الرغبة في الهجرة والبحث عن تحقيق الذات

You are currently viewing الرغبة في الهجرة والبحث عن تحقيق الذات
الأسباب النفسية وراء الرغبة في الهجرة

هناك العديد من الأسباب التي تجعل الرغبة في الهجرة أمراً ملحاً، ففي أغلب الأحيان يهاجر الناس لأسباب سياسية أو عملية أو اجتماعية، لكننا نغفل أن هناك أيضاً أسباباً نفسية معقدة وراء الهجرة الطوعية. في هذا المقال نحاول سبر أغوار النفس البشرية التي تحاول أن تهاجر موطنها.

الهجرة وتحقيق الذات

بحثت العديد من الدراسات حول الأسباب التي تدفع الإنسان إلى الهجرة. لكن جميعها توصلت إلى أن أسباب الهجرة غير معروفة على وجه التحديد. فالأسباب السياسية أو العملية أو الاجتماعية يمكنها أن تكون دافعاً للشخص إلى الرحيل عن وطنه، ولكن بإمكانه العودة إليه مرة أخرى إذا زالت هذه الأسباب أليس كذلك؟ فلماذا يرغب البعض في الهجرة طواعية بلا عودة إذا ما اختفت الظروف التي جعلته يهاجر؟

هنا يأتي دور التحليل النفسي الذي يوضح لنا كيف يكتسب الإنسان هذا المنظور ويستسلم لأعمق الدوافع. يخبرنا علم النفس أن الدوافع النفسية والاجتماعية للهجرة لها علاقة بأربع احتياجات أساسية مترابطة هي: الهوية واحترام الذات والانتماء والمعنى.


الهوية

إن الشعور بالهوية من الأمور الضرورية للإنسان، وأولئك الذين يهاجرون طواعية يفعلون ذلك لأنهم يفتقدون هذا الشعور بالهوية، ومن ثم يعتقدون أن الرغبة في الهجرة بل والهجرة ذاتها وما توفره لهم من مساحة جديدة هي الشرط الأساسي لإيجاد هويتهم. لذا أن الأسئلة التي يطرحها المرء على نفسه هي: “من أنا؟” و “كيف سأصبح إذا عشت في سياق آخر؟”

إن الحاجة إلى معرفة العالم هي انعكاس للرغبة في معرفة أنفسنا. حيث يمكننا أن نشعر بالحرية لاستكشاف هويتنا فقط عندما نكون في مساحة خالية من التكييف الاجتماعي. فعدم الكشف عن هويته يسمح للمهاجر بتجاوز الحدود التي تفرضها ثقافة الأصل، والتي غالباً ما تكون رتيبة، وقمعية وغير محفزة. إن عيش تجارب جديدة في أماكن أخرى يساعدنا على معرفة أنفسنا بشكل أفضل والشعور بمزيد من المصداقية.

اقرأ أيضًا: هل تعاني المجتمعات الحالية من أزمة قيم؟

احترام الذات

إن تحديد مكان العيش وحل مشكلات الحياة اليومية مثل البيروقراطية وتعلم لغة والتكيف مع ثقافة جديدة ليست سوى بعض الصعوبات التي يواجهها المهاجرون دائماً. ومن هنا فإن مواجهة هذه التحديات تساهم في تنمية الثقة بالنفس. وبهذا المعنى، تسمح لنا الهجرة بأن نثبت لأنفسنا أننا قادرون على (البقاء) في ظروف غير متوقعة، بينما نواجه قيودنا. أو على حد تعبير سينيكا “لا يوجد شخص أكثر تعاسة من الذي لا يواجه الشدائد أبداً، لأنها هي التي تسمح له بإثبات نفسه”.

اقرأ أيضًا: أهمية الثقافة: كيف تؤثر المعرفة والقيمة الثقافية على الأفراد والمجتمعات؟

الانتماء

تبدأ الرغبة في الهجرة قبل وقت طويل من الهجرة ذاتها. وفي أغلب الأحيان يشعر المهاجرون بأنهم لم ينتموا مطلقاً إلى بلدهم الأصلي. إن فكرة الشعور وكأنك في وطنك لها علاقة بالعلاقة القائمة مع البيئة والأشخاص الآخرين أكثر من ارتباطها بممتلكات أو منطقة أو دولة معينة. نشعر بأننا في بيتنا في تلك اللحظات التي يتم فيها فهمنا وقبولنا دون قيد أو شرط. لخص كارل يونج هذه الفكرة بالقول: “الوحدة لا تعني عدم وجود أشخاص حولك، ولكن في عدم القدرة على إيصال الأشياء التي تبدو مهمة للفرد، أو الصمت بشأن وجهات نظر معينة يجدها الآخرون غير مقبولة”.

إن البحث عن وظيفة، واستئجار منزل، وشراء منزل، وإقامة علاقات عميقة من الأنشطة هي التي تجذر الشخص في مكان مادي، ولكن من الممكن أيضاً القيام بهذه العملية في عدة أماكن، فليس من الضروري أن يكون مكان واحد. ومع ذلك، فإن الابتعاد بشكل منهجي عن الموطن الأصلي يمكن أن يؤدي إلى هوية هشة وغير آمنة.

اقرأ أيضًا: كتب مُلهمة عن الحياة والنجاح وتطوير الذات ستهز عالمك

البحث عن المعنى

على المستوى النفسي، يمكن فهم الرغبة في الهجرة على أنها هروب، ولكنها أيضاً مظهر من مظاهر البحث الروحي أو المتعالي. يتعلق الأمر بالشعور بأنه يمكنك الانتماء إلى شيء أكبر منك. الأسئلة الكبيرة هنا هي: “ما الذي يجعلنا بشراً؟” و “ما الذي يوحدنا ويفرقنا؟”. إن الاختلافات الثقافية التي تبدو للوهلة الأولى غير مفهومة يمكن تجاوزها عندما يتم تقاسم نفس قيم التسامح والاحترام.


في الختام فإن الرغبة في الهجرة، بل والهجرة الفعلية تتيح لنا منظوراً أوسع لفهم أنفسنا باعتبارنا جزء من هذا العالم الشاسع.

اترك تعليقاً