فن

مراجعة فيلم Tár: قصة رمزية عن هشاشة النجاح

فيلم Tár هو دراما نفسية عن هشاشة النجاح في المجال الفني، عن جنون العظمة والغرور، عن المحسوبية والشهرة عن الانهيار العقلي والنفسي، عن بؤس الإنسان. في السطور التالية نتعرف على قصة فيلم Tár ثم نستعرض مراجعة مراجعة فيلم Tár بشيء من التفصيل.

معلومات عن فيلم Tár

  • البلد: الولايات المتحدة الأمريكية.
  • اللغة: الإنجليزية | الألمانية | الفرنسية.
  • تاريخ الإصدار: 28 أكتوبر 2022.
  • المخرج: تود فيلد.
  • الكاتب: تود فيلد.
  • وقت العرض: 158 دقيقة.
  • النوع: دراما | موسيقى.
  • التصنيف: (R) للكبار فقط | يحتوي على مشاهد فاضحة.
  • فريق التمثيل: كيت بلانشيت | نويمي ميرلانت | نينا هوس.
  • التقييم: 7.7.

قصة فيلم Tár

تدور قصة فيلم Tár حول ليديا تار وهي قائدة أوركسترا برلين الشهيرة على مدى السنوات الثماني الماضية. يبدأ الفيلم بسلسلة من المشاهد الطويلة التي تحدد من هي ليديا تار. أولاً، مقابلة عامة مع آدم جوبنيك الذي يقدم ليديا للجمهور ويخبرنا بكل ما نحتاج إلى معرفته عنها وإسهاماتها في الإنسانية والموسيقى الكلاسيكية. ثم غداء عمل خاص مع قائد الفرقة الموسيقية والمؤسس المشارك معها في مؤسسة تساعد على النهوض بالمرأة الموهوبة في عالم الموسيقى الأكاديمية. أخيراً، إلقاء ليديا محاضرة كضيف في مدرسة جوليارد، أحد أكثر المعاهد الموسيقية النخبوية شهرة في الولايات المتحدة.

تعود المايسترو إلى برلين بعد رحلة نيويورك. حيث ستبدأ التدريبات على سيمفونية غوستاف مالر الخامسة. وفي ذلك الوقت نتنقل إلى حياتها الشخصية، لنعلم أنها على علاقة مع عازفة الكمان شارون، ومتبنية فتاة صغيرة تدعى بيترا. ولها مساعدة شخصية تدعى فرانشيسكا من الواضح أنها كانت على علاقة معها من قبل.

علاقات الماضي

هناك شخصية أخرى لم نراها في الفيلم على الرغم من كونها حافز المؤامرة بأكملها هي شخصية كريستا تايلور – إحدى المشاركات الشابات في برنامج دعم النساء في عالم الموسيقى الأكاديمية، الذي أسسته ليديا. ومن الواضح أنها مصدومة بطريقة ما من خلال التواصل مع ليديا عبر الرسائل الإلكترونية، والتي لا ترد عليها ليديا. ولا تزال تكتب رسائلها المليئة باليأس. تمنع ليديا مساعدتها كذلك من الرد على الفتاة بسبب عدم استقرارها. لكننا نحصل على تلميح لطبيعة علاقتهما في الماضي. حيث خدعتها ليديا وأقامت معها علاقة، في مقابل الوعد بدور في الفريق ولكنها تخلت عنها. وقد أدى ذلك في النهاية لانتحارها.

من هنا تصبح كل الأمور أكثر منطقية. فعندما تظهر عازفة تشيلو جديدة في الأوركسترا، تعجب بها ليديا، وتحيك المؤامرات لطرد العازف لتحصل الفتاة الجديدة على دورها. وليس من الصعب أن نفهم أن هذه هي كريستا الجديدة لليديا. تدخل ليديا دورة جديدة مع مفضل جديد، ولم تفهم بعد أن شيئاً ما قد تغير. تصبح الأمور أكثر سوءاً عندما يقدم والدا الفتاة المنتحرة بلاغاً للشرطة يتهمان فيه ليديا بأنها السبب في انتحار ابنتهما. ثم ينتشر فيديو لها وهي تلقي محاضرة مع الكثير من الايحاءات الجنسية. مما يتسبب في طردها. في النهاية تنطلق ليديا في رحلة إلى فيتنام لتعمل هناك في مدرسة موسيقية، وتسير ببطء نحو الجنون. فإلى مراجعة فيلم Tár.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم The Banshees of Inisherin: دوامة لا يمكن إيقافها

مراجعة فيلم Tár

قصة فيلم Tár
كيت بلانشيت في مشهد من فيلم Tár

فيلم Tár هو فيلم عن الفن والثقافة التي تحيط به. عن الموسيقى الكلاسيكية والسياق الذي تقدم فيه. وعن ضياع الطريق، وعن الجمالية الرمزية كطريقة لتوجيه المشاعر في بيئة يُسحق فيها التناغم بالضوضاء. حيث تتعايش الموسيقى مع صخب الحياة اليومية التي تسطّح العالم، وتجرده من ألوانه. حول القوة التي تفسد كل شيء، حول الإساءة، حول المحسوبية، حول الهوية. إنه بمثابة نقد شرس للمعايير المزدوجة التي تسود عالم اليوم.

تود فيلد والعودة من جديد

قد يكون تود فيلد اسماً غير مألوفاً لعشاق السينما، ولكن في وقت من الأوقات كان يُعتبر أحد أكثر صانعي الأفلام الواعدين في جيله. قرر فيلد – الذي كان في الأصل ممثلاً – الدخول في صناعة الأفلام بعد العمل تحت وصاية ستانلي كوبريك أثناء إنتاج فيلم Eyes Wide Shut. ولقد حظى الفيلمان اللذان قاما بإخراجهما In the Bedroom  وفيلم Little Children بإشادة واسعة النطاق، وتم ترشيحهما للعديد من جوائز الأوسكار. لكنه توقف عن العمل لمدة ستة عشر عاماً، حتى عاد أخيراً مع مشروع أكثر طموحاً وإبداعاً هو فيلم Tár.

وعلى الرغم من الغياب المطول عن صناعة السينما، فقد تطور تود فيلد بشكل ملحوظ كفنان واستغل وقته في بناء أعماله ببطء قطعة قطعة. فهذا الفيلم عبارة عن صورة حادة ومفصلة ومكتوبة بأناقة لعبقرية معذبة تعيش في عالم حديث مميز حيث تلوح الثقافة في الأفق على الصناعة. وهي جاهزة لضرب أولئك الذين فقدوا إحساسهم بالأخلاق. ومن خلال الكتابة الذكية وتصميم الصوت استطاع المخرج أن يخلق لنا تجربة غامرة تضع المشاهدين في رأس ليديا تار. وتطلب منا احتضانها في أفضل حالاتها وفي أسوأها. فيلم Tár عبارة عن دراسة شخصية متعدد الطبقات من شأنها أن تتحدى الجماهير للتساؤل عن الكيفية التي يمكن أن يتصرف بها الفنان. وكيفية الفصل بين الحياة الشخصية والحياة المهنية. ويسمح للجمهور بتشكيل آرائهم الخاصة، ومن هنا نجد أن الفيلم يقم أسئلة أكثر من الإجابات.

لكن لم يكن سيكتب النجاح لهذا الفيلم لولا الأداء المبهر لكيت بلانشيت، فهذه الشخصية – أقصد ليديا تار – متطلبة للغاية، وتعقيدها جزء مركزي من الفيلم، بحيث لا يمكن إلا للممثلة من العيار الثقيل القيام به. وهو ما أقدمت على فعله كيت بلانشيت بجدارة واستحقاق.

هل ليديا تار شخصية حقيقية؟

يتناول هذا الفيلم قصة الملحنة العبقرية ليديا تار التي أصبحت أول قائدة أوركسترا ألمانية كبرى، ولقد تمكن تود من خداع الكثير من الناس، وجعلهم يعتقدون أن ليديا تار هي شخص حقيقي، وهذا الفيلم عبارة عن سيرة ذاتية لها. لكن قصة الفيلم بشخصياته جميعها من وحي الخيال. أما ما جعل المشاهدون يعتقدون بأنها حقيقية هو ارتباط القصة بالحقيقة الواقعية في عالم الفن والثقافي. فهي حكاية عن شخص سقط من عليائه وفي عز مجده نتيجة الغرور والشائعات التي دارت حوله.

ضوضاء العالم

واحدة من القضايا التي يعمل عليها فيلم Tár في عدة مشاهد هو التطلع السامي للتركيبات السمفونية الكلاسيكية، لكن ما يمنع الحصول عليها هو استحالة الهروب من ضوضاء العالم اليوم الذي تفصل كل تركيز. ومع هذا الضجيج هناك جنون العظمة وهو إحساس آخر يسود في وجه عدم الهدوء والتوتر والمشاكل الحالية وأشباح الماضي التي تتراكم لتحريك وإزعاج الموسيقارة الشهيرة. تحاول ليديا الابتعاد عن هذا الضجيج، من كل ضجيج الحياة، والفضائح، والعلاقات، والأمومة، وكل ما يصرفها عن شغفها، والموسيقى، والتأليف، والاستماع، والاستمتاع، وما تريد فعله حقاً. لكن الموقف الاجتماعي يمنعها وفي نفس الوقت يطالبها بأن تكون قادرة على تحقيق هذا التجريد وأن تكون الأفضل، والغريب أنها دائماً ما تكون متقنة ومدهشة في عملها.

الموسيقى والزمن

الموسيقى نفسها هي نظام لتنظيم الوقت نفسه. لذا ليس من قبيل الصدفة أن تولي البطلة الكثير من الاهتمام بالوقت في المشهد الأول من الفيلم، حول كيف أن قادة الفرق الموسيقية هم سادة الوقت للأوركسترا – يبدأونها، ويحددون السرعة الزمنية للقطعة الموسيقية وهم كذلك نهاية الوقت. إن تحكم قادة الأوركسترا في الوقت هو ما يجعلهم أهم الشخصيات في أداء أي قطعة موسيقية.

تعمل ليديا كقائد موسيقي، ولذلك فهي عشيقة الزمن. ومع ذلك، فهو موجود في أبعاد أخرى إلى جانب البعد المهني البحت. وفيلم Tár بطريقة ما، هو نوع من الإجابة على السؤال عن وجود علاقة بين الموسيقار وحياته. ففي حياة ليديا تار لا توجد أوقات منفصلة للمهنة والحياة الشخصية. بينما يؤثر عدم تزامنها الواضح مع الوقت الاجتماعي بشكل كبير على إتقانها المهني للوقت كقائدة موسيقية. ففي البداية تفقد السيطرة على الوقت كمؤلفة. حيث تعمل ليديا على بعض الأعمال الفنية الخاصة بها، لكن في الحقيقة – مما يمكننا رؤيته – لا تحرز تقدماً كبيراً. حيث تتحول جهودها في التأليف إلى الرد على الأصوات القادمة من الشقة المجاورة أو من جرس الباب. ويبدو أن اضطراب الوقت هذا يبدأ بأخبار انتحار كريستا – إنها الإبرة التي تخترق فقاعة الزمن.

السينما وفن إدارة الوقت

السينما هي أيضاً فن إدارة الوقت، ويديره فيلد ببراعة، ويخلق التزامن لشكل ومحتوى الفيلم، فعندما تكون حياة البطلة في حالة اضطراب بعد وفاة كريستا، أصبحت ليديا تار أقل سيطرة على ما يحدث. هنا يستجيب الفيلم لهذا عن طريق تسريع وتيرة الإيقاع الفوضوي المتقطع، وبالقرب من النهاية التي تشبه الحمى، تحدث أشياء غامضة كما لو أن شبح كريستا قد استقر في منزلها. المكان الوحيد الذي تبدو ليديا فيه مرتاحة هو الحلم الذي ترى فيه نفسها على سرير في وسط الماء في مكان ما في غابة – وهو ما يذكرنا بالحاجة إلى الوحدة الروحية بين العمل والمؤلف.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Where the Crawdads Sing: دراما رومانسية غامضة ومثيرة

بعد مراجعة فيلم Tár لا يسعنا سوى القول بأنه مع جمالية عارية وشديدة، يبني المخرج دراما صارخة حول سقوط شخص في ذروة حياته المهنية في قصة رمزية عن هشاشة النجاح في المجال الثقافي، وهي بيئة يمكن أن تكون فيها الشهرة مقدمة لانهيار لا نهاية له.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

تعليق واحد

  1. انا كنت داخل اصلا عشان افهم مشهد لما راحت تعمل مساج ف فيتنام.. ايه اللي حصل ؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!