مسلسل Dekalog: الوصية الأولى “لا يكن لك آلهة أخرى”

You are currently viewing مسلسل Dekalog: الوصية الأولى “لا يكن لك آلهة أخرى”
تحليل الحلقة الأولى من مسلسل Dekalog

مسلسل Dekalog أو الوصايا العشر هي سلسلة مكونة من 10 أفلام درامية أخرجها وشارك في كتابتها المخرج البولندي العظيم كريستوف كيسلوفسكي، وهي عبارة عن نسيج متشابك رائع من الفلسفة، والتردد الأخلاقي، والشعور الإنساني الذي يجسد تفوق وقوة التعبير السينمائي على الكلمة المكتوبة. في السطور التالية نسجل ما ينتج عن تجربة هذه التحفة. ونقول تجربتها لأن أفلام كيسلوفسكي لا تُرى بل يتم تجربتها؛ فإلى تجربة الحلقة الأولى من سلسلة Dekalog بمزيد من التفصيل.

الوصية الأولى

تتمحور الحلقة الأولى من مسلسل Dekalog أو الوصايا العشر حول الوصية الأولى “أنا الرب، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي”. وتدور قصة الحلقة حول كريستوف، وهو أستاذ جامعي شاب يعيش بمفرده مع ابنه بافيل البالغ من العمر 11 عاماً في أحد المجمعات السكنية بعد موت زوجته. تعتني بالطفل عمته إيرينا عندما يكون والده مشغولاً في عمله بالجامعة.


العلم والإيمان

بافيل هو طفل موهوب فكرياً، وعلى الرغم من عدم وجود الأم إلا أنه يتمتع بعلاقة حيوية ورائعة مع والده وعمته. إنه طفل مثالي يعامله والده كشخص بالغ، ويلعب معه بصبر الألعاب الفكرية على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهما، ويشارك ابنه أفكاره بصدق. ولكن هناك اختلاف في نظرة كلا من والده وعمته للحياة والموت. فكريستوف شخص حداثي مثقف ومتشكك وعقلاني، ولا يؤمن سوى بالعلم الحديث والتحقق التجريبي. بينما إيرينا أكثر تقليدية، وتعتقد أن هناك حدوداً لما يمكن أن يفسره العلم.

ذات يوم ينزعج الطفل بافيل بعد رؤية كلب ميت في الحي، ويسأل والده عن الموت – ماذا يحدث عندما نموت؟ يجيبه والده بصدق قائلاً: “يحدث الموت عندما يتوقف القلب عن ضخ الدم، ومن ثم تتوقف جميع أعضاء الإنسان في النهاية فيموت”. يسأله الطفل مجدداً: “وماذا يبقى من الإنسان؟” فيجيبه أن الشيء الوحيد الذي يستمر هو ذكرى ذلك الشخص. وعندما يعود الطفل لسؤاله عن الروح الأبدية، يجيبه والده بأن فكرة الروح مجرد خيال يريح بعض الناس مثل العمة إيرينا.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Three Colors: Blue: الهروب إلى الحرية

إعادة اختراع الإنسان

الحلقة الأولى من مسلسل الوصايا العشر لكريستوف كيسلوفسكي
مشهد من الحلقة الأولى

من خلال هذا الحوار نفهم طبيعة الواقع – أي ما هو موجود – بالنسبة لكريستوف هو ما يمكننا فهمه والتحكم فيه، والتعبير عنه باستخدام المنطق العلمي، وكل شيء آخر يجب أن يكون موضع شك. وهو يتبنى الموقف السائد للفلسفة التحليلية الحديثة. يناقش كذلك كريستوف في محاضرة لاحقة – يبدو أن مجاله هو لغة الحاسب – الصعوبة الكبيرة في التعبير عن جميع الارتباطات الثقافية المتنوعة للناس، أي ما وراء المعنى بالنسبة للغة. ويتوقف قرب نهاية محاضرته ويتكهن بأن مع التقدم التكنولوجي وتطوير خوارزميات الحاسب والذكاء الاصطناعي يمكن للبشر تطوير جهاز كمبيوتر يحاكي الإنسان، ويتمتع كذلك بتجارب جمالية. يعبر الأستاذ الجامعي في هذه المحاضرة عن اعتقاده بأن الفكر والخبرة البشرية لا تختلف عن عمليات الكمبيوتر الرقمي، وبالتالي من الممكن إعادة اختراع الإنسان باستخدام العلم والتكنولوجيا.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Three Colors: White: المساواة بطعم الانتقام

العالم لا يمكن التنبؤ به

يريد بافيل ذات يوم من أيام الشتاء الثلجي تجربة زلاجاته الجديدة على البحيرة المتجمدة. يوضح له والده كيف يمكن لبرنامج الكمبيوتر الخاص بالنمذجة الرياضية تحديد ما إذا كان الجليد الموجود في البحيرة سيكون سميكاً بدرجة كافية للسماح بالتزلج الآمن. ويخبره بأن ذلك يعتمد على قياس درجة الحرارة خلال اليوم وأمس وأول أمس للتنبؤ بما سيحدث في الغد. ويطلب منه الاتصال بهيئة الأرصاد الجوية لمعرفة درجات الحرارة المطلوبة. ثم يدخل الدرجات على برامج الحاسب ليتنبأ بدرجة الحرارة وتأثيرها على الجليد في البحيرة. وقد أشار البرنامج إلى أن الجليد سيكون آمناً في ذلك اليوم. ومن أجل مزيد من الحرص خرج كريستوف في الليل ليختبر الجليد بوزنه قبل أن يذهب طفله.

لكن العالم لا يمكن التنبؤ به دائماً، حتى مع وجود قوانين الفيزياء في متناول اليد. ففي إحدى الأمسيات، يعمل الحاسب الآلي الخاص بالأستاذ الجامعي من تلقاء نفسه دون سبب واضح. وبينما يعمل كريستوف على مكتبه يلاحظ وجود بقعة زرقاء غامضة تنتشر عبر الصفحة. وقد اتضح أن زجاجة الحبر المجمدة تشققت بشكل غير متوقع. وأخيراً يحدث الشيء غير المتوقع على الإطلاق بشكل مأساوي.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Three Colors: Red: نهاية ساحرة لملحمة فريدة من نوعها

الذكرى فقط هي التي تستمر

عندما يخرج بافيل بمفرده للتزلج على الجليد، فإنه لا يعود. لقد كُسر الجليد الموجود على البحيرة، وسقط فيه الطفل فمات، مع العلم بأن قوانين الفيزياء تشير إلى أنه لا ينبغي أن يحدث ذلك، لكنه حدث. يغطي الثلث الأخير من الحلقة الأولى من مسلسل Dekalog رد فعل كريستوف على هذه المأساة التي لا يمكن فهمها وما تفعله به. ولا يشتمل السرد العظيم على الأحداث الخارجية التي تحدث فحسب، بل يشمل أيضاً أهداف وخطط ورغبات العناصر المشاركة في هذا السرد. ففي هذه القصة، تكون الأحداث الخارجية واضحة وبسيطة في الأساس، لكن الاهتمام السردي وجماله يكمن في كيفية فهمنا للتطلعات والخطط والتكيفات التي قدمها بافيل وكريستوف وإيرينا لتلك الأحداث الخارجية.

قد يشير التفسير الساذج لهذه القصة إلى أن الله عاقب كريستوف لانتهاكه الوصية الأولى ووضع إيمانه بالعلم قبل الله. لكن من المؤكد أن قصة الفيلم أعمق من ذلك بكثير، وفي الحقيقة يسخر الفيلم من هذه النظرة التافهة للواقع والحياة. وبدلاً من تلك النظرة البسيطة، يواجهنا سرد الفيلم بالوحدة المأساوية والقدرية غير المفهومة لوجودنا. ليس هناك مفر، وكل من كريستوف وإيرينا، بوجهات نظرهما المتناقضة، غارقان في الخسارة. ولا يملك أي منهما إجابة، ونحن نتشاطر الاعتراف بأننا جميعاً عاجزون بنفس القدر. وكما أشير إليه في التسلسل الافتتاحي للحلقة، فإن الذكرى فقط هي التي تستمر.

اترك تعليقاً