فيلم Memento هو أحد الأفلام التي تكون متعة التفكير فيها أكثر من متعة مشاهدته. فهذا الفيلم الذي كتبه وأخرجه المخرج الرائع كريستوفر نولان، والذي استوحاه من قصة قصيرة كتبها أخوه جوناثان نولان واحد من أكثر السيناريوهات إبداعاً على الإطلاق كما أشار بذلك العديد من النقاد. إنها قصة معقدة وذكية تحير العقل، لكنها لا ترضيه. في هذا المقال نحاول شرح وتفسير فيلم Memento الذي عانى الكثير من المشاهدين فهم قصته.
قصة فيلم Memento
تدور أحداث فيلم Memento حول ليونارد – قام بدورها الفنان جاي بيرس – الذي أصيب بمرض فقدان الذاكرة التقدمي. حيث فقد القدرة على تسجيل ذكريات جديدة. إنه يتذكر كل شيء قبل تعرضه للإصابة. لكن كل ما يحدث بعد ذلك فيختفي من ذاكرته خلال دقائق. أما أخر ما يتذكره ليونارد فهو اغتصاب زوجته وقتلها على يد إثنين من المجرمين. وحينما حاول الدفاع عنها قتل أحدهما في حين ضربه الثاني على رأسه ليسقط على الأرض، ويصاب بعد ذلك بهذا المرض.
يسعى ليونارد بمشقة في تعقب قاتل زوجته الثاني الذي فر هارباً. وذلك بعد أن اعتقدت الشرطة أن القاتل هو شخص واحد وليس اثنان كما يعتقد ليونارد. خلال الأحداث نجد أن ليونارد يتحدث عبر الهاتف مع شخصية مجهولة عن عمله كمحقق في شركة التأمين. ويخبر هذا الشخص المجهول عن قصة سامي جانكيس الذي صادفه أثناء عمله في الشركة. بينما كان سامي مصاباً بنفس المرض الذي يعاني منه ليونارد، وقد كلفته الشركة أن يحقق في أمره لإثبات إن كان مرضه جسدياً أم نفسياً، فلو كان نفسياً لن يحصل على مبلغ التأمين وإن كان العكس فسيحصل عليه.
سامي جانكيس
حاول ليونارد أثناء عمله مراراً وتكراراً أن يثبت أن مرض فقدان الذاكرة التقدمي المصاب به سامي هو مرض نفسي في الأساسي من أجل ألا يحصل على التأمين، مما يؤدي إلى ترقية ليونارد في الشركة. في حين تسعى زوجة سامي المريضة بمرض السكري أن تفهم ما يدور حول حالة زوجها الصحية. فتضطر للذهاب إلى ليونارد لتعرف رأيه في حالة زوجها. وبعد مقابلته، تعود إلى منزلها لتختبر إن كان زوجها محتالاً أم أن مرضه حقيقي. وهي تعلم جيداً أنه يحبها من صميم قلبه ولن يرغب في إيذائها.
كان زوجها هو الموكل بإعطاء زوجته حقن الأنسولين، لذا جلست على الأريكة وطلبت منه أن يعطيها الحقنة، ففعل، وبعد لحظات قليلة طلبت منه مجدداً أن يعطيها الحقنة – فلو كان يخدعها لن يعطيها الحقنة حتى لا تتأذى – لكنه نهض وأعطاها لها، وبعد مرور دقائق أخرى طلبت منه مجدداً أن يعطيها الحقنة ففعل. وهنا تموت الزوجة، ويدخل زوجها مصحة للأمراض العقلية.
ثم يستكمل ليونارد حديثه إلى المتصل المجهول ليخبره كيف أنه استيقظ ذات يوم ليجد أن زوجته ليست بجانبه، وفي ذلك الوقت تطرق إلى سمعه أصواتاً آتية من حمام منزله، ليحمل سلاحه، وينطلق إلى هناك ليشاهد زوجته تُغتصب على يد رجل فيرديه قتيلاً، لكن ما هي إلا لحظات حتى يتلقى ضربة قوية على رأسه ليسقط على الأرض.
بعد فقدان ليونارد للذاكرة يستيقظ ليجد نفسه داخل غرفة فندق، ويحاول أن يعثر على المجرم الثاني الذي تسبب في مقتل زوجته وإصابته بهذا المرض، وكان يستخدم نظاماً معيناً ليسجل به ذكرياته التي يفقدها بعض لحظات قليلة، وذلك عن طريق التقاط الصور والكتابة عليها، وكذلك استخدام الأوشام على جسده لتسجيل الأحداث الهامة التي تساعده في العثور على قاتل زوجته. وربما كانت أحد أهم هذه المعلومات المسجلة هي اسم قاتل زوجته الذي عرف أنه يدعى “جون جي”.
تيدي
هنا يظهر في الصورة تيدي – الذي قام بدوره جو بانتوليانو – وهو شرطي سري يحاول مساعدة ليونارد في العثور على قاتل زوجته، ليخبر ليونارد أن القاتل يدعى “جيمي جرانتس” وهو تاجر مخدرات. ومن هنا يساعده تيدي في العثور عليه داخل أحد المخازن المهجورة، ليقتله ليونارد وهو يعتقد أنه القاتل المجهول. لكن يكتشف أن تيدي خدعه ليحصل على آلاف الدولارات التي يمتلكها القتيل في سيارته، فينزع ليونارد عن جيمي ثيابه ويرتديها، ثم يأخذ سيارته، وعندما يبحث في سترته يجد ملحوظة بشأن حانة من الحانات فينطلق إليها معتقداً أنها موجهة إليه. ولكن قبل أن يرحل قام بتسجيل رقم لوحة السيارة الخاصة بتيدي وكتب ملاحظة بجانبها أنه جون جي. وانطلق إلى الحانة.
ناتالي
هنا تظهر في الأحداث ناتالي – قامت بدورها كاري آن موس – والتي تعمل نادلة في الحانة، لتجد سيارة جيمي الذي تعمل معه، إلا إنها حين تنظر بداخلها تجد ليونارد. بينما تتعرف عليه وتعلم الكثير عن حالته، ومن ثم تستغله في تهديد رجل يدعى “دود” كان دائماً ما يقوم بمضايقتها للحصول على أموالها. فيذهب إليه ليونارد ويوسعه ضرباً ويهدده بالقتل، مما يجعل تود يغادر المدينة.
بعد ذلك تساعد ناتالي ليونارد في العثور على اسم صاحب لوحة السيارة الحقيقي. وهنا يكتشف أن صاحب السيارة يدعى “جون إدوارد جاميل” وعندما يرى صورته على رخصة القيادة يكتشف أنه تيدي. ومن ثم يستنتج أنه قاتل زوجته فيذهب إليه ليقتله. لكن قبل أن يقتله يكشف تيدي له حقيقة الأمر. فيقول له أن شخصية سامي جانكيس لم يكن له زوجة، وأن زوجته المريضة بالسكري هي زوجة ليونارد نفسه، وهو الذي قام بقتلها. وأن جانكيس كان محتالاً. أما سعيه للانتقام من جون جي فقد حدث بالفعل منذ عام، وقد قتله ليونارد. لكن ليونارد يرفض تماماً ما يقوله له تيدي لينتهي الأمر بموته.
إلى هنا تنتهي أحداث قصة فيلم Memento الرائع. وقد سردنا القصة بتتابع غير الذي جاء في الفيلم، ولسوف نتعرف على ذلك من خلال مراجعة الفيلم.
مراجعة فيلم Memento
لطالما كان لدى كريستوفر نولان شغف عظيم بفكرة الزمن، وكيفية التلاعب به. وهنا تكمن عبقرية هذا المخرج الرائع. ففي أحداث هذا الفيلم يتلاعب بالزمن بشكل كبير للغاية، ليس في الإخراج فحسب بل في السيناريو كذلك. وعلى الرغم من أن جاذبية الأفلام تكمن في هيكلها، إلا أن هذا السرد المبدع جعل القصة أكثر إثارة وتشويقاً. حيث ينتقل نولان في القصة عبر خطين من السرد، أحدهما قصة تسير إلى الوراء، والأخرى إلى الأمام. وكل منهما تحاول تفسير الأخرى خلال التقدم في الأحداث.
الهيكل السردي في فيلم Memento
لكن أعظم إنجاز في هذا السرد ليس التعقيد، بل الوضوح. إلا أن هذا الوضوح لا يبدو جلياً في البداية، وذلك نظراً لأن أول مشاهد الفيلم هي أخر أحداثه. حيث يتم سردها بترتيب عكسي. وبالنسبة إلى قصة الماضي، تتحول مشاهد الفيلم إلى الأسود والأبيض. وهي بمثابة الفلاش باك. في حين أن المشاهد الملونة هي الأحداث الآنية. وهذه هي طريقة نولان. فهو يخبر المشاهدين كيف يمكنهم متابعة القصة. وهذا هو المكان الذي نجح فيه نولان.
المشكلة هي أنه عندما يتم الكشف عن الصورة، فإنها لا تبدو واضحة إلى حد ما. بينما يُظهر المشهد الأخير شبكة رائعة من الغموض وبعض المعضلات المثيرة للاهتمام التي تضع المشهد الأول للفيلم في سياقه، فإن التحضير لهذا المشهد النهائي يترك الكثير مما هو مرغوب فيه.
يجب إلقاء اللوم على جزء من هذا على هيكل نولان السردي. حيث تم بناء كل تسلسل عكسي بنفس الطريقة. لكنه هيكل إبداعي ولا يُنسى وممتع للغاية. كما أنه يصبح مملاً إلى حد ما ويسرق الفيلم من الزخم الذي يتمتع به فيلم الإثارة عادة إذا ما تم سرد القصة بالطريقة العادية.
ما نحصل عليه خلال الفيلم هو وجهة نظر ليونارد. لذلك، نحن مرتبكون مثله. فخلال الفيلم بأكمله، نجد أن المعلومات التي نتلقاها هي نفس المعلومات التي يتلقاها ليونارد. لذلك، فلسنا متأكدين مما إذا كان تيدي هو حقاً شرطي؟ ومن هو القاتل الحقيقي (إذا كان هناك بالفعل قاتل)، ولماذا يستمر تيدي في متابعة ليونارد؟ وما إلى ذلك.
حتى لو شاهدت الفيلم أكثر من مرة، ما زلنا في حيرة من أمرنا مع العديد من الأسئلة دون إجابة. بينما خلال الفيلم نتلقى معلومات تجعلنا نتساءل عن كل شيء: كيف ماتت زوجة ليونارد؟ وهل المعلومات التي جمعها ليونارد حقيقية أو مجرد شيء اختلقه لاستمراره في عملية البحث والحصول على شيء يعيش من أجله. لكن على الرغم من كل هذه الفوضى، فهذا الفيلم رائع حقاً. حيث يتناول طبيعة الوقت وذكرياتنا وأهداف حياتنا وطبيعة العلاقات الإنسانية في العالم الحالي. إنه عمل رائع من كريستوفر نولان.
شرح فيلم Memento
من المفترض أن يحتوي الفيلم على قراءتين متنافستين ومعاكستين لكل منهما عدد لا يحصى من الاختلافات. النقطة المهمة هي أن كل مشاهد يختار الشخص الذي يفضله، مما يجعله أكثر منطقية. دعونا نطلق على نسختين من القصة النسخة ليونارد (ما يعتقد ليونارد أنه صحيح) والنسخة تيدي (ما يعتقد تيدي أنه صحيح). فيما يلي العناصر الحاسمة لكليهما، وأكبر الأسباب التي قد تجعل المشاهد يفضل هذا على ذاك.
[لاحظ أن هناك العديد من الأسئلة التي يبدو أنها لم تتم الإجابة عليها في الفيلم، على سبيل المثال، من أزال 12 صفحة من تقرير الشرطة. لقد تمت الإجابة على بعض هذه الأسئلة بذكاء في الفيلم (فلم يكن تيدي هو الشرطي المكلف بالقضية، وفقاً لملخص ليونارد لتقرير الشرطة)، ولكن تُرك معظمها بلا إجابة لإضفاء مزيد من الغموض الذي يخضع للتحليل والنقاش (ومن هنا جاءت الاختلافات العديدة لكل قصة رئيسية).]
النسخة تيدي
في النسخة تيدي، نجد النقطة الأساسية التي يفتقدها معظم الناس هي أن فقدان الذاكرة المتقدم لليونارد يجب أن يكون “نفسياً” بالكامل بدلاً من أن يكون جسدياً، تماماً كما حكم ليونارد في قضية سامي جانكيس. لكن لماذا؟ لأن الشخص غير القادر جسدياً على تكوين ذكريات جديدة سيكون أيضاً غير قادر على صنع نسخ جديدة من الذكريات القديمة؛ إنها نفس العملية. وإذا كان مرض ليونارد جسدياً، فلن يحتفظ بأي أثر لذكرى قتل زوجته عن طريق الخطأ، وبالتالي لن يشعر بالذنب. ولكن إذا كان مرض ليونارد نفسياً، إذن قصة تيدي موثوق فيها تماماً. حيث إنه يتذكر كل ما يحدث له. وهو يقوم فقط بقمع كل ذلك تقريباً.
هذه النسخة مدعومة بعدد قليل من القرائن الدقيقة. ومع ذلك، يمكن جعل كل من هذه القرائن متوافقة مع النسخة ليونارد الذي سنتحدث عنها فيما بعد. لكن المشكلة الرئيسية في النسخة تيدي هي أن الحالة نفسية المنشأ للمرض ليس لها وجود كحالة طبية حقيقية فحسب، بل لا معنى لها حتى كحالة افتراضية. فلماذا قد تتسبب صدمة رؤية زوجته مغتصبة في أن يتذكر دماغ ليونارد ذلك بوضوح، لكنه يقمع كل ما يحدث له لاحقاً؟ هذا حقاً لا معنى له من الناحية النفسية (وهذا هو السبب في عدم وجود الحالة، رغم أن هناك وجود للكثير من الحالات الغريبة). الجواب الوحيد على هذا السؤال هو “لأنه سيكون فيلماً رائعاً”.
وهذه إجابة مناسبة تماماً. فإذا كنت تجد أن هذه النسخة مرضية لك كمشاهد، فأنت حر. فرغم كل شيء نجد أن كل واحد من سيناريوهات الأفلام الخمسة التالية لنولان لديه أشياء أقل مصداقية (على سبيل المثال، آلة تسلا في فيلم Tenet، وتمدد الوقت في فيلم Inception).
النسخة ليونارد
في نسخة ليونارد، فالنقطة الأساسية التي يفوتها معظم الناس هي أن تيدي لا يكذب على ليونارد. لقد أقنع نفسه بأن سامي ليس له زوجة وأن ليونارد غير ذكرياته عن قتل زوجته. ووفقاً لتيدي، فإن ليونارد يشعر بالذنب لقتله زوجته، ويكذب على نفسه بشأن ذلك. ولكن في الإصدار ليونارد، نجد تيدي هو الذي يشعر بالذنب، بسبب استغلاله ليونارد للقتل المتكرر. بينما يخفف من هذا الذنب من خلال الاعتقاد أن ليونارد قاتل بالفعل. فأول من قتل كان زوجته. فمن الصعب أن تعيش مع تأنيب الضمير إذا كنت تعتقد أنك لم تأخذ رجلاً بريئاً فحسب، بل حولته إلى قاتل؛ من الأسهل بكثير التعايش مع ذلك إذا كنت ترى أنه قاتل بالفعل، وقاتل مخدوع في ذلك.
تحتوي النسخة ليونارد على مفارقة مخفية مثيرة للإعجاب تماماً في حديث تيدي الكامل عن كذب ليونارد على نفسه بشأن قتل زوجته، وهو في الحقيقة حول كذب تيدي على نفسه بشأن التبرير الأخلاقي لإخراج قاتل من ليونارد. (لاحظ أنه في المشهد السابق مباشرةً، أي المشهد الزمني التالي، يخبر تيدي ليونارد كذبة مفصلة عن “شرطي سيء” أثناء وصفه لما كان يفعله هو نفسه مع ليونارد. وهذا تفكك مماثل عن أفعاله).
أنا شخصياً أفضل نسخة ليونارد جزئياً ليس بسبب السخرية الإضافية والوعي الذاتي للنوع، ولكن إلى حد كبير لأنه أكثر منطقية من الناحية النفسية. وهذا ما أجده مُرضياً. لأن الفيلم عبارة عن استكشاف عميق تماماً لعدم موثوقية الذاكرة وذاتية معتقداتنا التي تستند إلى الذاكرة. أحب أن أعتقد أن نولان يفضل الإصدار ليونارد للأسباب نفسها. لكني أحب الفيلم بشكل أساسي (وأعتقد أنه تحفة فنية) نظراً لوجود النسخة تيدي، وهي متوافقة مع ذاتها، ومن السهل تبنيها والدفاع عنها. وإذا اتضح أن كريستوفر نولان يفضل النسخة تيدي، فلن أشعر بخيبة أمل ولن أغير رأيي، ولن يتغير إعجابي بالفيلم على الأقل. فليس هناك صواب أو خطأ.
تفسيرات أخرى لفيلم Memento
لطالما تعددت التفسيرات لهذا الفيلم المحير، ولكن قصد كريستوفر نولان أن يضع المشاهدين أمام هذه الحيرة، ليتبنى كل واحد التفسير من وجهة نظره الخاصة. لكن بعض المشاهدين لم يستطيعوا تفسير أحداث هذا الفيلم بالشكل التام طبقاً لمعارفهم. لذا سنقدم مساعدة بسيطة لتحليل فيلم Memento.
في البداية لابد من معرفة أن تيدي بشكل عام لا يكذب على ليونارد، ولكن عندما يكذب، فهو يفعل ذلك من أجل مصلحته الذاتية، وتيدي هو الشخص الأقرب إلى “قول الحقيقة”. حيث يحمي تيدي ليونارد من الشخص الذي أصبح عليه ويحاول بصدق التعاطف مع حالة الرجل. ومع ذلك، فإن شخصية تيدي في حد ذاتها ليست شخصاً جيداً. فطوال القصة، مع تطورها، ينمو الانطباع بأن ليونارد نفسه قتل زوجته المصابة بداء السكري بحقن الأنسولين، منذ أن بدأ ينسى كل ما حدث بعد الهجوم عليه وعلى زوجته في المنزل.
راوي غير موثوق به
لا توجد شخصية واحدة طوال القصة تؤكد أن زوجة ليوناردو ماتت بسبب الهجوم، ولم يلمح سوى تيدي إلى أنه فعل ذلك بنفسه بعد الهجوم باستخدام حقن الأنسولين لمرض السكري. حيث يعتقد ليوناردو أن زوجته قُتلت هناك لكنها ربما نجت بينما تأثرت ذاكرته لدرجة أنه لا يمكن للمرء أن يصدق ما يفعله أو يقوله بعد ذلك. حتى أنه قام بتغيير الملاحظات في سجل الشرطة عن وفاة زوجته. لذا أصبح راوياً غير موثوق به عندما يتعلق الأمر بكل ما حدث بعد الهجوم. ومن الأسهل بكثير التشكيك في كل ما يقوله ليونارد بدلاً من التشكيك في كل ما يقوله تيدي، أما الشخصيات الأخرى فليس لها علاقة في الحقيقة بوفاة زوجته.
ربما يكون ليونارد قد قتل زوجته بنفسه، ولكن من ناحية أخرى، يظل صحيحاً أنه إذا كان هناك قاتل ولم تنج زوجته من الهجوم، فيمكن أن يقتل ليونارد من يريد، ولن يتذكر من قتله وسيستمر في مهمته الانتقامية التي لن تتحقق أبداً بسبب حالته.
الخدعة الكبرى
بعد هذا التفسير الموجز، لابد من التنويه أن هناك تفسير آخر ربما يوضح القصة الأساسية التي غابت وسط خيوط الحبكة الملتوية للفيلم. هذا التفسير يكمن في مشهد صغير لم يلاحظه الكثير، وهو المشهد في الدقيقة 1:30 حينما كان يتحدث ليوناردو في الهاتف مع الشخص المجهول ويخبره عن سامي جانكيس، حيث نشاهد سامي جانكيس يجلس على مقعده في المصحة العقلية ليتابع الممرضة، وفي لحظة ما يتحول مشهد سامي إلى ليوناردو. مما يجعلنا نعتقد أن تفسير كل أحداث الفيلم تكمن في أن ليوناردو هو سامي جانكيس الذي قتل زوجته بحقن الأنسولين. وأن ليوناردو لم يفقد الذاكرة، وكل محاولات الانتقام التي يسعى إليها هي نتيجة إحساسه بالذنب. وجميع الشخصيات التي حوله ما هي إلا من صنيع خياله.
أما ما يدعم هذه الأدلة فأمرين: أولهما، أنه رغم حالات القتل في الفيلم لم نرى أياً من رجال الشرطة تحقق في الأمر. وثانيهما: إذا كان ليوناردو فعلاً يعاني من فقدان الذاكرة التقدمي فلماذا يتذكر أنه يعاني من هذا المرض. بل ويستمر في إخبار كل من يقابله بحالته. وهنا تكمن عبقرية نولان الإخراجية، ليصنع لنا هذه الحبكة الملتوية في فيلم أقل ما يقال عنه أنه تحفة فنية.
في الختام لابد من التنويه إلى أن كريستوفر نولان واحد من عباقرة الإخراج والتأليف في عصرنا الحالي، وتعد أفلامه هي الأكثر إبداعاً واصيلة على الإطلاق. أما بالنسبة لفيلم Memento فأنا أنصح بمشاهدته مرة أخرى، من أجل الوصول إلى تفسير لهذه الحبكة المعقدة.