شرح نهاية فيلم Split: فكرة متطرفة عن ألاعيب العقل
فيلم Split هو فيلم إثارة نفسية بفكرة غريبة؛ وهو الجزء الثاني من ثلاثية المخرج إم نايت شيامالان. يدور الفيلم حول نظرية اضطراب الشخصية المتعددة والتي تعرف أيضاً باسم اضطراب الهوية الانفصامي. لكن ظهور الممثل بروس ويليس في مشهد النهاية يتحدث عن الرجل الزجاجي قد أربك العديد من المشاهدين؛ الذين لم يستطيعوا تفسير هذا المشهد بالتحديد، وعلاقته بالفيلم. في هذا المقال نخوض معاً رحلة عبر مراجعة فيلم Split؛ ومن ثم نحاول شرح نهاية هذا الفيلم الرائع.
قصة فيلم Split
تدور أحداث الفيلم حول رجل غريب يدعى دينيس – جيمس ماكافوي – يقوم باختطاف ثلاث فتيات – كلير ومرسيا وكيسي – أثناء خروجهم من حفل. ومن ثم يستيقظ هؤلاء الفتيات داخل قبو مجهول. ولا يعلمن سبب اختطافهن ولا أي وسيلة للفرار. يدخل عليهن دينيس ليختار واحدة منهن، فتخرج معه، وبعد دقيقة واحدة تعود مجدداُ إلى زملائها. وعندما تسمع الفتيات صوت امرأة خارج غرفتهن يصرخن طلباً للمساعدة، ليكتشفوا أن المرأة هي نفسها المختطف. ثم بعد ذلك يستمعوا إلى صوت طفل فيكتشفوا أنه نفس الشخصية. وهذه الشخصيات ليست سوى ثلاثة من 23 شخصية يسكنون جسد رجل واحد. أما الأصل فهو كيفين الذي يعاني من اضطراب الهوية الانفصامية.
على الجانب الأخر نجد أن إحدى الفتيات وهي كيسي – أنيا تايلور جوي – تحاول أن تفكر في طريقة للهروب من هذا الحبس، وفي ذلك الوقت تتذكر طفولتها البائسة مع عمه الذي حاول مراراً وتكراراً الاعتداء عليها. وتتكشف الأحداث بعد ذلك من خلال إرسال كيفين رسائل عبر البريد الإلكتروني لمعالجته الطبيبة النفسية كارين فليتشر – بيتي باكلي – ليطلب منها حضور جلسة طارئة. وخلال هذه الجلسات نتعرف على عدد من الشخصيات المختلفة التي يعاني معها كيفين.
الوحش
يعتقد كيفين وشخصياته الأخرى أن هناك شخصية جديدة وهي شخصية الوحش سوف تظهر إلى الوجود قريباً. هذه الشخصية تمثل من وجهة نظره أعلى مراحل تطور الإنسان. لتظهر في النهاية ويتم تقديم هؤلاء الفتيات كقربان لها. لكن الطبيبة المعالجة تذهب إليه في منزله لتكتشف وجود الفتيات فتحاول أن تطلق سراحهن إلا أن الوحش يقتلها، ثم يقوم بقتل باقي الفتيات ويترك كيسي. وقد تركها بعد أن رأى آثار الاعتداء عليها موجوداً على جسدها. حيث يعتقد أن البشر الذين عانوا في حياتهم مثله تماماً. وفي النهاية يهرب الوحش ولا تستطع الشرطة القبض عليه، في حين تجد الشرطة كيسي ملقاة داخل قفص بإحدى حدائق الحيوان. ليتم إطلاق سراحها.
في مشهد النهاية تتم إذاعة قصة الفتيات التي تم قتلهن على يد الوحش أو كما يسمي نفسه – الحشد – على شاشة التلفاز، فتتذكر امرأة قصة رجل كان في هذا المكان منذ 15 عاماً قام بالعديد من الجرائم كذلك وقد أطلقوا عليه اسماً مضحكاً كذلك. وتحاول أن تتذكر الاسم، فإذا برجل جانبها – بروس ويليس – يقول لها أنه الرجل الزجاجي.
اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Swimming Pool: فيلم مثير وغامض ولا يمكن التنبؤ به |
مراجعة فيلم Split
قبل شرح نهاية فيلم Split لابد لنا مراجعة هذه التحفة الرائعة. لقد أصبح سيغموند فرويد خلال الوقت الذي أمضاه مع مرضاه على مر السنين مقتنعاً بأن الإنسان يحمل في الواقع وجوداً مزدوجاً: أحدهما مصمم لخدمة أغراضه والآخر كحلقة في سلسلة يعمل فيها بدون إرادة. فإذا كنت تستخدم تعبير – لم أكن أنا – حينما تفقد تركيزك أو سيطرتك في موقف ما، فربما لم تكن أنت بالفعل، أو ما يمكن أن تسميه شخصيتك المهيمنة. ربما كنت أنت آخر …
لقد أخذ المخرج الرائع إم نايت شيامالان هذه البذرة الصغيرة وحولها إلى شيء مثل الكوابيس، وبدلاً من وجود شخصية واحدة صنع ثلاثة وعشرين شخصية أخرى لنفس الشخص. فمن باري إلى دينيس إلى باتريشيا إلى هيدويغ وغيرها من الشخصيات. هذا بالإضافة إلى تناول فكرة اضطراب الهوية الانفصامية مع ما يصحبه من مظاهر الوسواس القهري.
السرد والحبكة
يبدأ السرد باختطاف ثلاث فتيات مراهقات على يد رجل نعرفه باسم “دينيس”. وبينما كان يخدرهم نلقي نظرة على مظهر دينيس الذهاني من منظور كيسي. حيث تشعر بهذا الإحساس العميق بالخطر خلال هذه اللقطة التي مدتها دقيقتان فقط، قبل أن يتلاشى كل شيء إلى اللون الأسود. ومن هنا تستيقظ الفتيات ليجدن أنفسهن في غرفة بلا نوافذ. بينما تشعر كلير ومارسيا بالقلق والتوتر بشكل واضح، وتحاولان بشكل متواصل وضع خطة هروب، يبدو أن كيسي متماسكة لأنها تحاول الوصول إلى عقل الخاطف. وفي مشهد مختلف، نرى دينيس يتحدث إلى طبيبه النفسي لكنه يشير إلى نفسه بـ “باري”. وبالمقارنة مع شخصيته كخاطف والمصابة بالوسواس القهري، يبدو أن باري شخص جيد ولطيف الكلام ولديه اهتمام بالموضة. ومع ذلك، هناك شيء ما يشعر به لأنه يستمر في الإشارة إلى نفسه باسم “نحن” طوال اجتماعهما. هذا عندما تحصل على أول إحساس حقيقي بالشخصيات المتعددة التي تقطنه.
اضطراب الهوية الانفصامية
يتخلل السرد مشاهد استكشافية تحدث فيها طبيبة باري مع زملائها حول قضية “باري” أو “دينيس”. إنها لا تراه مريضاً عقلياً بل تراه كرجل موهوب من نوع ما. وتذهلها احتمالية وجود العديد من الشخصيات المستقلة التي تعيش داخل شخص واحد، ولكل منها معدل ذكائها ومزاجها وسلوكها ولغتها. وعلى الرغم من أن هذا لا يشبه أي حالة من حالات اضطراب الهوية الانفصالية التي رأتها على الإطلاق، إلا أنها تؤكد أنه ربما يكون دماغ هذا الشخص قد دخل في منطقة مجهولة من العقل الباطن. من سمات جميع أفلامه، يتطرق شيامالان إلى موضوع الروحانية والله من خلال هذا المنظور الخاص بالطبيبة. حيث تقترح أنه ربما يكون عقلنا المنفصل هو ما نعرفه بـ “الفوق الطبيعي”؛ والتي يمكن القول عنه أيضاً أن الله لا يوجد خارجنا. وأن الإله هو اسقاطنا الخاص، وشخصيتنا المنقسمة للغاية التي نصنعها بأنفسنا لحمايتنا من أي خطأ.
الأداء
ربما يكون هذا العمل هو العمل الأكثر تحدياً في مسيرة الممثل الرائع جيمس ماكافوي. حيث ينتقل ماكافوي من كونه رجلاً في منتصف العمر مصاباً بالوسواس القهري إلى امرأة رشيقة ورائعة ثم إلى صبي يبلغ من العمر 9 سنوات في غضون دقائق كما لو كان يغير القنوات التلفزيونية. يفهم شيامالان وماكافوي أن كل شخصية يجب أن تكون مميزة بوضوح عن الأخرى والتي بدونها لن يتحقق التأثير المقصود. هذا في الواقع أحد أصعب الأمور التي يجب إتقانها عندما تكون أدمغتنا كمشاهد لا تزال تعالج الشخصية السابقة، والتي هي بالفعل تمثيل يؤديه الممثل. يجب على المخرج هنا أن يتأكد من عدم السماح لأي من الشخصيات بأن تصبح الشخصية الرئيسية في أذهاننا ونبدأ في رؤيته كحشد من الرؤوس المجهولة حيث ليس لدينا أي فكرة عن الرأس الذي سيرتفع ويسيطر!
الطبيبة كارين فليتشر – بيتي باكلي – استطاعت كذلك أن تؤدي الدور بصورة ولا أروع من ذلك فهي دافئة، ثاقبة، تتحقق بعناية من أفكار مريضها بينما لا تعامله أبداً بأي شيء أقل من الاحترام. لقد كانت باكلي مقنعة تماماً في هذا الدور.
كما قدمت الممثلات الثلاث اللواتي يلعبن دور المختطفين أداءً قوياً. فكلير – هالي لو ريتشاردسون – متحدية وشجاعة، وواثقة بنفسها. ومارسيا – جيسيكا سولا – هي أفضل صديقة لكنها ضعيفة. أما كيسي – أنيا تايلور جوي – جيدة جداً فهي هادئة، ومزاجية ومثيرة للمشاكل. لكن ما تختلف فيه كيسي هو وجودها في قلب الأحداث. حيث توضح ذكريات طفولتها المبكرة سبب اختلافها تماماً عن كلير ومارسيا.
شرح نهاية فيلم Split
لم يتبق لنا سوى شرح نهاية فيلم Split. حيث ظهر في مشهد النهاية داخل الفيلم الممثل بروس ويليس وهو يتحدث عن الرجل الزجاجي، في إشارة إلى رجل ارتكب العديد من الجرائم منذ 15 عاماً قبل أحداث هذا الفيلم. فلماذا ظهر، وما هو دوره؟ هنا لابد أن نعود إلى أن هذا فيلم Split هو الجزء الثاني من ثلاثية المخرج إم نايت شيامالان. أما الجزء الأول فهو فيلم يحمل اسم Unbreakable، وقد تم إصداره في عام 2000. وهو من بطولة بروس ويليس وصامويل جاكسون.
ملخص فيلم Unbreakable
وتدور أحداث الفيلم حول رجل يدعى إليجيا ولد بمرض غريب من هشاشة العظام. وإليجيا يعمل مديراً لمعرض للرسوم الهزلية. وكانت لديه نظرية تقول إذا كان هناك شخص ضعيف مثله فيجب أن يكون هناك مقابل له – أي شخص لا قوي لا ينكسر – لذا انطلق في طريقه ليفجر طائرات وقطارات ويحرق فنادق من أجل أن يصل إلى الرجل المنشود الذي ينجو من هذه الحوادث. كل هذا من أجل إثبات صحة نظريته. وقد حصل في النهاية على ضالته المفقودة في شخص ديفيد دان – بروس ويليس – لكن بعد أن علم ديفيد الناجي الوحيد من حادثة طائرة وقطار وحريق أن كل هذه الحوادث كان جرائم ارتكبها الرجل الزجاجي – إليجيا – أبلغ عنه الشرطة فتم اعتقاله.
يمكنك الاطلاع على مراجعة فيلم Unbreakable عبر هذا الرابط: مراجعة فيلم Unbreakable: نوع مختلف من الأبطال الخارقين
هنا نفهم سبب ظهور بروس ويليس في المشهد الأخير، فهو مثل الوحش الذي ظهر في فيلم Split يتمتع بقوة جسدية كبيرة، وهو مثال على أن هذا الوحش وديفيد دان هما أعلى تطور وصلته البشرية كما يعتقد كيفين دون أن يتعرف بعد على ديفيد دان. ولسوف نرى في الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة الربط بين الرجل الزجاجي وديفيد دان وأخيراً الوحش. وهذا الجزء الأخيرة هو فيلم Glass. ويمكنك الاطلاع على مراجعة هذا الفيلم عبر هذا الرابط: مراجعة فيلم Glass: وداع لا يليق بالثلاثية الرائعة
في النهاية وبعد مراجعة الفيلم وشرح نهاية فيلم Split الغامضة لابد من الإشارة إلى أن هذا الفيلم هو أقوى الأفلام الثلاثة. ورغم أن هذه الثلاثية تطرح فكرة متطرفة وتنظر إلى المرضى العقليين على أنهم وحوش يقتلون إلا أن العقلاء هم الوحوش الحقيقية. ومع ذلك فهي ثلاثية رائعة للمخرج إم نايت شيامالان تستحق المشاهدة.