تاريخ

ابن بطوطة: مغامرات أشهر الرحالة في العالم القديم

ابن بطوطة أحد الرحالة المسلمين الذين حظوا بشهرة واسعة ليس في العالم أجمع. وقد خلبت رحلات ابن بطوطة لب المسلمين في ذلك الوقت، نظراً لعدم قدرة المرء على السفر إلى أماكن بعيدة في العالم قبل اختراع وسائل النقل الحديثة. ولكن فعلها ابن بطوطة وكتب اسمه بأحرف من ذهب في التاريخ، فلقد استطاع زيارة أكثر من 44 دولة في جميع أنحاء العالم، وقد أرّخ لرحلاته في كتابه الأشهر ” تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار“.

نبذة عن حياة ابن بطوطة

إنه محمد بن عبدالله بن محمد اللواتي الطنجي وقد اشتهر باسم ابن بطوطة. ولم يعلم أحد على وجه اليقين لماذا سُمي ابن بطوطة بهذا الاسم، إلا أنه يُقال أن والدته كانت تدعى فطومة وقد تسمى على اسم والدته بعد تحريف الاسم. وهناك أقاويل أخرى تدعى أن بطوطة هو جزء من اسم عائلته. لكن لا أحد يعلم السبب الحقيقي على وجه التأكيد.

ولد ابن بطوطة في مدينة طنجة عام 1304 داخل عائلة تضم في طياتها العديد من القضاء المسلمين، وقد تلقى نتيجة لذلك تعليماً في الشريعة الإسلامية. هذا التعليم قد ساهم بشكل كبير في مساعدته خلال رحلات إلى العديد من دول العالم الإسلامي. حيث كان الناس يقومون بإكرامه ويكنون له الاحترام خلال مدة إقامته في البلاد. اتخذ ابن بطوطة قراراً بالترحال والسفر إلى بلاد الله. وبالفعل سافر إلى جميع أنحاء إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط والهند وصولاً إلى الصين، قبل أن تنتهي رحلاته بالعودة إلى المغرب موطنه الأصلي.

اقرأ أيضًا: مانسا موسى: الرجل الأكثر ثروة في التاريخ

رحلة الحج إلى مكة

لم يكن ابن بطوطة يعلم أن رحلة حجه إلى مكة التي سوف تستغرق ستة عشر شهراً أنها ستجعل منه واحداً من أشهر الرحالة في العالم آنذاك.  لقد بدأ هذه الرحلة التي قلبت حياته رأساً على عقب وهو في عمر الواحد وعشرين عاماً. حيث انطلق بمفرده من أجل أداء فريضة الحج وسافر من بلدته عبر شمال إفريقيا واستقر شهراً في مدينة الإسكندرية في مصر. خلال وجوده في مصر أثار اهتمامه العديد من الأماكن المقدسة التي كان يسمع عنها دون أن يراها. ومن هنا قرر أن يزور الأماكن المقدسة الأخرى التي تثير اهتمامه كعالم إسلامي.

اقرأ أيضًا: ابن سينا: سيرة حياة أعظم العقول في التاريخ الإسلامي

رحلات ابن بطوطة في الشرق الأوسط وإفريقيا

تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار
خريطة توضح رحلات ابن بطوطة

انطلق ابن بطوطة في طريقه حتى وصل إلى العراق وبلاد فارس. واستكشف العديد من الأماكن التي كان يريد رؤيتها، وقد تم ضيافته وإكرامه في بلاد العالم الإسلامي. حتى عاد ليستكمل رحلته إلى شرق إفريقيا. وصل أخيراً إلى حدود مقديشيو الساحلية في الصومال، وعبر هذه الحدود واصل الرحلة جنوباً حتى وصل إلى سواحل كينيا وتنزانيا.

رحلة ابن بطوطة إلى الأناضول

بعد أن فرغ ابن بطوطة من إفريقيا سافر مرة أخرى حتى وصل إلى الأناضول، وفي تركيا بقى لمدة عامين. حيث عمل هناك كباحث إسلامي في الشريعة الإسلامية. ولقد تم إرساله في رحلة إلى القسطنطينية، وهناك رأى آيا صوفيا، كما فتن بكثرة الكنائس الموجودة داخل المدينة. لقد كانت القسطنطينية حينذاك واحدة من المدن الرئيسية غير الإسلامية في العالم غير الإسلامية.

رحلة الهند

استمر ابن بطوطة في رحلاته التي يتعرف من خلالها على الثقافات المختلفة والعادات والتقاليد المتباينة لكل بلد من البلدان التي يزورها. ووضع التراث الثقافي لكل هذه البلدان في كتابه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. وصل ابن بطوطة إلى الهند وبالأخص مدينة دلهي عبر أفغانستان. ولما علم محمد بن توغلوق سلطان دلهي بوجوده أكرمه بل وعينه قاضياً هناك لمدة سبع سنوات. في تلك الفترة التي عاشها في الهند قرر أن يتزوج. وبالفعل تزوج وأنجب أطفالاً. لكنه لم يعتد على المكوث في مكان واحد لفترة طويلة، لذا قرر أن يهرب من دلهي خاصة بعد أن علم عن العقوبات القاسية التي كان يمارسها السلطان آنذاك.

أما المفارقة فكانت حينما أراد ابن بطوطة الهروب من الهند، جاءه طلب من السلطان يأمره فيه أن يذهب إلى البلاد الإمبراطوري في الصين بصفته مبعوث من السلطان. هنا كانت الفرصة الذهبية. قبل الأمر وسارع في تنفيذه على الفور. وضع خطة مفاداها أن يتجه إلى الساحل الهندي فيأخذ سفينة يرحل بها إلى جنوب شرق آسيا أو بالأخص إلى ميناء تشيوانتشو الصيني. لكن خطته باءت بالفشل بعد أن انتهى به المطاف إلى السرقة والاختطاف. لكنه نجى من ذلك، ووصل أخيراً إلى الميناء بعد أن تحطمت السفينة، لكنه لم يكن الميناء الصيني بل وجد نفسه على شواطئ جزر المالديف. استقبله السكان بالترحيب وظل هناك للعام التالي.

الرحلة إلى الصين

اكتشافات بن بطوطة
صورة لابن بطوطة

استمتع ابن بطوطة كثيراً بالمناخ الاستوائي الخلاب في جزر المالديف، لكن ربما قد يكون قد تعرض إلى صدمة ثقافية حينما شاهد عادات السكان وملابسهم العارية والتي اعتبرها مسيئة من وجهة نظره. كما أنه قد اختلف مع بعض الحكام هناك وقرر مواصلة رحلته إلى الصين.

سافر إلى سريلانكا ومن ثم عبر الطرف الجنوبي للهند. دار حول جنوب شرق آسيا إلى أن وصل أخيراً إلى ميناء تشيوانتشو في الصين. كان وصوله إلى الصين بعد مرور أربعة أعوام منذ خروجه من دلهي للمرة الأولى. في الصين رأى المدن المبنية هناك وقد فتن بها. وقال أنه زار مدينة بكين. كما عد الصين كواحدة من أكثر الدول أمناً مقارنةً بالدول التي زارها. وعلى الرغم من افتتان ابن بطوطة بالمدن والأبنية الصينية إلا أنه تحدث بازدراء عن عادات وتقاليد الشعب  الصيني. لم يتوقف الأمر على ذلك فحسب بل نعتهم في كتاباته بالكفار والوثنيين.

اقرأ أيضًا: بشار بن برد: هل كان زنديقاً يستحق القتل؟

العودة إلى الديار

بعد أن مضى ابن بطوطة سنوات في الصين قرر أن يعود مرة أخرى إلى وطنه في طنجة. وعاد بالفعل إلى مسقط رأسه بعد مرور 24 عاماً في الترحال. لكن حينما عاد وجد أن والديه قد وافتهما المنية، لم يستطع المكوث هناك طويلاً. لذا قرر السفر إلى الأندلس ومن ثم إلى تمبكتو ومضى فيها حوالي ثلاثة أعوام. بينما في الأخير عاد مرة أخيرة ونهائية إلى المغرب. حيث طلب منه أمير المغرب أن يجمع كل رحلاته في كتاب أسماه ” تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”. وقد قضى ابن بطوطة أربعة عشر عاماً الأخيرة من حياته في مسقط رأسه. وقد عاش حياة هادئة هناك بصفته عالم إسلامي حتى وافته المنية عام 1368.

اقرأ أيضًا: من هم الهنود الأوروبيون؟ وكيف أثروا على أمم أوروبا؟

في نهاية الرحلة فإن ابن بطوطة يعد واحداً من مصادر المعلومات التاريخية والثقافية عن تلك الفترة الزمنية التي عاش فيها. فهو أمير الرحالة المسلمين كما أطلق عليه الغرب، وينافس في شهرته الرحالة الغربي ماركو بولو. وهو بالفعل منافس جدير بهذا اللقب.

المراجع

1.       Author: Joshua J. Mark, (2/7/2019), Ibn Battuta, www. www.worldhistory.org, Retrieved: 9/10/2022.

2.       Author: Evan Andrews, (7/20/2017), Why Moroccan Scholar Ibn Battuta May Be the Greatest Explorer of all Time, www.www.history.com, Retrieved: 9/10/2022.

3.       Author: K. Kris Hirst, (9/28/2018), The Life and Travels of Ibn Battuta, World Explorer and Writer, www.thoughtco.com, Retrieved: 9/10/2022.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!