أدب

أدباء مشاهير عانوا من الاكتئاب

الاكتئاب هو اضطراب نفسي يأكل الإنسان من الداخل، ويمنعه من عيش حياته بشكل طبيعي. ولقد عانى العديد من الكتّاب عبر التاريخ من هذا الاضطراب اللعين، حتى وصل ببعضهم الأمر إلى الانتحار. هذا الأمر أثار اهتمام علماء النفس الذين حملوا على عاتقهم دراسة العلاقة بين الإبداع وعدم الاستقرار العقلي. في السطور التالية نتعرف على أدباء عانوا من الاكتئاب ومع ذلك قدموا أعمالاً خالدة في تاريخ الأدب.

ما هو الاكتئاب؟

قبل المضي قدماً في التعرف على هؤلاء الكتّاب علينا في البداية إلقاء الضوء على الاكتئاب وأعراضه لنحصل على فكرة واضحة عما شعر به الكتّاب من معاناة. يشير الدليل المرجعي لعلماء النفس أن هناك العديد من أعراض الاكتئاب. ولعل أهمها المزاج الحزين معظم اليوم وكل يوم تقريباً، وانخفاض الاهتمام أو المتعة في القيام بالأنشطة، وزيادة الوزن أو فقدانه، والأرق، والإرهاق المستمر، والشعور بعدم القيمة أو الذنب، وضعف القدرة على التفكير أو التركيز أو اتخاذ القرارات. كل هذه الأعراض تسبب انزعاجاً كبيراً وتؤثر على العلاقات الاجتماعية أو العمل بشكل كبير.

وهنا ينبغي علينا التفرقة بين الاكتئاب والحزن. فلا يمكن مقارنة كونك حزيناً في يوم من الأيام بأنك تعاني من الاكتئاب. ومن الضروري توضيح ذلك نظراً لأن الصورة الشائعة لدى البعض أن الاكتئاب والحزن على المستوى نفسه، وهذا أمر مغلوط. وإذا أمعنا النظر في أعراض الاكتئاب التي ذكرناها آنفاً ندرك مدى معاناة الأدباء يومياً عند كتابة أعمالهم. ولك أن تتخيل أن يعاني كاتب من مثل هذه الأعراض، ويجلس أمام ورقة بيضاء ليكتب لنا أعظم الأعمال في تاريخ الأدب. إنها بلا شك واحدة من أصعب المهام التي يمكن للمرء القيام بها.


الكتاب الذين عانوا من الاكتئاب

عانى من الاكتئاب العديد من الأدباء المشاهير على مدار التاريخ. وربما استطاع بعضهم التعامل مع أعراضه والمضي في دربهم، لكن البعض الآخر لم يكن لديه القوة الكافية للتعامل معه، وانتهى بهم الأمر في النهاية إلى الانتحار. ولسوف نستعرض نماذج من هؤلاء وهؤلاء حتى يتسنى لنا التعلم من تجارب حياتهم.


ليو تولستوي

أدباء عانوا من الاكتئاب
ليو تولستوي

يعتبر ليو تولستوي أحد أهم الأدباء في تاريخ الأدب، وتدرس أعماله في العديد من أقسام الأدب في الجامعات العالمية في وقتنا الحاضر. ولعل من أشهرها روايات “آنا كارنينا”، و “الحرب والسلام” و “موت إيفان إيليتش”، وغيرها. كان تولستوي مفكراً نبيلاً وأخلاقياً يدعو إلى السلام ونبذ العنف، ويرى أن المقاومة السلمية هي الطريق الأمثل لدولة مثالية. لكن ما إن بلغ من العمر 50 عاماً حتى أصيب بالاكتئاب نتيجة لأزمة وجودية كادت أن تعصف به حتى أنه اقترب من الانتحار. وقد تجلت هذه الأزمة بشكل جلي في عمله الذي يحمل عنوان “اعتراف” وفيه كان يحاول الإجابة على الأسئلة الوجودية التي تسبب في هذه الأزمة القاسية.

دعا تولستوي إلى نبذ العنف والتخلي عن الحروب، وقدم مساعدات للفلاحين، ودافع عن حقوق الطبقات الدنيا من العمال. ونظراً لتعارض مثل هذه الأفعال مع أصله الارستقراطي قرر في النهاية الهروب من أسرته، والعيش على طريقته الخاصة. تخلى عن أمواله، وترك كل ما يملكه وحاول أن يقترب أكثر من معاناة الطبقة الأكثر فقراً، لكنه أصيب في النهاية بالالتهاب الرئوي ومات على إثره.

اقرأ أيضًا: ميشيل دي مونتين: لمحات من حياة والد المقالة الحديثة

سيلفيا بلاث

أدباء عانوا من الاكتئاب
سيلفيا بلاث

تعتبر الشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث واحدة من الأسماء التي يتردد صداها أكثر عندما نتحدث عن الاكتئاب في المجال الأدبي. كما إنها صاحبة أغرب طريقة للانتحار في تاريخ الأدب. أدت وفاة والدها عندما كانت تبلغ من العمر تسع سنوات فقط إلى إلحاق الضرر بها من الناحية العاطفية والنفسية. ولكن بدأت أعراض الاكتئاب تظهر عليها بوضوح خلال أيام دراستها الجامعية في كلية سميث في أوائل الخمسينات. والجدير بالذكر أن الشاعرة حاولت الانتحار غير ذات مرة. حيث قامت بأول محاولة للانتحار في عام 1953 وقد باءت بالفشل، وأعقبها العديد من المحاولات الأخرى.

حاولت والدتها علاجها، وأدخلتها مصحة نفسية، وهناك تلقت العلاج بالصدمات الكهربائية. وعندما تماثلت للشفاء – كما اعتقد الأطباء – أكملت تعليمها وذهبت للدراسة في جامعة كامبريدج بإنجلترا. بينما التقت في الجامعة بالشاعر تيد هيوز الذي سيصبح زوجها فيما بعد. ثم أنجبت منه أطفالاً وحاولت الحفاظ على علاقتهما على الرغم من عدم استقرارها عاطفياً وخيانات زوجها المتعددة. ولكن انتهى بها الحال بالانتحار بأغرب طريقة ممكنة. ويمكنك الاطلاع على تفاصيل حياة هذه الكاتبة عبر قراءة هذا المقال: سيلفيا بلاث: الكاتبة التي أرادت أن تكون الإله.

اقرأ أيضًا: الروايات الأكثر إثارة للجدل في التاريخ

فرانز كافكا

أدباء عانوا من الاكتئاب
فرانز كافكا

كان فرانز كافكا كاتباً عبقرياً. انبثق عن قلمه أعمالاً عظيمة مثل “المحاكمة” و “المسخ” و “في مستوطنة العقاب” وغيرها من التحف الأدبية التي لا تزال حتى يومنا الحالي علامة فارقة في تاريخ الأدب. لكن حياة فرانز كافكا لم تكن على ما يرام. حيث كان يعاني من الاكتئاب والشعور بالقلق الاجتماعي الذي أدى إلى ظهور أعراض أخرى مثل الصداع النصفي والأرق. كان كافكا خجولاً ومنعزلاً عن جميع العلاقات الاجتماعية. وربما كان السبب الرئيسي في ذلك، الاحتكاك المستمر بينه وبين والده المستبد. هذه العلاقة المتوترة انعكست في بعض كتاباته. كما كان يشعر بغيرة غير صحية تجاه أشقائه، لدرجة أنه كان يتمنى موتهم، وعندما مات اثنان منهم بشكل طبيعي شعر بالذنب.

عانى كافكا من هذه المشاعر السلبية طوال حياته، حتى أصبحت كتاباته هي الأكثر سوداوية في الأدب. وفي وقت من الأوقات شعر بعدم جدوى كتاباته، وبانعدام موهبته الأدبية، وهي عقدة دفعته إلى أن يطلب من صديقه ماكس برود أن يدمر جميع كتاباته عند موته. ولكن لحسن الحظ لم يستجيب صديقه لندائه ونشر أعماله بعد موته. وفي السنوات الأخيرة من حياة فرانز كافكا أصيب بمرض السل وضعفت صحته، فانعزل في منزل ريفي وواصل هناك الكتابة حتى مات.

اقرأ أيضًا: كاتول منديس: الكاتب الذي كتب موته

آن سيكستون

شعراء أمريكيون
آن سيكستون

تعتبر الشاعرة الأمريكية آن سيكستون صورة أخرى توضح ما يمكن أن يفعله الاكتئاب بالإنسان. ظهرت عليها أعراض الاكتئاب بعد ولادة طفلتها الأولى في عام 1954. وشخصت حالتها باكتئاب ما بعد الولادة، وبعد انهيار عصبي دخلت إلى مصحة نفسية للعلاج. خرجت بعد عام وأنجبت طفلها الثاني وعانت مجدداً من أزمة أخرى وأدخلت على إثرها المستشفى. كانت آن مصابة باضطراب ثنائي القطب، واضطرت إلى تسليم طفليها لأجدادهما. ويُقال أن ذلك حدث بعد أن حاولت الاعتداء عليهما.

شجعت طبيبها المعالج على الكتابة، وفي عام 1957 انضمت إلى ورشة شعر، وعلى الرغم من الاعتراف بموهبتها الشعرية من قبل المجتمع الأدبي إلا أن ذلك لم يخفف من آلامها، وفي يوم 4 أكتوبر 1974 ارتدت معطف والدتها، ودخلت إلى المرأب وأدارت السيارة ثم احتست كأساً من الخمر، وتركت نفسها لتتسمم بغاز أحادي أكسيد الكربون الناتج عن عادم السيارة. والجدير بالذكر أنها كانت صديقة للشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث التي انتحرت قبلها ببضعة أعوام.

اقرأ أيضًا: العادات الأكثر غرابة لمشاهير الأدباء أثناء الكتابة

إرنست همنغواي

أشهر الأدباء في التاريخ
إرنست همنغواي

عانى إرنست همنغواي الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1954 أيضاً من الاكتئاب، هذا بالإضافة إلى بعض الأمراض والاضطرابات الأخرى التي أودت به إلى الانتحار في النهاية، وهو ما حدث لوالده من قبل ولبعض أقاربه. كانت حياة همنغواي زاخرة بالأحداث، وقد اشترك في العديد من الحروب، ونجا مرتين من انفجار طائرة كان على متنها، وأدت إصابته إلى طرحه في فراشه. عانى كذلك من مشاكل نفسية مثل الذهان، ومن أجل التخفيف من انزعاجه مما يحدث له في حياته انتهى به الأمر إلى اللجوء للكحول. وفي عام 1961 أطلق النار على نفسه ليموت منتحراً.

اعتبرت الشرطة في ذلك الوقت أن انتحاره كان حادثاً، ولكن لا تزال هناك العديد من الأسرار المحيطة بالأسباب التي دفعته للانتحار. الجدير بالذكر أن همنغواي هو واحد من أعظم الكتاب الروائيين في تاريخ الأدب، ولعل أشهر أعماله “العجوز والبحر” و “لمن تقرع الأجراس” و “جنة عدن” وغيرها من التحف الأدبية.

اقرأ أيضًا: هل نصبح أكثر حكمة وشجاعة كلما تقدمنا في العمر؟

لا تتوقف قائمة الأدباء الذين عانوا من الاكتئاب على هؤلاء فقط، فهناك العديد من الأسماء الأخرى مثل مارك توين، وهيرمان هيس، وإيميلي ديكنسون، وفيرجينيا وولف، وغيرهم الكثير. لكن ما يهمنا بعد عرض هذه الحالات هو التأكيد على أهمية الصحة النفسية للجميع. وضرورة التعرف على الاكتئاب وأعراضه وآثاره المتعددة، ودعم من يعاني منه. وهذا بالضبط ما كان يحتاجه الكتاب المذكورون، والذين اضطروا لمواجهة حالة لم تعوق حياتهم اليومية فحسب، بل كانت عقبة أمام تقديم أعمالاً أخرى للبشرية.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!