الحلقة السادسة من مسلسل Dekalog: “لا تزن”

You are currently viewing الحلقة السادسة من مسلسل Dekalog: “لا تزن”
مراجعة الحلقة السادسة من مسلسل الوصايا العشر

مسلسل Dekalog أو الوصايا العشر هي سلسلة أفلام درامية من إخراج المخرج البولندي العظيم كريستوف كيسلوفسكي، وهي عبارة عن نسيج متشابك رائع من الفلسفة، والتردد الأخلاقي، والشعور الإنساني الذي يجسد تفوق وقوة التعبير السينمائي على الكلمة المكتوبة. في السطور التالية نسجل ما ينتج عن تجربة هذه التحفة. ونقول تجربتها لأن أفلام كيسلوفسكي لا تُرى بل يتم تجربتها؛ فإلى تجربة الحلقة السادسة من سلسلة Dekalog بمزيد من التفصيل.

الحلقة السادسة

تتمحور الحلقة السادسة من مسلسل Dekalog حول الوصية السادسة من الوصايا العشر “لا تزن”. وتبدو للوهلة الأولى وكأنها قصة تافهة إلى حد ما عن شاب ساذج يقع في غرام امرأة ناضجة. يعيش الشاب توميك الذي يبلغ من العمر تسعة عشر عاماً في نفس المبنى السكني الذي يجمع أبطال السلسلة. إنه شاب خجول يعيش مع أمه بالمعمودية في شقة تواجه شقة المرأة – ماجدة – ويعمل موظف في مكتب البريد. عند يحل الليل يتجسس توميك على ماجدة من نافذته باستخدام تلسكوب سرقه لهذا الغرض من مدرسة محلية. وبينما نشاركه نظراته الليلية، نرى أن ماجدة شابة جذابة وواثقة من نفسها ومنحلة إلى حد ما، تعيش بمفردها ولكن لديها العديد من العشاق الذين يقومون بزيارات متكررة. يرى توميك كل شيء من خلال النافذة الزجاجية لشقة ماجدة.

يحاول توميك الاقتراب من ماجدة بصورة أكبر، لذا نراه يبتكر بعض الحيل التي لا تنطوي على مخاطرة لقاء حقيقي. حيث يقوم بالاتصال بها في الليل دون أن يقول أي شيء عبر الهاتف. ويرسل لها إخطارات بحوالات مالية مزيفة حتى تأتي إلى مكتب البريد ليراها. ويسرق بعض رسائلها ويقرأها. ثم يحصل على وظيفة عامل توصيل الحليب في الصباح فقط حتى يتمكن من توصيل الحليب إلى شقتها. وأحياناً يتدخل بشكل أكبر في حياتها، عندما يستدعي مفتشي تسرب الغاز إلى شقتها أثناء قيامها بمضاجعة أحد عشاقها. وفي النهاية تسببت إحدى إخطارات الحوالة المالية الزائفة في جدال بين ماجدة ومدير مكتب البريد، ويشعر توميك بالذنب، ويعترف بكل شيء لماجدة. وعندما تسأله لماذا فعل كل هذه الأشياء، يجيبها لإنه يحبها.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Benedetta: العشق الممنوع خلف أسوار الدير

ماذا يعني الحب؟

مراجعة الحلقة السادسة من مسلسل Dekalog
مشهد من المسلسل

يعني الحب بالنسبة لماجدة “ممارسة الحب”، فهي لا تؤمن بما يسمى الحب الرومانسي الحقيقي. لكن حب توميك هو ذلك الحب الأفلاطوني الرومانسي البريء البعيد كل البعد عن الجنس. فليس لديه رغبات جسدية صريحة تجاه لماجدة. إنه ببساطة يحبها. رفضت ماجدة هذا الشخص الضعيف وحبه في البداية، لكنها شعرت بقليل من الانبهار فيما بعد. من الواضح أن توميك بريء وخجول للغاية بحيث لا يشكل تهديداً خطيراً لها، لذا فهي تسخر منه من خلال تغيير موضع فراشها ومحاولة ممارسة الحب مع عشيقها وهي تعلم جيداً أنه يتجسس عليها. ثم تقوم بإخبار عشيقها بذلك، يغضب الرجل ويذهب ليوجه لكمة واحدة لتوميك. أما ماجدة فينتابها شعور بالذنب.

تقبل ماجدة دعوة توميك الخجول لمقابلة في مقهى، ويتعرفان على بعضهما البعض بشكل أكبر. يخبرها توميك بكل شيء عن حبه لها، بينما تؤكد له ماجدة أنه لا يوجد شيء يسمى الحب. وتشعر بالتعاطف معه وتحاول جذب الفتى إلى نوع الحب الذي تعرفه هي، لكن يهرب توميك في حالة ذهول ويحاول قطع شرايينه. هنا تنقلب الطاولة على ماجدة؛ وهي الآن مضطرة للبحث عن الفتى بمنظارها لمعرفة ما حدث له. لقد أيقظ حبه البريء والعاطفي شيئاً ما منسياً أو مرفوضاً بداخلها منذ زمن طويل. هل دمرت شيئاً جميلاً؟ المراحل الأخيرة من هذه القصة رائعة في بساطتها.

اقرأ أيضًا: فيلم Revolutionary Road: عن الحياة التي نعيشها والحياة التي نريدها

الهوية الذاتية

هذه الحادثة، التي تبدو تافهة في البداية، تثبت في النهاية أنها عميقة. الحلقة السادسة من مسلسل Dekalog لا تدور حول الزنا الزوجي إطلاقاً، بل يدور حول الحب المزيف أو الحب المنحط والذي يعتبره كيسلوفسكي بمثابة زنا. عندما تدرك ماجدة أنها موضوع هذا الاهتمام الحماسي، فإنها تكون في البداية غاضبة، ثم رافضة بشكل ساخر، وفي النهاية مفتونة. إنه بمثابة ممر من التأمل الذاتي، إلى التأمل في “الآخر”، وأخيراً إلى مزيد من التأمل الذاتي.

إن التجربة الأساسية للآخر لا تتمثل في أنني أراها كنوع من الأشياء التي يجب أن أجد فيها شخصاً، ولكني أدرك الآخر كموضوع ينظر إليّ كموضوع. تجربتي مع الآخر هي في الوقت نفسه تجربة تتضمن وعيي الذاتي، وعي ذاتي أدرك فيه بشكل مسبق أنني كائن بالنسبة للآخر. يمكن لهذه التجربة أن تحفز الوعي الذاتي التأملي بشكل أكبر، حيث أفكر في الشكل الذي يجب أن أبدو به للآخر. في الواقع، كان توميك نفسه موضع نظرات حنونة منذ البداية – تلك النظرة من غرابته المتعاطفة، التي تتفهم شوقه الوحيد.

لكن الحلقة السادسة من مسلسل Dekalog تمثل محنة ماجدة بقدر ما يمثل محنة توميك. فعندما تحاول بجدية معرفة ما حدث لتوميك في الجزء الأخير من الحلقة السادسة من مسلسل Dekalog، يطرق أحد عشاقها بابها. لم تفتحه، وقالت له فقط من خلال الباب المغلق: “أنا لست هنا”. في الواقع، هي ليست كذلك. أصبحت هويتها الذاتية الآن مشغولة بالاهتمام بشخص آخر وما قد يدور في ذهنه (إذا كان لا يزال على قيد الحياة). إنها لم تعد “أنا” بعد الآن.

اترك تعليقاً