فن

مراجعة فيلم A Hidden Life: ملحمة وجودية عن الإنسانية والجمال

فيلم A Hidden Life هو فيلم إنساني عميق عن رجل يتمسك بمثله العليا، ويموت بسبب معتقداته بعد عذاب مهين، وهو ما يذكرنا بآلام المسيح. إنه الفيلم الأخير الذي صنعه فيلسوف السينما تيرانس مالك، في المقال التالي نستعرض قصة الفيلم ثم نقدم مراجعة فيلم A Hidden Life بمزيد من التفصيل.

معلومات عن فيلم A Hidden Life

  • البلد: الولايات المتحدة | المملكة المتحدة | ألمانيا.
  • اللغة: الإنجليزية | الألمانية |الإيطالية.
  • موقع التصوير: النمسا.
  • تاريخ الإصدار: 17 يناير 2020.
  • المخرج: تيرانس مالك.
  • الكاتب: تيرانس مالك.
  • وقت العرض: 174 دقيقة.
  • النوع: دراما | رومانسية | سيرة ذاتية.
  • التصنيف: (PG-13) يجب إرشاد الآباء، غير مناسب لمن هم دون سن 13 عام.
  • فريق التمثيل: أوجست ديهل | فاليري باخنر | ماري سيمون.
  • التقييم: 7.4.

قصة فيلم A Hidden Life

تدور أحداث الفيلم في أوائل الأربعينيات حول فرانز، وهو مزارع بسيط يعيش في قرية صغيرة في جبال الألب النمساوية. تتمثل حياته البسيطة في العمل كمزارع مع زوجته وبناته الصغيرات. العالم يتغير من حولهم، حيث اندلعت الحرب العالمية الثانية وخضع فرانز لتدريبه العسكري، ولكن عندما وردت أنباء عن استسلام فرنسا بدأ فرانز في الشك في أن ألمانيا تقاتل فقط من أجل السيطرة وقمع البلدان الأخرى.

لا يريد فرانز أن يشارك في هذا القتال، ويعبر للأسقف المحلي عما يدور بخلده، يتعاطف القس مع مشاعره لكنه يحثه على عدم مشاركة مخاوفه مع الآخرين. بعد انتهاء تدريبه العسكير عاد مجدداً إلى منزله واستمر في العمل كمزارع، لكن في عام 1943 تم استدعاؤه مرة أخرى، وحينها رفض المشاركة في القتال تحت أمرة النازية، لتبدأ محنته مع أهل قريته، ففي البداية تجنب القرويون عائلته، بعد أن صنفوه على إنه خائن، لأنه كان يفكر بشكل مختلف عنهم.

عندما رفض الخدمة وقسم الولاء لهتلر اعتقل بتهمة الخيانة العظمى وبدأت رحلة معاناته في معتقلات النازية، حيث تلقى صنوف من العذاب المهين، لكنه لم يستسلم وتمسك بقناعاته حتى مثوله أمام المحكمة العسكرية للرايخ. وهناك حكم عليه بالموت، وأعدم بالمقصلة عن عمر يناهز 33 عاماً تاركاً وراءه عائلته تعاني مرة أخرى ولكن هذه المرة ليس على يد أهل القرية بل لفقدانه رب الأسرة. إلى هنا تنتهي القصة فإلى مراجعة فيلم  A Hidden Life.

اقرأ أيضًا: سينما إنجمار برجمان: التصورات المظلمة للرغبات البشرية

مراجعة فيلم A Hidden Life

قصة فيلم A Hidden Life
مشهد من فيلم A Hidden Life

ألمانيا النازية لم تصبح الشر الذي نعرفه من التاريخ بين عشية وضحاها. حيث كان الصعود السياسي لأدولف هتلر عملية استغرقت عدة سنوات. من استغلاله للسخط الذي أشعلته الحرب العالمية الأولى، إلى خلق خيال الجنس الآري ونزع الصفة الإنسانية عن كل من لا ينتمون إليه. ثم بلغت ذروتها في الرعب المطلق “الهولوكوست“. لكن هل تساءلت عما يدور في أذهان أولئك الذين عاشوا في تلك الأوقات، داخل ألمانيا وخارجها. مع وجود ذراع دعائية منتشرة في كل مكان وصحافة أجنبية انتهى بها الأمر في محاولة للبقاء محايدة إلى التقليل من الفظائع، ما مدى سهولة التفكير فيما نعرفه الآن بمثل هذه القناعة؟

تيرانس مالك تخيل شخصاً بهذه القناعة في فيلمه الجديد A Hidden Life. أقول تخيل لأنه على الرغم من أن قصة A Hidden Life مبنية على القصة الحقيقية لفرانز ياجرستاتر، إلا أن هذا الفيلم لا يزال فيلماً عن تيرانس مالك، غارق في شعره المميز وذاتيته. فلا أحد يدري ما إذا كان فرانز سيفكر مثل مالك. لكن روايته السينمائية تتحدث بلا شك بصوته.

قصة حقيقية

أسلوب تيرنس مالك لا لبس فيه، فهو مخرج شديد الذكاء، تتميز أفلامه بالشاعرية وتجعل المشاهد يتأمل في اللوحة الفنية التي يقدمها على الشاشة وفي نفس الوقت يفكر فيما يعرضه من فلسفته. وفي فيلم A Hidden Life يركز مالك على شيء ملموس، قصة حقيقية من الحرب العالمية الثانية. قصة بطل مجهول لا يعرفه أحد، وهو مثل مصير الكثير ممن عانوا من نفس المصير خلال الحرب المذكورة.

نجح مالك في صنع فيلم إنساني عميق عن رجل يتمسك بمُثله العليا، ليموت أخيراً بسبب معتقداته وبعد عذاب مهين، وبالتالي يذكرنا بآلام المسيح. لذلك ليس من المستغرب أن يزدهر الفيلم بالرمزية المقدسة، حيث يلعب الإيمان المسيحي أحد الأدوار المركزية في حياة الشخصية الرئيسية.

العودة من جديد

بعد حصول مالك على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عن فيلم The Tree of Life، اختفى المخرج لما يقرب من عقد من الزمان ليعود لنا مرة أخرى بعد فترة طويلة بعد أن أذهلته بشدة قصة الحرية الداخلية لشخص لم يتخل عنها حتى في مواجهة الموت، لدرجة أنه – دون الخروج عن سيرة ذاتية حقيقية – صنع فيلماً عن هذه الحرية – الفطرية وغير القابلة للتغيير – مثل الطبيعة نفسها. أخرج لنا تحفة فنية عن الانفصال والخنوع وعن الاخلاص مرة واحدة وإلى الأبد لجميع مبادئ الحياة التي نختارها بملء إرادتنا. لقد رسم صورة عن القيم الأخلاقية التي سحقت تحت أقدام الظلم. فالبطل يقاتل من أجل قيمه وحده، تدعمه في ذلك فقط زوجته المخلصة.

لوحة فنية مذهلة

فيلم A Hidden Life عبارة عن لوحة فنية مذهلة من جميع النواحي. حيث تتميز هذه القطعة الفنية الخلابة التي تبلع مدتها ثلاث ساعات بنفس تأثير الشعر العظيم، فهي مليئة بالرومانسية والحيوية، وهي جزء من قوى الطبيعة ونتيجة لها. تبدو المناظر الطبيعية لقرية شاعرية في جبال الألب النمساوية وكأنها مشهد مسرحي يتمتع بالجمال، فلا يمكنك كمشاهد إلا أن تتشبث بشراسة بهذه المروج والشلالات، وتستمع إلى صوت ألواح الأرضية لمنزل خشبي، وتسمع حفيف الرياح وهي تحرك الأعشاب، ورذاذ الماء وهو يتناثر من الساقية، وغيرها من مناظر الطبيعة. يجد المصور زوايا مذهلة تجعلنا نغرق في هذا العالم ونذوب فيه. هذا فيلم تتنفسه ورغم قلة الحوارات والحركة إلا إنه يترك في الذاكرة أعمق بصمة لا يمكن الشفاء منها.

فيلم كالموسيقى

مالك صادق مع نفسه، وهو أحد المخرجين النادرين الذين يصنعون السينما وفقاً لقوانين الرسم والموسيقى. فالموسيقى التي تحتوي على عناصر الطبيعة والحياة الشاعرية هي أساس نظرته للعالم، لذلك تتضمن أفلامه تناغمات من جميع الأعمال من باخ وهاندل وموزارت إلى أرفو بارت. كل شيء فيلم A Hidden Life يجعله مالك فريداً ولا يُنسى. إن اللوحة التي رسمها والصوت المختار بعناية هي ما تحكم عواطفنا هنا، فهما ما يشكلا الخط الدرامي الرئيسي للفيلم. فهذه الصور الحية التي نراها والتي يكون لها معنى خالص تثير فينا عاصفة من المشاعر القوية كما في كونشرتو سيمفوني.

السامي في الفن

عرّف الفيلسوف كانط السامي في الفن على أنه فئة تتجاوز الجمال التقليدي وتتبع مساراً لفهم العملية العاطفية التي يمر بها المشاهد عندما يواجه تجسيداً لتلك العظمة. فالتناغم والتناسق والتوازن يفسح المجال في العمل للوصول إلى اللانهائي. حينها سيشعر المشاهد أولاً بالخوف، ثم شعور بعدم الأهمية يقوده إلى انعكاس فكري وروحي. وبعد أن يدرك ويشعر بضآلة الإنسان في مواجهة الكونية، سيصل إلى متعة أعلى مما يحصل عليه بالجمال، تلك اللذة المستمدة من المعرفة، من الاتحاد الصوفي بين الفرد والكون الذي يسكنه. تتحقق هذه الدهشة المتسامية من خلال المناظر الطبيعية الرومانسية للرسام الألماني كاسبر ديفيد فريدريش وكارل غوستاف كاروس أو سينما إف دبليو مورناو في فيلم Faust (1926)، أو فيرنر هيرزوغ في فيلم Nosferatu the Vampyre (1979). وفيلم Fitzcarraldo (1982). هذا ما نحصل عليه أيضاً في فيلم Hidden Life لمالك.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!