مستويات الفهم القرائي: قراءة النص لا تعني فهمه

You are currently viewing مستويات الفهم القرائي: قراءة النص لا تعني فهمه
تحليل مستويات فهم القراءة

لا شك في أن مهارة القراءة هي إحدى المهارات التي يجب على كل إنسان اكتسابها، فهي تساهم في تطورنا الشخصي والمعرفي والثقافي. لكن الأهم من ذلك هو فهم ما نقرؤه، لأن مجرد قراءة النص لا تعني فهمه. ولهذا السبب اهتم التربويون بمعرفة مستويات فهم القراءة من أجل أن يكونوا على دراية بمهارات القراءة التي يمتلكها الطلاب في المستويات المختلفة. فهذا الفهم القرائي أحد الركائز الأساسية للتعليم. كما يساعد التعرف على مستويات القراءة الآباء في تعليم أطفالهم بصورة صحيحة. في المقال التالي نحاول التعمق بصورة أكبر في هذا الموضوع لنفهم مستويات الفهم القرائي، مع التوضيح ببعض الأمثلة العملية.

ما هو الفهم القرائي؟

الفهم القرائي هو العملية المعرفية التي تهدف إلى فهم معنى النص. فتعلم القراءة ليس بالمهمة السهلة، ويتطلب الكثير من الوقت والممارسة. وإتقان القراءة يعني تطوير سلسلة من الاستراتيجيات من أجل القراءة بطلاقة وفهم. بمعنى أبسط، عليك أن تتعلم القراءة بدقة (بدون أخطاء)، وبسرعة (دون تردد)، وبالنبرة المناسبة. والأهم من ذلك كله أن تفهم ما تقرأه. ومن هنا كانت الحاجة إلى التعرف على مستويات الفهم القرائي بصورة أوضح.

القراءة الحرفية

مستويات الفهم القرائي
القراءة الحرفية أول مستوى من مستويات القراءة

يتوافق فهم القراءة الحرفية مع تصنيف باريت لعام 1968 ويستند إلى الفهم النصي للمحتوى، مما يعني ضمناً فك تشفير بسيط لما يُقرأ. وهذا المستوى هو أحد المستويات الأساسية للقراءة التي لابد من المرور بها، لأنها جزء لا يتجزأ من عملية القراءة. فإذا لم يكن الشخص قادراً على فهم الأفكار التي تظهر أمامه بوضوح، فمن الصعب عليه التقدم إلى مرحلة أعلى.

خصائص القراءة الحرفية

القراءة الحرفية هي أحد مستويات الفهم القرائي في المدرسة الابتدائية، لكنها تبدأ في مرحلة ما قبل المدرسة، عندما يبدأ الطفل في التعرف على الحروف، وكذلك بعض الكلمات، ويصل إلى درجة أعلى من التعقيد مع تطور الطالب فكرياً. ومن أجل الحصول على فهم أكثر عمقاً للقراءة الحرفية نتعرف على بعض خصائصها في النقاط التالية.

  1. مرحلة أولية من القراءة

    القراءة الحرفية بمثابة طريق البداية لتعلم القراءة، ففيها تُحول العلامات والرسومات والصور إلى لغة شفهية، لفهم معانيها. ثم نقل هذه اللغة الشفهية إلى نصوص، لفهم معناها بطريقة نصية. ولذلك فالقراءة الحرفية تتضمن فك الرموز البسيطة بشكل أساسي.

  2. التفسير

    تشير الكلمات عند القراءة الحرفية إلى الصور وتكون مفهومة إذا كانت جزءاً من مفردات القارئ، ومع ذلك فهي تشكل الجمل التي تنقل الأفكار. ويبدأ المستوى الحرفي لفهم المقروء من فرضية أن الكلمات والعبارات يتم تفسيرها أولاً، ثم بناء المعنى الشامل.

  3. طريقة مثالية للتعلم

    تسجل الذاكرة جميع التفاصيل من خلال القراءة الحرفية، سواء كانت هذه التفاصيل تتعلق بالأحداث الرئيسية أو الشخصيات المهمة التي تظهر في النص المقروء. ويمكن التعرف على فهم النص من خلال طرح بعض الأسئلة عن الفقرة التي تمت قراءتها. والجدير بالذكر أن هذا النوع من القراءة هو المثالي لإعداد الملخصات، وهو المستخدم عادةً في التعليم الابتدائي وكذلك في تدريس اللغات الأجنبية.

مثال على الفهم القرائي الحرفي

لتوضيح مسألة فهم القراءة الحرفية يمكننا أن نستعرض مقتطف من أسطورة نرجس المنسوبة إلى الشاعر أوفيد. أما سبب اختيارنا لهذه الأسطورة أنه يمكن قراءتها من خلال العديد من مستويات الفهم القرائي الذي نتحدث عنه في هذا المقال، لذا فإن هذا المقتطف سيكون نقطة مرجعية عند تقديم المثال في كل مستوى، نظراً لأننا نقرأ نفس المقتطف ولكن يمكن ملاحظة الاختلاف في نوعية الأسئلة.

“نرجس هو ابن كيفيسوس – إله النهر في الأساطير اليونانية – وحورية النهر ليريوبي. ولد نرجس في بيوتيا وكان رائع الحسن والجمال، وعندما كبر وقعت جميع النساء في حبه، لكنه لم يكن يبالي بالعواطف والمشاعر، وأصبح شاباً عابثاً لا يقدر على رؤية جمال أي شيء آخر سوى نفسه. ذات يوم حذر عراف أعمى والدة نرجس قائلاً لها: سيكون نرجس سعيداً جداً إذا لم ير صورته تنعكس في أي مكان.”

الأسئلة التي يمكن طرحها بعد قراءة هذا المقتطف: ما هي الشخصيات التي تظهر في الأسطورة؟ كيف كان شكل النرجس؟ أين ولد النرجس؟ من كان والد نرجس ووالدته؟

اقرأ أيضًا: تصنيف أنواع القراءة واستخداماتها المختلفة

القراءة الاستنتاجية

مستويات الفهم القرائي
المستوى الثاني “القراءة الاستنتاجية”

القراءة الاستنتاجية هي مستوى آخر من مستويات الفهم القرائي في تصنيف باريت، والذي يتوافق مع المفهوم البنائي لفهم القراءة. وتعني القراءة الاستنتاجية القدرة على التفسير والاستنتاجات التي نخرج منها بعد قراءة النص. وهذا المستوى من القراءة يستخدم بصورة كبيرة في التعليم الثانوي والجامعي[1].

خصائص الفهم القرائي الاستنتاجي

من خلال فهم ماهية الفهم الاستنتاجي، يمكننا بسهولة تخمين خصائصه. فهذا المستوى من فهم القراءة عبارة عن عملية بسيطة يمكننا من خلالها تفسير أي شيء من وجهة نظرنا الخاصة. فنحن نتعرض بصورة شبه يومية إلى الكثير من الأخبار والمعلومات التي نحاول أن نستخلص منها استنتاجاتنا الخاصة. لكن مع ذلك علينا أن نتعرف على بعض خصائص الفهم القرائي الاستنتاجي من أجل مزيد من التعمق.

  1. المنطق

    هذا النوع من فهم المقروء عقلاني للغاية، ولكن له علاقة كبيرة بالمشاعر والتجارب الشخصية. حيث نحلل الموضوع والجمل والفقرات والأفكار، ونحاول استخلاص استنتاجات معينة عن الموضوع من خلال تجاربنا ومعرفتنا، وبالتالي بناء واقعاً جديداً يتضمن مستوى إبداعي معين. على سبيل المثال عندما نقرأ قصيدة ما فإننا نفسرها وفقاً لمعاييرنا الخاصة.

  2. التجريد

    هناك مستويات مختلفة من فهم القراءة الاستنتاجي، اعتماداً على درجة التجريد المرتبط، وهذا هو سبب تطبيق هذا النوع من تحليل القراءة من المدرسة الثانوية إلى أعلى الدرجات في المهن الجامعية. فهناك حالات يجب فيها أخذ العديد من المتغيرات في الاعتبار للوصول إلى استنتاجات منطقية، لأنها على الرغم من أنها تعتمد إلى حد كبير على المعايير الخاصة بالفرد، إلا أنها يجب أن تخضع للمنطق.

  3. اختلاف التفسيرات

    نظراً لأن التفسيرات أو الاستنتاجات ترتكز على التجارب والمشاعر الشخصية لكل فرد، فلن يتم فهم أي قراءة بنفس الطريقة من قبل شخصين مختلفين. على سبيل المثال عندما نقرأ رواية ما أو نشاهد فيلماً ما فمن الطبيعي أن تكون هناك وجهات نظر وأفكار مختلفة بخصوص هذا المشهد أو هذه الشخصية أو هذا المقتطف.

مثال على الفهم القرائي الاستنتاجي

لنعود مرة أخرى إلى قراءة المقتطف من أسطورة نرجس. وبعدها يمكن طرح بعض الأسئلة عن هذا المستوى. تشتمل الأسئلة هنا على: لماذا لا يرى نرجس الجمال في أشياء أو أشخاص آخرين؟ كيف يمكن أن يكون نرجس ابن نهر؟ ما يقصد العراف بقوله؟ إذا كان النص أطول، فمن الواضح أنه سيكون هناك العديد من الأسئلة الأخرى.

اقرأ أيضًا: التفكير الاستنتاجي: مقدمة موجزة جداً

القراءة النقدية

القراءة الناقدة - مستويات فهم القراءة
مهارات القراءة الناقدة

هذا مستوى آخر من مستويات الفهم القرائي لدى باريت وهو أعلى هرمه باعتباره الأكثر تخصصاً على الإطلاق. وكما يشير الاسم، يتخذ القارئ موقعاً أمام النص وفقاً لأفكاره أو مشاعره أو معرفته السابقة، بعد عملية تحليل وتفكير في محتوى القراءة.

خصائص القراءة النقدية

هناك أيضاً مستويات مختلفة من القراءة النقدية، اعتماداً على درجة التطور التي وصل إليها الفرد كقارئ. يمتد النطاق من إبداء رأي راسخ، إلى تفكيك النص وتحليله بعمق، والذي سيكون أقصى درجة. ومن الواضح أن هذا النوع الأخير من القراءة النقدية سينطبق على الطلاب المؤهلين تأهيلاً عالياً من حيث مهارات القراءة والتحليل[2].

  1. تنمية القدرة على التفكير

    تتضمن القراءة النقدية ضمنياً جرعة كبيرة من التفكير، ولهذا السبب عليك أولاً أن تعرف كيف تفكر. وعلى الرغم من أنه يبدو من الواضح أن الجميع يعرف كيف يفكر إلا أن هذا لا يحدث في الممارسة العملية. حيث أظهر العديد من الدراسات ميل معظم الطلاب إلى البقاء في المستوى الاستنتاجي. ومع ذلك، فقد ثبت أن القراءة النقدية تطور التفكير المنطقي.

  2. عمق أكبر في القراءة

    بالإضافة إلى مهارات القراءة، يجب أن يكون الشخص الذي يقوم بقراءة نقدية على دراية بنوع النص المراد تقييمه. يشبه إصدار حكم على مادة معينة نشاط النقاد الأدبيين، الذين يعرفون عن الأدب، أو نشاط نقاد الفن الذين يعرفون موضوعهم. ومع ذلك، فحتى هذه الطريقة في القراءة عادة ما يتم تشجيعها لدى الطلاب غير الخبراء، لأن هذا النموذج يسمح لهم بالتعمق أكثر في ما يقرؤونه.

  3. نموذج الاستيعاب القرائي

    اقترح بعض المؤلفين نماذج محددة للتقييم النقدي للنصوص من قبل الطلاب، والتي تستند إلى معايير مختلفة تغطي نقاطاً مثل ما إذا كان عرض المؤلف واضحاً، وما هي الأطروحة المقترحة، وكذلك ما هي الأسس الأساسية وما إذا كانت صحيحاً أم لا، من بين أمور أخرى. بالإضافة إلى ذلك، هناك ممارسات أبسط تشير إلى طرح الأسئلة بقصد أن يصدر القراء أحكاماً تقييمية.

مثال على فهم القراءة النقدية

إذا أخذنا قراءة أسطورة النرجس كنقطة مرجعية، فإن الأسئلة الرئيسية التي يجب طرحها في هذه الحالة ستكون: ماذا يريد المؤلف أن ينقل لنا من خلال أسطورة نرجس؟ ما هي القيم السائدة في هذه الأسطورة؟ ما هي الأسباب النفسية لسلوك نرجس، وهل هناك علاج؟

اقرأ أيضًا: أهم مزايا وعيوب القراءة الصامتة

القراءة التأويلية

القراءة التأويلية هي أعلى مستويات القراءة

هذا النوع من أعقد مستويات الفهم القرائي. ويدخل ضمن نطاق الهيرمينوطيقا – علم التأويل – ولعل أبرز مثال على القراءة التأويلية هو النموذج الذي وضعه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور[3]. والاختلاف الجذري بين هذا المستوى ومستويات القراءة الأخرى هو أن مستويات فهم القراءة الحرفي والاستنتاجي والنقدي تستند إلى العمليات المعرفية العقلانية بينما تؤكد الهيرمينوطيقا على العمليات الحساسة والرمزية الخفية في النص.

خصائص القراءة التأويلية

تُترجم االهيرمينوطيقا على أنها فن التفسير. ويأتي اسمها من ممارسة قديمة جداً كانت تهتم بقراءة المعاني الخفية في “النصوص المقدسة”. ينسب هذا المصطلح إلى الإله هيرمس الذي يرجع إليه الإغريق أصل اللغة والتفاهم بين البشر. أما بالنسبة لمفهوم فهم القراءة التأويلية الحالي، فإنه يقوم على المقدمات التالية، والتي تعد من خصائصه الأساسية.

  1. علاقة القارئ بالنص

    القراءة تعادل لقاء “الآخر”، حيث لا تكون القراءة عملية عقلانية بل تصبح بالأحرى تجربة تحويلية. فمن خلال القراءة يقيم القارىء حواراً مع النص المقروء، وفي هذه العملية يحاول القارىء أن يشارك في النص، وتلعب المشاعر دوراً حاسماً في العملية. بينما يتعلق الأمر بالشعور المسبق من أجل الفهم لاحقاً.

  2. عملية القراءة

    تتمثل القراءة التأويلية في استعادة المعاني التي تظهر في النص، لكن ذلك لم يعد يخص المؤلف بل الشخص الذي يفسره. وفي هذا الإجراء من قبل القارئ، يلعب الخيال دوراً حاسماً، وهو ليس الذاتية بل المعرفة. ولكي تكون القراءة تجربة حقيقية، يجب أن تختفي الحدود بين الحقيقي والخيال.

  3. اكتساب المعرفة

    نظراً لأنها تجربة حساسة بشكل خاص، ولأننا خصصنا النص، فسيتم تسجيل ما تم تعلمه القارىء في الذاكرة طويلة المدى. من ناحية أخرى، فإن معرفة الهيرمينوطيقا ليست حقيقة في حد ذاتها، ولكنها تتكون في بنائها من قبل القارئ، وبالتالي هناك حقائق متعددة.

مثال على فهم القراءة التأويلية

يجب أن تكون الأسئلة في هذا المستوى موجهة في المقام الأول نحو ما يشعر به القارئ عند مواجهة النص. يمكن أن تكون الأسئلة: ما الذي يلهمك من أسطورة نرجس؟ هل كان وسيماً حقاً؟ ما هو ذلك الجمال الذي لم يكن على علم به؟

اقرأ أيضًا: عادات القراءة: 12 توصية وأفضل 10 كتب للتشجيع على القراءة

في الختام لا يسعنا سوى القول بأنه من خلال القراءة نثري أنفسنا طالما أصبحت محتوياتها جزءاً من معرفتنا الدائمة، لذلك يُنصح بتطبيق استراتيجيات القراءة المثلى التي يوصي بها الخبراء من أجل زيادة مستويات فهم القراءة.


مراجع

[1] Making Inductive & Deductive Inferences About a Text.

[2] Levels of Reading Comprehension in Higher Education: Systematic Review and Meta-Analysis.

[3] Exploring Ricoeur’s hermeneutic theory of interpretation as a method of analysing research texts.

اترك تعليقاً