فن

مراجعة فيلم Youth: ما الذي يستحق أن يُروى الرعب أم الرغبة؟

فيلم Youth هو فيلم كوميديا سوداء يدور حول الشيخوخة؛ لكنه تأملاً مثيراً للإعجاب. حيث يطرح المخرج فكرة أن الحياة لا معنى لها وأن الشيء الوحيد القيم بالنسبة للإنسان هو البهجة والسرور. في هذا المقال سنتعرض سوياً مراجعة فيلم Youth بشيء من التفصيل.

تحذير: هذا الفيلم لا يصلح للمشاهدة العائلية

قصة فيلم Youth

تدور أحداث الفيلم في فندق على جبال الألب السويسرية. حيث يقضي الموسيقار المتقاعد فريد بالينجر – مايكل كين – فترة راحة مع صديقه المخرج السينمائي ميك بويل – هارفي كيتل – الذي يستعد لإخراج أخر أعمال السينمائية بمساعدة مجموعة من الكتاب الشباب. بينما يراقبهما من بعيد الممثل الشاب جيمي تري – بول دانو – الذي ذهب إلى المنتجع للاستجمام والتحضير لفيلمه القادم.

يحضر إلى الموسيقار مبعوث ملكة إنجلترا ليطلب منه العودة إلى المملكة من أجل حفل عظيم يقوم فيه بعزف أشهر أعماله الموسيقية وهي معزوفة سيمبل. لكن بالينجر يرفض هذا الطلب وتعلل ببعض الأسباب الشخصية. وعلى الجانب الأخر من القصة تكافح لينا – راشيل وايز – ابنه بالينجر مع زوجها الذي أقدم على طلاقها ليتزوج من مغنية البوب بالوما فيث.

من خلال الأحداث والمحاورات نتعرف على حياة بالينجر السابقة وعلاقته بزوجته التي عانت معه بسبب ولعه الشديد بالموسيقى. كما نعرف أنها الآن تقيم في إحدى دور الرعاية نظراً لإصابتها بالزهايمر. كما نتعرف على صديقه المخرج عبر الكثير من الحوارات التي تدور بينهما. لكن بعد أن ينتهي المخرج تقريباً من سيناريو فيلمه الأخير تأتيه الممثلة الشهيرة التي صنع العمل من أجلها لتخبره بأنها لن تشترك فيه، بعد أن حصلت على عقد لمسلسل تليفزيوني بمبلغ ضخم يكفل لها حياة كريمة بعد ذلك.

ينتهي الأمر بالمخرج في التفكير في معنى الموت والحياة، ويدرك في النهاية أن لا مكان له في هذا العالم بعد أن وصل إلى هذا العمر، ومن هنا ينطلق إلى شرفة الفندق بعد أن يتحدث مع صديقه الموسيقار ويلقي بنفسه منه. يحزن الموسيقار ويذهب لزيارة زوجته في دار الرعاية ويتحدث إليه وهي لا تسمعه. حتى إذا ما انتهى عاد إلى مندوب الملكة ليقيم هذا الحفل الذي رفض إحياؤه من قبل. إلى هنا تنتهي أحداث الفيلم فإلى مراجعة فيلم Youth.

مراجعة فيلم Youth

هناك صفة يشترك فيها المخرج الإيطالي باولو سورينتينو مع المخرج الإيطالي الرائع فيليني وهي فكرة صنع فيلم من أجل الفيلم، فكرة أن كل الفن مهم في حد ذاته. فلا يتعلق الأمر بإضافة شيء ذي قيمة مفيدة للمجتمع، أو طرح أسئلة وجودية حول الحياة والموت؛ ولا يتعلق الأمر بالدراما العميقة أو الأدب الكثيف أو الفلسفة أو السياسة أو أي شيء له معنى. فلا معنى للحياة من وجهة نظر سورينتينو سوى الشعور بالبهجة والسرور. ففي عالمه نجد أن الفيلم ليس أكثر من موضوع يسعى لتحقيق هذا الهدف.

ربما يميل النقاد في كثير من الأحيان إلى ربط أسلوب سورينتينو بأسلوب المخرج الإيطالي الراحل فيديريكو فليني، لكن ليس لدى فيلم Youth سوى أوجه تشابه مؤقتة بأسلوب فيديريكو؛ بالتأكيد، الفيلم يدور حول فنانين كبار في السن يفكران في هذا وذاك، وملكة جمال الكون تتسلل عارية إلى حمام السباحة؛ هذه الأمور تجعلك تفكر في الفيلم الأكثر شهرة لفليني 8 1/2 (1963). لذا إذا كنت تبحث عن فيليني، فستجد بالتالي، القليل منه. لكن السؤال هنا: لماذا يريد أي شخص الاقتراب من فليني، الذي كان مخرجاً شخصياً للغاية، فريداً من حيث أنه لا يمكن لأحد تقليده لأن أفلامه كانت مرتبطة جداً بنفسه وحياته الخاصة. ربما جاء التشابه في هذا الأمر من أن سورينتينو ساخر بشكل وحشي ومتمحور حول الذات كفليني بالضبط. حيث يمزح بقلق عن نفسه ويقول إن هناك “أشياء أكثر أهمية في العالم من الفيلم”. وبرغم ذلك فإنه يقدم رسالة واضحة حول رعب التقدم في العمر والرغبة التي تميز إنسان هذا العالم.

أفكار عن الموت والشيخوخة

لكن رغم كل هذه الأمور فلم يستطع هذا المخرج الرائع أن يتجنب طرح العديد من الأفكار الفلسفية داخل فيلم Youth. هذه الأفكار التي تتعلق بالموت والشيخوخة ومعنى الحياة قد كانت حاضرة بقوة في كل مشهد من مشاهده. وإن كانت مثل هذه الأفكار مبتذلة ومستهلكة إلى حد ما إلا أن سورينتينو أظهر إبداعاً ليس في الفكرة ولكن في التدفق الموسيقي للصور أثناء ظهورها عبر الشاشة. لذا فإذا كنت تريد مشاهدة هذا الفيلم فأنت ترغب بذلك من أجل التذوق الفني لعظمة هذا التدفق حتى وإن لم يرضيك المحتوى.

شخصيات ساحرة

مثل فيلمه الأخر The Great Beauty فإن فيلم Youth عبارة عن سلسلة من اللوحات الفنية الخلابة. حيث يتضمن الفيلم العديد من الأجواء الجميلة الساحرة والفندق الفاخر حيث يستمتع الضيوف بالاستحمام والسباحة والتدليك والفحوصات الطبية بعيداً عن مشكلات الحياة اليومية. لكن أهم ما في هذا الفيلم هو الشخصيات التي تم اختيارها بعناية فائقة. فهناك ممثل شاب منهك ومحطّم لا يتذكره الناس سوى بدور روبوت قد لعبه في أحد أفلامه، تماماً كما اشتهر فريد فقط بمقطوعة وحيدة هي مقطوعة سيمبل الموسيقية. ومن حين لآخر نرى لاعب كرة قدم سابق – مارادونا – بدين للغاية مع وشم كارل ماركس على ظهره يتجول هنا وهناك. كذلك هناك راهب تبتي يتأمل في المساحات الخضراء يُقال إنه يحلق في الهواء. هنا نجد أن المخرج يربط ببراعة مزيجاً متقطعاً من المشاهد في هذا الفيلم. وربما نجد هنا أن المخرج متأثر بالفكرة القائلة بأن “الأجزاء يمكن أن تنقل الأفكار في كثير من الأحيان بشكل أكثر قوة ودهاء من الأفكار الكبرى”.

التقدم في العمر ليس متعة

بعد مراجعة فيلم Youth لابد أن نشير إلى أن سورينتينو يرى الفن كلغة الروح. والتعبير الفني هو نفس الإرادة التي أرادت بناء حدائق بابل؛ وهي سعي موحد يمتد إلى المرتفعات السماوية. ولا يؤمن سورينتينو بأي نوع من الثقافة المضادة، ولا يؤمن بالألم كمتعة، أو الخوف (كما ورد في الفيلم) كشيء له معنى أو قيمة.

التقدم في العمر ليس متعة، ومفتاح الشباب الأبدي يكمن في الروح. بهذه الفكرة يتعامل سورينتينو مع الشيخوخة فلسفياً وعاطفياً. بينما يستكشف هذه المعضلة ببراعة من خلال بعض الشخصيات الملونة في فيلمه. ويؤلف صوراً رائعة واحدة تلو الأخرى. لكن الصورة الرائعة هي مجرد طبق جانبي في هذا الفيلم، فالمسار الرئيسي يتكون من شخصيات معقدة مليئة بالحكمة والعيوب.

تماماً مثل ضيوف المنتجع الذين ينغمسون في بيئة فخمة، يغمر الكاتب والمخرج باولو سورينتينو الفيلم في تفاصيل وافرة وفخمة لخدمة قصته وشخصياته. حيث يمكن أن تكون الصورة المرئية الخصبة قائمة بذاتها ولا تزال موضع تقدير إذا كتمت الموسيقى التصويرية. لكن هذا من شأنه أن يأخذ قطعة مهمة للغاية من الفيلم. فالموسيقى في الفيلم هي شخصية بحد ذاتها تتشابك مع شخصيات الفيلم.

لكن أكثر اللحظات سحراً تأتي من المحادثات المنيرة المليئة بالحكمة، والحساسية، والمشاعر، بالإضافة إلى الدعابة. فلا أحد يستطيع التوقف عن الشيخوخة، ولكن من الأفضل أن يكون لديك قصص ترويها عندما تتقدم في العمر.


في الختام وبعد تحليل فيلم Youth لابد من القول أن هذا الفيلم بمثابة لوحة فنية عظيمة لابد من مشاهدتها، فهي تحمل في طياتها الكثير من الألوان الفلسفية والعاطفية والكوميديا السوداء.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!