فن

الحلقة الرابعة من مسلسل Dekalog: “أكرم أباك وأمك”

مسلسل Dekalog أو الوصايا العشر هي سلسلة أفلام درامية من إخراج المخرج البولندي العظيم كريستوف كيسلوفسكي، وهي عبارة عن نسيج متشابك رائع من الفلسفة، والتردد الأخلاقي، والشعور الإنساني الذي يجسد تفوق وقوة التعبير السينمائي على الكلمة المكتوبة. في السطور التالية نسجل ما ينتج عن تجربة هذه التحفة. ونقول تجربتها لأن أفلام كيسلوفسكي لا تُرى بل يتم تجربتها؛ فإلى تجربة الحلقة الرابعة من سلسلة Dekalog بمزيد من التفصيل.

علاقة وثيقة

ترتكز الحلقة الرابعة من سلسلة Dekalog على الوصية الرابعة من الوصايا العشر “أكرم أباك وأمك”. وتتعلق كذلك بنزاهة وصلابة الأدوار الاجتماعية. تدور أحداث القصة حول أنكا، وهي طالبة تبلغ من العمر عشرين عاماً وتدرس التمثيل الدرامي بالجامعة. تعيش أنكا مع والدها مايكل، ويتمتع الاثنان بعلاقة شخصية وثيقة ورائعة للغاية. فهذا الرجل أفنى عمره في تربية أنكا بعد وفاة والدتها عندما كان عمر الطفلة لا يتعدى الخمسة أيام فقط.

ذات يوم يغادر مايكل في رحلة عمل تستغرق بضعة أسابيع، وأثناء غيابه عن المنزل تكتشف أنكا رسالة في درج مكتبة معنونة “تُفتح بعد موتي”. وما إن رأت أنكا الرسالة حتى ظهر ذلك الإغراء الساحق لمعرفة ما تحتويه الرسالة. تفكر في الأمر طويلاً، وتستسلم في النهاية لذلك الإغراء وتفتح الرسالة. لكنها تجد بداخلها رسالة أخرى من والدتها المتوفاة موجهة إليها هي.

تنتظر أنكا والدها مايكل في المطار، وعندما يظهر تخبره بغضب محتوى الرسالة، وتقول له أنها تعلم أن مايكل ليس والدها الحقيقي. غمرها الغضب لعدم إخبارها بالحقيقة مطلقاً، وصرخت في وجه مايكل الذي لطمها على وجهها، وأخبرها أنه لم يعرف أبداً محتوي تلك الرسالة، ولم يكن متأكداً من إنه يريد الكشف عن رسالة الأم لها.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Three Colors: Blue: الهروب إلى الحرية

رغبات مكبوتة

الحلقة الرابعة من مسلسل Dekalog
مشهد من الحلقة الرابعة

بقية الحلقة الرابعة من مسلسل Dekalog عبارة عن محادثة طويلة تم تصويرها بشكل أكثر من رائع بين مايكل وأنكا للوصول إلى جوهر الأمور. تحاول أنكا أن تلتزم بمعرفة الحقيقة وتجنب الخداع، وتجبر مايكل على القسم بالكشف عن مشاعره الحقيقية مهما كانت مؤلمة. في البداية تحدثت معه عما يعتمل بداخلها، فلقد كانت تحمل بداخلها دوافع غامضة مكبوتة منذ فترة طويلة تجاه مايكل أكثر من المشاعر الأبوية. هذه المشاعر هي مشاعر حب رومانسي بين رجل وامرأة. ومن ثم أجبرت مايكل أن يعترف أيضاً بأن لديه مشاعر مماثلة مكبوتة تجاهها. المعنى الضمني من كل هذا أنها الآن أصبحت امرأة ناضجة وغير مرتبطة بيولوجياً بمايكل، وليس هناك قانون أخلاقي يقف في طريق إكمال حبهما الذي طال أمده.

طور مايكل وأنكا على مدار العشرين عاماً الماضية علاقتهما كأب وابنة. لقد لعبا تلك الأدوار الاجتماعية طوال حياة أنكا بأكملها، فكيف لهما الآن تغيير هذه العلاقة والسلوك الذي يتبعها؟ وهل هذا ممكن؟ والأهم من ذلك هل هذا ما يريدانه حقاً؟

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Three Colors: White: المساواة بطعم الانتقام

الحقيقة المدفونة

استيقظت أنكا في صباح اليوم التالي لهذه الاكتشافات المؤلمة ولم تجد مايكل في المنزل. تذهب ناحية النافذة لتراه يرحل. وفي تلك اللحظة تنادي عليه، وتركض إليه وتعترف له بأنها لم تقرأ رسالة والدتها مطلقاً، وهي التي اختلقت القصة بأكملها حول أن مايكل ليس والدها. وقامت أيضاً بتزوير رسالة مزيفة بخط يد والدتها لإظهارها لمايكل. قد تكون لديها هي ومايكل شكوك حول هذا الأمر، لكن الحقيقة تظل مدفونة وغير مكشوفة في رسالة والدتها. ومع ذلك، فقد أدت كذبة أنكا هذه إلى الكشف عن حقائق أخرى تتعلق بالمشاعر الحقيقية بين أنكا ومايكل. وهي الآن تسأله عما يجب عليهم فعله بشأن الرسالة الحقيقية التي لم تتم قراءتها بعد. في ذلك الوقت لا تزال الحقيقة مجهولة، ويبدو أن التغيير “الذي لا رجعة فيه” في علاقتهما لم يحدث بعد.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Three Colors: Red: نهاية ساحرة لملحمة فريدة من نوعها

الفكرة المركزية

ما قررا فعله أخيراً هو أمر مُرضٍ وغير مُرضٍ للإغلاق الدرامي للقصة، يعتمد ذلك على وجهة نظرك الخاصة. ولأنها كذبت بشأن هذا الدليل الحاسم، فإن تصرفات أنكا في تلك المناسبة تدعو إلى التشكيك في حقيقة كل ما عبرت عنه. لكن تلك الكذبة تكشف استمراراً لنمط أنكا فيما يتعلق ب “تكريم” والدها ووالدتها. ظاهرياً، لقد أهانت والديها بطرق عديدة، خاصة عندما كذبت على مايكل بشأن قراءتها للرسالة. كما أن تصرفها البالغ ذروته في نهاية الحلقة الرابعة من مسلسل Dekalog فيما يتعلق بالتخلص من الرسالة الحقيقية يعد أيضاً إهانة لرغبات والدتها بطريقة ما. لكن كطالبة للدراما، يجب عليها أن تكون على دراية بالغموض الضروري لجميع الأدوار التي يلعبها المرء، سواء على المسرح أو في الواقع.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!