الشباب الأبدي: هل هو سر السعادة أم عبء ثقيل؟
يحلم الكثير من البشر إن لم يكن الجميع بالخلود على هذه الأرض، وشرع العلماء في البحث عن السر الذي يمنح البشر الشباب الأبدي. لكن لماذا التشبث بهذا الحلم؟ الشباب الأبدي هو حلم الجميع، من منا لا يتمنى القوة والحيوية والجسد الذي ينبض بالحياة، حتى حماقات الشباب نتأملها بمزيج من الحقد والحسد، ثم يأتي الاستياء، لأننا نعلم أنها كل ذلك انتهى، وتحطمت سفننا أمام شعاب الحياة الهادئة، وأغرقتنا خيبة الأمل، ومع ذلك هناك تعويض آخر هو العمر والخبرة، إلا أننا لن نعود مجدداً لذلك الإيمان الساذج بقوتنا ووعود المستقبل الذي بدا طويلاً ثم مر سريعاً.
الطفولة والشباب والشيخوخة
لا، لن نعود إلى هذا القدر من المتعة أو الكثير من الألم. لكن في الوقت نفسه، لا يمكننا أن نتأمل ذلك الزمن الماضي دون شيء من الحنين، ومن ثم الحسد، وحتى لو أردنا العودة، فسيكون ذلك مستحيلاً بالنسبة لنا؛ إنها أرض ممنوع عليها التقدم في السن، إنها مملكة المستقبل، التي نفينا منها بالفعل. ربما لن نكون أكثر سعادة كما كنا في مرحلة الشباب، إلا أننا لن نكون كذلك أكثر بؤساً. يهدئ العمر نوبات الغضب، ويجعلنا أكثر سكينة وفرح، وربما أكثر سخرية، وفي النفوس الصافية يمكن أن يكون هناك مكان لأشياء ليس لدى الشباب وقت للتفكير فيها: الصبر والحنان والتفهم والرحمة ودفء الروتين وفرح التفاصيل الصغيرة.
هذه هي الحياة
هناك بلدة ريفية صغيرة تحتوي على ساحة كبيرة يجتمع فيها الناس كل يوم، يخرجون إلى الهواء النقي. يخوض الأطفال ألعابهم وسباقاتهم بين الصراخ والضحك والمشاجرات، ويذهب آبائهم في نزهة على الأقدام، في حين يجلس كبار السن على المقعد الوحيد، وهو عبارة عن صندوق حجري مستطيل، يشاهدون المارة أمامهم. إنه مكان واحد يجتمع ثلاثة عوالم مختلفة.
كنت أتامل هذه اللوحة الفريدة حينما تطرق إلى سمعي صوت المرأة العجوز الجالسة على المقعد الحجري تقول لي: عليك أن تعرف كيف تكون حيث أنت. لا شيء أكثر إثارة للشفقة من رجل ناضج بأخلاق الشاب؛ ليس هناك ما هو أكثر حزناً من تصرف شاب بتشكك شخص أكبر سناً. دعونا نستفيد من أفضل ما في كل مرحلة من مراحل الحياة.
بالنسبة لأولئك منا، الذين عانوا كثيراً في مرحلة الشباب، ولم يحصلوا على كل ما تمنوه، فإن النضج هو فرصتهم لفهم مدى الحيرة التي كانوا عليها، وفرصة للتصالح مع ما فقدوه إلى الأبد. فلا فائدة من الندم على ما لم يكن، ومن الأفضل أن يكونوا ممتنين لما لديهم، والذي عادةً ما يكون أكثر مما يعترف به المرء، وعليهم أن يفكروا في أولئك الذين لديهم أقل، أو الذين لم يملكوا شيئاً على الإطلاق. هذه هي الحياة ببساطة، نفس الحياة التي نحبها وعلينا قبولها كما هي رائعة أحياناً، وقاسية في أحيان أخرى، حزينة ومبهجة. وألم اليوم هو جزء من سعادة الأمس.
الروح الأبدية
إن الحياة أكثر بكثير مما تراه أعيننا، هذه حقيقة واضحة، فإذا أردنا الحصول على الشباب الأبدي ينبغي علينا ألا نركز تفكيرنا – نحن البشر – على ما يُرى ظاهرياً، ولكن على ما لا يُرى. بمعنى آخر لا يمكننا أن نحيا في الحياة بشكل أفضل إلا إذا كانت لدينا روح شابة أبدية بغض النظر عن العمر. إن الجميع يعلم جيداً أن الإنسان يتكون من جسد وروح، والجسد مهما طال به العمر فهو فان ولكن الروح أبدية. لكن ما يغيب عن بالهم باستمرار هو أن روح الانسان هي التي تحركه؟ فالجسد بلا روح هو جثة هامدة.
إن أولئك الذين يملكون القدرة على العيش في الوقت الحاضر بشكل كامل وبكل كيانهم ودون التفكير في الحصول على الشباب الأبدي هم شباب بالفعل مهما كانت أعمارهم. سيجادل البعض بكل تأكيد أنه مع تقدم العمر يشيخ الجسد ويبدأ في التآكل والأمراض، لكنهم يغفلون نقطة هامة ألا وهي أن النفس أو الروح البشرية هي التي تؤثر بصورة كاملة على الجسد. فلقد أثبتت الدراسات العلمية أن الحالة النفسية للإنسان تؤثر بشكل أو بآخر على صحته الجسدية.
سر الشباب الأبدي
لكن كيف نحصل على الشباب الأبدي؟ هناك العديد من الأمور التي يجب على الإنسان فعلها للحصول على مبتغاه. وفي الحقيقة لن يحصل المرء على الشباب الأبدي إلا إذا غير طريقة تفكيره وأسلوب حياته ونظرته للحياة. وأول ما على الإنسان فعله هو التخلص من المشاعر السلبية، ومحاولة عيش كل يوم من أيام حياته فرحاً بما لديه، فوقت الإنسان محدود والحياة كنز ينبغي تقديره، فكم هو محزن أن ندرك أن الحياة قد انفلتت من بين أيدينا.
يكمن سر الشباب الأبدي في الاهتمام الكامل بالوقت الحاضر، وقبل كل شيء الاعتناء بالنفس والجسد، وهذا الأخير يتم باتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة الرياضة البدنية بانتظام، والنوم المريح، والعمل المرضي. هذا من أجل تجنب الشيخوخة الجسدية. ولقد صادفنا العديد من الذين تقدموا في العمر ورأيناهم سعداء تماماً ويتمتعون بروح الشباب مدى حياتهم.
إن المفتاح هو أن تبدأ في رؤية نفسك كروح ذات جسد، بدلاً من رؤية نفسك كجسد له روح، وتفسير علامات التقدم في العمر على أنها أوسمة تدل على شجاعتك في الحياة وعيشها بالطريقة التي رغبت فيها دوماً. وعليك أن تؤمن بأن الروح هو ذلك الجزء من الذات الذي لن يشيخ أبداً.
ينبغي ألا نعطي أهمية كبيرة للدعاية الحالية التي لا تنضب والتي تمجد الشباب الأبدي. فالشباب الوحيد الذي يجب أن يظهر دائماً هو شباب الروح، وهو ليس أكثر من مستوى الوعي الذي لا يهرم أبداً. علينا فقط أن ننظر إلى كل شيء من الداخل، دون الحكم على الآخرين من خلال المظاهر.
سمات الجمال الداخلي
عندما تقابل أشخاصاً آخرين، ابحث أولاً وقبل كل شيء عن سمات الخير والطيبة والتفاؤل والأمل والصدق، حتى لو لم تكن قادراً على اكتشاف هذه الصفات للوهلة الأولى. عليك مقاومة إغراء الحديث عن السمات الخارجية التي تعلمت أن تلاحظها. حدث الآخرين عن جمالهم الداخلي وانشر البهجة والأمل في النفوس، تحدث عن الروح الخالدة بدلاً من الجسد الذي يحتويها. سيسمح لنا هذا بإيلاء الاهتمام الكامل للحظة الحالية وإطعام روحنا، وزيادة مستويات الوعي. ولا تحكم على الآخرين، وعندما تشعر بالإغراء للقيام بذلك، عليك أن تتذكر أن جميع البشر يتصرفون طبقاً لمستويات وعيهم الخاصة. إن نضارة الروح وشبابها لا يتأت سوى من تجنب النقد والشكوى والندم. ولهذا السبب عليك أن تحيط نفسك بتلك الكائنات الداعمة التي تشجعك على التطور والنمو والمضي قدماً في حياتك. هؤلاء الذين يمتلكون الفضائل الإنسانية، والصفات التي نريدها أن تتجلى في حياتنا.
الشباب الأبدي والفضائل الخمس
يكمن سر الشباب الأبدي في غذاء الروح. أفضل غذاء للروح هو أن تعيش اليوم بيومه، وتنمية خمس فضائل: الحب والصفاء والصمت والفرح والصدق. فكل شخص عانى من نكسات في الحياة زادت خبرته ونضجه، فلا توجد مشكلة لا يمكننا أن نتعلم منها شيئاً. لذا عليك أن تعيش على طريقتك الخاصة، ومن هنا لن تشعر بالندم ذات يوم على ما مضى من حياتك. عليك أن تعيش بطريقة لا تأسف فيها على ما فعلته، ولا تتمنى لو تصرفت بشكل مختلف. عليك أن تعيش كما ينبغي.
باختصار، مفتاح أن تكون شاباً دائماً – خاصة على مستوى الروح – هو التصرف بصدق وحب ونزاهة. أي أن يكون مظهرك الخارجي متماشياً مع مظهرك الداخلي. وهذا ما يعنيه أن تكون أصيلاً وكاملاً. لقد قال أحدهم ذات مرة إن النزاهة هي فعل الشيء الصحيح حتى عندما لا يراقبك أحد. وهذه حقيقة وجودية. وكلما أسرع الشخص في أن يصبح كاملاً، كانت لديه فرصة أفضل في التطور ليصبح بصحة جيدة جسدياً وعاطفياً وروحياً.
وفي النهاية لا يسعنا سوى القول إن علينا جميعاً الإسراع للحصول على الشباب الأبدي، فالوقت أكثر قيمة من المال، حيث يمكنك الحصول على المزيد من المال، لكن لا يمكنك الحصول على المزيد من الوقت.