الحلقة الثانية من مسلسل Dekalog: “لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً”

You are currently viewing الحلقة الثانية من مسلسل Dekalog: “لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً”
مراجعة الحلقة الثانية من مسلسل الوصايا العشر

مسلسل Dekalog أو الوصايا العشر هي سلسلة رائعة مكونة من عشرة أفلام أخرجها وشارك في كتابتها كريستوف كيسلوفسكي، وهي تحفة فنية لا يمكن مقارنتها بأي عمل آخر في صناعة الأفلام. تقف هذه السلسلة شامخة كعمل فني متسامي وعميق بشكل فريد. لذا في السطور التالية نسجل ما ينتج عن تجربة هذه التحفة. ونقول تجربتها لأن أفلام كيسلوفسكي لا تُرى بل يتم تجربتها. فإلى تجربة الحلقة الثانية من سلسلة Dekalog بمزيد من التفصيل.

ملخص الحلقة الثانية

تدور أحداث الحلقة الثانية من مسلسل Dekalog حول دوروتا جيلر وهي عازفة كمان جذابة تسعى للحصول على استشارة طبيب مسن يصادف أنه جارها في نفس المبنى السكني. الطبيب هو أحد كبار الأطباء في المستشفى وهو المسؤول عن علاج زوجها من مرض عضال قد لا ينجو منه. يعيش الطبيب بمفرده وحيداً بعد أن فقد عائلته منذ سنوات عديدة، ويتمتع بشخصية صارمة ومنضبطة.

تحاول دوروتا معرفة حالة زوجها وفرصة بقاءه على قيد الحياة، لأن حياته أو موته سيتوقف عليها قرار مصيري ستتخذه الزوجة. تستشير الطبيب وتخبره أن زوجها عقيم، وهي الآن حامل بطفل من رجل أخر، فإذا كان هناك أمل وسيعيش زوجها ستتخلص من الطفل، وإذا علمت أن زوجها سيموت فسوف تلد. وهنا تضع مصير الطفل في يد الطبيب المعالج لزوجها.


تطور الشخصيات

لا يتم الكشف عن هذه المعلومات الأساسية إلا ببطء. وتصور الحلقة الثانية من مسلسل Dekalog في الغالب الشخصيتين الرئيسيتين عن قرب وهما يقومان بأنشطة يومية عادية نسبية. وقد يتساءل المشاهد عن سبب قضاء وقت طويل في مشاهدة الطبيب وهو يتجول في شقته ويعتني بالصبار، أو محاولة قتل المرأة للصبار الموجود في شقتها. لكن خيوط الشخصيات التي تتطور ببطء ستجتمع معاً في النهاية. وعلى الرغم من أن معظم الوقت مخصص لأنشطة دوروتا إلا أن تطور الشخصية الأهم في هذه الحلقة هو دور الطبيب. فعندما تصل القصة إلى نهايتها الساخرة سترفع السرد بأكمله إلى تجربة مشاهدة راقية.

يتجلى انفصال الطبيب عن المشاعر الإنسانية في الطريقة التي يروي بها قصة ربما تتكرر كثيراً لمدبرة منزله. وتبين أن القصة التي يرويها هي قصة عائلته المكونة من زوجته وابنته وابنه الرضيع الذين فقدهم خلال غارة جوية في الحرب العالمية الثانية قبل حوالي أربعين عاماً. وخلال سرده لما يحدث نرى كيف استطاع عزل نفسه نفسياً عن هذا الأمر حتى يستطيع المضي قدماً في حياته.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Double Life of Véronique: لغز يُشبه الحياة

معضلة أخلاقية

قصة الحلقة الثانية من مسلسل Dekalog
مشهد من الحلقة الثانية

يتعامل الطبيب المسن مع المرأة بقلة اهتمام. ولا يتذكر سوى أنها دهست كلبه بسيارتها قبل عامين، ومع ذلك تصر دوروتا على أن تحصل منه على استشارة أكيدة بشأن زوجها المريض. وعندما تقابله تكشف له إنها لم تكن قادرة على إنجاب أطفال من قبل، لكنها الآن حامل في شهرها الثالث. أما الأب فليس زوجها. وتعتقد أن هذه هي فرصتها الوحيدة لإنجاب طفل، وتريد أن تعرف من الطبيب ما إذا كان زوجها سيتعافى أم لا. إذا كانت الإجابة بنعم، فستجري عملية إجهاض، ولكن إذا كانت الإجابة لا، فسوف تنجب الطفل وتعيش مع والد الطفل.

لا يريد الطبيب أن يكون في وضع يسمح له باتخاذ مثل هذا القرار بشأن الحياة أو الموت، ويخبرها أن الطب لا يمكنه التنبؤ بالنتيجة الدقيقة لأي مريض، فهناك دائماً استثناءات. لكن تحتاج دوروتا إلى الحصول على إجابة محددة ولن تسمح للطبيب بالتهرب من الإجابة عليها بكل ما يعرفه. لذا تحاول أن تفعل المستحيل وتشرح موقفها للطبيب، مؤكدة له بنبرة حزينة أنه من الممكن بالفعل أن تحب رجلين في نفس الوقت.

ينظر إليها مرة أخرى بلا مبالاة. وتدرك يأس مهمتها. ومع ذلك، يحاول الطبيب أن يقدم لها على بعض المعلومات الموثوقة، دون اتخاذ هذا القرار النهائي. ينخرط الطبيب تدريجياً في حياة دوروتا، ويعود ليفحص حالة زوجها بمزيد من الاهتمام. وعلى الرغم من أن نتائج الاختبارات تؤكد على حدوث تقدم في حالته، وأن من الممكن أن يتعافى إلا أنه أخبر الزوجة أن حالة زوجها تؤول إلى السوء وفرصة نجاته لا تتعدى نسبة 15%.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Before the Rain: الدائرة ليست مستديرة!

القسم

تشعر الزوجة بالألم والحيرة بشأن القرار الذي يجب أن تتخذه، لكن بعد أن شاهدت معاناة زوجها في المستشفى وألمه، قررت أخيراً أن تُلزم نفسها بمصيره وتمضي في إجراء عملية الإجهاض. هذا برغم أنها تعرف أن فرص بقائه على قيد الحياة ضئيلة جداً، إلا أنها قررت التخلي عن فرصتها في إنجاب الطفل والبقاء مع زوجها مهما كان الأمر. ومن هنا تقرر التخلي عن عشيقها، وتعود لمقابلة الطبيب لتخبره بقرارها النهائي، وتخرجه من المأزق فيما يتعلق بمصير الطفل الذي لم يولد بعد. لقد اتخذت القرار بشروطها الخاصة. ولكن لصدمتها، تخلى الطبيب فجأة عن سلوكه المنفصل وأخبرها بشكل قاطع بعدم إجراء عملية الإجهاض. قال لها إن حالة زوجها ميؤوس منها تماماً، ولا ينبغي لها بالتأكيد إجراء عملية الإجهاض. لكن لا تزال دوروتا مترددة، وتطلب من الطبيب أن يقسم على ما قاله، وهذا هو المكان الذي يتم فيه التعامل مع الوصية التي تحملها الحلقة “لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً”. يقول الطبيب: “أقسم”.

عندما يقسم شخص ما على شيء ما، فهذا يعني قسماً مقدساً لتأكيد الإيمان بالله أو النصوص المقدسة. وربما هذا ما قصدته دوروتا بشكل حدسي. لكن بالنسبة لعالم – مثل الطبيب – فإن استخدام مصطلح “أقسم” من شأنه أن يشهد على إيمان الطبيب الراسخ بنزاهة العلم نفسه. وفي هذه الحالة كان الطبيب يقسم على أساس عقيدته العلمية، وتحقيقاته، وقد أصبح الآن متأكداً بدرجة كافية من حكمه، ويريد أن تعرف دوروتا ما يعرفه وتستفيد منه.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Naked: تحفة وحشية تشكك في أخلاقيات العالم

طرق القدر الغامضة

لم يرغب الطبيب في قتل طفل أخر، فلقد قُتل طفله في انفجار قنبلة منذ فترة طويلة، ويريد أن تتاح لدوروتا فرصة تتوق إليها كثيراً وهي إنجاب طفل. أعاد الطبيب الطفل إلى الحياة إلى حد ما، ووضع نفسه موضع الإله، وأخبرها وهي تغادر مكتبه أنه يعلم أنها عازفة كمان ويرغب في الحضور والاستماع إلى عزفها في وقت ما.

لكن العالم والرب يعملان بطرق غامضة، ولا يستطيع العلم التنبؤ بكل شيء. حدثت معجزة غيرت بشكل كبير ظروف الشخصيات في نهاية قصة الحلقة الثانية من مسلسل Dekalog. وعلى الرغم من “قسم” الطبيب، إلا أن الأمور سارت بشكل مختلف. حيث أشاد الزوج المريض بالطبيب العجوز ومهاراته العلمية، وأخبره أن زوجته ستنجب طفلاً، وسأله عما إذا كان “يفهم” ما يعنيه إنجاب طفل. والطبيب، الذي لم يكشف بعد عن عمق مشاعره، يفهم ذلك جيداً.

اترك تعليقاً