هرم خوفو: أسرار وخفايا الهرم الأكبر

You are currently viewing هرم خوفو: أسرار وخفايا الهرم الأكبر
خفايا هرم خوفو

أهرامات الجيزة أعجوبة معمارية تفوق الخيال، ولقد خلبت لب علماء الآثار على مدار التاريخ، وحاولوا كشف أسرارها وما تحمله من عجائب، وعلى الرغم من اكتشاف البعض منها إلا أن هناك الكثير والكثير من الأسرار التي لم يتم الكشف عنها بعد. في السطور التالية نسافر عبر الزمن لنكتشف بعضاً من خفايا أهرامات الجيزة، وعلى رأسها هرم خوفو الأكبر الذي يعد الأكثر غموضاً من بينهم. دعونا نبدأ.

هرم خوفو الأكبر

نتحدث اليوم عن أسرار أقدم المباني على هذا الكوكب. البناء الذي يبلغ عمره حوالي خمسة آلاف عاماً – إذا كان ذلك صحيحاً بالطبع – فهناك العديد من العلماء الذين أكدوا أن هذا التاريخ غير صحيح تماماً. وربما كان الهرم الأكبر موجوداً بالفعل قبل المصريين، وأن الحضارة الفرعونية وجدته هناك ببساطة، وحاولت تكرار هندسته المعمارية. ويمكن أن يكون هذا هو التفسير الوحيد الذي يوضح كيف أصبحت التكنولوجيا المستخدمة في بناء الأهرامات الأخرى مع مرور الأجيال أسوأ فأسوأ.

يُشبه الأمر عندما نستمع لقصة ما، ومن ثم نحاول نقلها لآخر، والآخر ينقلها لآخر. وهكذا نكتشف في النهاية أن القصة أصبحت لا علاقة لها بما أخبرونا به في البداية. وهذا ما يحدث دائماً مع هذه المعالم التاريخية ذات التفسيرات الرسمية المهتزة على عكس هياكلها القديمة. أنا لست من أنصار نظرية المؤامرة، ولكني أحاول الكشف على الفرضيات المعقولة عن طريق التحقق من المعلومات والبيانات.

معلومات عن هرم خوفو

نمتلك اليوم العديد من البيانات والمعلومات التي يمكنها أن تساعدنا في الكشف عن خبايا وأسرار أهرامات الجيزة، وخاصةً هرم خوفو الأكبر. انظر إلى هذه المعلومات وحاول أن تفكر معي:

  • الهرم الأكبر ليس فقط الأكبر، ولكنه الأقدم أيضاً. وكان لآلاف السنين أطول بناء بشري على الكوكب بأكمله.
  • يشير علماء الآثار إلى أنه يزن ما يقرب من 6 ملايين طن. ويحتوي على ما يقرب من 2.3 مليون صخرة مرتبة بطريقة دقيقة للغاية.
  • يصل وزن بعض هذه الحجارة إلى أكثر من 80 طناً. وأكدت بعض البرديات[1] المكتشفة أنه تم نقلها لمسافة تزيد عن 800 كيلومتراً لتوضع في الهرم.
  • لم تكن احداثيات الأهرامات وموقعها مجرد صدفة، بل أظهرت معرفة دقيقة بعلم الفلك والنجوم. وقد أشار بعض العلماء إلى أنه كان من المستحيل على المصريين قبل 5000 آلاف عام معرفتها. سنتحدث عن ذلك فيما بعد.

يفترض الكثير من علماء الآثار المشهورين بعض النظريات المريحة. ولا يلقون بالاً للجيولوجيين ودراساتهم الجديدة. ورغم ذلك هناك شيئاً واضحاً تماماً: الهرم الأكبر في الجيزة أقدم بكثير مما يُعتقد. دعونا نتعمق أكثر في بعض الأسرار الأكثر إثارة للدهشة حول هذه الأعجوبة المعمارية.

غرفة الملك بهرم خوفو

معلومات عن هرم خوفو
غرفة الملك بالهرم الأكبر

قبل المضي قدماً في الحديث عن عجائب وأسرار الأهرامات ككل، دعونا نبدأ بالغرفة الأكثر رمزية والتي تحتوي على الكثير من الألغاز بداخلها. إنها غرفة الملك. لقد اعتقد علماء المصريات دائماً أن الهرم الأكبر بالجيزة كان مقبرة للملك خوفو، ولكن لم يتم تقديم أي دليل على الإطلاق لتأكيد ذلك. ولم يقتصر الأمر على عدم العثور على مقبرة خوفو – الفرعون الثاني من الأسرة الرابعة – بل لم يتم العثور على أي قبر على الإطلاق داخل الهرم الأكبر. بالطبع تم العثور على عدد غير قليل من المقابر في المناطق المحيطة بأهرامات الجيزة، ولكن لم يتم العثور على أي مقبرة داخل الهرم[2].

كانت حجرات دفن الملوك الموتى التي اكتشفت على مدار التاريخ مزخرفة ومزينة بالكثير من النقوش، مع الكثير من الكنوز والأشياء الخاصة بالفرعون واللازمة لإعداده للحياة الآخرة. لكن غرفة الملك بالهرم الأكبر كانت عكس ذلك تماماً، فلم تكن مزخرفة أو مزينة بأية نقوش. وهناك شيء غريب آخر يخص هذه الغرفة. حيث يوجد بها صندوق حجري فارغ بدون غطاء أو زخرفة. وأقول هنا “صندوق” وليس “تابوت” لأنه على الرغم من إنه يشبه التابوت، إلا أنه لم يتم العثور على مومياء أو جثة بداخله على الإطلاق.

لقد أخبر المصريون القدماء المؤرخ اليوناني هيرودوت – وهو الذي وضع قارة أتلانتس المفقودة على الخريطة – أن خوفو لم يُدفن في هرم الجيزة، بل في مكان آخر. ولم يتم العثور على هذا المكان مطلقاً حتى الآن. ولا تزال هناك تكهنات حول مكان وجود الفرعون. وفي حقيقة الأمر إذا قارنا غرفة الملك في الهرم الأكبر مع غرف الملك الأخرى الأحدث فلسوف نكتشف أن غرفة هرم الجيزة لم تكن مثل أي غرفة أخرى. فهذه الغرفة تتمتع بمظهر غامض للغاية، ولا يبدو أنها قبر ملك عظيم. وهنا يأتي التساؤل الأعظم.. إذا كانت هذه الغرفة لم تكن غرفة دفن الملك، فما هي وظيفتها؟

وظيفة غرفة الملك

الهرم الأكبر
الغرض من بناء غرفة الملك بهرم خوفو

الأمر الغريب الآخر هو أن هذه الغرفة تفتقد للحماية التي كانت موجودة عادةً في قبور الفراعنة. فهي لم تحاول ردع لصوص المقابر بأي شكل من الأشكال. حيث كان باب المدخل مفتوحاً، والممر الرئيسي للهرم يرتفع بوضوح شديد داخل جسم الهرم. بمعنى آخر فإن طبيعة هذا المدخل ستشجع المتسللين على الذهاب إلى غرفة الملك مباشراً. لذا سيكون من الحماقة الاعتقاد بأن غرفة الملك مصممة لردع المتسللين كما يعتقد البعض.

هناك فرضية أخرى مفادها أن هذه الغرفة صُنعت فقط لتخفيف الوزن قليلاً. هذا على الرغم من أن عالم المصريات هوارد فايس هذه الفكرة عام 1840[3]، إلا أن دراسة حديثة أظهرت أن تخفيف الوزن يتم من خلال الأجزاء التي تخرج من هيكل غرفة الملك. حيث توجد خمس حجرات تفريغ فوق حجرة الملك حتى لا يتم تفريغ كل ثقل الجزء العلوي من الهرم على سقف الحجرة. وتبدو هذه الحجرات كما لو كانت مظلة. يبدو أن هناك المزيد من الأدلة عن الغرض من غرفة الملك، وهو استخدامها كقناة للطاقة. أي لحصر الحرارة/ الطاقة داخله، أو من الداخل. لكن ما هو الدليل على ذلك؟ دعونا نرى.

التزجيج

التزجيج هو التحويل الكامل أو الجزئي لمادة إلى زجاج، إما عن طريق التخلص السريع من الحرارة، أو إضافة المزيد من الحرارة أو خلطها مع إضافات. ولقد لاحظ المستكشفون الأوروبيون الأوائل أن أسطح الهرم تتوهج في ضوء المشاعل، وأن الجدران كانت مبطنة بالرخام المصقول، لأنهم اعتقدوا أن غرفة الملك هي مقبرة ملكية، لكنهم كانوا مخطئين. إذا نظرنا إلى الأسطح الداخلية سنجدها مزججة بالحرارة. وهو أمر يمكننا تأكيده بفضل الدراسة التي أجراها فلندرز بيتري عام 1883. حيث لاحظ أن الجدران كانت مصنوعة فقط من الجرانيت وتتوهج في الضوء لأنها انصهرت بالحرارة المزججة.

هل تعرف الشيء الأكثر إثارة للاهتمام في هذا الأمر؟ تتطلب هذه العملية درجة حرارة تزيد عن 1000 درجة مئوية لعدة ساعات. هل يمكنك الآن أن تخبرني ما هي الأدوات التي عثر عليها المصريون من أجل القيام بمثل هذه العملية؟ لكن لم ينتهي الأمر هنا.

الأبعاد

قام بيتري كذلك بقياس أبعاد الغرفة بدقة. وأدرك أن الجدران قد تحركت للخارج حوالي 50 ملم من موضعها الأصلي. وحدث نفس الشي مع عوارض السقف في غرفة الملك التي تحركت للأعلى هي الأخرى. أي أن الغرفة توسعت أفقياً ورأسياً.

الهندسة المعمارية

لا يزال لدى الهرم الأكبر الكثير من أسرار التصميم التي لا يمكن تفسيرها فحسب، بل نجدها تتفق مع المبادئ الهندسية لهيكل احتواء الطاقة. دعونا نرى.

  • عوارض السقف منتظمة وناعمة على الجوانب السفلية لتقليل امتصاص الحرارة، ولكنها في نفس الوقت غير منتظمة وخشنة على الجوانب العليا لتعظيم إعادة الإشعاع.
  • التصميم العام “عائم” أي طافي يشبه المظلة. ويسمح هذا الشكل المظلي للأرضية والجدران والسقف أن تنثني بشكل مستقل دون الإضرار بسلامة القلب.
  • يحتوي تصميم السقف على عمود ضيق يؤدي إلى الجزء العلوي من الممر الكبير، وهو مثل قناة استاكيوس الموجودة في الأذن والتي تساعد على معادلة الهواء والضغط في آذاننا، لأن هذا هو بالضبط الغرض من الغرفة. أي إنها صٌممت لتكون بمثابة صمام تعويض درجة الحرارة والضغط.
  • وجد هوارد فايس أيضاً شيئاً لم يعرف في البداية وظيفته. حيث عثر على طبقة من المسحوق الأسود واكتشف بعد التحليل أنه بقايا قشور الخنفساء السوداء – الموجودة في العديد من النقوش. تتكون أصداف هذا النوع من الخنفساء من مادة تسمى الكيتين (تشبه الظفر البشري) والتي تستخدم حالياً في صناعة خيوط العمليات الجراحية نظراً لليونتها وصلابتها. والغريب في الأمر أن هذه المادة ليست موصلة ولا تفاعلية، ولكنها تعمل كعازل.

كل هذه النقاط لا تخبرنا سوى بشيء واحد: أن غرفة الملك كانت بمثابة قناة أو حاوية للطاقة الحرارية.

المركز الجغرافي للأرض

الحضارة الفرعونية
خريطة توضح مركز الكتلة اليابسة

هناك خلاف حول ما إذا كان الهرم الأكبر بالجيزة يقع في وسط كتلة اليابسة في الأرض أم لا. لكن دعونا نتعرف في البداية على ما هي هذه الكتلة وما مركزها. تشير العديد من الدراسات إلى أن كتلة اليابسة على الأرض كانت مركزة في قارة عظمى واحدة عملاقة. ثم حدث شيء ما تسبب في انقسام الكتلة اليابسة وتحولها إلى القارات المعروفة. وهناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن التأثيرات النيزكية[4] العملاقة لعبت دوراً هاماً في ذلك.

من الطبيعي الآن أن يتغير هذا المركز، لكن إذا جمعنا كل اليابسة على الأرض معاً فسيكون الهرم الأكبر هو المركز الجغرافي للأرض. نحن نعرف بالطبع أن الأرض كروية – على الرغم من وجود بعض المجانين الذي ينكرون ذلك – والمركز في حد ذاته سيكون مركز الكرة، لكن المركز الجغرافي يأخذ في الاعتبار مساحة الأرض فقط، مثل وضعها على الخريطة.

الانجراف القاري

إن فكرة وجود الهرم الأكبر في مركز الأرض مأخوذ من ستينيات القرن التاسع عشر، عندما قال الجغرافيون إنه كان كذلك. وبطبيعة الحال من الصعب إجراء عملية حسابية دقيقة في القرن التاسع عشر تشمل العالم بأكمله. هناك حسابات أحدث تضع مركز القارات على مسافة جيدة إلى الشمال، في تركيا على بعد حوالي 100 – 200 كم جنوب شرق أنقرة. والصحيح أنه إذا استخدمنا الخريطة التي أنشأها جيراردوس مركاتور[5] عام 1569 لكان الهرم الأكبر في مركز كتلة الأرض. مع الوضع في الاعتبار أن هناك قارات كثيرة تتحرك بضع سنتيمترات عن موضعها كل عام بسبب حركة الأرض، وهو ما يعرف باسم “الانجراف القاري”.

تخيل مجموع هذه الحركات على مدى عدة آلاف من السنين. على سبيل المثال تتحرك أيسلندا بمقدار 2 سم كل عام. لذا فإن فكرة وجود الهرم في المركز يمكن أن تكون حقيقة، فالهرم حالياً لا يقع في المركز الجغرافي للأرض، ولكن هذا لا يعني إنه لم يكن موجوداً في المركز في وقت بناءه. ولهذا السبب دعونا نضع هذه النظرية في الاعتبار، ولنتحقق الآن من بعض الأسرار الأخرى، فلا تزال هناك أشياء كثيرة في داخل الهرم لاكتشافها.

الغرفة السرية

ليست غرفة الملك هي الغرفة الوحيدة التي تجعلنا نطرح على أنفسنا العديد من الأسئلة. حيث تم العثور مؤخراً على غرفة سرية أخرى. نعم كانت موجودة هناك لأكثر من 5000 آلاف عام وربما أكثر ولم يعرف عنها أحد. وقد أوضحت مجلة nature العلمية[6] أن الباحثين استخدموا جزيئات الأشعة الكونية[7] لاكتشافها. لقد كان هناك فريق من الفيزيائيين الذين استخدموا تقنيات أخرى في الستينيات للبحث عن مزيد من الغرف داخل الهرم الأكبر ولم يعثروا على أي منها. ولكن مع التقدم التكنولوجي الكبير، كان عليهم المحاولة مرة أخرى. وهذه المرة استخدموا أجهزة كشف الميونات. وهي أجهزة تستخدم لتصوير الأشياء الكبيرة مثل الجبال والبراكين بتقنية رقمية باستخدام جسيمات تسمى ميونات. ببساطة تشبه طريقة عملها طريقة عمل التصوير بالأشعة السينية على سبيل المثال.

  • لا تتحد جسيمات الميونات مع غيرها. ويمكن باستخدام هذه الكاشفات حساب عدد الميونات التي تمر عبر الهرم.
  • يمتص الحجر الميونات جزئياً، لذا فإن أي ثقب كبير في الهرم سيؤدي إلى ظهور عدد من الميونات أكثر من المتوقع على شاشات هذه الماسحات الضوئية.
  • لم تُستخدم هذه الميونات فقط للعثور على غرف في الأهرامات، بل تم تطويرها لاستخدامها في مسرعات الجسيمات. وقد استخدمت أيضاً في العقد الماضي لتحديد الهياكل الداخلية للبراكين ودراسة المفاعل النووي المتضرر في فوكوشيما باليابان.

بعد أن تعرفنا ببساطة على هذه التقنية الرائعة دعونا نرى ماذا اكتشفت أجهزة التصوير. لقد صورت غرفة بطول 30 متراً. وبعد هذا الاكتشاف العظيم وجدوا أيضاً ممراً جديداً، على الرغم من أن غرفة بهذا الحجم هي أكثر إثارة للاهتمام بكل تأكيد. لكن المذهل في الأمر أنهم لم يصلوا لها بعد. بمعنى أنهم كشفوا عن وجودها ولم يتوصلوا لطريقة بعد للولوج إليها، لذا لا توجد فكرة عن بنية هذه الغرفة وما قد يكون بداخلها. إنها لغز أخر بحاجة للحل.

كيف بُني هرم خوفو؟

كيف بني الهرم الأكبر
صورة توضح نظرية المنحدرات في بناء الهرم

ماذا يتبادر إلى الذهن عندما نرى الأهرامات الأحدث أسوأ وأكثر بدائية من الهرم الأكبر؟ فهذا يعني أنه بمرور الوقت يبدو أن التكنولوجيا تزداد سوءاً، ولا أحد يستطيع تفسير ذلك. ولهذا السبب يمكننا الدفاع عن فرضية النيزك والحضارات المفقودة التي تحدثنا عنها في مقالات سابقة.

إن طريقة بناء الهرم الأكبر مختلفة تمام الاختلاف عن طريقة بناء الأهرامات الأحداث سواء كانت صغيرة أو كبيرة. ويبدو أن بناء الأهرامات الحديثة ما هي سوى محاولات لصنع نسخ من الهرم الأصلي. ولكن ما يهم الآن هو التعرف على كيفية بناء الهرم الأكبر. أحد فرضيات البناء هي نظرية المنحدرات التي اقترحها المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة وجامعة ليفربول بعد اكتشاف بقايا نظام من المنحدرات[8]. يعود تاريخ هذه البقايا من الناحية النظرية إلى 2560 قبل الميلاد، ولكن إذا كان الهرم الأكبر أقدم بكثير، فربما لا علاقة لها بالبناء الأصلي. كما أن بقايا هذه المنحدرات كانت مصنوعة من المرمر الذي لا علاقة له بمواد الهرم.

هناك مشكلة أخرى تواجه هذه النظرية. حيث تشير إلى أن المنحدرات المكتشفة كانت أشد حدة مما كان يُعتقد. وهنا نجد أن الأمر يتعلق بالفيزياء أكثر من أي شيء آخر، فكلما زادت زاوية المنحدر، زادت الحاجة إلى جهد أكبر للتحرك عليه. وبعد أن أجرى الباحثون حساباتهم رأوا أن صنع منحدر لبناء الهرم الأكبر سيتطلب قدراً كبيراً من المواد مثل الهرم نفسه، وأن صنعه إذا تم بهذه الطريقة، فعليهم أن يبنوا ما يعادل هرمين كل منهما يستغرق 20 عاماً، وهي المدة التي يقول التيار السائد أن بناء هرم خوفو استغرقها. ما يمكن تأكيده هو أن كل فرضية أو نظرية جديدة تفشل في الكشف عن طريقة بناء الهرم الأكبر. لكن بغض النظر عن ذلك فإن الشيء الأكثر إثارة للاهتمام هو ما سنتناوله في القسم التالي.

الدقة في قياسات هرم خوفو

ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الحسابات التي تشير إلى الدقة الهائلة للأهرامات وقياساتها وعلاقاتها بالفيزياء وعلم الفلك. ويشير البعض إلى أن بناة الأهرامات كانوا يعرفون الرياضيات بشكل لا يمكن تخيله، وأغرب ما في الأمر أن بعض قياسات الهرم تشير إلى المسافة بين القطب الشمالي والجنوبي للأرض، وإحداثيات الهرم الأكبر تتوافق مع سرعة الضوء، وما إلى ذلك. سنحاول أن نُلقي الضوء على بعض هذه البيانات وتحليلها لعل بها بعض الحقائق التي تكشف عن أسرار الهرم الأكبر، وهذا بالطبع بعيداً عن نظريات المؤامرة.

يقول أصحاب هذه النظريات التي تعتمد على الأرقام أن ارتفاع الهرم الأكبر يبلغ 146.5 متراً. والمسافة بين الأرض والشمس 148.8 مليون كيلو متر. وعلى الرغم من عدم تماثل الرقمين بصورة تامة، إلا أن مرور السنوات وعوامل التعرية والتآكل التي حدثت للهرم الأكبر يمكن أن تكون ساهمت في ذلك. وربما يكون ارتفاع الهرم عند بناءه هو نفس المسافة بين الأرض والشمس. استعد جيداً لأن ما بدأناه للتو هو ما يطلق عليه الكثير من الناس مجرد صدفة.

هرم خوفو له ثمانية جوانب وليس أربعة

أسرار الأهرامات المصرية
صورة جوية توضح أوجه الهرم الأكبر

العديد من الناس لا يعرفون ذلك، ولكن الهرم الأكبر لديه تقعر صغير من كل جانب. وعندما نفكر في الهرم كشكل يتبادر إلى ذهننا شكل هرمي رباعي الجوانب، لكن ليس هو الحال مع الهرم الأكبر، وعلى الرغم من عدم إمكانية رؤيته مباشراً، إلا أننا إذا ألقينا نظرة جوية يمكننا أن نرى أن هرم خوفو له في الواقع ثمانية وجوه. وهذا لا يؤدي إلى تعقيد التصميم فحسب، بل ينتج عنه هندسة غريبة ذات أرقام مذهلة.

النسبة الذهبية والعدد باي

هناك المزيد من الأرقام المبهرة التي يحتويها الهرم الأكبر، على سبيل المثال يحتوي على رقمين غير نسبيين:

  • الرقم باي (π).
  • النسبة الذهبية (φ).

يُقال إن المهندس المعماري الذي صمم الهرم الأكبر قام عمدا بدمج النسبة الذهبية والرقم باي في نسب الحجر. رغم أنه يعتقد أن هذه الأسطورة مبنية على سوء فهم لكتابات هيرودوت، والحقيقة أن هيرودوت تعلم من الكهنة المصريين ما يلي:

” تم بناء الهرم الأكبر بحيث يكون للساحة التي يكون جانبها ارتفاع الهرم الأكبر مساحة مساوية لمساحة كل وجه من وجوه الهرم”.

وبناء على هذه العبارة ليس من الصعب استنتاج العلاقة الشهيرة بين الهرم الأكبر والنسبة الذهبية. وهو اشتقاق يستخدم مبرهنة فيثاغورس[9]. إنها النظرية التي لن تظهر إلا بعد آلاف السنين من بناء الهرم. ولكن من الواضح أن ما انتهي هيرودوت إلى كتابته يتغير قليلاً، إذا اعتمدنا على ترجمته مباشرة من اليونانية[10]:

“قاعدته مربعة، طول كل جانب ثمانمائة قدم، وارتفاعه هو نفسه”.

ببساطة فإن الاستنتاج النهائي الذي توصل إلى بعض الأكاديميين هو أن الرقم باي[11] أقل وجوداً في نسب الهرم ولكن النسبة الذهبية موجودة بوضوح، والجدير بالذكر أن النسبة الذهبية يطلق عليها أيضاً النسبة الإلهية. وسوف نتحدث عن هذا الأمر، ولكن تدريجياً، نظراً لصعوبة الحديث عن الرياضيات.

لغز القياسات

أسرار هرم خوفو
احداثيات الهرم الأكبر

إذا أخذنا قياسات الهرم الأكبر على الخريطة سنجد أن إحداثياته ​​هي 29.9792458° شمالاً. وهي بالضبط نفس رقم سرعة الضوء بالأمتار في الثانية: 299,792,458 م/ث. ما هي احتمالات ذلك؟

  • 9792458° شمالاً هو خط عرض مركز الهرم الأكبر أو القياس من أعلى نقطة منه.
  • وإذا استخدمنا القيمة العددية لسرعة الضوء رقماً برقم، نحصل على الإحداثي 29°58′45.28″ الذي يقع على بعد 8 أمتار شمالاً فقط إذا اعتبرنا مركز الهرم مرجعاً، لكن هذه العلامة لا تزال تقع داخل الهرم ومعدل الخطأ هو الحد الأدنى. على غرار هامش الخطأ “الشمال الحقيقي”.
  • إذا أراد المصريون القدماء حقاً تسجيل معرفتهم لسرعة الضوء، فقد قاموا بتقدير تقريبي لا يصدق حتى مع الأخذ في الاعتبار فقط هذا الخطأ البالغ 8 أمتار والذي يُترجم إلى خطأ قدره 708 أمتار في الثانية.

هذا الخطأ في الواقع ضئيل جداً إذا وضعنا في اعتبارنا الانجراف القاري، وهو حركة صفائح الأرض على مر السنين، وبدلاً من أن يكون الخطأ 8 أمتار سنحصل على متر واحد فقط من الخطأ. وهو ما يشير إلى أن موقع الهرم الأكبر يساوي سرعة الضوء بالمتر. لكن لماذا تكون الأدلة قوية عندما يتعلق الأمر بالطاقة؟ لأن الشكل الهندسي للهرم أكثر كفاءة في إظهار الطاقة الكسيرية – الفركتلات[12] – وهي تلك الأشكال المضغوطة بطريقة ما في مساحة محدودة، وتكون ذات بنية معقدة لا نهائية، وتعتبر لا نهائية لأننا كلما قمنا بزيادة دقة أداة القياس نلاحظ أن الكسيرية تزداد في الطول أو المحيط. دعونا نبسط الأمر فالهرم الأكبر لم يكن يتعلق بالشكل بقدر ما يتعلق بالموقع. فما سبب أهمية موقع أقدم هرم في العالم. يرتبط الموقع بالمدار الإهليلجي للأرض.

إذا عدنا للموقع يبدو لنا أنه لم يكن من قبيل الصدفة. حيث تم بناء الهرم الأكبر بشكل متناغم مع الهرمين الآخرين الأصغر حجماً المجاورين له، وتمثال أبو الهول. هناك فرضية مفاداها أن الأهرامات الثلاثة يمثلون كوكبة أوريون أو كما يطلق عليها كوكبة الجبار أو الجوزاء. ونحن نعلم أن المصريين كانوا يعتقدون أن الآلهة تنحدر من حزام أوريون وأن الشعرى اليمانية (ألمع نجم في السماء) والآلهة اتخذا شكل بشر. ولهذا ارتبط أوريون بالإله أوزوريس، وارتبط الشعرى اليمانية بالإلهة إيزيس. وكلاهما خلق الحضارة الإنسانية.

هل يشير هرم خوفو إلى الشمال الحقيقي

معلومات عن الهرم الأكبر
الشمال الحقيقي والشمال المغناطيسي

سيكون من قبيل الصدفة أن يتم الإشارة كوكبة كهذه من أجل ذلك فقط، ولكن فوق ذلك يشير الهرم الأكبر بالجيزة إلى “الشمال الجغرافي” أو “الشمال الحقيقي”. والشمال الحقيقي ليس هو ما يظهر على البوصلات، فهذا هو الشمال المغناطيسي. لكن الشمال الحقيقي هو الذي يشير إلى الاتجاه الدقيق في خط مستقيم حيث يقع القطب الشمالي. وقد اكتشف هذا المفهوم في القرن الحادي عشر على يد الصيني شين كوا، وهذا دليل أخر على المعرفة التي لا يمكننا تفسيرها. فكيف يمكن للمصريين القدماء معرفة مكان القطب الشمالي بالضبط؟ أياً كان من قام ببناء الهرم الأكبر، فقد قام بمحاذاة هذا النصب التذكاري بشكل مثالي تقريباً على طول النقاط الأساسية: الشمال والجنوب الشرقي والغربي. وعندما نقول تقريباً نعني أنهم فشلوا بمقدار 0.05 درجة فقط.

خطوط الطول والعرض

أما المكان الذي لم يفشلوا فيه قط، هو أن يكون موقعه بالضبط عند خط عرض 30 درجة شمال المستوى الاستوائي للأرض. وهو بالضبط ثلث المسافة بين خط الاستواء والقطب الشمالي. علاوة على ذلك:

يمثل الهرم الأكبر مقياس رسم مصغر للجزء الشمالي للكرة الأرضية بنسبة 1: 43200. حيث رأس الهرم يمثل القطب الشمالي وقاعدته خط الاستواء. إذا ضربنا قاعدة الهرم في 43200 نحصل على المحيط الاستوائي للأرض. وإذا ضربنا ارتفاعه في 43200 نحصل على نصف القطر القطبي للأرض. هذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن من بنى الأهرامات كان لديه علم يهدم رواية التاريخ الحالي.

المبادرة المحورية

يأتي هذا الرقم من الحركة التي يقوم بها كوكب الأرض بشكل طبيعي. حيث تتمتع الأرض بما يسمى المبادرة المحورية، وهو مصطلح في علم الفلك يشير إلى التغير البطيء والمستمر في توجه محور الدوران لأحد الأجرام الفلكية بفعل الجاذبية. ويمكن أن يشير هذا المصطلح تحديداً إلى الانحراف التدريجي في توجه محور كوكب الأرض في دورة تستغرق 25920 عاماً تقريباً. نحن نعلم أن الحضارات القديمة كانت مهووسة بالاعتدالات. وهي تلك الأوقات من السنة التي تكون فيها ساعات النهار والليل متماثلة تماماً. يحدث ذلك عندما تشكل الشمس محوراً وهمياً متعامداً تماماً مع خط الاستواء، وبذلك تكون مدة النهار والليل متساوية.

تتحرك الأرض حركة يومية حول محورها وحركة سنوية حول الشمس، وهناك حركة أخرى تسبب انزياح بطيء ودوري لمحور الأرض وهي تقريباً درجة واحدة كل 72 عام. سبب هذه الحركة المبادرة المحورية التي أشرنا إليها آنفاً. وهي ما تسبب الاعتدالات. يتم حسابها على خلفية من النجوم – الأبراج الاثنا عشر – التي تتغير تدريجياً مع الوقت. وهذا هو علم الفلك الخالص[13] وليس علم التنجيم.

إذن ما لدينا هنا هو حركة تعمل بمعدل درجة واحدة تقريباً كل 72 عاماً، لذا فالحساب بسيط.

  • نضع 30 درجة لكل من الأبراج ال 12 في دائرة الأبراج.
  • نضرب 72 في 30 درجة ونحصل على 2160 وهي السنوات التي تستغرقها كل كوكبة للأرض للقيام بدورة كاملة.
  • نأخذ 12 كوكبة ونضربها في 2160 سنة الخاصة بالاعتدال وسنحصل على إجمالي الوقت الذي تستغرقه الأرض للقيام بدورة كاملة للكوكبات ال 12 وسنجد أن النتيجة هي 25920.

وعندما يقوم الكوكب بدورة كاملة، فهذا ما أطلقت عليه الحضارات القديمة “العام العظيم” وهو الوقت الذي تبدأ في كل هذه الحركة الدورانية للأرض مرة أخرى. والنتيجة كما ذكرنا من قبل هي 25920 سنة.

هرم خوفو ونظريات المؤامرة

إن العلاقة بين موقع الهرم الأكبر والدين وغرفة الملك تشير إلى أن الهرم كان بمثابة قناة للطاقة الحرارية وهي نتيجة منطقية إذا نظرنا إلى مستوى المعتقدات المصرية القديمة. حيث اعتقد المصريون القدماء أن الفرعون هو ابن الإله، وعندما يموت يتم إعداد طقوس مناسبة لذلك الأمر الجلل. فهو سيتحول إلى روح رع – إله الشمس (الطاقة) – لينضم إلى الإله رع تحت هذه الشمس الأبدية في السماء. ويتفق علماء المصريات الأكثر حداثة على أن المصريين الأوائل آمنوا حقاً بهذه العملية، ليس على مستوى الاعتقاد المجازي فحسب، بل كتحول حقيقي مادي.

لم تكن مجرد صدفة

ما نراه هو أن عملية التحول وظهور الطاقة الضوئية كانت في الأصل حقيقية وفيزيائية حسب رأي قدماء المصريين. لكن ما حدث أنه أسيء تفسيرها بعد ذلك على أنها كيمياء ثم سحر ثم تصوف وأصبحت في النهاية ديناً. فإذا كانت البيانات العشوائية واحدة أو اثنتين من حيث الأرقام التي يقدمها لنا الهرم، فيمكننا أن نجادل في أنها محض صدفة، ولكن تطابق كل هذه البيانات والقياسات لا يكون مجرد صدفة.

وفي كل مرة أقرأ عن هذه الأشياء وأرى الجيولوجيين الجدد يضعون تواريخ أقدم للهرم الأكبر ويشيرون أن عمره يتجاوز 10000 عام يزداد اقتناعي بنظرية النيزك التي أدت إلى اختفاء الحضارات المتقدمة. أما بالنسبة لي فأنا اعتقد أن النظرية الأكثر منطقية أن بناء الأهرامات يرتبط بالطاقة، ومقتنع بأن نيكولا تسلا كان قريباً جداً من القيام بما فعله بناة الهرم. لكن ربما لن نعرف أبداً.


ألقي نظرة خاطفة من وقت لآخر على نظريات المؤامرة لأرى ما إذا كانت تقول شيئاً مجنوناً، ولذلك أشعر برغبة في اختتام المقال بتعليق مضحك صادفته:

“ماذا لو كان الهرم الأكبر بالجيزة عبارة عن رمز QR حتى يتمكن الفضائيون من معرفة قياسات الأرض بمسح سريع”.

المراجع

[1] Egypt’s Oldest Papyri Detail Great Pyramid Construction.

[2] Here lies the body of Cheops – or maybe not.

[3] Operations Carried on at the Pyramids of Giza in 1837: with an account of a voyage into Upper Egypt.

[4] SCIENTISTS SAY ASTEROID BROKE UP SUPERCONTINENT.

[5] Gerardus Mercator.

[6] Cosmic-ray particles reveal secret chamber in Egypt’s Great Pyramid.

[7] Search for Hidden Chambers in the Pyramids: The structure of the Second Pyramid of Giza is determined by cosmic-ray absorption.

[8] Lifting Material to Build the Pyramids of Egypt Ramps and Other Lifting Devices.

[9] Phi, The Great Pyramid, and a statement attributed to Herodotus.

[10] Volumes of Pyramids and Cones.

[11] PI AND THE GREAT PYRAMID.

[12] Aesthetics and Psychological Effects of Fractal Based Design.

[13] Astronomy in Ancient Egypt.

This Post Has 4 Comments

  1. غير معروف

    مذهل.. لكن هل تعتقد أن الفراعنة كان عندهم تكنولوجيا متطورة أكثر من الموجودة الآن

    1. وائل الشيمي

      ما اعتقده أنه ربما كانت هناك حضارات متقدمة أقدم من الحضارة المصرية القديمة.. والله أعلى وأعلم

  2. غير معروف

    فرضيات تستحق التأمل

اترك تعليقاً