التوأم السيامي أو ما يُعرف بالتوائم الملتصقة هي حالات ولادة نادرة للغاية، ففي أغلب الأحيان تموت التوائم الملتصقة عند الولادة. لكن أشهر توأم سيامي في التاريخ كان تشانغ وإنغ ولهما قصة غاية في الغرابة، في هذا المقال نتعرف على قصة أول توأم سيامي شهير في العالم، ولماذا أطلق على التوائم الملتصقة اسم التوأم السيامي؟
ما هو التوأم السيامي؟
قبل الخوض في تفاصيل القصة الغريبة لأول توأم سيامي في العالم علينا التعرف على بعض المعلومات الضرورية عن التوائم الملتصقة. التوائم الملتصقة هي ولادة طفلين ملتصقين ببعضهما البعض، ويمكن أن يتشاركا في بعض أعضاء الجسم. ويكون الالتصاق إما عن طريق الرأس أو الصدر أو العمود الفقري أو منطقة الحوض.
يمكن فصل التوائم الملتصقة إلا أنها عملية معقدة وشديدة الخطورة، حيث يمكن أن يموت أحدهما عند عملية الفصل. ولا يمكن أن تتم عملية الفصل إذا كانا التوأم السيامي مشتركان في عضو حيوي واحد مثل حالة تشانغ وإنغ. حيث كانا مشتركان في كبد واحد. أما بالنسبة لسبب ولادة التوائم الملتصقة فلم يتوصل العلم حتى الآن إلى السبب بالتحديد، إلا أن هناك بعض الأبحاث والدراسات التي تشير إلى أن حدوث هذا يتم خلال المراحل الأولى من حمل الجنين حيث تنقسم المضغة فينتج عنها ولادة توائم ملتصقة[1].
لماذا أطلق على التوأم الملتصق اسم التوأم السيامي؟
إن إطلاق اسم التوأم السيامي على التوائم الملتصقة يعود إلى أشهر توأم ملتصق في العالم وهما تشانغ وإنغ اللذان ينحدران من أصول تايلندية. حيث كانت تايلند تسمى “سيام” حتى عام 1939 إلى أن تم تغيير اسمها بعد ذلك لتصبح تايلند. كانت هناك العديد من حالات التوائم الملتصقة المعروفة عبر التاريخ، وقد ورد ذكر إحدى الحالات قبل أكثر من ألفين عام، ولكن في حالة هذين الطفلين وبسبب توقيت ميلادهما وشهرتهما فيما بعد في جميع أنحاء العالم أطلق عليهما التوأم السيامي. وهكذا أصبح هذا الاسم مرادفاً لظاهرة الالتصاق فيما بعد.
حالات التوائم الملتصقة في التاريخ
تشير العديد من الإحصاءات إلى أن حدوث حالات التصاق التوائم نادرة جداً، فهي تحدث في حالة واحدة من بين كل عشرة ملايين ولادة. أما فصل التوأم السيامي فهو أمر محفوف بالمخاطر، حيث كان هناك 64 من التوائم الملتصقة في جميع أنحاء العالم، توفي منهم 30 عند فصلهم[2]. دعونا نستعرض بعض حالات التوائم الملتصق في التاريخ[3].
- كانت الحالة الأولى المسجلة في عام 1495 وهي الولادة المعجزة للتوأم ملتصق وهما فتاتان التصاقا عند الرأس لمدة عشر سنوات، وعندما ماتت إحداهن، كان من الضروري فصل الأخرى، وعندما تم ذلك مات الطفل الحي أيضاً.
- عاش التوأم تشانغ وإنغ في سيام من عام 1811 إلى عام 1874، وحظيا بالشهرة في جميع أنحاء العالم، وأنجبا 22 طفلاً. ولسوف نستعرض قصتهما بالتفصيل في هذا المقال.
- نجا أحد التوأمين الملتصقين في الولايات المتحدة لأول مرة في عام 1953. وكانا ملتصقين في العمود الفقري، ويشتركان في قناة معوية مشتركة.
- قام الجراح بنيامين كارسون في سبتمبر 1987 بإجراء عملية جراحية لفصل التوأمين باتريك وبنجامين بيندر، وعاش الطفلان لمدة سنة واحدة، لكنهما أصيبا بأضرار بالغة في الدماغ ماتا على إثرها.
- كانت الأختان الملتصقتان لاله ولادن بيجني من إيران تبلغان من العمر 29 عاماً، عندما قاما بإجراء عملية جراحية لفصلهما في 2003، ولكن بعد وقت قصير من إجراء العملية ماتا.
قصة أول توأم سيامي في العالم
وقعت أكثر الأحداث المثيرة في التاريخ الحديث في عام 1811 بالقرب من بانكوك، ففي يوم 11 مايو من ذلك العام ولد التوأمان الملتصقان تشانغ وإنغ لوالدين ينحدران من أصول صينية وتايلندية وماليزية. وقد ساعدت الأساطير والخرافات السائدة في ذلك الوقت في الاعتقاد بأن نهاية العالم قد حان وقتها. حيث عانى الناس حينها من الفقر وزيادة وتيرة الكوارث الطبيعية والمجاعات والوفيات غير المبررة، وانتهت هذه الكوارث بولادة توأم ملتصق، مما أثار الرعب والخوف والذعر في القرية التي ولد فيها الطفلان.
لم يرد والدا تشانغ وإنغ أن يفصحا عن هذا الأمر، وأرادا أن يخفياه عن جميع الناس في ذلك الوقت. لكن أمر مثل هذا لن يكن بمقدور أحد إخفاءه، فعلم الأهل والأقارب والأصدقاء بشأن هذه الولادة الغريبة. ثم انتشر الخبر في جميع أنحاء القرية. مما جعل الجميع يذهب تباعاً إلى منزل الطفلين لرؤيتهما.
النشأة المبكرة
كان تشانغ وإنغ ملتصقين منذ الولادة عند عظم الصدر، وكان كبداهما مندمجان ويشكلان عضواً واحداً. بينما كبرا الطفلان بشكل طبيعي، وعلى الرغم من التصاق جسديهما إلا أنه كان عليهما التنسيق بين حركاتهما وهذا ما أتقناه بل وتعلما السباحة والصيد أيضاً. سار كل شيء كما ينبغي عليه أن يصير، ولم يخلو الأمر من التنمر والمضايقات التي حصل عليها التوأم السيامي إلا أن أهل القرية اعتادوا على رؤيتهما معاً، وتقبلوا الأمر في النهاية. لكن وفاة والدهما في عام 1822 أحدثت فجوة عظيمة في العائلة. حيث وجدت الأم نفسها وحيدة وعليها الاعتناء بعشرة أطفال.
حاولت الأم أن تعتني بالأطفال، لكن في ظل هذا العدد الضخم من الأطفال لم تتحمل الألم والمعاناة. ومن هنا قرر التوأم السيامي مساعدة والدتهما، وقررا البحث عن عمل. كانا التوأمان قد بلغا من العمر إحدى عشر عاماً، ولكن لم يرغب أحد في تشغيلهما حتى اضطرا إلى العمل كبائعين متجولين على ضفاف النهر. وذاع صيتهما في جميع أنحاء تايلند نظراً لالتصاقهما وغرابة تحركاتهما.
بعد مرور عامين على عملهما وبالتحديد في عام 1824 أراد الملك راما جلبهما إلى قصره ليعملا فيه ومن ثم ينتقلان إلى مستوى معيشي أفضل. وأرسل الملك في طلبهما، وبعد أن حصل على موافقتهما انتقل التوأم إلى القصر، وعاشا في رغد من العيش وارتديا أفخر الثياب. وأصبحا مفخرة وطنية ينبغي على كل مواطن أن يفخر بهما. وكان الملك يرسلهما إلى جميع السفارات ليتعرف العالم عليهما.
الهجرة إلى الولايات المتحدة
مرت الأيام وبدأ يتلاشى ذلك الاهتمام الشديد بالتوأم السيامي، مما اضطر الملك إلى إعادتهما إلى قريتهما. لكن عند عودتهما كانا تحت مراقبة من رجل يدعى روبرت هنتر. هذا الرجل كان تاجراً إنجليزياً سمع عنهما وأراد أن يتكسب من ورائهما. ذهب هنتر إلى الأم ليطلب منها أن تترك التوأم معه ليكسبوا سوياً الكثير من الأموال. لكن الأم رفضت سفرهما وعادا التوأم لعملهما القديم.
لكن هنتر لم ييأس، فهو يعتقد أن بإمكانه الحصول على ثروة طائلة إذا ما أخذ هذين الطفلين معه، واستمر في مراقبتهما وإعادة المفاوضات مراراً وتكراراً مع الأم. وبعد خمس سنوات تمكن من التفاوض مع التوأم السيامي مقابل مبلغ كبير من المال. كانت لديه خطط كبيرة لإنغ وتشانغ وكان سيقدمهما في عرض متنقل يجوب العالم بأكمله.
أخذ هنتر التوأم معه إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وبدأت عروضه القوية التي استمتع الجمهور في المسارح والقاعات عبر جميع أنحاء الولايات المتحدة. كان إنغ وتشانغ يؤديان عروضاً لمدة أربع ساعات في اليوم على مدار ستة أيام في الأسبوع لتسلية الالاف من خلال القفز والشقلبة واستعراض قدراتهما الخارقة في لعبة الداما والشطرنج وإبراز قوتهما المذهلة في رفع 20 حجراً في نفس الوقت.
محاولات فصل التوأم في بريطانيا
كانت التوائم الملتصقة تموت بمجرد ولادتها، والبعض منهم كان يعيش على أقصى تقدير بضعة أيام فقط، لكن حالة أول توأم سيامي في العالم كانت غريبة بالفعل. ولذلك حضر عروضهما الكثير من العلماء والأطباء لفحصهما. وقد سمع الناس في بريطانيا أيضاً عن التوأم السيامي، وأرادوا رؤيتهما. لذا أبحرا إلى هناك عام 1830 وفي لندن انتظرهما أفضل الأطباء في العالم من أجل فحصهما بعد أن اكتمل نموهما. بينما كانت الكتلة التي تربطهما معاً بحجم واستدارة ذراع صبي.
بعد الكشف والفحص على التوأم، أراد الأطباء الوصول إلى فكرة فصلهما عن بعضهما البعض، ودارات الكثير من المناقشات والجدال العلمي للوصول إلى إجابة على هذا السؤال المزعج: هل يمكن فصل التوأم وبقائهما على قيد الحياة؟ لكن لم يتفق الجميع على إجابة واحدة، وتعددت الآراء واختلفت. إلا أن أعظم جراحي بريطانيا في ذلك الوقت أستلي كوبر قال: لماذا نفصلهما إذا كان الأمر يمكن أن يكون مخاطرة كبيرة على حياتهما، فهم الآن يجنيان الكثير من المال بفضل هذا الالتصاق.. إنهما محظوظان. استمرت جولات التوأم السيامي في جميع أنحاء العالم، وبعد عام من هذه الجولات عادا إلى الولايات المتحدة الأمريكية أكثر صحة وتعليماً وثراءً.
معضلة زواج التوأم السيامي
ظلا التوأم في الولايات المتحدة حتى بلغ سن الثلاثين، وفي ذلك الوقت أراد الشابان الزواج بعد أن نشأت علاقة حب بين تشانغ وابنة مزارع محلي، وهكذا برزت على السطح معضلة رومانسية غير عادية، كان للفتاة شقيقة أخرى، لكن إنغ لم يكن مغرماً بها. من هنا حاول تشانغ الأكثر ذكاءً وهيمنة التأثير على أخيه للموافقة على زواجه. وأراد التوأم أن يتزوجا من الأختين. لكن لم يوافق الجميع على هذا الزواج على الرغم من حب الفتاة لتشانغ. وخلال هذه الفترة تعرض التوأم للكثير من الاعتداءات والتهديدات بالقتل. إلا أن الأمر انتهى في الأخير بالزواج.
عقد الزواج عام 1843 وأثار فضيحة كبرى مع اتهامات بكون هذا الزواج حيوانياً. وكانت الحرب الأهلية الأمريكية مشتعلة في تلك الفترة، مما جعل الشمال يلقي اللوم على الفسوق الشائع في الجنوب. لكن لم يهتم التوأم بكل هذه الأمور وسرعان ما أنجبت الزوجتان، مما زاد من حدة غضب العامة، حيث أثبتت الزوجتان من خلال الإنجاب أنها لم تكن علاقة أفلاطونية كما كان يعتقد الناس.
استمرت الحياة طويلاً، وقد أنجب التوأم 21 طفلاً: أحد عشر طفلاً لإنغ وعشرة أطفال لتشانغ. لكن علاقة الأزواج الحميمية تشوبها الكثير من الأسرار والغموض فلا أحد يمكنه الحديث بأريحية في ذلك الزمن عن هذا الموضوع. فهو يعد موضوعاً غير مهذباً.
ومع الكثير من الأطفال والصراعات بدأت الأختان في الجدال وسادت العديد من المشكلات الزوجية مما اضطر التوأم إلى فصل الأختان كل واحدة في منزل منفصل مع أطفالها. واتفقا على تقسيم أيام الأسبوع، فكانا يقضيان ثلاثة أيام مع واحدة وثلاثة أيام مع الأخرى.
وفاة أول توأم سيامي في العالم
وفي يناير 1874 أصيب تشانغ بالتهاب الشعب الهوائية الحاد، ومع أن إنغ كان سليماً معافى إلا إنه كان مضطراً للبقاء بجانبه في السرير. وبعد يومين استيقظ إنغ في وقت مبكر من الفجر، وراح يصيح طالباً المساعدة لقد توفي شقيقه.
شرع إنغ في الالتواء في حالة من الذعر الشديد في السرير وراح يتعرق بغزارة قائلاً لزوجته: إنني أموت. وعندما وصل الطبيب كان إنغ قد وافته المنية، وذلك بعد ساعتين ونصف فقط من وفاة شقيقه. وقد أظهر فحص ما بعد الوفاة الذي أجراه الأطباء أن سبب موت تشانغ قد يكون جلطة دماغية. في حين يبدو أن إنغ قد مات حرفياً من الخوف بعد أن سيطر عليه الخوف لالتصاقه برجل ميت[4].
إلى هنا تنتهي قصة أشهر توأم سيامي في العالم بعد قصة حافلة بأغرب الأحداث التي يمكن أن يتعرض لها إنسان. وهما مثالاً على الصبر والإرادة وقوة التحمل على الرغم من القسوة والعديد من المضايقات التي ارتكبها الناس في حقهم.
المصادر
[2] Thoraco-omphalopagus conjoined twin: A rare case report.
سبحان الله
ويخلق ما لا تعلمون