حادثة ممر دياتلوف: رحلة اللا عودة إلى جبل الموت

You are currently viewing حادثة ممر دياتلوف: رحلة اللا عودة إلى جبل الموت
كشف أسرار حادثة ممر دياتلوف

لا تزال حادثة ممر دياتلوف المعروفة أحد أكثر الألغاز شهرة في تاريخ روسيا. ففي عام 1959، انطلق تسعة متنزهين شبان في رحلة استكشافية أودت بهم إلى موت غريب ومخيف لدرجة أن سبب الموت مازال موضوعاً للنقاش والتحليل. تضمنت حادثة دياتلوف على عدد كبير من الفرضيات التي تشمل نظريات الخوارق وأسباب طبيعية وسياسية ونفسية وما إلى ذلك. لكن ما الذي حدث حقاً في ممر دياتلوف؟ في هذا المقال نحاول الإلمام بكل تفاصيل قضية دياتلوف الغامضة.

 أعضاء البعثة

في 23 يناير 1959، اجتمعت مجموعة من الشباب، امرأتان وثمانية رجال، جميعهم تقريباً من الطلاب أو المهنيين من معهد أورال الحكومي، لبدء رحلة للتسلق والتخييم وممارسة التزلج في أحد جبال الأورال[1]. وخلال سيرهم اقترح أحدهم الوصول إلى قمة جبل يسمى جبل الموت الذي يبلغ ارتفاعه 1234 متراً. وقد اشتملت أعضاء البعثة على:

  • إيغور دياتلوف – 23 عاماً: طالب هندسة راديو. وهو قائد المجموعة.
  • لودميلا دوبينينا – 20 عاماً: طالبة الاقتصاد الصناعي للبناء.
  • زينيدا كولموغوروفا – 22 عاماً: طالبة هندسة راديو.
  • ألكسندر كوليفاتوف – 24 عاماً: طالب الفيزياء النووية.
  • يوري كريفونيشينكو – 23 عاماً: طالب في البناء والهندسة الهيدروليكية.
  • رستم سلوبودين – 23 عاماً: مهندس ميكانيكي.
  • يوري دوروشينكو – 21 عاماً: طالبة هندسة راديو.
  • نيكولاي تيبو بريجنول – 23 عاماً: مهندس مدني.
  • يوري يودين – 21 عاماً: الناجي الوحيد. وقد توفي في 27 أبريل 2013.
  • سيميون زولوتاروف – 38 عاماً: مرشد الحملة. وهو محارب قديم في الحرب العالمية الثانية وطالب هندسة عسكرية.

غادر آخر عضو يدعى نيكولاي بوبوف الرحلة الاستكشافية قبل أن تبدأ. وكان جميع أعضاء المشروع من ذوي الخبرة ولديهم مهارات البقاء على قيد الحياة. لكن الطريق الذي اختاروه كان الأشق والأصعب.

 بداية الرحلة الاستكشافية

بدأت المجموعة رحلتها الاستكشافية في 25 يناير 1959، وعبرت العديد من المدن حتى وصلت إلى آخر بلدة مأهولة بالسكان. حملهم سائق الشاحنة من هناك إلى الموقع. استراحوا لمدة يوم، وفي 27 يناير بدأت الرحلة بالتوجه إلى المحطة الأولى في جبل أوتورتن.

في اليوم التالي، شعر يوري يودين – أحد أفراد البعثة – بآلام أسفل الظهر كانت تزعجه منذ رحلة سابقة. وقد اشتدت عليه هذه الآلام ولم يستطع تحملها. لذلك كان عليه أن يودع رفاقه ويعود من حيث أتى. ومن هنا أصبحت المجموعة مكونة من تسعة أشخاص. تحدث يوري يودين بعد سنوات من الرحلة قائلاً:

“إذا كان بإمكاني أن أسأل الله سؤالاً واحداً، فسيكون: كيف مات أصدقائي؟”.

جبل الموت

أغرب الحوادث في التاريخ
جبل الموت في روسيا

وصلت المجموعة في 31 يناير إلى المكان الذي كانوا يستعدون فيه للمرحلة الثانية من الرحلة. وفي هذا الموقع، التقطوا صوراً بدوا فيها سعداء ومتحمسين. ومن ثم جهزوا المعدات وتركوا كل شيء مرتباً لبدء الجزء الثاني من الرحلة. بدأوا في تسلق الممر يوم 1 فبراير. وبحسب التحقيقات اللاحقة، خُلص إلى أن المجموعة كانت تنوي عبور الممر للوصول إلى معسكر كان على الجانب الآخر من الجبل، إلا أن الطقس ساء فجأة، وبسبب العاصفة انحرفوا عن المسار وبدأوا في السير غرباً. وهكذا وصلوا إلى قمة جبل الموت الذي يقع في الجزء الشمالي الغربي من سلسلة الجبال. وهناك قاموا بالتخييم وقرروا انتظار تحسن الطقس قبل المتابعة.

كان إيغور دياتلوف قائد الحملة قد تواصل مسبقاً من خلال برقية مع النادي الرياضي الجامعي، وقد أرسل البرقية من بلدة فيزاي التي كانت نقطة انطلاقهم. لقد كان تاريخ عودتهم المتفق عليه هو 12 فبراير، لكن يسمع أحد عن الفريق أي شيء في ذلك اليوم. وربما كان هذا أمراً طبيعياً. ففي هذا النوع من الرحلات من الطبيعي أن يتم تمديد تاريخ العودة بسبب أي انحراف أو انتكاسة، لذلك في البداية لم تكن هناك علامة تحذير على احتمال حدوث شيء ما.

اختفاء غامض

مرت الأيام دون أي أخبار عن المجموعة. وفي 18 فبراير، قررت العائلة والأصدقاء طلب المساعدة من الجامعة. وبعد يومين بدأت مجموعة من المتطوعين مكونة من طلاب ومعلمين في البحث عنهم دون جدوى. بعد ثلاثة أيام انضم الجيش والشرطة إلى التفتيش. وخلال عمليات التمشيط في المنطقة في 26 فبراير، وجدت الشرطة بقايا المخيم المهجور على قمة جبل الموت.

كانت الخيمة التي تم العثور عليها في حالة سيئة للغاية، حيث عثرت الشرطة على بعض المتعلقات الخاصة بالمجموعة. ولكن الغريب في الأمر وجود آثار دماء في الخيمة. وحصلت الشرطة خارج الخيمة على مجموعة من آثار الأقدام المؤدية إلى غابة قريبة. وعلى الرغم من أن هذه الإشارات فُقدت على بعد أمتار قليلة، إلا أن فريق البحث ذهب إلى الغابة بحثاً عن أعضاء البعثة.

اكتشاف جثث حادثة ممر دياتلوف

قصة حادثة ممر دياتلوف
إحدى الجثث مغطاة بالثلوج

في بداية الغابة، بالقرب من شجرة صنوبر كبيرة، عثروا على بقايا نار وجثث اثنين من أعضاء المجموعة: يوري دوروشينكو ويوري كريفونيشينكو، وكان كلاهما عارياً لا يستر أجسادهما سوى ملابسهما الداخلية فقط. وكان الاثنان مستلقين على ظهورهما وأعينهما تنظر إلى النجوم في السماء. كما وجدوا على شجرة الصنوبر بقايا من الجلد والدم وبعض الفروع المكسورة بالقرب من الأرض. وعند فحص الجثتان ظهرت على أجسادهم علامات وخدوش وعلى وجوههما وأذرعهما كذلك. بينما أشار أثر الجلد الموجود في الشجرة إلى أنهما حاولا تسلق الشجرة دون جدوى.

عثرت الشرطة في نفس الغابة وعلى مسافة قريبة نسبياً على جثث ثلاثة أخرين، بعيدين تماماً عن بعضهم البعض؛ أول متسلق متوفى تم العثور عليه في هذه المجموعة كانت زينيدا كولموغوروفا، ثم رستم سلوبودين، وإيجور دياتلوف.

وفقاً للصور، تم العثور على جثة إيغور دياتلوف مستلقياً على ظهره، وعيناه مثبتتان في السماء، مثل يوري دوروشينكو ويوري كريفونيشينكو، وذراعيه على صدره. هذا على الرغم من أن النسخ الأخرى من الصور تشير إلى إنه كان يحمل فرعاً كبيراً في يديه كما لو كان يدافع عن نفسه ضد شيء ما. بينما تم العثور على رستم سلوبودين وجهه لأسفل. أما زينيدا فظهر على وجهها وأياديها حروق، وعُثر على جثتها في وضع جانبي. هذه الجثث الثلاث كانت ترتدي ملابس لكنها حافية القدمين.

رعب قضية دياتلوف

حوداث غريبة
اكتشاف الجثث في ممر دياتلوف

ما زال هناك أربعة مفقودين لم يتم العثور عليهم. وقد استمر البحث عنهم لمدة شهرين دون نتيجة. لكن في 4 مايو، عثرت الشرطة على هذه الجثث مدفونة على عمق أربعة أمتار تحت الجليد في واد ضائع داخل الغابة، على مسافة 75 متراً تقريباً من مكان العثور على الجثث الأولى.

كانت هذه النتيجة أكثر رعباً. حيث رقد جسد سيميون زولوتاروف في الوادي مع تجاويف فارغة للعين. بينما كانت لودميلا دوبينينا على ركبتيها، وصدرها مستريح على صخرة، بدون لسان وأيضاً مع تجاويف عيون فارغة، بالإضافة إلى ذلك، فُقد جزء من شفتيها وأنسجة وجهها. أما نيكولاي بريجنول وألكسندر كوليفاتوف فقد تم العثور على جثتهما سليمة. وكان الأربعة جميعهم يرتدون ملابس، وبعضهم كان يرتدي أحذية. ويُعتقد أنهم أخذوا ملابس أصحابهم بعد موتهم.

التحقيق في حادثة ممر دياتلوف

أتاحت الصور والمذكرات المكتوبة إعادة بناء أحداث الرحلة إلى المكان الذي تم فيه العثور على الجثث. وكشف تشريح الجثث الخمس الأولى التي عُثر عليها عن عدم تعرض أي منها لإصابات قاتلة. فقط جسد رستم سلوبودين كان لديه شرخ في الجمجمة وتعرضت زينيدا كولموغوروفا لضربة على الجانب، وكلاهما على الأرجح نتيجة الضرب بجسم غير حاد. ومع ذلك، فإن الرواية الرسمية لنتائج التحقيق في وفاة هؤلاء المتنزهين كانت أنهم ماتوا بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم.

وكشف تشريح الجثث الأربع التي عُثر عليها بعد شهرين من البحث عن إصابة جميع الجثث بجروح مميتة. تعرضت لودميلا دوبينينا لكسر في العنق والأضلاع. كما أصيب سيميون زولوتاروف بكسور في الأضلاع وأصيب الجسدان الآخران بكسور في الجمجمة. أما سبب الوفاة الذي أظهره التقرير الأولي الرسمي هو “الوفاة بسبب الصدمة المتعددة لأسباب غير محددة”. وأعلن رسمياً وفاة ثلاثة متنزهين بسبب انخفاض حرارة الجسم والباقي مصادفة في الجبال.

أما الغريب في الأمر هو معلومة مهمة في التحقيق تقول إنهم وجدوا آثاراً للنشاط الإشعاعي على ملابس بعضهم. ومما يثير الفضول أيضاً شهادة الأقارب بعد الجنازات، حيث ذكروا أن الجثث تحولت إلى لون غامق بشكل غريب. وبعد الدفن، تم اعتبار القضية مغلقة وتم إغلاق ممر دياتلوف لمدة ثلاث سنوات على الأقل. بينما تم تسمية الممر على اسم زعيم المجموعة.

نظريات حول حادثة ممر دياتلوف

ماذا حدث في ممر دياتلوف
نظريات حول ما حدث في جبل الموت

أدت حادثة ممر دياتلوف إلى ظهور عدد كبير من النظرية والتكهنات منذ حدوثه. حيث تم إحصاء أكثر من 75 نظرية، وهذه هي النظريات الأكثر شهرة التي تفسر سبب هذا الموت الغامض

هجوم قبيلة مانسي

تقول إحدى النظريات أن المتنزهين قُتلوا بهجوم شنته قبيلة محلية من السكان الأصليين تسمى مانسي. وهذا من شأنه أن يفسر الطريقة التي تركوا بها الخيمة والإصابات التي لحقت بالعديد من الضحايا في حادثة ممر دياتلوف. ومع ذلك، كان شعب مانسي مسالماً ولم يتم العثور على أي دليل على آثار أقدام أخرى في المنطقة المحيطة.

اليتي الروسي

بمجرد تجاهل فكرة هجوم مانسي، تم التعامل مع أطروحة هجوم وحش اليتي، وهو وحش أسطوري يعتقد أنه يعيش في جبل إفرست وجبال أخرى. وهو وحش ضخم كثيف الشعر له هيئة القرد. تفسر هذه النظرية الأضرار التي لحقت بوجه دوبينينا. وفي عام 2014، أصدرت قناة ديسكفري فيلماً وثائقياً يدعم هذه الأطروحة بعنوان The Russian Yeti: The Lives of the Killer.

النشاط الإشعاعي

يبدو أن لون بشرة الضحايا وحقيقة أنه تم العثور على آثار للنشاط الإشعاعي في الملابس التي كان يرتديها بعضهم يعزز النظرية القائلة بأن قتلهم كان بنوع من الأسلحة الإشعاعية التي ربما كانت حكومة الاتحاد السوفيتي تختبرها في هذا المكان. وهناك حجة أخرى تدعم هذه الفرضية هي أن متنزهين آخرين كانوا في الجبال يقولون إنهم رأوا أنواراً غريبة في السماء بالقرب من جبل الموت في تلك الأيام، والتي يمكن تفسيرها على أنها انفجارات. وتلك الانفجارات – حسب هذه النظرية – هي التي دفعت أعضاء المجموعة للخروج من الخيمة في تلك الظروف.

كائنات فضائية

كما أن الأضواء الغريبة التي شاهدها المتنزهون الآخرون في نقاط أخرى على الجبل هي أيضاً مؤشر قوي للكثيرين (بدلاً من كونها تجارب من قبل حكومة الاتحاد السوفيتي) كانوا كائنات من عوالم أخرى. ففي عام 2011، كرست سلسلة قناة التاريخ التي تحمل عنوان “الكائنات الفضائية القديمة” فصلاً لممر دياتلوف بعنوان مناطق الشر، حيث تقدم الفرضية القائلة بأنه قد يكون الفضائيون هم من تسببوا في وفاة الضحايا.

نظرية الموجات فوق الصوتية

تعتمد هذه الفرضية على نظرية الموجات فوق الصوتية التي بموجبها لا ترى الأذن البشرية الصوت، لكنها قادرة على التشويش على العقل. وقد تم نشر هذه الفرضية بسبب كتاب يسمى جبل الموت، الذي نشر عام 2013 للكاتب دوني اتشار. ووفقاً لهذا، فقد كان المستكشفون ضحايا نوبات هلع هربوا بسببها من الخيمة وهم يرتدون ملابس غير لائقة وفي وسط عاصفة منعتهم من العودة.

انهيار جليدي على ممر دياتلوف

التفسير الآخر الذي تم التعامل معه، خاصة على مستوى سلطات البلاد، كان الانهيار الجليدي. حيث يمكن للصوت الناتج عن هذا الانهيار أن يحذرهم من الخطر ويجعلهم يفرون بهذه الطريقة. كما أنه يفسر الإصابات الخطيرة التي لحقت بالمجموعة الأخيرة من المتنزهين الذين تم العثور عليهم في حادثة ممر دياتلوف. ومع ذلك، سرعان ما أثارت هذه النظرية الجدل، حيث لم تكن هناك علامات على حدوث الانهيارات الجليدية في المنطقة ولم تظهر الأشجار أي علامات على الضرر.

التعري المتناقض في حادثة ممر دياتلوف

يعد التعري المتناقض اضطراب نفسي، يحدث لبعض الأشخاص في المناطق شديدة البرودة. يؤدي اضطراب “التعري المتناقض” إلى تغير عقلي لدى الشخص المصاب. حيث يعتقد أنه يشعر بالحرارة الشديدة على الرغم من وجوده في مناطق متجمدة. مما يضطره إلى خلع ثيابه والتخلي عنها. وقد مات بعض متسلقي الجبال ضحايا هذا الاضطراب. وهذا ما يفسر وجود بعض الجثث بلا ثياب.

تعد حادثة ممر دياتلوف أحد أشهر الألغاز في القرن العشرين. ولا تزال الأسباب وراء الموت الغامض مثيرة للجدل. هذا على الرغم من جهود المحققين والكيانات المختلفة في الدولة الروسية لشرح السبب وإغلاق القضية، إلا أن هناك العديد من النهايات السائبة والعديد من الأشياء التي يجب توضيحها، ولهذا السبب يستمر لغز قضية دياتلوف.

هوامش

[1] تشكل جبال الأورال سلسلة جبال تقع في روسيا وكازاخستان، وتعد بمثابة الحدود الفاصلة بين قارتي آسيا وأوروبا. وعلى الرغم من أنها ليست الأعلى، عند مقارنتها بالآخرين في نفس القارة، إلا أنها واسعة جداً. حيث تمتد من الشمال إلى الجنوب عبر غرب روسيا وهي غنية بالمعادن والأحجار الكريمة والفحم. وقد استغل قطاع التعدين الروسي هذه الأراضي منذ القرن الثامن عشر.

المراجع

1.    Author: Johan Gaume & Alexander M. Puzrin, (01/28/2021), Mechanisms of slab avalanche release and impact in the Dyatlov Pass incident in 1959, www.nature.com, Retrieved: 01/08/2024.

2.    Author: ROBIN GEORGE ANDREWS, (05/17/2023), Has science solved one of history’s greatest adventure mysteries?, www.nationalgeographic.com, Retrieved: 01/08/2024.

3.    Author: Douglas Preston, (05/10/2021), Has an Old Soviet Mystery at Last Been Solved?, www.newyorker.com, Retrieved: 01/08/2024.

4.    Author: Becky Ferreira, (03/24/2022), The Dyatlov Pass Mystery May Have Just Been Solved by New Video Evidence, www.vice.com, Retrieved: 01/08/2024.

5.    Author: Rebecca Armitage, (06/24/2022), The Dyatlov Pass incident sparked terror and conspiracy theories. But has the mystery finally been solved?, www.abc.net.au, Retrieved: 01/08/2024.

 

This Post Has 2 Comments

  1. غير معروف

    طالما مفيش شفافية في التحقيقات لن نعرف الحقيقة أبدا

اترك تعليقاً