبح الزومبي أيقونة للثقافة الشعبية. إذن ما نتحدث عنه هو مجرد خيال، لكن ماذا سيحدث لو كان وجود هذه الكائنات حقيقي وممكن من الناحية البيولوجية؟ وهل يوجد زومبي في مملكة الحيوان؟ هل هناك أي قانون بيولوجي يمنع وجودها؟ في هذا المقال سنقوم بتحليل هذه الأسئلة وغيرها لتحديد هل الزومبي حقيقي أم مجرد خيال؟

ما هو الزومبي؟

قبل أن نجيب على سؤال هل الزومبي موجود أم لا، علينا في البداية أن نحدد ما هو الزومبي، لأن ذلك هو الذي سيحدد ما إذا كان وجود هذه الوحوش معقولاً من وجهة نظر علمية أم لا. وهنا نقابل بالفعل المشكلة الأولى، نظراً لأن كل عمل فني أو أدبي يقدم هذه الكائنات بطريقة مختلفة. فلا علاقة لكائنات الزومبي التي ظهرت في أفلام “The Walking Dead” أو “28 Days Later” أو “World War Z” أو “Zombieland” أو “I am Legend” أو “Night of the Living Dead” ببعضها البعض. ولكن هناك بعض الجوانب المشتركة التي تصلح كقاعدة عامة تشترك فيها كائنات الزومبي.

يُعرف الزومبي كونهم الموتى الأحياء، فهي مخلوقات (عادة ما تكون بشراً) يتم إحياؤها بعد موتها بسبب تعرضها للعض من قبل زومبي آخر، لكنها تقوم من الموت ككائنات فقدت إنسانيته، وتكون عادةً في حالة من التحلل، وتتجول بلا هدف، وتعيش من أجل التهام البشر الآخرين. هذا هو تعريف الزومبي بشكل عام.

حقيقة وجود الزومبي

الزومبي الحقيقي
حقيقة وجود الزومبي

هل فكرة وجود الزومبي معقولة من الناحية البيولوجية؟ للإجابة على هذا السؤال علينا أن نعرف أن كل شيء في الحياة لا يكون أبيض أو أسود. والحقيقة هي أن هذه الكائنات كما تم تصويرهم في التلفزيون والأفلام لا يمكن أن يوجدوا ببساطة، وسوف نرى سبب ذلك فيما بعد. ومع ذلك فهم ليسوا بعيدين تماماً عن الواقع. فإذا أزلنا بعض الجوانب التي لا يمكن أن تحدث في الطبيعة وقمنا بتجديد مفهوم الزومبي، فسيكون وجود هذه الكائنات معقولاً. حيث توجد بالفعل بعض حالات الزومبي في الطبيعة. لكن قبل الخوض في هذا الأمر لنرى الأسباب التي أدت إلى عدم وجودها كما صورتهم السينما والتلفزيون.

هناك سبب بسيط جداً لعدم وجود الزومبي، وهو يكمن في التعريف ذاته، حيث يعني مصطلح الزومبي “الموتى الأحياء” وهو تعرفي ينطوي على مفارقة. فإذا اعتبرنا أن الزومبي كائناً ميتاً فكيف يكون حياً. دعونا نوضح الأمر بشكل أبسط.

الخلايا الميتة

عندما يموت الإنسان فإن جميع خلايا جسمه تموت أيضاً، من الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ إلى تلك الموجودة في عضلات القدم. وبموت الخلايا تنتهي الحياة أساساً بسبب توقف عملية التمثيل الغذائي الخلوي، وبالتالي نفقد القدرة على الحصول على الطاقة واستهلاكها من ناحية، واستهلاك المادة وتوليدها من ناحية أخرى. وبعبارة أخرى، يتم كسر دورة الطاقة والمادة. وعندما يحدث هذا، لا يكون لدينا الوقود اللازم للحفاظ على عمل الأجهزة الحيوية، ولا يمكننا إنتاج مادة عضوية لتجديد أعضائنا وأنسجتنا. ومن خلال عدم قدرتنا على القيام بذلك، نصبح ببساطة “كيساً” من المادة التي لم يعد بها جهاز عصبي أو حركي أو هضمي أو قلبي وعائي أو تنفسي، وما إلى ذلك.

توجد هنا مشكلتان: أولهما أن من المستحيل أن يتحرك كائن حي ميت، ويعود ذلك أساساً إلى أن الخلايا الميتة لا تستطيع توليد الطاقة اللازمة لإحياء جزيء الأدينوسين ثلاثي الفوسفات[1] المسؤول عن تقلصات الألياف العضلية للحركة. وثانيهما أن العودة إلى الحياة في الطبيعة مستحيلة عملياً. ولكن ماذا لو كان هناك فيروس يمكن أن يعيد الميت إلى الحياة ويحوله إلى زومبي؟ سنعود لموضوع الفيروس هذا فيما بعد. ولكن عليك أن تعلم جيداً أنه لا يوجد مسبب للأمراض – ولن يكون موجود أبداً – يمكن أن يتسبب في عودة الميت إلى الحياة عند انتقاله إلى الجهاز العصبي. فهذا الأمر مستحيل تماماً.

الأجهزة الحيوية في جسم الإنسان

هناك أمر أخر وهو إن كان هذه الكائنات ميتة فهذا يعني أنهم لا يمتلكون جهاز مناعة، وعدم وجود خلايا مناعية ستعرضهم لهجوم البكتيريا والفيروسات والفطريات، والتي لن يمنعها عائق من التهام أعضاء وأنسجة هذه المخلوقات. وبالتالي سيكون الزومبي وسط الطبيعة بمثابة شريحة لحم متروكة في الشمس. وبعد بضعة أيام لن يتبق شيء منهم على الإطلاق. حيث ستقوم الكائنات الحية الدقيقة بالقضاء عليهم وتحليلهم.

وعندما يتعلق الأمر بالعظام، يجب أن نضع في الاعتبار أن الهيكل العظمي يتكون أيضاً من خلايا، وبعد الموت تصبح العظام هشة بشكل كبير، وببساطة لن يستطيع الزومبي الوقوف على الأقدام، وسينهار عموده الفقري، وأي ضربة بسيطة ستتسبب في كسر كامل للعظام. وبالمثل عندما تموت خلايا العين، لن تكون هناك طريقة لالتقاط المحفزات البصرية، ولن تستطيع هذه الكائنات الرؤية. ونفس الأمر يحدث مع بقية الحواس، إذ لن توجد خلايا عصبية تنقل المعلومات إلى الدماغ. ومن هنا لن تكون هناك أية وسيلة لهذه الكائنات للتواصل مع البيئة المحيطة بها، فهم لن يروا، ولن يشموا، ولن يسمعوا، وحتى إذا لمستهم لن يشعروا بأي شيء، ولذلك فإن مسألة اصطيادهم للبشر أمر مستحيل تماماً.

إذن لا يمكن للزومبي كما تصوره الأفلام أن يوجد في الواقع. فحقيقة أنها كائنات ميتة ولكن لديها “حياة” هو أمر غير موجود في الطبيعة. لكن إذا أزلنا مفهوم “الموتى” هذا واحتفظنا بالخصائص الأخرى، فهل يمكن أن يوجد الزومبي؟

هل يوجد زومبي في الطبيعة؟

هل يوجد زومبي في الطبيعة
فطر الزومبي

إن فكرة أن تعرضك للعض تحولك إلى مثل هذا المخلوق وأن شيئاً يمكن أن يتحكم في عقلك بحيث تصبح كائناً لا يتحكم في تصرفاته ويميل للعنف ويأكل لحوم البشر هي فكرة معقولة ويمكن أن توجد بالفعل، والأغرب من ذلك أنها تحدث بالفعل في الطبيعة.

لنبدأ من البداية. من الناحية النظرية يصبح الشخص زومبي عندما يعضه زومبي آخر. أي أنه يمكننا اعتبار ذلك مرضاً يمكن أن ينتقل عن طريق ملامسة الدم، أو فيروساً ينتقل عن طريق اللدغات. حتى الآن ليس هناك شيئاً غريباً. وخير مثال على ذلك هو داء الكلب[2]، وهو مرض فيروسي ينتقل إلى الإنسان عن طريق تعرضه للعض من قبل بعض الحيوانات مثل الكلاب والخفافيش والراكون، وتبلغ نسبة الوفاة فيه 99%. ويصيب داء الكلب الجهاز العصبي المركزي ومن أعراضه الحمى والصداع والحركات العنيفة والتهيج اللا إداري ونوبات من الجنون وفي النهاية الموت.

يمكن أيضاً أن تنتقل العديد من الأمراض بين إنسان وآخر عن طريق العض مثل التهاب الكبد وحتى فيروس نقص المناعة البشرية. لذلك فإن انتقال الأمراض عن طريق العض هو أمر محتمل حدوثه، وإذا كان هناك وجود لفيروس الزومبي يمكن أن ينتقل بشكل مثالي عن طريق الاتصال بالدم من خلال اللدغات. وهنا نصل إلى المفهوم الأكثر صعوبة.

لقد رأينا بالفعل أن انتقال المرض عن طريق لدغات الإنسان أمر ممكن، ولكن الآن علينا أن ندافع عن فكرة أن فيروساً – نقول فيروساً لأن هذا ما تتضمنه الأفلام في العادة – قد وصل الدماغ وسيطر على جهازك العصبي وحولك إلى مخلوق غير إنساني متعطش للدماء. لا يبدو أنه أمر مستبعد لأننا رأينا مثال على ذلك في الطبيعة – داء الكلب.

النمل الزومبي

هناك بعض النمل يعيش في أعالي أشجار الغابة في تايلاند، ولكن سوء حظه يتعايش مع نوع من الفطريات يعرف باسم “أوفيوكورديسيبس”[3]. عندما يتكاثر هذا الفطر، يطلق الأبواغ – شكل من أشكال الخلايا – التي تنتقل عبر الهواء. خلال هذه الرحلة، قد يكون من سوء حظ نملة من هذا النمل أن تصطدم بهذه الأبواغ وتبتلعها عن طريق الخطأ. وفي هذه اللحظة يبدأ شيء يبدو وكأنه من الخيال العلمي.

تنتقل أبواغ الفطريات بمجرد دخولها جسم النملة، إلى جهازها العصبي المركزي. وفي تلك اللحظة تسيطر على سلوك النملة تماماً. يبدو هذا مثل “الزومبي”، أليس كذلك؟ في البداية، تستمر النملة بحياتها الطبيعية، ولكن مع نمو الفطر وتطوره، يطلق سلسلة من المواد الكيميائية التي تتداخل مع جهاز النملة العصبي بطريقة قوية بحيث لا تستطيع التحكم في أي من سلوكياتها.

لقد تحولت النملة إلى زومبي. وعندما تصل إلى هذه النقطة، تبدأ النملة بالتجول بلا هدف (مثلما يفعل الزومبي في الأفلام) وتصاب بسلسلة من النوبات التي تؤدي إلى سقوطها من الأشجار. وهذا ما يريده الفطر، لأن التربة الرطبة والأكثر برودة هي الأفضل لنمو هذه الفطريات. عند هذه النقطة يقتل الفطر النملة ويبدأ في التطور لإنتاج أبواغ تعيد إصابة نملة أخرى بالعدوى. إذن، هل الزومبي موجود في الطبيعة؟ نعم. لذلك، فإن انتقال مرض الزومبي من خلال اللدغات بين الناس ووجود مسببات الأمراض التي تتحكم في الجهاز العصبي المركزي أمر معقول تماماً. وبهذا المعنى، فإن الزومبي شيء ممكن حدوثه بالفعل.

هل الزومبي حقيقي؟

ذلك يعتمد على ما تقصده بالزومبي. فإذا كانت فكرتك عنه هي فكرة الموتى الأحياء كما صورته الأفلام فلا وجود لهم. وقد تعرفنا بالفعل على السبب. أما إذا اعتبرناه كائناً حياً أصيب بعدوى في الجهاز العصبي المركزي بواسطة أحد مسببات الأمراض (بكتيريا أو فيروس أو فطر) وسيطر على سلوكه، فنعم يمكن أن يوجد الزومبي. ومن الممكن أن يكون الفيروس أو الفطريات التي تنتقل عن طريق الدم من خلال اللدغات قد وصلت إلى الدماغ وغيرت كيمياءه بطريقة جعلت الإنسان يفقد هويته ولا يستطيع السيطرة على أفعاله.

ومن الممكن أن يكون العامل الممرض مثل فطر النمل الذي يريد الوصول إلى النباتات لتوليد الأبواغ، من أجل التوسع والانتشار. حيث يغير سلوكنا بطريقة تجعلنا نرغب في العض والتكاثر – أكل أشخاص آخرين. وبالتالي سيكون سلوك أكل لحوم البشر للزومبي بمثابة استراتيجية بقاء للفيروس أو الفطريات المسؤولة عن المرض، حيث يضمن ذلك وصوله إلى أجسام جديدة لإصابتها. وبهذا المعنى، يمكن أن يوجد الزومبي في الحقيقة.

مراجع

[1] Physiology, Adenosine Triphosphate.

[2] What are the signs and symptoms of rabies?

[3] How a parasitic fungus turns ants into ‘zombies’.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!