تحليل فيلم Three Colors: White: المساواة بطعم الانتقام
فيلم Three Colors: White هو الجزء الثاني من ثلاثية الألوان للمخرج البولندي كريستوف كيشلوفسكي. يتعامل المخرج في هذا الفيلم مع موضوع المساواة من خلال قصة حب وانتقام ممزوجة بالطموح والرغبة والحزن والكآبة والبرودة. في السطور التالية نتعرف على قصة الفيلم ثم نستعرض تحليل فيلم Three Colors: White بمزيد من التفصيل لنكشف عن رمزيات هذه التحفة الفنية.
يمكنك الاطلاع على تحليل الجزء الأول عبر هذا الرابط: تحليل فيلم Three Colors: Blue: الهروب إلى الحرية
معلومات عن فيلم Three Colors: White
- البلد: فرنسا | بولندا | سويسرا.
- اللغة: البولندية | الفرنسية | الإنجليزية.
- تاريخ الإصدار: 10 يونيو 1994.
- المخرج: كريستوف كيشلوفسكي.
- الكاتب: كريستوف كيشلوفسكي | كريستوف بييسيفيتش | أغنيس هولاند.
- وقت العرض: 92 دقيقة.
- النوع: دراما | كوميدي | رومانسية.
- التصنيف: (R) للكبار فقط | يحتوي على مشاهد فاضحة.
- فريق التمثيل: زبيغنيو زاماتشوفسكي | جولي ديلبي | يانوش جاجوس.
- التقييم: 7.6.
قصة فيلم Three Colors: White
تدور أحداث الفيلم حول كارول وهو مصفف شعر بولندي يعيش في فرنسا. كارول متزوج فرنسية تدعى دومينيك، وقد تزوجه قبل ستة أشهر من وجوده في المحكمة بعد أن رفعت عليه دعوى طلاق نظراً لعجزه الجنسي. تحكم المحكمة الفرنسية لصالح الزوجة وتحصل على الطلاق وعلى جميع أمواله وممتلكاته.
حاول كارول الحصول على أمواله من خلال بطاقته الائتمانية لكن تم تجميد جميع أمواله، لذا لم يجد مكان يبيت فيه ليلته سوى في صالون التجميل الذي حصلت عليه الزوجة بعد أن اكتشف أن مفاتيحه لا تزال في جيبه. في الصباح تتفاجأ الزوجة بوجوده نائماً داخل الصالون. يوضح لها أنه مازال يحبه بجنون، وعندما يقترب منها يظهر عجزه مجدداً.
تحاول دومينيك أن تحرق الصالون، ثم تبلغ الشرطة وتتهمه بمحاولة الانتقام منها، لذا يفر كارول هارباً. ينتهي به المطاف في محطة مترو أنفاق. يجلس هناك ليعزف الموسيقى ليكسب لقمة عيشه. يلتقي في المحطة بميكولاج وهو بولندي سيحاول مساعدته على العودة إلى بولندا. يخبره ميكولاج أن لديه فرصة عمل سيكسب منها الكثير من المال.
كانت تلك الفرصة هي قتل شخص يريد الموت، لكنه لا يرغب في الانتحار، وفي المقابل سيدفع مبلغاً مالياً كبيراً لمن يوافق على قتله. يرفض كارول هذا الأمر، ويخبر ميكولاج أن بإمكانه النوم في حقيبة السفر في حين يحملها معه إلى بولندا. يوافق على هذه الفكرة ويصل إلى وطنه في النهاية.
العودة من جديد
يبدأ كارول هناك في استعادة حياته مجدداً، وعمل كحارس أمن لدى سمسار. وقد سنحت له فرصة يمكن أن يحصل من خلالها على أموال ضخمة لكنه يحتاج إلى رأس مال. لذا يقرر الذهاب إلى ميكولاج ويخبره بموافقته على قتل الرجل. وفي الميعاد المحدد يظهر ميكولاج أمام كارول ويخبره أن هذا الرجل الذي يريد الموت هو ميكولاج نفسه، وبعد أن يتم المهمة سيجد المال في سترته. يخرج كارول مسدساً ويوجهه إلى قلب الرجل ويسأله للمرة الأخيرة هل هو متأكد فيجيبه بنعم. يطلق رصاصة لكنها فارغة، يسأله مجدداً عن جديته فيخبره أنه لا يعرف. ومع ذلك يترك له المال.
يمارس كارول العديد من الاحتيالات ويكسب الكثير من الأموال، ثم يؤسس شركة تجارية مع ميكولاج، ومن أجل المساواة يضع خطة للانتقام من زوجته السابقة. وبمساعدة البعض استطاع الحصول على جثة رجل وتزوير شهادة وفاته وترك وصية كتب فيها كل أمواله إلى زوجته السابقة. وعندما أتت الزوجة إلى جنازته بعد أن علمت بموضوع المال يتم القبض عليها وتودع في السجن لاتهامها بقتله.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Portrait Of a Lady on Fire: تجربة غامضة وآسرة |
تحليل فيلم Three Colors: White
تشتهر سينما كيشلوفسكي بأنها تعج بالاستعارات والرموز، وتندمج فيها التلميحات الميتافيزيقية واللاهوتية والروحية بشكل حاذق لدرجة أن المشاهد الأقل حرصاً قد يفشل في ملاحظتها. كما تلعب الموسيقى دوراً محورياً في أفلامه. ويكمن الجمال الأساسي في بساطتها المخادعة التي تعززها وفرة من الألوان وندرة الحوار. إن أهم ما يميز سينما كيشلوفسكي هو أنها تمتص المشاهد ببطء وثبات لداخل هذا العالم البسيط والمؤلم حتى يصبح جزءاً منه. أما شخصياته الحزينة والمنعزلة تكون بمثابة المرايا للمشاهد. فهي وسيلة لمساعدة المشاهد على معرفة حماقاته الحقيقية وهو منغمس في عاصفة من المشاعر البشرية تمهد الطريق للتنفيس. فيلم Three Colors: White يحتوي على جميع العناصر التي أشرنا إليها وهي العناصر التي تجعل خلف هذه البساطة الغريبة يكمن عمل عميق للفن السينمائي يشهد على عبقرية كيشلوفسكي الإبداعية كمخرج أفلام.
فيلم Three Colors: White هو الجزء المركزي من ثلاثية شهيرة لواحد من أعظم المخرجين في تاريخ السينما. وقد شكلت الألوان الثلاثة علم فرنسا “الأزرق والأبيض والأحمر” وترمز هذه الألوان إلى شعار الثورة الفرنسية الحرية والمساواة والأخوة. يقوم كيشلوفسكي في هذه السلسلة بمحاكمة هذه الشعارات الثلاثة ويحللها، لذا تسود النغمة المظلمة والمتشككة في أفلامه.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم The Banshees of Inisherin: دوامة لا يمكن إيقافها |
المساواة مجرد وهم
هذه القصة ليست عن المساواة بل بالعكس هي عن إنكار المساواة. حيث يشير مفهوم المساواة إلى أننا جميعاً متساويون، وهذا الأمر غير صحيح، فالفوارق الفردية كانت ولا تزال موجودة بين البشر، لذا فإن فكرة المساواة بين الجميع مجرد وهم. ولكن يجب أن تكون هناك عدالة وهو مفهوم مغاير تماماً عن مفهوم المساواة. وهذا هو ما فكر به كيشلوفسكي في الجزء الثاني من ثلاثية العلم الفرنسي: الأبيض.
إن ما يميز هذه السلسلة أنه يمكن مشاهدة كل فيلم منها بشكل مستقل عن الأفلام الأخرى. لكن اعتقد أن من الأفضل رؤيتها بالترتيب، فبهذه الطريقة يكون من الواضح للمشاهد كيف تتغذى الأجزاء الثلاثة على بعضها البعض، وتترابط فيما بينهم. ربما يرتبط كل لون من الألوان بمفهوم معين إلا أن المفاهيم الثلاثة الحرية والمساواة والأخوة موجودة في الألوان الثلاثة.
تقدم هذه القصة زوجين كارول ودومينيك، أحدهما بولندي والآخر فرنسي. وفي بداية فيلم Three Colors: White نكتشف أنها علاقة غير متكافئة. حيث يحكم القاضي بفصل الزوجين، نعم هناك مساواة في فرنسا ولكن إذا كنت فرنسياً. لذا فإن كارول في الشارع ليس لديه جواز سفر وليس لديه مال والشرطة تبحث عنه، ولا يمكنه العودة إلى بولندا. بينما دومينيك الفرنسية تمارس هيمنتها عليه إلى حد كبير نظراً لأنها فرنسية في بلدها وبالتالي تحصل على حماية أكبر من كارول.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم The Handmaiden: عالم من الكوابيس المثيرة |
الحرية والأخوة
في هذا الجزء يتداخل كذلك مفهومي الحرية والأخوة. بالنسبة لمفهوم الحرية، فهناك مشهد تحاول فيه جولي – جولييت بينوش – الدخول إلى قاعة المحاكمة، ويرفض دخولها حارس الأمن. هنا يجعلنا كيشلوفسكي نرى أن كلا القصتين يشتركان في التسلسل الزمني وفي نفس الوقت.
من ناحية أخرى نجد مفهوم الأخوة الذي يمثله اللون الأحمر في الجزء الثالث، حينما يقضي كارول ليله في محطة المترو يلتقي بميكولاج – يانوش جاجوس – الذي يرتدي وشاح أحمر، وهو الشخص الذي سينقذه ويعيده إلى بولندا. لا يشتمل الأمر على اللون فحسب، بل هناك علاقة الأخوة التي تربط بين الاثنان فيما بعد. وبهذه الطريقة، ترتبط الأفلام الثلاثة تماماً ببعضها البعض. هذا على الرغم من أن المساواة هي الموضوع الرئيسي للأبيض، إلا أن الأخوة والحرية واضحة جداً في هذا الجزء.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Revanche: متعة سينمائية مثيرة ومحفزة للفكر |
اللون الأبيض
كما حدث رأينا مع اللون الأزرق في الجزء الأول نرى هنا اللون الأبيض بوضوح في هذا الجزء فهو بمثابة أداء سردية شديدة الأهمية. ففي باريس على الرغم من أن كل شيء رمادي قاتم، ويبدو أنه لا يوجد أمل، وما هو مفقود حقاً هو المساواة، إلا أننا نجد اللون الأبيض حاضراً وبقوة في فستان زفاف كارول، والحمام الأبيض المنتشر في كل مكان. وبمجرد الوصول إلى بولندا نجد كارول محاط باللون الأبيض في كل مكان بداية من الثلوج البيضاء لدى وصوله. هذه هي الطريقة التي يوضح بها كيشلوفسكي الاختلافات بين مكان وآخر. ففي بولندا يظهر اللون الأبيض بوضوح شديد لأنه كارول في منزله وبين أقرانه. للغاية لشرح الاختلافات بين مكان وآخر. كارول في المنزل، حيث يمكنه التحرك بين أقرانه.
هناك مشهد آخر يجب الإشارة إليه هو مشهد تزلج كارول وميكولاج على الثلوج، ففي ذلك المشهد نجد أن ميكولاج يرتدي وشاحاً أزرق لأن كلاهما مثل طفلين يستمتعان دون التفكير في العلاقات، وهو يرمز إلى الحرية – كما أشرنا أن الألوان تتداخل.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم A Hidden Life: ملحمة وجودية عن الإنسانية والجمال |
العملة المعدنية
تمثل العملة قصة حب كارول الشديد لدومينيك، وطوال وجودها معها لم ينس كارول زوجته السابقة. إنه يحبها لكن عدم التكافؤ هو ما يحول بينهما، والعملة هي ما تفكره دوماً بعلاقته معها. لذا يحتفظ بها، إلا إنه لدى وصوله إلى بولندا يحاول التخلص منها ولا يستطع، فلقد التصقت في راحة يده. ومن هذه اللحظة أصبحت العملة تميمة لكارول. وفي كل مرة تظهر هذه العملة سيعرف المشاهد أن دومينيك مازالت موجودة في حياته.
مفارقة المساواة
تمكن كارول من إعادة بناء نفسه في بولندا، وأصبح ثرياً، لذا يحاول الاتصال بزوجته السابقة لكنها ترفض اتصاله. ومن أجل جعلها تأتي إلى بولندا يتظاهر بالوفاة ويكتب لها أمواله في الوصية كي يضمن أنها ستأتي، وبالفعل تأتي ولكن بعد أن يكون قد ألقى العملة في التابوت أي أنه قد تخلص منها إلى الأبد. ومع ذلك يذهب إلى فندقها ليمارس معها الجنس، وفي ذلك الوقت لا يبدو كارول عاجزاً لأنهما الآن أصبحا في نفس المستوى. وينتهي الأمر بدومينيك في السجن في بولندا لأن لا وجود للمساواة لها خارج بلدها، أي بين الأشخاص الذين لا تعرف لغتهم.
المشهد الأخير في فيلم Three Colors: White عبارة عن جمال بسيط ولكنه ساحق. حيث يذهب كارول إلى السجن، ومن الخارج يرى دومينيك تقف أمام أحد النوافذ. إنها تراه، وتحاول من خلال الإيماءات أن تطلب منه أن تكون زوجته مرة أخرى، ليتخلص كارول من دموعه. فالآن بعد أن أصبحا متساويين لا يمكنهما أن يكونا معاً.
المساواة هي مفهوم متقلب، مزعج، بعيد المنال. يتحدث كيشلوفسكي عن عدم المساواة مع الشخص الذي يهاجر إلى بلد آخر، وعدم المساواة بين الأزواج، ويعيد التأكيد بأننا لسنا متماثلين وأن هذا المفهوم يخضع لأكثر من متغير واحد.
اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Stalker: رحلة إلى عالم الإنسان المجهول |
الرأسمالية
إن هجوم كيشلوفسكي على الرأسمالية هو أمر نراه بوضوح في هذا الجزء، ويظهر ذلك جلياً من خلال تسليط الضوء على هوس كارول بكسب الثروات المالية، حيث يكشف أن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها قبول المرء على قدم المساواة في الإطار الرأسمالي هي من خلال وضعه الاقتصادي. هنا يوضح كيشلوفسكي أن هذا هو السبب في أن قيمة الذات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأمن المالي. حيث يتم التخلص من كارول حرفياً في سلة المهملات، عندما تم تجريده من استقلاله المالي. ولم يتم التعامل معه على محمل الجد مرة أخرى إلا بعد أن أصبح ثرياً.
لم يكن كارول سعيداً عندما لم يتمتع بنفس الوضع المالي الذي تتمتع به زوجته السابقة، وبما أن وضعها المالي كان أعلى فهي في موقع السلطة التي تجعلها تهيمن عليه وتتسلط، مما أثر على أداءه الجنسي. لكن عندما حقق المكاسب المالية، أصبح كارول هو المهيمن وبالتالي تحول أداءه وتخلص من عجزه. مما يكشف العلاقة بين الرجولة والمال التي تزدهر بها الرأسمالية.
يمتلك فيلم Three Colors: White ثروة من الأفكار والموضوعات والرموز، ويمكن للمرء أن يشاهده العديد من المرات ليكتشف أسرار وخبايا أخرى. كما يمكن تفسير الفيلم بطرق عديدة، فهو فيلم عن المساواة والانتقام والمال والجنس والزواج. وقبل كل شيء – كما هو الحال في جميع الأفلام الأخرى في هذه الثلاثية – الحب.
يمكنك الاطلاع على تحليل الجزء الثالث عبر هذا الرابط: تحليل فيلم Three Colors: Red: نهاية ساحرة لملحمة فريدة من نوعها