كيف تبدأ قراءة الشعر؟
الشعر هو نوع أدبي يتردد القراء في سبر أغواره، نظراً لتعقيده وعمقه، ولأنه يتطلب درجة عالية من الحساسية، فضلاً عن الانتباه لالتقاط الرسالة المخفية بين الأبيات. وقد ساهمت نظم التعليم في عزوف الطلاب عنه، لأنها تركز في دراسته بشكل أساسي على الأجزاء الفنية من النص، بدلاً من التركيز على المشاعر التي تستحضرها القصائد لدى من يقرأها. في المقال التالي نحاول الإجابة على سؤال: كيف تبدأ في قراءة الشعر؟ كي لا يفوت القارئ على نفسه متعة أدبية لن تضاهيها متعة.
قراءة الشعر ليست مجرد تحريك لسانك بالكلمات وغنائها، فهو يتطلب جهداً من جانب القارئ، حيث يجب أن يتوقف عند كل كلمة لكشف معناها الحقيقي. ويحتاج في الوقت ذاته إلى أن ينساب مع إيقاع الأبيات ولحنها وقافيتها لالتقاط جمالها. وكما يُقال دائماً أن كل جهد له مكافأته، وقراءة الشعر تستحق من القارئ استثمار وقته وجهده في اكتشافه، فهي رحلة لن تندم عليها مطلقاً.
اذهب إلى الندوات الشعرية
لا يوجد مكان أفضل لبدء التواصل مع الشعر من حضور حفلة شعرية مليئة بالناس الذين يشعرون بشغف شديد لسماع الأشعار. وعلى الرغم من أنك لم تكن أبداً من المعجبين بهذا النوع من الأدب، إلا أن هناك العديد من الأشخاص يعشقون الشعر، ويكتبونه وبإمكانهم نقل ما لا حصر له من المشاعر خلال قراءة الشعر وإلقائه، سواء كانت القصائد خاصة بهم أو بشعراء آخرين. ابحث عن هذه الأحداث الثقافية القريبة من مكان سكنك. وتجرأ على تجربة لحظة فريدة يمكنك فيها التخلي عن نفسك لقوة الكلمات. وفي حالة عدم وجود مثل هذه الندوات يكفيك البحث عن مقاطع فيديو للحفلات الشعرية عبر اليوتيوب.
استمع إلى القصائد التي أصبحت أغاني
لطالما ارتبطت الموسيقى والشعر ارتباطاً وثيقاً. فما الأغنية سوى مجموعة من الأبيات مصحوبة بلحن وصوت مطرب؟ إن الاقتراب من الموسيقى طريقة رائعة لتذوق الشعر. وهناك العديد من القصائد التي حولها عدد من المطربين الكبار إلى أغنيات لا تزال تحتفظ برونقها وقوتها. على سبيل المثال يمكنك البدء بالاستماع إلى القصائد التي غناها المطرب العراقي كاظم الساهر أو المطربة اللبنانية ماجدة الرومي. وإذا كنت تفضل القديم فهناك قصائد غنتها فيروز ونجاة وبعض كبار المطربين العرب.
اقرأ أيضًا: تصنيف أنواع القراءة واستخداماتها المختلفة |
ابحث عن نوع الشعر الذي يعجبك
بمجرد اتصالك بالشعر من خلال الحفلات والموسيقى، فقد حان الوقت لقراءته بنفسك. وكما هو الحال مع أي نوع آخر، كلما قرأته، سيكون من الأسهل اكتشاف ما يعجبك وما لا يعجبك. لكن من الضروري أن نبدأ من مكان ما، وبالطبع لا يمكنك البدء بالشعر الجاهلي فلن تستوعبه في البداية. وستشعر حينها بمدى صعوبة الأمر مما يؤدي بك إلى التخلي عن القراءة. لذلك يمكنك البدء ببعض الشعر المعاصر مثل قصائد نزار قباني أو أحمد مطر أو حافظ إبراهيم أو أحمد شوقي أو بدر شاكر السياب وغيرهم. ثم بعد أن تخوض هذه الرحلة مع هؤلاء الشعراء يمكنك الانتقال إلى مستوى أعلى وصولاً إلى الشعر الجاهلي.
اقرأ سيرة الشاعر
الآن بعد أن أجريت بعض الأبحاث حول جميع أنواع الشعر التي يمكنك الانغماس فيها، اختر شاعراً لفت انتباهك، أو أثار اهتمامك لسبب أو لآخر، ثم ابدأ بدراسته بعمق أكبر من خلال قراءة سيرته الذاتية، لمعرفة الأحداث والتجارب التي مر بها في حياته حتى تتمكن من فهم قصائده بعمق. اكتشف في أي عصر ولد وأين ولد. وكيف كانت الأسرة التي ربته. من أين أتى حبه للشعر. ما هي دوافعه الرئيسية في الحياة، ما الذي يقلقه، ما الذي درسه، ماذا الدوائر التي يتردد عليها … اعرف كل شيء عنه، سيسمح لك هذا الأمر بالتعمق في أعماله الشعرية بسهولة أكبر، لأن قراءة أشعاره ستكون مثل القراءة عن حياته وطريقته في رؤية العالم.
اقرأ أيضًا: قصة نهج البردة للبوصيري: أصل تسمية جميع قصائد مديح الرسول |
اختر قصيدة
أنت تعرفت بالفعل على حياة ذلك الشاعر، لذا حان الوقت لإلقاء نظرة على إنتاجه الشعري. وبالطبع بعد قراءة سيرته الذاتية ستكون على علم بدواوينه الشعرية. يمكنك اختيار الديوان الذي يجذب انتباهك أكثر من غيره للبدء في قراءته. أو ربما تذهب إلى أبعد من ذلك من خلال التحقق من قراءة كل ما كتبه في مراحل حياته المختلفة. فلقد مر العديد من الشعراء بمراحل مختلفة وأصبحوا مهتمين بتيارات أدبية مختلفة. انظر إلى عناوين الدواوين ودع حدسك يرشدك.
اقرأ بعناية وركز على ما تشعر به
نعيش في عصر السرعة والملهيات، لكن قراءة الشعر لا تتناسب مع السرعة بل هي تذوق في حقيقة الأمر، فلا تأكل أكثر مما تستطيع بلعه. إن أحد أسباب عدم رؤية الشعر بعيون جيدة من قبل العديد من القراء هو أنه يذكرنا بالمدرسة، لأنه خلال سنوات الدراسة كنا نتعلم المزيد عن الاستعارات والتشبيهات والرمزيات. لقد قمنا بتحليل القصيدة بالتفصيل وتشريحها، كي نستطيع الإجابة في الاختبار. لكن الآن الأمر مختلف، فنحن نريد الانغماس في هذا النوع الأدبي والاستمتاع به. لذا من المهم أن تجرؤ على قراءة القصيدة بهدوء وتسمح لنفسك بالانغماس في كلماتها دون التفكير في أي شيء آخر. وبعد القراءة عليك في سؤال نفسك: ما الذي أثارك في هذه القصيدة؟ هل لها نبرة سعيدة أم حزينة؟ وهل تفهم ما رغب الشاعر في إيصاله؟ هل أعجبتك طريقته في رواية القصة؟
اقرأ أيضًا: قصة عمر الخيام ورباعيات صمدت أمام اختبار الزمن |
اقرأ القصيدة بصوت عالٍ
لقد قرأت القصيدة بالفعل، وشعرت بكل أبياتها ووقعت في حب كل كلمة، لذا لا توجد طريقة أفضل لإنهاء استيعابها من جعلها تنبض بالحياة بصوتك. جرب أن تقرأها بصوت عالِ مع التوقفات وبالنبرة التي شعرت بها في كل مقطع، جرب العديد من المرات وغير طريقتك في كل مرة، وبهذه الطريقة سوف تتذوق الشعر وتتقن تلاوته وربما ينتهي بهذا الأمر أن يكون طريقة جديدة للتعبير عن نفسك. يمكنك كذلك قراءة الشعر وتسجيل صوتك بالصوت أو الفيديو ومراقبة نفسك من الخارج، وسوف تتفاجأ بما تشعر به.
افتح عقلك واستكشف أنواع أخرى
إن الأمر بسيط، كل ما عليك فعله هو أن تمنح الشعر فرصة، حيث مال القراء إلى الابتعاد عن هذا النوع طويلاً. أما الآن وبعد أن اكتشفت وتذوقت وعرفت ما يمكن أن تقدمه لك قراءة الشعر فإن أفضل شيء يمكنك القيام به هو السير على نفس المضمار مراراً وتكراراً. تعرف على الشاعر واستكشف أعمال الشعرية، واختر مجموعة من قصائده وابدأ في تذوقها قطعة قطعة. بينما في غمضة عين سيكون أمامك عالم شاسع يعج بالثروة والقيمة التي سترغب في الحصول عليها.