فن

مراجعة فيلم The Sea Inside: الرحلة المستحيلة لروح مُعذبة

The Sea Inside هو عمل مثير للتفكير والمشاعر في الوقت ذاته، وعلى الرغم من بساطة الأسلوب والقصة إلا إنه فيلماً معقداً وصادماً للحواس. في السطور التالية نتعرف على قصة فيلم The Sea Inside للمخرج الإسباني أليخاندرو أمينبار. ثم نستعرض مراجعة فيلم The Sea Inside الحائز على أكثر من 50 جائزة دولية.

معلومات عن فيلم The Sea Inside

  • البلد: إسبانيا | فرنسا | إيطاليا.
  • اللغة: الإسبانية | الكتالونية | الجاليكية.
  • تاريخ الإصدار: 3 سبتمبر 2004.
  • المخرج: أليخاندرو أمينابار.
  • الكاتب: أليخاندرو أمينابار (سيناريو) | ماتيو جيل (سيناريو).
  • وقت العرض: 126 دقيقة.
  • النوع: دراما | سيرة شخصية.
  • التصنيف: (PG-13) يجب إرشاد الآباء، غير مناسب لمن هم دون سن 13 عام.
  • فريق التمثيل: خافيير بارديم | بيلين رويدا | لولا دويناس | كلارا سيجورا.
  • التقييم: 8.0.

قصة فيلم The Sea Inside

تستند قصة فيلم The Sea Inside على الحياة الحقيقية لرامون سامبيدرو، وهو بحار يبلغ من العمر 25 عاماً سافر حول العالم في سن مبكرة. وفي أحد الأيام قفز من أعلى منحدر إلى البحر فقُطع عموده الفقري. ومنذ تلك اللحظة عليه أن يقضي حياته في حالة من الشلل التام من الرقبة وحتى القدم. قضى رامون ربع قرن في فراشه دون حركة أو إحساس بالألم، وهو بحاجة دائمة إلى أقاربه ويعتمد عليهم في كل صغيرة وكبيرة، وهذا ما يمثل عبئاً له على الرغم من أنهم يبذلون قصارى جهدهم حتى لا يشعر بذلك.

طلب رامون من المقربين له مساعدته على التخلص من حياته، لكن الجميع يواجهون طلبه بالرفض. فما كان منه إلا أن يحاول مراراً وتكراراً أن يقنع المحكمة بحقه في الموت الرحيم، حتى يتمكن من إنهاء حياته. وقد أمضى ثلاثين عاماً تقريباً في هذه المحاولات دون جدوى.

يفضل رامون أن يموت بكرامة على أن يعيش حياة بلا فرح. ولفترة طويلة أراد أن يقول وداعاً لهذا الوجود طواعية، ولكن من أجل ذلك يحتاج إلى مساعدة، وهو الأمر الذي تنكره الدولة والكنيسة وحتى شقيقه الذي يعيش في منزله، وزوجة أخيه التي تعتني به. لكن عندما تظهر روزا وهي فتاة مرحة منفصلة عن زوجها ولديها طفلين يبدو أن أمنيته أصبحت في متناول اليد.

تناضل المحامية جوليا من أجل رفع قضيته أمام المحاكم وتثير وسائل الإعلام بمساعدة جينا من أجل أن يحصل رامون على ما يريد. وخلال اجتماعاته مع خوليا يشعر بالحب تجاهها. ونكتشف أن المحامية تساعده لأنها هي الأخرى مصابة بمرض عضال. لم يحصل رامون على حقه في القتل الرحيم، وانتهى الأمر بالمحكمة إلى إغلاق القضية. وفي النهاية تساعده روزا على الموت. إلى هنا تنتهي القصة فإلى مراجعة فيلم The Sea Inside.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Parallel Mothers: هل يمكن لأحداث الماضي أن تحدد مستقبلنا؟

مراجعة فيلم The Sea Inside

قصة فيلم The Sea Inside
خافيير بارديم في مشهد من الفيلم

يتعامل فيلم The Sea Inside مع موضوع الموت والعلاقة التي تربط البشر به. فبطل القصة رجل لا يحب التفكير في الماضي، ولكنه يفضل التفكير في المستقبل. وهو يعلم أن مستقبله هو الموت، لأن “الحرية التي تقضي على الحياة ليست حرية، والحياة التي تقضي على الحرية ليست حياة”.

إنها ليست قصة كفاح الإنسان ضد الموت، بل قصة صراع الإنسان مع الحياة. الحياة التي يرى أنها خالية من الكرامة. يروي المخرج الإسباني أليخاندرو أمينبار قصة حقيقية في هذه الميلودراما المثيرة التي تغذي الجدل الحالي حول القتل الرحيم. لكن قبل المضي قدماً علينا أن نفرق بين الانتحار والقتل الرحيم، ثم نحاول تطبيق هذا المفهوم الأخير على الفيلم من أجل التعرف على دوافع رامون لإنهاء حياته.

تنويه: “لا أتفق بالضرورة مع رسالة اختيار القتل الرحيم الذي ينزلق نحوه الفيلم بوضوح، ولكن مع الطريقة التي يبني بها أمينبار قصته، مع التناقضات التي يبرزها، والتفاصيل الدقيقة التي يقترحها”.

الانتحار والقتل الرحيم

الانتحار هو فعل إنهاء حياة المرء عمداً لأي سبب من الأسباب. يمكن أن تكون القوة الدافعة لهذا الفعل هي ظروف الحياة المادية أو الروحية الصعبة، أو لأسباب نفسية أخرى. وربما يمكن تحسين الظروف المادية بمزيد من الجهد، أما بالنسبة للظروف النفسية فيمكن حلها من خلال العلاج النفسي أو الدوائي.

من ناحية أخرى لا يمكن تنفيذ القتل الرحيم إلا بواسطة شخص آخر، وفي العادة يكون طبيباً، والهدف منه هو إراحه المريض من معاناته وتسكين آلامه إذا كان يعاني من مرض عضال لا علاج له. والهدف من القتل الرحيم هو الموت غير المؤلم والمشرف. لكن ما هو الموت بكرامة المشار إليه في هذا الفيلم؟

طبقاً للعديد من الأديان فإن الموت بكرامة هو الموت دون معاناة أو ألم. إذن فلماذا ترفض الأديان القتل الرحيم فهو ما يعادل الموت بكرامة بالضبط. مع العلم بأن هناك الكثير من الإجراءات التي تسبق هذه العملية، على سبيل المثال يخضع الشخص لاختبارات نفسية مختلفة كي يتم الحصول على موافقته. ونظراً لأننا نتحدث ببساطة عن هذه المفاهيم، يمكننا أن ننظر إلى شخصيتنا والموقف الذي هو فيه ولماذا يريد إنهاء حياته بالقتل الرحيم.

قضى رامون الغالبية العظمى من حياته في حالة من الشلل التام، فلا يستطع حراكاً أو فعل أي شيء إلا بمساعدة أحد ما، ومن الواضح عدم وجود علاج لمثل هذه الحالة؛ بمعنى أبسط سيظل كذلك حتى نهايته الطبيعية – إلا إذا حدثت معجزة بالطبع. كذلك الظروف التي يعيش فيها لا تتيح له إنهاء حياته بيديه. وكما يمكنك أن تتخيل فهي حياة لا تستحق العيش.

القتل الرحيم والإيمان

أشار فيلم The Sea Inside إلى أن استطلاعات الرأي أثبتت أن أكثر من نصف الشعب الإسباني انحاز إلى رامون، لكن هذا الدعم العام غير كافٍ ورُفض طلبه مراراً وتكراراً من قبل المحاكم الإسبانية والمفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان. وبغض النظر عن مدى علمانية المجتمع، فمن الواضح أن العامل الأكبر في اتخاذ هذا القرار كان الأسباب الدينية. هذا لم يكن مفاجئاً لا عندما نتحدث عن بلد مثل إسبانيا، التي كانت تحت حكم ديكتاتوري لما يقرب من 40 عاماً ولها ماض كاثوليكي عميق.

وكما نعلم، فإن إنهاء حياة المرء عن قصد يعتبر خطيئة كبرى في العديد من الأديان. فحياتنا ليست ملكا لنا، إنها أمانة. وحتى لو تم الحصول على موافقة الشخص المعني، فإن عملية إنهاء حياته لا تختلف عن القتل. لذلك لا يمكن الانتحار ولا القتل الرحيم. في حوار الكاهن ورامون نرى نقداً جاداً لهذا المنظور الديني. حيث يقول القس: “الحرية التي تقضي على الحياة ليست حرية” ليجيبه رامون قائلاً: “الحياة التي تقضي على الحرية ليست حياة”. إنها بالتأكيد واحدة من أكثر الحوارات إثارة في الفيلم. كذلك في ساحة المحكمة، يتم تصوير القضاة على أنهم صارمون للغاية ويفتقرون إلى التعاطف. كل هذا يسمح لنا برؤية منظور المخرج أمينبار حول هذا الموضوع.

رامون والمرأة

أثرت امرأتان في حياة رامون وأثر بهما: جوليا وروزا. كلاهما متأثر برامون لأسباب مختلفة ولكنها متشابهة. تعاني جوليا من مرض عضال يسمى متلازمة كاداسيل – نوع من اعتلال الشرايين الوراثي الذي يسبب الخرف – لذلك تشعر أنها قريبة من رامون. وقد أصيب بالشلل من الخصر إلى الأسفل نتيجة لهذا المرض، وسقطت مغشياً عليها أثناء وجوده مع رامون. يعكس خافيير بارديم تماماً يأس الشخصية في هذا المشهد، ويمكننا أن نرى بوضوح أن شيئاً آخر قد انكسر بداخله. فعلى الرغم من أنه على بعد أمتار قليلة من جسد جوليا الملقى على الأرض، إلا إنه كما قال في حوار آخر، فإن تلك الأمتار القليلة هي “رحلة مستحيلة” بالنسبة له.

المرأة الثانية في فيلم The Sea Inside هي روزا عاملة المصنع والأم العزباء. لم يعاملها أي من الرجال الذين دخلوا حياتها بعاطفة وحب مثل رامون. فلقد ملأ رامون فراغاً مهماً في حياة كلتا المرأتين، لكنه متزوج من شخص واحد “الموت”. عندما تنفتح روزا على مشاعرها تجاهه، يقول لها: “إن الشخص الذي يحبني حقاً هو الشخص الذي سيساعدني كي أموت”. عندما نفقد أحد الأحباء، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو حقيقة أننا لن نراهم مرة أخرى. هذا هو أكثر ما يؤلم. والمشهد الذي يخبر فيه أخيه ولده بما سيحدث لعمه إذا تم الفوز بالقضية هو مثال على ذلك.

لغز الحياة

يعتبر رامون هذا الفكر الإنساني أنانياً. وعلى الرغم من صعوبة هضمه، إلا أنه ليس غير عادل بالنظر إلى موقفه وما يقاتل من أجله. ولهذا السبب عندما تقول جوليا إنها ستساعدها، فإنها تثبت حبها نوعاً ما. ومع ذلك، فإن هذا القرار اتخذته بدافع الخوف. لقد اختارت جوليا البقاء بطريقة ما، سواء من خلال التغلب على هذا الخوف أم لا. من ناحية أخرى، حصل رامون أخيراً على وفاته التي طال انتظارها بفضل روزا. فعندما يتم رفض طلب القتل الرحيم بشكل متكرر، يصبح الانتحار أمراً لا مفر منه. المشهد الذي نرى فيه جوليا بعد وفاته يشبه لوحة تظهر عندما يتخذ شخصان في مواقف متشابهة خيارات مختلفة. إذا كنت أنت، فما المسار الذي ستختاره؟

يمكن أن تخفي الدعوة إلى القتل الرحيم وراءها العديد من الفخاخ، فالحياة لغز كبير لا يمكنك سبر أغواه. والقتل الرحيم كان ولا يزال معضلة مزعجة فهمها أمينبار تماماً: إذا اخترت العيش، فمن المرجح أن ذلك يعني عذاباً مستمراً حتى النهاية. وإذا اخترت أن تموت، فستواجه حتماً مشكلة مع الأخلاق والدين. وستجد هناك العديد من الحجج والإيجابيات والسلبيات في كلا المعسكرين، وهناك بصيص فقط من الحقيقة في كلاهما.

قصة مأساوية لروح معذبة

تثبت اللقطات الافتتاحية الرائعة التي تدعو إلى الهدوء والاسترخاء والسلام والسكينة على خلفية منظر بحري رائع أنها مجرد وهم. فهي مقدمة لقصة مأساوية لروح معذبة لا تستطيع أن تحرر نفسها من السلاسل، وجسد محكوم عليه بعذاب دائم ومصير لا يرحم.

يلعب خافيير بارديم دوراً هائلاً يعتمد بشكل حصري تقريباً على تعابير الوجه، والنظرة والابتسامة المريرة والمستمرة تقريباً التي تعلمها منذ اللحظة التي لم يكن لديه فيها خيار سوى الاعتماد على الآخرين. وقد كانت تلك الابتسامة المريرة هي طريقته المثلى في البكاء.

رامون معاق جسدياً فقط، وبخلاف ذلك يثبت أنه رجل يتمتع بذكاء، ​​وروح الدعابة التي تساعده على البقاء. ويثبت المتران اللذان يفصلانه عن المحامية جوليا التي تأتي لزيارته أنها مسافة مصيرية لا يستطيع قطعها؛ إنها المسافة بين المعاناة والحرية.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم God’s Crooked Lines: أين تكمن الحقيقة؟

في الختام وبعد مراجعة فيلم The Sea Inside لا يسعنا إلا القول إن الفيلم  – على الرغم من النهاية التي لا لبس فيها – هو نداء من أجل الحياة بدلاً من الموت: فإذا لم تكن الحياة جميلة ولديها الكثير لتقدمه، فلن يعاني البطل كثيراً، ولن يواجه معضلة دائمة، فلم يسحقه البحر من الداخل كما فعل من الخارج، وهو ما نجح فيه المخرج في جعل رامون كاتباً للشعر على الرغم من إعاقته، إنه شخصية مليئة بالحياة والمشاعر أكثر من جميع الشخصيات الأخرى.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!